الجمعة 20 / جمادى الأولى / 1446 - 22 / نوفمبر 2024
[2] من قول الله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ} الآية 4 إلى قوله تعالى: {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} الآية 16.
تاريخ النشر: ٠٢ / ربيع الأوّل / ١٤٢٧
التحميل: 3927
مرات الإستماع: 2310

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ۝ فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ۝ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [سورة الأنعام:4-6].

يقول تعالى مخبراً عن المشركين المكذبين المعاندين: إنهم مهما أتتهم من آية أي: دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات على وحدانية الله وصدق رسله الكرام فإنهم يعرضون عنها فلا ينظرون إليها ولا يبالون بها.

قال الله تعالى: فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [سورة الأنعام:5] وهذا تهديد لهم ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق بأنه لا بد أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب ولَيجدُنَّ غبّه وليذوقُنَّ وَباله.

ثم قال تعالى واعظاً ومحذرًا لهم أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حلَّ بأشباههم ونظرائهم من القرون السالفة الذين كانوا أشدَّ منهم قوة، وأكثر جمعاً، وأكثر أموالاً وأولاداً واستغلالاً للأرض وعمارة لها، فقال: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ [سورة الأنعام:6] أي: من الأموال والأولاد والأعمار، والجاه العريض، والسعة والجنود.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالقرن: هم أهل الزمان الواحد -أعني المتعاصرين- وسمُّوا بذلك لاقتران بعضهم ببعض، وإن كان أهل العلم يختلفون في تحديد ذلك في المدة الزمانية، هل القرن يكون مائة سنة أو ثمانين أو ستين أو خمسين أو سبعين، أو غير ذلك، فالحاصل أن أهل العلم اختلفوا في تحديده، وتكلموا على هذه المسألة عند قول النبي ﷺ: خير الناس قرني[1].

يقول -تبارك وتعالى: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ [سورة الأنعام:6] هذه الآية وأمثالها يردُّ بها على الخرَّاصين الذين يقولون: إن الإنسان حينما جاء إلى هذه الدنيا جاء بصورة بدائية تماماً ولا زالت الأجيال والقرون تتطور كما هو زعم أصحاب نظرية التطور الذين منهم من يقول: أصل الإنسان قرد ثم تطور، وهذه النظرية وإن اغتر بها من اغتر في القرن الماضي إلا أن الكفار الذين جاءوا بها -وقلدهم بعض المنتسبين إلى الإسلام- أسقطوها. 

ولهذه النظرية فروع ومن فروعها: القول بأن الأجيال المتعاقبة تطورت، ومن فروعها: تسمية بعض العصور المتقدمة بأسماء يزعمون أنها كانت موجودة، كالعصر الحجري والعصر البرونزي وغير ذلك، وهذا كله كذب لا صحة له؛ فالله تعالى خلق آدم على أكمل صورة وعلمه الأسماء كلها وأسجد له ملائكته، وكان في أحسن حال، وهكذا جاءت الأمم من نسله، ومن تلك الأمم وجدت أمم ممكّنة لا زال الناس يتحيرون فيما وجد من آثارها مما لا يعرفه أهل هذا الزمان، وآثارهم شاهدة ومنها آبار عجيبة جداً قد لا يجدون تفسيراً للإمكانات التي حفرتها حتى قالوا: إن هذا من عمل الجن الذين سخرهم الله لسليمان.

ومن آثار الأمم السابقة تلك الجبال التي نُحتت وحوّلت إلى بيوت مما لم يصل إليه أهل هذا العصر وعليها نقوش دقيقة من طيور وغيرها.

ومن الآثار كذلك هذه الأهرام العجيبة التي لا يمكن نقل صخورها واستجلابها من أماكن بعيدة عن طريق الحيوانات والأشياء البسيطة ولا يمكن أن يرفعها الإنسان حتى توضع في مواضعها إلا بطرق لم يتوصل إليها أهل هذا العصر!

فهذه أمم ممكَّنة أخبر الله عنها فقال: مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ [سورة الأنعام:6] وهذا كله يدل على بطلان قول المتخرصين الذين يعيشون في وهم كبير ويقولون: إن الناس قد تطوروا ووصلت بهم الحال إلى هذا العصر.

ومن فروع نظرية التطور الزعم بأن الناس تطوروا في العبادة، وذلك أن مبدأ الإنسان كان من ملايين السنين -وهذا كله كذب- وأول ما بدأ لم يكن يعرف شيئاً وهكذا شيئاً فشيئاً حتى صار يخاف من الطبيعة ثم صار يعبد الطبيعة، ثم بدأ يتعلم الشعوذة والسحر فجاءت عصور السحر، ثم صارت عبادة الجن ثم عبادة الملائكة، وهكذا شيئاً فشيئاً حتى عبد الله، ثم يقولون: أصبح الإنسان الآن هو الله؛ لأنه استطاع أن يسيطر على الطبيعة وأن يقهرها فلم يعد الإنسان بعد ذلك بحاجة إلى معبود يلجأ إليه ويلوذ به؛ لأنه كان يجهل هذه الطبيعة ولا يعرف تفسيراً لكثير من الظواهر فكان يلجأ إلى اختراع عبادة أو معبود أو إله يطلب منه الحماية، أما الآن فلا حاجة إلى ذلك!!

والحق أن الله خلق آدم وجعله نبياً يعبد الله حيث أنزله من الجنة إلى الأرض وبقي الناس عشرة قرون على التوحيد، ثم جاءت الرسل بهذا الأمر وتتابعوا عليه.

ولهذا قال: وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا [سورة الأنعام:6] أي: شيئًا بعد شيء وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ [سورة الأنعام:6] أي: أكثرنا عليهم أمطار السماء وينابيع الأرض، أي استدراجًا وإملاء لهم.

فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ [سورة الأنعام:6] أي: بخطاياهم وسيئاتهم التي اجترحوها وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [سورة الأنعام:6] أي: فذهب الأولون كأمس الذاهب وجعلناهم أحاديث.

وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [سورة الأنعام:6] أي: جيلاً آخر لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم فأُهلكوا كإهلاكهم.

فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم لولا لطفه وإحسانه.

وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ۝ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ ۝ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ۝ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ۝ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [سورة الأنعام:7-11].

يقول تعالى مخبراً عن المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق ومباهتتهم ومنازعتهم فيه: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [سورة الأنعام:7] أي: عاينوه، ورأوا نزوله وباشروا ذلك لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ [سورة الأنعام:7] وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن مكابرتهم للمحسوسات: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [سورة الحجر:14-15] وكقوله تعالى: وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ [سورة الطور:44].

كان المشركون يقترحون الآيات على النبي ﷺ ومما قالوا له: إنهم لن يؤمنوا حتى يرقى في السماء ويأتيهم بكتاب من عند الله كما في سورة الإسراء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ [سورة الإسراء:93] فالله ردّ على قولهم ذلك قائلاً: وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ [سورة الأنعام:7] يعني مكتوباً في قرطاس فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [سورة الأنعام:7] وذلك أبلغ ما يكون من الإحساس، لكذبوا ولكابروا، وهذا كما قال الله : وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [سورة الحجر:14-15] وفي القراءة الأخرى: سُكِِرَتْ) يعني سُدَّت، يعني لو رأوا باباً مفتوحاً إلى السماء فظلت الملائكة تعرج أمامهم -على أحد القولين في تفسير الآية- لقالوا: نحن قد سُحِرنا.

وعلى القول الآخر لو فتح هذا الباب لهم وصاروا يعرجون إلى السماء لقالوا: إنما سكِّرت أبصارنا، وذلك على سبيل المكابرة لا على ما يقوله أصحاب الإعجاز العلمي بأنهم يصلون إلى ظلمة بعد الغلاف الجوي فيقولون: سكرت أبصارنا، فالقرآن يفسر بعضه بعضاً والآيات الأخرى كلها تدل على أنه مهما جاءهم من الآيات فإنهم يكذبون ويكابرون كما قال تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا [سورة الإسراء:59] وسيأتي بيان ذلك أيضاً عند قوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام:9].

والحاصل أنهم يقترحون أن يكون الرسول إليهم ملَكاً والله يقول: وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ [سورة الأنعام:8] يعني أنهم لن يؤمنوا به وسيأتيهم العذاب بسبب تكذيبهم، والله تعالى أعلم.

وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [سورة الأنعام:8] أي: ليكون معه نذيراً.

قال تعالى: وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [سورة الأنعام:8] أي: ليكون معه نذيراً كما قال الحافظ –رحمه الله-

بمعنى أنهم يريدون أن يكون معه ملك يشهد بما جاء به ليكون معيناً ومقوياً له ومصدقاً لكلامه، كما قال الله في الآية الأخرى التي تفسر مرادهم بطلب الملَك حيث قال تعالى: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [سورة الفرقان:7].

قال الله تعالى: وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ [سورة الأنعام:8] أي: لو نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من الله العذاب، كما قال الله تعالى: مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ [سورة الحجر:8] وقوله: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ الآية [سورة الفرقان:22].

وقوله تعالى: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام:9] أي: ولو أنزلنا مع الرسول البَشَرِيّ ملكًا، أي: لو بعثنا إلى البشر رسولاً ملكيًا لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه.

ليس بالضرورة أن يكون المراد بقوله: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً [سورة الأنعام:9]: لو أنزلنا مع الرسول البشري ملكاً، كما يقول الحافظ –رحمه الله؛ وذلك أنهم ربما كانوا يعتقدون أن الرسل لا تكون إلا من الملائكة، ولهذا قالوا لأقوامهم: إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا [سورة إبراهيم:10] يعني أنهم نزّلوا المعلوم منزلة المجهول، يعني أن المعلوم لا يحتاج إلى تأكيد فجاءوا به بأسلوب الحصر لمعنىً وهو أن ذلك وقع جرياً على اعتقادهم بأن الرسول لا بد أن يكون ملائكياً مع أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- يعرفون أنهم بشر وهم لم يقولوا: نحن لسنا من البشر، فالله ردَّ عليهم فقال: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً [سورة الأنعام:9] أي: لجعلناه رجلاً يستطيعون الأخذ عنه؛ لأنهم لا يطيقون التلقي من ملك بل ولا رؤية الملك على صورته الحقيقية، وحتى لو أطاقوا رؤيته فإن كل ما يعمله هذا الملك لا تحصل به الأسوة والقدوة؛ لأنه منزوع الشهوات وهو في خلق آخر يختلف تماماً عن خلقهم حيث إنه خُلق من نور وليس فيه النزعة الطينية التي تشده إلى الأرض، ثم إن الناس اليوم إذا قيل لهم: اقتدوا بالصحابة في كذا وكذا قالوا: هؤلاء صحابة وأين نحن منهم حتى نقتدي بهم في كل شيء –مع أن الصحابة بشر مثلهم- فكيف سيكون الحال إذا طُلب منهم الاقتداء بملك من الملائكة؟!

قال تعالى: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام:9] أي: إذا كانوا يلبسون على أقوامهم وعلى الناس بأن الرسول لا بد أن يكون ملائكياً، أو لا بد أن يأتي معه ملك يشهد على رسالته، فالله يقول: لو نزلناه ملكاً، لجعلناه في صورة رجل ولخلطنا عليهم الأمر فوقع لهم الالتباس هل هذا ملك أو بشر؟

ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشري.

وهذا أحد المعنيين في قوله: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام:9] فالمعنى الأول أنهم يلبسون على الناس –كما سبق- والمعنى الثاني أي ما يلبسون على أنفسهم.

كقوله تعالى: قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً [سورة الإسراء:95] فمن رحمته تعالى بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلاً منهم ليدعو بعضهم بعضاً وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال كما قال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ الآية [سورة آل عمران:164].

ومن أشباه هذه الآية قوله –تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [سورة الجمعة:2] فهو يمتن –تبارك وتعالى- على عباده أن أرسل إليهم رسولاً بشرياً منهم ليكون مُشاكِلاً لأحوالهم يستطيعون التلقي والفهم عنه بخلاف ما لو أرسل إليهم فيلسوفاً –مثلاً- فإنهم لن يعرفوا لغته ولن يفهموا عنه ولن يعقلوا ما يقول وما يأمرهم به، لكن لما أرسل إليهم رسولاً أميَّاً وهم في أمة أمية كان ذلك أدعى للقبول والفهم، إضافة إلى ما في ذلك من تحقيق المعجزة وتصديق بشارات الأنبياء.

قال الضحاك عن ابن عباس -ا- في الآية، يقول: لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل؛ لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور.

وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ [سورة الأنعام:9] أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون، وقال الوالبي عنه -ا: ولشبهنا عليهم.

وقوله: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [سورة الأنعام:10] هذه تسلية للنبي ﷺ في تكذيب من كذبه من قومه ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة.

ثم قال تعالى: قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [سورة الأنعام:11] أي: فكروا في أنفسكم وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية -الذين كذبوا رسله وعاندوهم- من العذاب والنكال والعقوبة في الدنيا مع ما ادَّخَر لهم من العذاب الأليم في الآخرة وكيف نَجَّى رسله وعباده المؤمنين.

يقول الله –تبارك وتعالى: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [سورة الأنعام:10].

قصَّ الله علينا في القرآن الكريم أخبار الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وما وقع من استهزاء أقوامهم بهم وكيف كانت عاقبتهم ابتداءً من نوح -عليه الصلاة والسلام- حيث سخروا منه وقالوا: كنت نبياً ثم أصبحت نجاراً، فقال لهم -عليه الصلاة والسلام: إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [سورة هود:38] ثم ذكر -تبارك وتعالى- عاقبتهم وما حصل لهم من الغرق.

وهكذا قصَّ علينا ما حصل لهود -عليه الصلاة والسلام- إذ قال له قومه: مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ [سورة هود:53].

وسخروا من صالح -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا [سورة هود:62] فعلى أحد المعاني: كنا نرجو عقلك ورأيك فالآن ما الذي أصابك؟ وعلى المعنى الآخر كنت مبعداً ليس لك شأن، فكيف جئتنا تنهانا عن عبادة آلهتنا؟

وقال تبارك وتعالى عن قوم شعيب -عليه الصلاة والسلام- الذين استهزءوا به: قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [سورة هود:91].

وهكذا قوم لوط -عليه الصلاة والسلام- لما نهاهم عن الفاحشة استهزءوا به وقالوا: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [سورة النمل:56].

وأما فرعون فخبره -كما قال الله عنه- أنه قال لموسى ﷺ: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ۝ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ [سورة الزخرف:52-53].

والمقصود أن هؤلاء الأقوام والأمم كانوا كلما جاءهم نبي استهزءوا به فوقع لهم ما وقع من الهلاك والاستئصال.

وأما قوله: قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [سورة الأنعام:11] -وأمثال هذه الآية التي تدعو إلى السير في الأرض والنظر في عاقبة المكذبين- فهو خطاب يتوجه لمن عنده شك وتردد وريب وليس دعوة لجميع الناس.

والنظر في دلائل وحدانية الله على نوعين: فمن الناس من يصل إلى مرتبة عالية جداً حيث يستدل بالله -تبارك وتعالى- وبما عرف عن ربه من أسمائه وصفاته على كثير مما يجري حوله كما قالت خديجة -ا: "كلا، والله لا يخزيك الله، فإنك تصل الرحم وتحمل الكلَّ.." إلى آخر ما ذكرت[2]، فهي من خلال معرفتها لأوصاف ربها عرفت أنه لا يخزي من كان هذا خلقه وتلك أوصافه.

إن استدلال المرء بما عرف من أوصاف المعبود على أمور يراها ويشاهدها وتقع له أو لغيره هذه طريقة عالية في الاستدلال، وهي طريقة لا يصل إليها كثير من الناس، وإن كانت من طرق الاستدلال تلك الطريقة الدارجة التي هي أكثر ما ورد في القرآن، أعني الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، ولهذا ذكر الله خلق السماوات والأرض وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس إلى غير ذلك من دلائل القدرة والوحدانية، وهذه الطريقة هي التي تصلح لعامة الناس وأكثر الخلق، فإذا نظروا في هذا دلّهم على إله واحد عظيم قادر .

والمقصود أن من احتاج إلى النظر في هذه الأمور من آثار الأمم المكذبة وكيف أهلكهم الله وما أشبه ذلك وجه إليه مثل هذا الخطاب: قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ [سورة الأنعام:11] أما من كان لا يحتاج إلى هذا النظر باعتبار أن هذه قضايا متقررة عنده فلا يتوجه إليه هذا الخطاب، ولذلك فإن أبا بكر الصديق –- وأمثاله يقولون:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

وبهذا نعرف خطأ المتكلمين الذين يستدلون بمثل هذه الآية على أن أول واجب على المكلف هو النظر، بل قال بعضهم: أول واجب على المكلف هو الشك -نسأل الله العافية- فهذا من أبطل الأقوال، وإنما أول واجب هو التوحيد وهو قول: لا إله إلا الله كما قال تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [سورة محمد:19] وأما هذه الآيات التي أُمر الناس فيها بالنظر فتكون لمن كان شاكاً متردداً حيث يقال لهم: انظروا، وسيروا في الأرض، يعني من أجل أن يرتفع عنهم هذا اللبس والشك والتردد إذا وقفوا على الحقيقة بأنفسهم، ولذلك لا يطلب من الناس أن يذهبوا ليتتبعوا أماكن المعذبين، بل لا يُقَرُّون على ذلك لا سيما من يذهبون من أجل الفرجة فإن هذا غير مشروع؛ ويدل على ذلك أن النبي ﷺ لما مرَّ على ديار ثمود أسرع -عليه الصلاة والسلام- وقال لمن معه: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم[3] ونهى أن يُشرب من آبارهم إلا بئر الناقة، ولما مرَّ عليٌّ بأرض الخسف من بابل أسرع وتلثم.

والمكان المعروف بمحسِّر بين مزدلفة ومنى الذي أسرع النبي ﷺ لما مر به يقال: إنه مكان إهلاك الفيل، وإن كان هذا لا يثبت من الناحية التاريخية، والله أعلم.

والمقصود أن الإنسان لا يقصد هذه الأماكن للفرجة ولا للزيارة ولا حتى للنظر فيها احتجاجاً بمثل هذه الآيات؛ لأنه كما قلنا: هذا الخطاب إنما يتوجه للمترددين للشاكين أما من يقول: هذه قضايا أوضح من أن أبحث عن أدلة لها فلا حاجة له بها، والله أعلم.

قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۝ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ ۝ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ۝ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ [سورة الأنعام:12-16].

يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض ومن فيهما وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: إن الله لما خَلَقَ الخَلْق كتب كتابًا عنده فوق العرش: إن رحمتي تَغْلِبُ غَضَبِي[4].

وقوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة الأنعام:12] هذه اللام هي الموطئة للقسم، فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده.

يقول تعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة الأنعام:12]

من أهل العلم من يقول: إن "إلى" في قوله تعالى: إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة الأنعام:12] بمعنى "في" أي: ليجمعنكم في يوم القيامة.

وقوله -تبارك وتعالى: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [سورة الأنعام:12] من أهل العلم من يقول: إن الكلام قد تم هاهنا، ثم استأنف بكلام جديد لبيان قضية جديدة فقال: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة الأنعام:12] أي: أنه –تبارك وتعالى- أخبر بخبر مستقل أنه كتب على نفسه الرحمة، ثم أقسم أنه سيجمع الخلق إلى يوم القيامة، فيكون ذكر قضيتين مستقلتين ليس بينهما ارتباط، وهذا ذكره بعض أهل العلم من أئمة اللغة ومن غيرهم، وبعضهم يقول: إن السياق هكذا: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ وفسروا هذا الجمع بأنه يجمع ما تفرق من أبعاضهم وأجسادهم في القبور إلى يوم القيامة، أي يجمعها في يوم القيامة أو ليوم القيامة. 

وهذا التفسير هو أحد المعاني في قوله تعالى أيضاً: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا [سورة المجادلة:6] أي: مجتمعة أبعاضهم وما تفرق منهم في الأرض وتحلل في هذا اليوم الذي أنكروه فكيف يستغربون ويستنكرون هذا البعث فيقولوا: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [سورة الإسراء:49] ويقولوا: أئذا كنا عظاماً نخرة تلك إذاً كرة خاسرة؟

وبعضهم يقول: إن قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ [سورة الأنعام:12] مرتبط بما قبله تمام الارتباط هكذا: كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة الأنعام:12] ويقولون: إن اللام في قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ  بمعنى "أنْ" وإن قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ بدلٌ من الرحمة وكأنه يقول: كتب ربكم على نفسه أن يجمعكم ليوم القيامة، فتفسيره بأنه بدل يعني أن هذه الجملة مرتبطة بما قبلها غاية الارتباط.

وبعضهم يقول: هذا ساقه للترهيب فقال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [سورة الأنعام:54] أي بإمهالكم وأنه لم يعاجلكم بالعقوبة، ثم أقسم أنه سيجمعهم ليوم القيامة فيجازي المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه، فهو يخبر أنه أمهلهم بالرحمة ثم أخبر بعد ذلك أن جمعهم أمر كائن لا محالة فيجازي كلاًً بعمله.

إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ [سورة الواقعة:50] وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه، أي: لا شك عند عباده المؤمنين، فأما الجاحدون المكذبون فهم في ريبهم يترددون.

وقوله: الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ أي: يوم القيامة فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة الأنعام:12] أي: لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم.

الهاء في فِيهِ من قوله تعالى: إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ [سورة الأنعام:12] يُحتمل أن ترجع إلى يوم القيامة، أي: لا ريب في يوم القيامة، ويحتمل أن ترجع إلى الجمع، أي لا ريب في جمعكم، والأول أقرب؛ لأنه أقرب مذكور والضمير يعود إليه، أي لا ريب في يوم القيامة، ثم إن بين المعنيين ملازمة، ولا ضرورة للترجيح بين المعنيين؛ لأن يوم القيامة هو يوم الجمع فلا ريب في هذا الجمع ولا ريب في وقوع يوم القيامة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

  1. أخرجه البخاري في كتاب الشهادات- باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2509) (ج 2 / ص 938) ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (2533) (ج 4 / ص 1962).
  2. أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي - باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ (3) (ج 1 / ص 4) ومسلم في كتاب الإيمان - باب بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ (160) (ج 1 / ص 139).
  3. أخرجه البخاري في أبواب المساجد - باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب (423) (ج 1 / ص 167) ومسلم في كتاب الزهد والرقائق - باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين (2980) (ج 4 / ص 2285).
  4. أخرجه البخاري في كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ [سورة آل عمران:28] (6969) (ج 6 / ص 2694) ومسلم في كتاب التوبة - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (2751) (ج 4 / ص 2107).

مواد ذات صلة