الخميس 16 / شوّال / 1445 - 25 / أبريل 2024
[23] من قول الله تعالى: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} الآية 154 إلى قوله تعالى: {قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} الآية 158.
تاريخ النشر: ٢٦ / ربيع الأوّل / ١٤٢٧
التحميل: 3201
مرات الإستماع: 2121

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسر قوله تعالى:

ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ۝ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة الأنعام:154-155].

لما أخبر الله سبحانه عن القرآن بقوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [سورة الأنعام:153] عطف بمدح التوراة ورسولها، فقال: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154] وكثيراً ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الله -تبارك وتعالى- أوصى بتلك الوصايا العشر التي ابتدأها بقوله: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [سورة الأنعام:151] الآيات ثم قال بعدها: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154] والتعبير هنا بـ"ثم" في أصل معناها تفيد الترتيب مع التراخي، لكن قد يسبب إشكالاً أو تثير سؤالاً هنا وهو أن الله -تبارك وتعالى- قد أرسل موسى ﷺ قبل أن يقول لنبيه ﷺ هذه الوصايا، فكيف عبر بذلك فقال: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154] مع أن موسى قد أرسله الله وآتاه الكتاب قبل هذا بزمان بعيد كما هو معلوم؟ ولهذا فإن بعض أهل العلم قال: إن ثم هنا بمعنى الواو، والواو لا تقتضي الترتيب، فقوله: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154] يعني وآتينا موسى الكتاب، أي أنه أخبر عن إيتاء موسى الكتاب، فـ"ثم" هنا تفيد العطف فقط كالواو تماماً.

ومن أهل العلم من يقول: هناك مقدراً محذوفاً، والتقدير: ثم كنا قد آيتنا موسى الكتاب تماماً على الذي، و"كان" تدل على الزمن الماضي كما هو معلوم.

ومن أهل العلم من يربط بين الآيات فيقول: إن المعنى: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم –وذكر المحرمات- ثم أتلو إيتاء موسى الكتاب تماماً، وعلى هذا يكون قوله: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154] من جملة المأمور بتلاوته عليهم، فالمعنى تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم أتل خبر موسى ﷺ وأن الله آتاه الكتاب.

وبعض أهل العلم يقول: إن هذه الوصايا العشر قديمة أوصى بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- أقوامَهم، ذكرها الله لنبيه ﷺ ثم ذكر بعد ذلك إيتاء الكتاب لموسى، أي أن هذه الوصايا قبل موسى -عليه الصلاة والسلام- أوصىَ بها الأنبياء أقوامهم، فلما ذكر هذه الوصايا القديمة التي يوصي بها الأنبياء، قال: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154] وعلى هذا المعنى تكون "ثم" على بابها للترتيب والتراخي، أي أن الوصايا سابقة لإيتاء موسى الكتاب.

وبعضهم يقول: إن "ثم" هنا هي لترتيب الأخبار فقط وليست دالة على ترتيب الوقائع والأشياء الحاصلة في الخارج، وهذا معروف في لغة العرب ومثال ذلك أن تقول: أنت أتيت إلى المسجد، ثم إنك ذهبت إلى السوق، ثم إنك تزوجت، ثم إنك اتجرت فقد لا تكون هذه الأشياء في الخارج مرتبة بهذه الطريقة، وإنما المقصود هو ذكر خبر بعد خبر وإن كان الوقوع ليس بهذه الطريقة في الترتيب، يعني أن "ثم تفيد الترتيب لكنها هنا لترتيب الأخبار فقط كقوله تعالى مثلاً -على قول بعض أهل العلم: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [سورة البلد:17] مع أن الإيمان هو أصل في العمل لكن ليس المقصود بذلك الترتيب بحسب الوقوع وإلا لكان مشكلاً.

وكبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله- يقول بقول من قال بالتقدير، أي أن فيه مقدر محذوف لكن المقدر المحذوف عند ابن جرير -رحمه الله- هكذا: ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتاب، يعني أن الله أمره بأن يتلوَ الوصايا العشر ثم يقول: إن ربي آتى موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن.

هذه الأقوال كلها تحتملها الآية، والجميع يعلم أن إيتاء موسى الكتاب كان قبل أن يخبر الله محمداً ﷺ عن هذه القضايا، ولذلك فإن هذا قطعاً لا يدل على ترتيبها بحسب الوقوع.

وقول من قال: بأن هذه الوصايا قديمة كان يوصي بها الأنبياء لا دليل عليه، بل غاية ما نعلم أن هذه الوصايا كانت موجودة في التوراة أما الادعاء بأنها كانت موجودة قبل ثم قال: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154] بعد ما كان يوصي بها الأنبياء فهذا بعيد.

وقول من قال: إنها لترتيب الأخبار قول له وجه قريب من النظر، ولعله أقرب هذه الوجوه، وهذا له نظائر في القرآن، والله تعالى أعلم.

لما أخبر الله سبحانه عن القرآن بقوله: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ [سورة الأنعام:153] عطف بمدح التوراة ورسولها فقال: ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ [سورة الأنعام:154].

وكثيراً ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة كقوله تعالى: وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا [سورة الأحقاف:12] وقوله أول هذه السورة: قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا الآية [سورة الأنعام:91] وبعدها: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ الآية [سورة الأنعام:92].

وقال تعالى مخبراً عن المشركين: فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى [سورة القصص:48] قال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ [سورة القصص:48] وقال تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا: يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ الآية [سورة الأحقاف:30].

وقوله تعالى: تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً [سورة الأنعام:154] أي: آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تَمَامًا [سورة الأنعام:154] كاملاً جامعاً لما يحتاج إليه في شريعته، كقوله: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ الآية [سورة الأعراف:145].

يعني أن قوله: تَمَامًا [سورة الأنعام:154] يمكن أن يكون مصدراً، تقول: تمّ تماماً، ويمكن أن يكون مفعولاً لأجله، أي: آتينا موسى الكتاب لأجل التمام، والله أعلم.

وقوله تعالى: عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ [سورة الأنعام:154] أي: جزاء على إحسانه في العمل وقيامه بأوامرنا وطاعتنا كقوله: هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [سورة الرحمن:60] وكقوله: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [سورة البقرة:124] وكقوله: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [سورة السجدة:24].

في قوله: عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ [سورة الأنعام:154] قال: "أي جزاء على إحسانه في العمل، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا".

عامة أهل العلم على أن "أحسن" فعل ماض، وهذا هو الظاهر المتبادر وعلى هذا فالذي أحسن يحتمل أن يكون موسى -عليه الصلاة والسلام- وهذا هو الذي مشى عليه ابن كثير، والمعنى أنه أحسن في طاعة الله والاستجابة لأوامره والانقياد لربه -تبارك وتعالى- وعليه فقوله: الَّذِيَ أَحْسَنَ تكون صفة لموسى ﷺ وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى: تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ [سورة الأنعام:154] يعني تتميماً لنعمتنا عليه، وذلك أنه أحسن في طاعة ربه فصارت نعمة الله عليه سابغة تامة إذ امتن الله عليه بالإيمان والقبول والإذعان والعمل الصالح وفوق ذلك أيضاً آتاه الكتاب.

هذا هو المعنى الذي مشى عليه ابن كثير، وهو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله.

ومن أهل العلم من يقول: إن "الذي" من قوله: تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ [سورة الأنعام:154] اسم موصول، والأسماء الموصولة سواء كانت مفردة أو مثناة أو مجموعة فإنها من صيغ العموم كقوله تعالى: وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا [سورة الأحقاف:17] -على أحد المعنيين- يعني كل من وقع منه هذا القول، فالأسماء الموصولة هي للعموم، فمن أهل العلم من أجرى الاسم الموصول هنا على العموم ليكون معنى تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ [سورة الأنعام:154] يعني الذين أحسنوا بالعمل الصالح والإيمان أتم الله عليهم النعمة، وبعث موسى ﷺ وآتاه الكتاب، أي أن قوله: عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ [سورة الأنعام:154] لا يرجع إلى موسى ﷺ فحسب وإنما يرجع إلى كل من اتصف بهذه الصفة، ويؤيد هذا المعنى قراءة غير متواترة في الآية (تماماً على الذين أحسنوا).

ومن أهل العلم من يرجع الضمير المستتر إلى الله وعليه يكون الكلام "ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن الله إليه" وذلك أن كل نعمة تحصل للعبد -حسية أو معنوية- هي بإحسان الله -تبارك وتعالى- وافضاله على العبد.

لكن المعنى الأول أكثر تبادراً وأقرب، وهو الذي يلوح من ظاهر هذه الآية، والله تعالى أعلم، أي أن موسى ﷺ أتم الله عليه النعمة بعد أن كان محسناً منقاداً مطيعاً لربه -تبارك وتعالى- فأنزل عليه الكتاب وكان ذلك تتميماً للنعمة عليه.

وقوله تعالى: وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً [سورة الأنعام:154] فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ [سورة الأنعام:154].

وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة الأنعام:155] فيه الدعوة إلى اتباع القرآن يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره والعمل به والدعوة إليه، ووصفه بالبركة لمن اتبعه وعمل به في الدنيا والآخرة؛ لأنه حبل الله المتين.

في قوله: وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ تحمل لفظة "مبارك" على أعم معانيها فيقال: هذا كتاب عظيم البركات لمن ابتعه في الدنيا وفي الآخرة، كما قال بعض أهل العلم: اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات، أي أنه يبارك للعبد في وقته وفي عمله وفي بذله، وفي شؤونه كلها، فهو يتقلب في بركة إذا كان يعيش مع هذا القرآن ويشتغل بهذا القرآن، وتحصل له البركة أيضاً بتوفيق الله -تبارك وتعالى- له إلى ألوان الخيرات، وتحصل له أيضاً أنواع الهدايات إضافة إلى ما يحصل له في الآخرة من الأجور والدرجات العلى، فهذا القرآن مبارك.

وتوجد كثير من الأشياء لا نجد لها تفسيراً إلا أنها من بركة الاشتغال بالقرآن، فبعض الناس يبذلون جهوداً بسيطة تنتج عنها أمور عظيمة لا تفسير لها فيما يظهر إلا بركة هذا القرآن، فمن ذلك المدارس النسائية وما فيها من جهود عجيبة لا أجد تفسيراً لكثير مما يجريه الله على أيديهن إلا بركة القرآن فقط، فمن اشتغل بالقرآن غمرته البركات؛ لأنه كتاب مبارك وعزيز كما وصف الله ومن عزته أنه لا يوفق لمعانيه ولا تفتح مغاليقه على القلوب المعرضة عنه والمشتغلة بغيره من اللهو أو العلوم التي هي دونه، أو نحو ذلك مع الغفلة عن هذا القرآن، وأشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلى ذلك فيما ينقله بعضهم عند قوله ﷺ: إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة[1] ومما قال: كذلك القلوب إذا كانت تحمل أخلاق الكلاب فإن الملائكة لا تدخلها بالمعاني الطيبة، والله المستعان.

أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ۝ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ [سورة الأنعام:156-157] قال ابن جرير: معناه وهذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، يعني لينقطع عذركم كقوله تعالى: وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ الآية [سورة القصص:47].

هذا الذي ذكره ابن جرير -رحمه الله- هو من أحسن ما قيل فيها، وقريب من هذا قول من قال: كراهية أن تقولوا يعني كراهية أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، أي لئلا تقولوا ذلك يعني لنقطع عذركم ونقيم عليكم الحجة.

وقوله تعالى: عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا [سورة الأنعام:156] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -ا: هم اليهود والنصارى، وكذا قال مجاهد والسدي وقتادة وغير واحد.

وقوله: وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ [سورة الأنعام:156] أي: وما كنا نفهم ما يقولون؛ لأنهم ليسوا بلساننا ونحن في غفلة وشغل مع ذلك عما هم فيه.

قوله: وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ [سورة الأنعام:156] يعني عن تلاوتهم؛ لأنا لا نعرف لغتهم، ولذلك أنزل الله هذا الكتاب بلغتهم، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ [سورة الجمعة:2].

وقوله: أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ [سورة الأنعام:157] أي: وقطعنا تعللكم أن تقولوا: لو أنا أنزل علينا ما أنزل عليهم لكنَّا أهدى منهم فيما أوتوه، كقوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ الآية [سورة فاطر:42].

هذا القسم عزم منهم أنهم سيتبعون النذير لكن حتى لو كانوا صادقين حينما قالوه فإنه عند الامتحان قد لا يستطيعون تحقيق هذا أو لا يوفقون إليه أو لا تنهض هممهم للقيام به؛ فالإنسان يعزم لكنه قد ينثني عزمه عند المطالبة بالشيء، ومن صور ذلك أن بني إسرائيل قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، فلما بعث إليهم الملك انثنت عزائمهم.

وأصحاب النبي ﷺ قالوا: وددنا أنا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله فنعمل به فقال الله : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ [سورة الصف:4] فتثاقلوا ذلك، ومن ذلك ما حكى الله عن الذين كانوا يطالبون ويبدون رغبتهم وعزمهم على جهاد عدوهم بقوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة النساء:77] فلما كتب عليهم القتال قالوا: رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [سورة النساء:77].

ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في كثير من كتبه الفرق بين العزم على الصبر وبين الصبر، فالإنسان في كثير من الأحيان يقول: لو حصل كذا لفعلت كذا، ولو كان لي مال لتصدقت به فإذا أعطي من المال مثل أموال قارون فربما بخل وأمسك ما في يده، وبعضهم يقول: لو أني أصبت بمرض أو نحوه لكنت صابراً لم أجزع جزع فلان، فإذا أصيب فربما يقع له من الجزع أضعاف ما يقع لغيره ممن كان ينكره، والله المستعان.

وهكذا قال هاهنا: فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ [سورة الأنعام:157] يقول: فقد جاءكم من الله على لسان محمد ﷺ النبي العربي قرآن عظيم فيه بيان للحلال والحرام وهدى لما في القلوب ورحمة من الله لعباده الذين يتبعونه ويقتفون ما فيه.

وقوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا [سورة الأنعام:157] أي: لم ينتفع بما جاء به الرسول ولا اتبع ما أرسل ولا ترك غيره بل صدف عن اتباع آيات الله، أي: صرف الناس وصدهم عن ذلك، قاله السدي وعن ابن عباس -ا- ومجاهد وقتادة وَصَدَفَ عَنْهَا أعرض عنها.

على قول السدي: صدَّ غيره تكون "صدف" متعدية، أي صرف غيره وصده عن الإيمان، وعلى قول مجاهد وقتادة بمعنى أعرض تكون "صدف" لازمة أي أعرض في نفسه ولم يؤمن بها، فالآية تحتمل المعنيين؛ لأن صدف تأتي لازمة وتأتي متعدية في كلام العرب أصلاً، وابن جرير -رحمه الله- فسرها باعتبار أنها لازمة لكن قد يوجد في الآية قرينة تدل على أنها متعدية لكن هذا لا يقطع به؛ لأن الآية تحتمل المعنى الآخر احتمالاً قريباً، والقرينة في نفس الآية هي أنه قال قبل: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ [سورة الأنعام:157] أي كذب بها فهذا كفره بها فيكون معنى وَصَدَفَ عَنْهَا يعني صد غيره عن الإيمان بها، ويمكن أن يؤيد هذا المعنى جملة من الآيات كقوله تعالى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [سورة الأنعام:26] أي: ينأون بأنفسهم وينهون غيرهم عن الإيمان، وكقوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ۝ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ۝ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى ۝ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى [سورة العلق:9-12] يعني هو في نفسه بعيد وكذلك ينهى عن الخير والإيمان وطاعة الله .

ومما يؤيد هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ [سورة النحل:88] يعني الذين كفروا في أنفسهم وصدوا غيرهم، فهذه الآيات هي كقوله تعالى هنا: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا [سورة الأنعام:157] أي كذب هو بآيات الله وصد غيره عن الإيمان بها، فعلى كل حال هذا القول تؤيده مثل هذه النصوص، والآية كما سبق فيه القرينة التي ذكرنا والقول الذي قبله هو قول تحتمله الآية احتمالاً قريباً أيضاً، والقول بأنها متعدية هو الذي صرح الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بترجيحه حيث ذكر القولين ثم قال: وهذا أقوى القولين، أي باعتبار أنها متعدية، وهذا القول أيضاً هو الذي اختاره من المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- والله أعلم.

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ [سورة الأنعام:158] يقول تعالى متوعداً للكافرين به والمخالفين لرسله والمكذبين بآياته والصادِّين عن سبيله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ وهذا كائن يوم القيامة أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [سورة الأنعام:158] وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها.

قوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ يحتمل أن يكون المعنى أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، وهذا المعنى هو الذي رجحه ابن جرير -رحمه الله، ويحتمل أن يكون ذلك بناء على اقتراحهم وطلبهم فيأتيهم العذاب معه كما اقترحوا هم وقالوا: لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا [سورة الفرقان:21] فرد الله عليهم بقوله: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا [سورة الفرقان:21] ثم قال: يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا [سورة الفرقان:22]

ولهذا قال بعض أهل العلم: بأن المراد بإتيان الملائكة في الآية يعني في اليوم الآخر كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ۝ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [سورة الفرقان:25-26] فيكون تنزل الملائكة في الآخرة.

وقوله: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [سورة الأنعام:158] أي يأتي ربك لفصل القضاء، ولا يصح أن يفسر بمجيء الملائكة أو مجيء أمر الله ؛ لأنه أضاف الإتيان إليه ولا يجوز صرف القرآن عن ظاهره وحمل ذلك على مجاز الحذف كما يقولون إلا بدليل، ولا يوجد دليل فوجب أن يقال: إن الله يأتي يوم القيامة لفصل القضاء.

وذلك قبل يوم القيامة كائن من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من أشراط الساعة.

قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [سورة الأنعام:158] يعني يأتي بعض أشراط الساعة كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وكما سيأتي أن المراد بها طلوع الشمس من مغربها، وهذا ما عليه عامة المحققين من أهل العلم من المفسرين وغيرهم.

ومن أهل العلم من قال: إن الآيات المشار إليها في قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [سورة الأنعام:158] يعني الآيات التي اقترحوها وذلك أنهم اقترحوا أن ينزل عليه ملك فيكون معه نذيراً أو نحو ذلك، فإذا نزلت هذه الآيات وتحققت فالإيمان يكون ملجئاً، يعني أن ذلك لا مجال معه للمكابرة إطلاقاً، ولذلك في هذه الحال لا ينفع الإيمان، ولهذا قال الله : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:3] فإذا رأوا هذه الآيات التي اقترحوها فعندئذ يكون الإيمان ملجئاً لا ينفعهم، ولكن في هذا القول نظر؛ لأن الله قد أنزل آيات على الأنبياء فآمن من آمن فنفعهم الإيمان، ونزول هذه الآيات لا يقال: إنه لا ينفع معه إيمان فالمعجزات إنما نزلت من أجل إقامة الحجة على الخلق وإثبات النبوة فينفع الإيمان معه، والخلاصة أن قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يعني طلوع الشمس من مغربها، والله أعلم.

كما روى البخاري في تفسير هذه الآية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل[2].

هذا التفسير من قبيل التفسير النبوي الذي لا احتمال فيه ولا يدخله الاجتهاد، وقد صحَّ ذلك عن رسول الله ﷺ فلا يلتفت إلى قول من سواه كقول من قال: إن المقصود بها الآيات المقترحة أو غير ذلك، فالنبي ﷺ ذكر الآية في هذا المقام أنها طلوع الشمس من مغربها وقال: فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل فالقول الآخر وإن قال به جماعة من أهل العلم من السلف لكنه مخالف لصريح ما ثبت عن رسول الله ﷺ في تفسير الآية.

وروى ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض[3] ورواه أحمد وعنده: والدخان[4].

روى الإمام أحمد عن عمرو بن جرير قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة فسمعوه وهو يحدث عن الآيات يقول: إن أولها الدجال، قال: فانصرفوا إلى عبد الله بن عمرو -ا- فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات فقال: لم يقل مروان شيئاً، حفظت من رسول الله ﷺ يقول: إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضحى فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها ثم قال عبد الله وكان يقرأ الكتب وأظن أولها خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش وسجدت واستأذنت في الرجوع فأذن لها في الرجوع حتى إذا بدا الله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل -أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع- فلم يرد عليها شيء، ثم استأذنت في الرجوع فلا يرد عليها شيء.

قوله: "حتى إذا بدا الله أن تطلع من مغربها " يعني حتى إذا أراد ذلك.

حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب وعرفت أنه إذا أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق قالت: رب ما أبعد المشرق؟ من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت بالرجوع فيقال لها: من مكانك فاطلعي، فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد الله هذه الآية: لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا الآية [سورة الأنعام:158] وأخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن ماجه في سننيهما[5].

بعض من يتكلم بالتفسير العلمي والإعجاز يقولون عند هذه الآية: إن هناك تناقص محسوب في الحركة وهو مستمر مطرد حتى يأتي يوم من الأيام فتخرج من مغربها، فقال أحد الحاضرين: إذاً نستطيع أن نحسب هذا وبالتالي نعرف متى تطلع الشمس من مغربها، يعني نعرف متى يوم القيامة؟! فقال: لا، ليس الأمر كذلك؛ لأنه قد تحصل أمور في الكون تسرع بهذا الموضوع أو تبطئه، فالمعنى أنه لو استمر الوضع على ما هو عليه فإننا نستطيع نعرف متى القيامة بالضبط، وهذا كلام غريب.

ومنهم من لا يفهم أن الشمس تسجد تحت العرش فهذا مما لا يصل إلى عقولهم بل يضيق عطنهم عنه تماماً، حتى كأن الحديث لم يرد أصلاً، فم لا يفهمون إلا أن المسألة عبارة عن هذا البطء المحسوب ثم بعد ذلك تكون النتيجة الطبيعة أنها تطلع من الغرب وانتهى الأمر عند هذا الحد.

لا يعرفون مسألة السجود تحت العرش ولا أنها تُحبس ثم يقال لها: أرجعي من حيث أتيت، وإذا جئت تناقشهم قالوا: إن هذا الذي يقولونه ليس تفسيراً أصلاً.

المقصود: أن هذا الحديث أول الآيات خروجاً طلوع الشمس فيه إشكال؛ لأن خروج الدجال يكون قبل طلوع الشمس من مغربها، ولهذا قال بعض أهل العلم: الآيات منها ما هو آيات سماوية ومنها ما هي آيات أرضية، فأول الآيات السماوية هي طلوع الشمس من مغربها، وأول الآيات الأرضية هي خروج الدجال، وأما الدابة فإن خروجها يكون قريباً من طلوع الشمس من مغربها حيث تخرج ضحى، وعموماً فالآيات الكبرى تتابع.

وقد تكلم العلماء على مسألة طلوع الشمس من مغربها هل إذا طلعت ترجع إلى حالتها الأولى بعد ذلك حتى قال بعض أهل العلم: إن ذلك يستمر حتى يتناسى الناس ذلك اليوم الذي خرجت فيه من مغربها ويرجع الكافر إلى كفره والعاصي إلى معصيته وعندئذ يقبل العمل، وهذا قول فيه نظر ولا دليل عليه، بل الأصل أنها إذا خرجت من مغربها فالحال كما قال الله : لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158] يعني لا ينفعها لا في تلك الحال ولا بعدها فذلك هو الحد الذي لا يقبل فيه الإيمان ولا التوبة بالنسبة لعموم الخلق، وأما بالنسبة لكل إنسان فلا ينفعه الإيمان إذا بلغت الروح الحلقوم بخلاف ما إذا كان في مرض الموت، ولذلك فالنبي ﷺ دعا أبا طالب في مرض موته قائلاً له: كلمة أحاج لك بها عند الله[6] وذلك قبل أن يصل إلى الغرغرة، والله أعلم.

وبالنسبة لحديث أبي هريرة : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها، طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض[7] فأمر الدابة قد سبق أنها تكون قريبة جداً من طلوع الشمس من مغربها لكن ذكر خروج الدجال لا يخلو من إشكال، ولذلك تكلم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- تكلم على هذه القضية كلاماً جيداً أطال فيه حيث تكلم على هذه الروايات وذكر كلام أهل العلم ورجح بينها وذلك في تفسيره الذي كان يلقيه في المسجد النبوي وليس في أضواء البيان.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ [سورة الأنعام:158]: "إذا أرادت أن تجدد الإيمان بعد إتيان بعض تلك الآيات لا ينفع منها ذلك الإيمان، وجماهير علماء التفسير والأحاديث الصحيحة دلت على أن المراد ببعض الآيات التي إذا جاءت لا يقبل إيمانٌ من كافر ولا توبة من عاصٍ أن المراد بها طلوع الشمس من مغربها؛ لأن الشمس ستطلع يوماً من مغربها يقيناً كما تواترت به الأحاديث عن النبي ﷺ وهو ثابت في الصحاح -في الصحيحين وغيرها- وفي صحيح البخاري أنها إذا طلعت من مغربها فرآها الناس آمن جميع من على وجه الأرض ولم يكن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت، وهذا فيه إشكالات معروفة؛ لأن الأحاديث الصحيحة هنا فيها إشكالات معروفة، ونحن في الحقيقة لم نرَ من حرر المقام فيها تحريراً شافياً؛ لأن كون الآية التي إذا أتت هي طلوع الشمس من مغربها هذا ثابت في الصحيحين وفي غيرهما وهو يدل على أن طلوع الشمس من مغربها ليس أول الآيات وأن مجيء الدجال يقبل بعده إيمان الكافر وتوبة العاصي.

ونزول عيسى يقبل بعده إيمان الكافر كما قال تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [سورة النساء:159] وهذا يدل على أن طلوع الشمس من مغربها ليس أول الآيات، ويشكل عليه حديثان ثابتان في صحيح مسلم وغيره، فإنه في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها وفي صحيح مسلم أنه قيل له: إن مروان بن الحكم يقول: إن أول الآيات خروج الدجال، فقال: ما قال مروان شيئاً، سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها وهذا الحديث مشكل إذا كان طلوع الشمس من مغربها قبل الدجال، والعلماء مجمعون على أنه لا إيمان يقبل من كافر بعد طلوع الشمس من مغربها، إذاً يكون زمن الدجال وعيسى بن مريم لا تنفع فيه الأعمال، وهذا مخالف لظواهر النصوص الكثيرة؛ ففي حديث عبد الله بن عمرو -ا- هذا أعظم إشكال.

ومن الأحاديث المشكلة أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ثم ذكر الثلاث: الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها. وهذا يدل على أنه لا توبة تقبل بعد مجيء الدجال، وهذا خلاف الظاهر المعروف من النصوص، فحديثا مسلم هذان مشكلان جداً على قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا [سورة الأنعام:158] وعلى ما عليه جمهور العلماء من أنه طلوع الشمس، والإشكال في هذه الأحاديث لم نجد من حرر المقام فيه تحريراً شافياً يجب الرجوع إليه.

والذي يظهر لنا أن الآيات العظام نوعان، فقد ثبت في صحيح مسلم أن الآيات الكبار عشر، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري أن النبي ﷺ قال: لن تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات[8] وهذه الآيات العشر عند العلماء هي العلامات الكبار، ثم عدها النبي ﷺ فيما روى عنه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفاري وعدَّ منها ثلاثة خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، وخروج الدجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى بن مريم، وخروج دابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، والدخان، وهذا الدخان الذي ذكره مسلم في صحيحه هنا، قال بعض العلماء: إنه هو المذكور في سورة الدخان وأنه لم يأتِ إلى الآن وأنه هو في قوله: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ [سورة الدخان:10] قالوا: وهو دخان يمكث أياماً يأخذ بنفس الكافر ويأخذ المؤمن منه شبه الزكام، وأنه من العلامات التي ستأتي ولم يأتِ إلى الآن.

وكان عبد الله بن مسعود يقول: إن الدخان المذكور قد مضى وهو ما أصاب ربيعة ومضر من الجوع لما دعا النبي ﷺ عليهم وقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر الله اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف[9] وأنهم جاءهم من الجوع ما أكلوا معه العلهز، والعلهز: شيء كانوا يصنعونه من الوبر والدم يأكلونه عند شدة الحاجة، كأن الإنسان لشدة الجوع يخيل له أن أمام عينيه شبه الدخان، وأن ذلك الذي يخيل لعينيه مما يشبه الدخان من شدة الجوع أنه هو معنى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ [سورة الدخان:10] أي: فيما تظنه أعينهم من شدة القحط والجوع.

هذا تفسير عبد الله بن مسعود وطائفة من العلماء للدخان، وفسره جماعة آخرون بالدخان الذي عده مسلم في الآيات العشر العظام التي هي: الدخان، والدابة، والدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم -وفي بعض الروايات بدل نزول عيسى بن مريم ريح تلقيهم في البحر- وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق وخسف بجزيرة العرب، وآخرها نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس، أو ترحل الناس إلى المحشر.

هذه الآيات العشر، أما الأحاديث الصحيحة الثابتة في أنه تخرج نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى فهذه قد مضت بلا نزاع، وهي النار التي اشتعلت في الحرة، واشتعالها وتاريخ اشتعالها معروف فقد فاتت، وهي من معجزاته ﷺ.

وكان الشيخ ابن الجوزي يقول: إن الخسوف الثلاثة قد مضت، وأنه وقع في عراق العجم خسف عظيم هو خسف المشرق، هلك فيه خلق عظيم، وأنه وقع كذلك في المغرب، ويزعم أنه وقع في جزيرة العرب.

فعلى كل حال هذه الآيات العشر هي التي ذكرها مسلم في صحيحه أنها الآيات العظام -العلامات الكبرى للقيامة- وقد بيّنا أن جل علماء التفسير والأحاديث الصحيحة تبيّن أن بعض الآيات التي إذا أتت لا ينفع نفساً إيمانها أنه طلوع الشمس من مغربها، وستطلع من مغربها يقيناً بلا شك؛ لأن الصادق المصدوق ﷺ بيّن أنها ستطلع من مغربها بروايات صحيحة لا مطعن فيها وهو الصادق المصدوق لا يقول إلا الحق، وطلوعها من مغربها أكبر دليل على تخريف وخرق أصحاب الهيئة الكذابين الذين يقولون: إن حالة الشمس والقمر دائبة لا تتغير ولا يعروها تغيُّر، فسيرى الحاضرون منهم لذلك الوقت أنها تتغير وأنها تطلع صباحاً من مغربها كما كانت تطلع من مشرقها، ويعلمون أن لها صانعاً حكيماً مدبراً هو الذي يجريها كيف يشاء على النحو الذي يشاء.

ووجه إشكال حديثي مسلم أن حديث عبد الله بن عمرو الثابت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال: إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها[10] وطلوع الشمس من مغربها لا خلاف بين العلماء أنه من بعض الآيات التي إذا جاءت لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، فيلزم على هذا الحديث الذي رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه لا إيمان ولا توبة أيام الدجال وعيسى، وهذا خلاف التحقيق، فالحديث مشكل.

والحديث الثاني: هو ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً وذكر الثلاث فقال: الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها فعلى مقتضى هذا الحديث الثابت في صحيح مسلم أن العمل لا يقبل أيضاً بعد الدجال، وهو خلاف الظاهر والتحقيق.

وقد ذكرنا أنا لم نرَ ممن تكلموا على أحاديث مسلم من شفا الغليل في هذا شفاء واضحاً تتفق به الأحاديث مع الواقع، والذي يظهر لنا والله تعالى أعلم أن الآيات الكبار العظام على نوعين، أحدهما: آيات أرضية تدل على حدوث أمور عظام هائلة في العالم السفلي والأرض، وأول هذه: الدجال كما كانوا يقولونه؛ لأن الدجال ينزل قبل نزول عيسى بن مريم، أو أول هذه الآيات العظام الدجال؛ لأن الدجال يدرك عيسى بن مريم فيقتله، وبعض العلماء يقول: إن عيسى بن مريم ينزل قبل الدجال ويصلي في إمام المسلمين المهدي الذي ثبتت الأحاديث الصحاح به، وعقد له أبو داود كتاباً باسم المهدي وهو أيضاً آتٍ لا محالة وإن أنكره من أنكره؛ لأن الأحاديث الصحيحة ثابتة بمجيئه عن النبي ﷺ ثبوتاً لا مطعن فيه، فأول الآيات الأرضية العظام نزول الدجال؛ لأن الدجال أكبر حادث يقع في الأرض وأعظم فتنة تقع في الأرض، وقد صرحت الأحاديث أنه منذ خلق الله الدنيا لم تقع في الأرض فتنة أعظم من الدجال؛ لأن معه ناراً ونهراً، وناره ماء ونهره نار، ولأنه يأتي القوم فيصدقونه فيقول للسماء: أمطري، وللأرض: أنبتي، فتطيعه في ذلك، فتروح سارحتهم أعظم ما كان ضروعاً وأمدَّه خواصر ويحيي للرجل أباه وأمه، ويشق الرجل نصفين حتى يروه نصفين ثم يجمع بين نصفيه فيرون أنه يحييه، وهو أعظم فتنة في الأرض، كأن مثلاً من قال: إن أول الآيات خروجاً الدجال يعني أول الأحداث الأرضية التي تكون في الأرض تؤذن بأمور عظام، وقرب انقضاء الدنيا، وأن طلوع الشمس من مغربها أول الآيات التي هي من العالم العلوي، المؤذنة بزوال العالم العلوي وانقضائه، فيكون كون الشمس أول الآيات يعني باعتبار ما هو من جنسها، كتغيير العالم العلوي، ويكون الدجال أول الآيات باعتبار العالم الأرضي.

وعلى كل حال فالشمس إذا طلعت من مغربها أغلق باب التوبة، وطلوع الشمس والدابة مترادفان بينهما قليل، جاء في بعض الأحاديث أن الشمس إذا طلعت من مغربها خرجت الدابة ضحى[11].

والدابة هي التي يأتي ذكرها في النمل في قوله: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ [سورة النمل:82] وفي القراءة الأخرى: (إن الناس كانوا بآياتنا) الآية.

وقال بعض العلماء: والحكمة في إتيان الدابة بعد الشمس أن الشمس إذا طلعت من مغربها ختم على الأعمال، ولم يقبل من كافر إيمان، ولم يقبل من عاص توبة، وانقطع تجديد إيمان جديد أو توبة جديدة، فيرسل الله بعد ذلك الدابة فتكتب على جبهة كل إنسان "سعيد" أو "شقي" يعرفه من يراه، لتبيّن حال الناس عند انقطاع أعمالهم من هو الكافر منهم ومن هو السعيد.

والحاصل: أن أكثر أهل العلم والأحاديث الصحيحة دلت على أن الآية التي إذا جاءت لا يقبل من أحد إيمان هو طلوع الشمس من مغربها وفيها أحاديث كثيرة، وفيها حديث أبي ذر المشهور: أنها تسير كل يوم فتسجد لمستقر لها تحت العرش، ثم تستأذن فيؤذن لها فترجع، فإذا كان اليوم الذي يريد الله طلوعها من مغربها تستأذن فلا يؤذن لها[12].

ويقول المفسرون وبعض المحدثين: إن تلك الليلة تطول جداً، وينتظر الناس الصباح فيطول عليهم الليل، فتستأذن الشمس فيقال لها: اطلعي من مغربك، فتصبح طالعة للناس من مغربهم، فإذا رأوها آمن جميع من في الأرض وعلموا أن للكون خالقاً حقاً، ولم يبق أحد منهم إلا وهو مؤمن، وذلك الوقت لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.

وذهب بعض العلماء ونصره أبو عبد الله القرطبي أنها بعد طلوعها من مغربها سترجع إلى عادتها وتطلع من مشرقها، وترجع الدنيا إلى حالها، وأنه إذا تقادم عهدها وصار الناس يسمعون بخبرها أنها حينئذ تقبل توبة الكافر إذا تاب والعاصي إذا تاب، وهذا قال به بعض العلماء، ولكنه خلاف التحقيق؛ لأن ظاهر الأحاديث الكثيرة والآية الكريمة أنه بعد إتيان الآية لا ينفع نفساً إيمانها، وهو نفي مطلق إلى يوم القيامة.

وقال بعض العلماء: تؤمر الحفظة بطي الصحف وطرح الأقلام ولا ينفع أحداً عمل ويختم على كلٍ بعلمه.

وقوله: لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ [سورة الأنعام:158] يفهم منه أن النفس التي طلعت عليها الشمس من مغربها وهي مؤمنة من قبلُ أنها في خير، وعلى خير وأن إيمانها نافع لها.

وقوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158] يفهم منه أن النفس المؤمنة التي كانت تعمل الخير أنها في خير وعلى خير، وأما النفس التي كانت مؤمنة ولم تعمل في إيمانها الخير بأن كانت ترتكب المعاصي وتخالف الله ثم أرادت عند طلوع الشمس أن تتدارك ذلك بالتوبة فلا يقبل ذلك منها؛ لقوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [سورة الأنعام:158].

كان بعض العلماء يقول: من طلعت الشمس من مغربها وهو على الاستقامة وطاعة الله كتب له ما كان يفعل دائماً، وهذا القول وإن كان ظاهر الآية لا يساعد عليه إلا أنه غير بعيد؛ لأنه دلت نصوص أخر على أن الإنسان المواظب على الخير إذا عاقه عنه عائق كمرض أو سفر أنه يكتب له ما كان يواظب عليه من الخير إذا عاقه عنه مرض".

من أراد أن ينظر في استعداد كثير من الناس لاتِّباع الدجال الأكبر فلينظر إلى حالهم في هذا العصر في إتباعهم للدجالين وكيف كان حالهم يوم صاح بهم دجال العصر -نسأل الله العافية: "ومن لم يكن معنا فهو ضدنا" فإنهم تهافتوا عليه وانجفلوا وهو لا يملك عشر ما يملكه الدجال الأكبر الذي يشق الرجل نصفين ثم يحييه من جديد، ويمر على الأرض الخربة ويقول: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل، ويمر على القوم ممحلين فيطيعونه، ويمر على القوم لا يستجيبون له فيحصل لهم الجدب، فتلك أعظم فتنة، فإذا كان الناس تهافتوا في هذا الزمان على من هو دون الدجال الأكبر ممن يهددهم بالحصار الاقتصادي أو يهددهم أنه يقاتلهم –وقد يتورط فينهزم- فكيف بالدجال الأعظم اللي لا قبل لهم به، نسأل الله العافية؟

فالثبات على المبادئ أمر مهم جداً؛ لأن الذين يثبتون على مبادئهم هذه الأيام هم الذين يرجى لهم الثبات إذا خرج الدجال الأكبر، والله المستعان.

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

  1. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء (3144) (ج 3 / ص 1206) ومسلم في كتاب اللباس والزينة - باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه وأن الملائكة -عليهم السلام- لا يدخلون بيتاً فيه صورة ولا كلب (2106) (ج 3 / ص 1665).
  2. أخرجه البخاري في كتاب التفسير – باب تفسير سورة الأنعام (4359) (ج 4 / ص 1697) ومسلم في كتاب الإيمان - باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (157) (ج 1 / ص 137).
  3. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان - باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (158) (ج 1 / ص 138).
  4. مسند أحمد (9751) (ج 2 / ص 445).
  5. أخرجه مسلم مختصراً في كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ونزول عيسى وقتله إياه وذهاب أهل الخير (2941) (ج 4 / ص 2260) وأحمد بطوله في المسند (6881) (ج 2 / ص 201).
  6. أخرجه البخاري في كتاب التفسير – باب تفسير سورة براءة (4398) (ج 4 / ص 1717).
  7. سبق تخريجه.
  8. أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب في الآيات التي تكون قبل الساعة (2901) (ج 4 / ص 2225).
  9. أخرجه البخاري في كتاب الدعوات - باب الدعاء على المشركين (6030) (ج 5 / ص 2348) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة (675) (ج 1 / ص 466).
  10. سبق تخريجه.
  11. أخرجه مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة - باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض ونزول عيسى وقتله إياه وذهاب أهل الخير (2941) (ج 4 / ص 2260) وأحمد بطوله في المسند (6881) (ج 2 / ص 201).
  12. أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق - باب صفة الشمس والقمر بحسبان (3027) (ج 3 / ص 1170).

مواد ذات صلة