الخميس 16 / شوّال / 1445 - 25 / أبريل 2024
(009-ب) من قوله تعالى (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد..) الآية 153 – إلى قوله تعالى (إن ينصركم الله فلا غالب..) الآية 160
تاريخ النشر: ٠٩ / ربيع الأوّل / ١٤٣٨
مرات الإستماع: 1221

يقول الإمام ابن جزي، عند قوله تعالى:

"إِذْ تُصْعِدُونَ [آل عمران:153] العامل في (إذ) عفا، فيوصل إِذْ تُصْعِدُونَ مع ما قبله، ويحتمل أن يكون العامل فيه مضمرًا".

قوله: إِذْ تُصْعِدُونَ أصل الصعود: ارتفاع ومشقة، وهو الذهاب في المكان العالي، يقال له: صعود، يعني: تبعدون في الهزيمة، إِذْ تُصْعِدُونَ وقرأ الحسن، وقتادة (إِذْ تَصْعَدُونَ) لكنها قراءة غير متواترة[1]، تَصْعَدُونَ يعني: أنهم صعدوا في الجبل لما انهزموا.

قال ابن كثير -رحمه الله-: أي في الجبل[2]، وبعضهم يقول: الإصعاد: المضي والسير في مستوى الأرض، وعلى هذا لا يحتاج إلى ارتفاع، يقال: أَصْعد: إذا أبعد، وأمعن في الذهاب، وعلى هذا فالمقصود: الهزيمة، يعني: لم ينظر فيه إلى معني صعود.

وابن جرير -رحمه الله- يقول: إِذْ تُصْعِدُونَ يعني: مصعدين في الوادي[3]، والحاصل أن معنى: إِذْ تُصْعِدُونَ يعني تبعدون في الهزيمة.

و"العامل في (إذ) عفا" يعني: يكون متعلقًا بما قبله، وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ [آل عمران:152] إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ يعني: حيث انهزمتم وأبعدتم في الانهزام، ويحتمل أن يكون ذلك متعلقًا بمحذوف، كما هو معلوم في نظائره، واذكروا إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ فعلى إن "العامل في (إذ) عفا" فيوصل إِذْ تُصْعِدُونَ مع من قبله، وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ۝ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ [آل عمران:152-153] وهذا الذي اختاره أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-[4]، يعني وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ إذ لم يستئصلكم بهربكم إِذْ تُصْعِدُونَ ويفسر على هذا المعنى:  عَفَا عَنْكُمْ يعني كلام ابن جرير وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ إذ لم يستئصلكم بهربكم، إِذْ تُصْعِدُونَ.

وبعضهم يقول: متعلق بـثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ [آل عمران:152] إِذْ تُصْعِدُونَ لكن هذا أضعف من الذي قبله -والله أعلم- وإن كان له وجه ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ إِذْ تُصْعِدُونَ فيكون إِذْ تُصْعِدُونَ كأنه حكاية لما حصل بعد صرفهم، إِذْ تُصْعِدونَ تمعنون في الهزيمة والهرب، وهذا الذي اختاره الحافظ بن كثير -رحمه الله-[5]، أنه متعلق بـصَرَفَكُمْ  فيكون التقدير: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ.

وكما سبق أن ابن كثير -رحمه الله- يفسر الصعود هنا: بمعنى الصعود في الجبل، بالنظر إلى أصل المعنى، وهو ارتفاع في مشقة؛ لأنهم صعدوا في الجبل، وبعضهم ذهب إلى المدينة، قال: "ويحتمل أن يكون العامل فيه مضمرًا" تقديره: واذكروا إِذْ تُصْعِدُونَ.

"وَلا تَلْوُونَ مبالغةٌ في صفة الانهزام".

وَلا تَلْوُونَ أي: تمعنون في الهزيمة، ولا يقف أحد لأحد، واللي: أصله فتل الحبل، ويقولون: أصله إمالة الشيء، يعني: لا تعرجون على أحد، بمعنى لا أحد يعرج على أحد، نفسي نفسي، والنبي ﷺ خلفهم، وهم منهزمون، يقول: إليَّ عباد الله، إليَّ عباد الله[6]، وهم في غاية الانهزام، والإنسان إذا انهزم لا يلوي على شيء، كما وقع في واقعة حنين، حيث انهزموا هزيمة شديدة، حتى لم يبق مع النبي ﷺ إلا نحو عشرة.

وكما قال دريد بن الصمة، وكان شيخًا كبيرًا، أعمى، حيث جاءوا به إلى أرض المعركة -أعني هوازن- يسترشدون برأيه؛ لأنه مجرب في الحروب، لكنه شيخٌ ضعيف، هرم، فقال: مالي أسمع رغاء البعير، وثغاء الشاة، وصوت الصغير، فقالوا: إن مالك بن عوف الناصري، قد خرج بالناس بنسائهم وبأموالهم -يعني الإبل والبقر والغنم- وجعلها خلفهم صفوفًا، قال: لماذا؟ قالوا: لئلا ينهزموا، يعني كل ما وراءه هو خلف ظهره؛ نساءه وأطفاله وأمواله، فينهزم إلى أين؟ يموت دونهم، فنبر بشفتيه، يعني أصدر صوت بشفتيه مستهزئًا، ساخرًا منه، قائلًا: رويع شاة ورب الكعبة، يعني ليس بقائد جيش، ولا قائد معركة، هذا رويع شاة، يعني: راعي غنم، ليس بأهلٍ للحرب والقيادة[7]، إن الرجل إذا انهزم لا يلوي على شيء، وفعلًا هذا الذي حصل لما أمر النبي ﷺ العباس أن ينادي أصحاب السمُرة، انعطفوا عليه انعطاف البقر على ولدها، ثم اجتلدوا، وقال النبي ﷺ: الآن حمي الوطيس[8]، ثم انهزموا هزيمةً نكراء، فتركوا كل شيء؛ تركوا نساءهم وأولادهم وأموالهم كلها خلف ظهورهم، وانطلقوا منهزمين ممعنين، حتى دخل كلُّهم في حصن الطائف، وتركوا الأولاد، فأخذ النبي ﷺ ذلك، وشيءٌ كثير لا يحصيه إلا الله، كان يعطي الرجل الواحد مائة من الإبل، كما أعطى صفوان بن أمية، والحارث بن سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان، وأعطى أبا سفيان، وغير هؤلاء، كالأقرع بن الحارث، وعيينة بن الحسن، أعطاهم مائة من الإبل، ويعطي الرجل الغنم بين جبلين، حتى قالوا: إن محمدًا ﷺ يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فهؤلاء انهزموا، وتركوا هذا كله على كثرته، فالمنهزم لا يلوي على شيء، وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ.

"وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ كان رسول الله ﷺ يقول: إليّ عباد الله[9]، وهم يفرون".

هذا جاء عن جماعة من السلف: كابن عباس، وقتادة، والربيع، وابن زيد[10]، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ أي يقول: إليَّ عباد الله[11]، وهم يفرون.

"فِي أُخْرَاكُمْ في ساقتكم، وفيه مدحٌ للنبي ﷺ فإنّ الأخرى هي موقف الأبطال". 

يعني: إذا كانوا في هذه الحال من الانهزام والنبي ﷺ في المؤخر، يقول لهم: إليّ عباد الله[12]، فمعنى ذلك أنه مما يلي العدو، فالناس إذا انهزموا فالأول منهم يكون الأبعد من العدو، فيغتبط ببعده عن العدو، انطلق بعيدًا، أما الذي يكون ضعيفًا فيكون في الآخر لضعفه، أو لعرجٍ فيه، أو جراح، أو غير ذلك، فهذا يناله العدو، أما إذا وقف وقوف الأبطال؛ وذلك حال النبي ﷺ يكون في مؤخرهم، ويكون هذا غاية الشجاعة والثبات، إذا كانت تطيش العقول في هذا المقام، وينصرفون لا يلوون على شيء، ويمعنون في الهزيمة، والنبي ﷺ واقف في الآخر مما يلي العدو ويقول: إليّ عباد الله[13]، فهذا لا شك أنه يدل على رباطة الجأش، والشجاعة المتناهية.

يقول هنا: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ يعني: في آخركم، أو من خلفكم، يعني قد خلفتموه وراء ظهوركم من جهة العدو، وهو يدعو إلى التوقف عن الفرار إليّ عباد الله[14]، وهذا مراده بقوله: "الأخرى هي موقف الأبطال" فالذي في الآخر يثبت، ويقول: "إليّ" هذا موقف الأبطال، وليس بمقام تعبئة للجيش، أو مقام اصطفاف، أو نحو ذلك، فهذا مقام انهزام، فالذي يقف في الأخير، مما يلي العدو، فهذا منتهى الشجاعة، لكن إذا كان في موقف اصطفاف فإن الساقة تكون في آخر الجيش، وهو أقرب للسلامة؛ لأنه أقرب إلى لانهزام، فإذا أراد أن يفر يكون أول واحد، ويكون بعيدًا عن مواجهة العدو الذي في الساقة، لكن هنا في مقام انهزام، والنبي ﷺ في الآخر مما يلي العدو، يقول: إليّ عباد الله[15] فهذا لا يكون إلا لمن كان في غاية الثبات والشجاعة -عليه الصلاة والسلام-.

"فَأَثابَكُمْ أي: جازاكم".

 

الثواب يقال: للجزاء، سواء كان الجزاء بالخير، أو الجزاء بالشر فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [آل عمران:153] وإن كان الغالب أنه يقال: للجزاء بالخير، هنا يمكن أن يفسر الجزاء بالخير باعتبار أن: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ على أحد التفسيرات المشهورة، وكأنه الأقرب -والله أعلم- في تفسيره: أن هذا من باب الجزاء الحسن لينسيهم ما وقع لهم من الجراح والهزيمة والقتل، وكان وقع ذلك شديدًا عليهم، فأثابهم بهذا الغم بأمر موهوم لا حقيقة له؛ وذلك ما أُشيع من قتل النبي ﷺ فلما انكشف الحال عن حقيقة ذلك، وأن النبي ﷺ لم يُقتل، كان الغم الأول قد تبدد بالغم الثاني -والذي هو أعظم منه- وهو قتل النبي ﷺ فكان ذلك سببًا لمحو آثار الغم الأول فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ [آل عمران:153] على ما وقع لكم، ولا ما جرى لكم، فهذا أحد الأوجه.

"غَمًّا بِغَمٍّ قيل: أثابكم غمًا بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول الله ﷺ وعلى المؤمنين؛ إذ عصيتم وتنازعتم".

كأن المعنى الذي يشير إليه: يعني ما وقع منكم في التسبب في الهزيمة والتنازع، ونحو ذلك، فَأَثَابَكُمْ على ذلك بِغَمٍّ آخر، وهو الهزيمة والقتل، ونحو ذلك، لكن هذا المعنى ضعّفه الحافظ بن القيم -رحمه الله-.

"وقيل: أَثَابَكُمْ غَمًّا متصلًا بغم، وأحد الغمين: ما أصابهم من القتل والجراح".

وجاء عن ابن عباس -ا-: الغم الأول بسبب الهزيمة، وحين قيل: إن النبي ﷺ قد قُتل، والثاني: حين علاهم المشركون فوق الجبل[16]. وجاء عن مجاهد، وقتادة: أن الأول: هو ما سمعوا من أن النبي ﷺ قد قُتل، والثاني: ما أصابهم من القتل والجراح[17].

وجاء -أيضًا- عن قتادة والربيع: عكس هذا -وهذا هو الأقرب- وهو: أن الغم الأول: هو الهزيمة والقتل والجراح، وما فاتهم من الغنيمة، والغم الثاني: هو ما أُذيع وأُشيع من قتل النبي ﷺ[18]؛ لأن التعليل يدل عليه لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ يعني من النصر والغنيمة، وَلا مَا أَصَابَكُمْ من القتل والجراح، فكيف ينجلي هذا الحزن؟ بغمٍ آخر، في أمرٍ غير متحقق؛ وهو أن النبي ﷺ قد قُتل، فلما استبان الأمر، وأنه -عليه الصلاة والسلام- حيٌ يُرزق، كانوا قد نسوا الغم الأول، فَسُرِّي عنهم، وهذا أمر مُشاهد، فالناس قد يقعون في شيء من الحرج أو المرض، أو الألم، أو المصيبة، أو نحو ذلك، فتأتي بعدها مصيبة أعظم منها، إما على مستوى الفرد، أو على مستوى مجموعِ الناس، فالثانية تنسيهم الأولى، وينسيهم ذلك الألم، أو نحو ذلك، وقد يكون الإنسان فيه جراح، أو نحو ذلك، أو صداع، أو ألم، أو مرض، فيقع حريق، أو حرب، أو نحو ذلك، فينسى ذلك، ويشتغل بالمصيبة الجديدة، هذا معروف ومُشاهد، فالثاني قد يُنسيه الأول.

وجاء عن السُدّي: بأن الأول: ما فاتهم من الظفر والنصر والغنيمة، والثاني: إشراف العدو عليهم[19]؛ لأن العدو حاول أن يصعد الجبل ليصل إليهم، لكن كأن الأقرب -والله أعلم- هو ما ذكرت؛ وهو أن الغم الأول: ما فات من الغنيمة والنصر، وما وقع من الجراح، والغم الثاني: ما أُشيع من قتل النبي -عليه الصلاة وآله والسلام-.

وأصل الغم: التغطية، يقولون: الهم الشديد، والحزن الشديد إذا تكاثر على القلب كأنه يغطيه ويغمه، فيغطيه لكثرته.

"والآخر: ما أرجف به من قتل رسول الله ﷺ عَلَى مَا فَاتَكُمْ من النصر".

وهذا جاء عن عبد الرحمن بن عوف[20]، وهو الذي اختاره أبو جعفر بن جرير[21]، والحافظ ابن القيم، بأن الغم الأول: ما أصابهم من القتل والجراح، والآخر: هو ما أُشيع من قتل النبي ﷺ.

"عَلَى مَا فَاتَكُمْ من النصر والغنيمة وَلا مَا أَصَابَكُمْ من القتل والجراح والانهزام".

وهذا جاء عن ابن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن، وقتادة، والسُدّي[22]، وهو الذي اختاره -أيضًا- ابن كثير -رحمه الله-[23].

"أَمَنَةً نُعاساً قال ابن مسعود: "نعسنا يوم أحد، والنعاس في الحرب أمان"[24][-وفي النسخة الخطية- أمنٌ من الله]".

قول ابن مسعود: "نعسنا يوم أحد، والنعاس" إلى آخره، ومثله ما ثبت عن أبي طلحة ﷺ قال: " رفعتُ رأسي يوم أحد، فجعلت أنظر، وما منهم يومئذٍ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس"[25]، والحجفة: يعني الترس من الجلود، فذلك قوله: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا [آل عمران:154] وجاء في بعض ألفاظ حديث أبي طلحة: "كنتُ فيمن تغشاه النعاس يوم أحد، حتى سقط سيفي من يدي مرارًا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه"[26]، فهو أيضًا أصابه النعاس، وقال هذا حتى لا يظن أحد: بأنه كان متيقظًا ما أصابه النعاس.

وفي قول ابن مسعود: "النعاس في الحرب أمان"[27]، قيل: بمعنى الأمن، وقال ابن جرير[28]، وابن كثير[29]: النعاس أَمَنَةً وهو في هذا الحال دليل الأمان؛ لأن الإنسان إذا كان آمن ينام، ويصيبه النعاس، وإذا كان في حالٍ من الخوف، كمن كان خائفًا من عدو يطارده، أو كان في مكان غير آمن، أو خائفًا من سبع، أو جالسًا في مكان في برية، يخاف على نفسه، أو يخاف على حريمه، فتجده ينتظر الصبح، ويتطاول عليه الليل، وهو أبعد ما يكون عن النوم، لكن إذا وقع عليه النعاس، وفي مكانٍ فيه خوف شديد، فهذا يدل على أمانٍ في نفسه وطمأنينة وسكينة.

ولهذا قالوا: النعاس في مقام الحرب والخوف أمان، وبعض العلماء سُئل عن النعاس والنوم في حال العلم، ومجالس العلم ودروسه، فقال: كلامًا شديدًا، قال: ذلك حمارٌ في مسلاخ إنسان[30]، يعني عكس هذا تمامًا.

أما في مقام الحرب أَمَنَةً نُعاساً فهو يدل على الطمأنينة والسكون؛ لأن القلب إذا امتلأ بالخوف ذهب النوم عنه، فكون الإنسان ينام قرير العين فهذا لأنه آمن، ومن لم يجرب الخوف -نسأل الله العافية، لا يعرف قدر هذه النعمة، وانظر إلى الذين يعانون ويكابدون أسباب الخوف والحروب- بل حتى في بعض البلاد التي ليس فيها حروب، رأيتُ في ساعات متأخرة جموعًا من الرجال يجوبون الأحياء، فسألت: هؤلاء من؟ فقالوا: هؤلاء أهل كل حي ينتدبون منهم كل ليلة مجموعة، يجوبون الحي للحراسة، طول الليل إلى الفجر، فالنعمة التي يعيشها الإنسان، هذه لا تقدر بثمن.

وكم سمعتُ من أناس يسألون: عن صلاة الجمعة في البيوت، حيث لا يستطيعون الوصول إلى الجامع، يقولون: يصلون الجمعة هم ومن معهم في البيت، وبعض هؤلاء كبار في قومهم، يعني شيخ قبيلة، ونحو هذا، في بعض البلاد التي يعمها الفوضى والخوف، يسأل: هل يصح صلاة الجمعة في بيته هو ومن معه؟ نسأل الله العافية.

"يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ [آل عمران:154] هم المؤمنون المخلصون، غشيهم النعاس تأمينًا".

يغشى: يعني يغطي ويستر طائِفَةً مِنْكُمْ هذا معنى غشيان الشيء؛ تغطيته وستره، يغشى: يعني يقع عليهم النعاس، كما وقع في يوم بدر إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ [الأنفال:11].

"غشيهم النعاس تأمينًا لهم وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ [آل عمران:154] هم المنافقون، كانوا خائفين من أن يرجع إليهم أبو سفيان، والمشركون".

وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ قال: "هم المنافقون" وذكر الحافظ بن القيم -رحمه الله-أنه لم يكن معهم منافق في هذه الحال، يعني أن: المنافقين رجعوا مع عبد الله بن أُبي، حينما رجع بثلث الجيش، لكن هذا ليس محل اتفاق بين أهل العلم، وعلى هذا: فالذين أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ هم أناس من المؤمنين ضعفاء الإيمان.

ولكن يشكل على قول ابن القيم -رحمه الله- حديث أنس عن أبي طلحة، وفيه: "والطائفة الأخرى: المنافقون، ليس لهم هم إلا أنفسهم، أجبن قوم، وأرعبه، وأخذله للحق"[31].

فقول الله : يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ يعني طائفةٌ من أهل الإيمان، وَطَائِفَةٌ قال: الطائفة الأخرى هم المنافقون، وهذا أبو طلحة، وتفسير صحابي، وشاهد المعركة، وكان يحكي ما جرى من النعاس لأصحاب النبي ﷺ وله أيضًا، قال: "والطائفة الأخرى: هم المنافقون" فدل على أن بعض المنافقين كانوا موجودين في واقعة أحد -والله أعلم- ولا شك أن قول الصحابي الذي شهد المعركة أولى من قول غيره؛  ولذلك فإن كلام حافظ بن القيم -رحمه الله- فيه إشكال، يعني كون عبد الله بن أُبي رجع بثلث الجيش لا يعني أنه لم يبق منافق، وربما يكون هؤلاء الذين رجع بهم هم من قومه ومن عشيرته ومن قبيلته الخزرج، أو بعض بطون الخزرج، ربما يكون كذلك، لكن يوجد من المنافقين من غيرهم، لكن الوقعة التي لم يكن فيها أحد من المنافقين هي بدر، وفي بيعة الرضوان كذلك لم يبايع أحد إلا مؤمنين، ويذكرون في السيّر أنه كان معهم رجل من المنافقين، وأنه تشاغل بإصلاح رحله، ولم يبايع النبي ﷺ وهذا من الحرمان، وهو صاحب الجمل الأحمر[32].

"غَيْرَ الْحَقِّ [آل عمران:154] معناه: يظنون أن الإسلام ليس بحق، وأن الله لا ينصرهم -وفي النسخة الخطية- وأن الله لا ينصره".

يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران:154] يعني: يظنون أن دين الله مضمحل، وأن أتباعه منهزمون، كقوله تعالى: ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء [الفتح:12] فهذه ظنون السوء، أنهم حينما يرون الصولة للعدو يكونون في غاية السوء في بواطنهم وظنونهم الكاذبة، فـيَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يظنون الله يخذل أولياءه، وأن الأعداء ينتصرون، ويستأصلون المؤمنين، كما قال الله -تبارك وتعالى- في واقعة الأحزاب: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا [الأحزاب:12] أين الوعود؟ وعود كاذبة، وعاقبهم ذلك التخاذل والرجوع وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ [الأحزاب:13] حتى الاسم نسوه، ورجعوا إلى الاسم الجاهلي، بمثل هذه الأوقات تظهر رعونات النفس.

وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ يعني معرضة للسُرَّاق، وليس عليها حراسة وحماية، وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ۝ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ [الأحزاب:13-14] يعني: المدينة مِنْ أَقْطَارِهَا من نواحيها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا أعطوها، يعني سُئلوا الكفر -على القول الراجح في تفسير الآية- لبذلوها، قال: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا [الأحزاب:14] على التفسير المشهور يعني لا يحتاجون إلى كثيرٍ من التفكير والتمهل والتريث، هم مع من غلب، ينتكسون مباشرةً؛ ولهذا جاء في روايات في السيرة كما ذكرت وإن كانت قد لا تثبت من جهة الإسناد: أنه في يوم أُحد كان هناك من يقول: "ارجعوا إلى دين آبائكم فإن محمدًا قد قُتل"[33] فحينما يُوجد مثل هذا الصوت من قِبَلِ بعض المنافقين والضعفاء!

وهؤلاء وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وفي قراءةً أخرى: (لَأتُوْهَا)[34]، وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا [الأحزاب:14] فهذا ظن السوء -نسأل الله العافية-.

وابن القيم -رحمه الله- تكلم عن سوء الظن بالله -تبارك وتعالى- بكلامٍ كثير، ذكر صورًا كثيرًا له، منها: هذا، وهو من ظن أن الله يخذل نبيه، وأولياءه، وحزبه، فقد ظن بالله ظن السوء[35]، ومن ظن أن الكفار يدالون على المؤمنين إدالة مطلقة، فقد ظن بالله ظن السوء، ومن ظن أن الكفار يستأصلون أهل الإيمان، ونحو ذلك، فقد ظن بالله ظن السوء، إلى آخر ذلك من الظنون الكاذبة.

بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْء [الفتح:12] يعني أن الكفار سيستأصلونهم، فهذا من ظن السوء، لذلك في أوقات الهزائم، وأوقات الضعف، وهو حينما يجلب الأعداء تجد أصواتًا نشازًا ترتفع بدعوة الناس إلى التخلي عن دينهم ومبادئهم وإيمانهم، وقد يكتفي بالتراجع هو، وترك ما هو عليه من الإيمان والعمل، ويتنكر لذلك كله، ويعتقد أن هذا لا بقاء له -يعني الحق وأهل الحق- والله ناصرٌ دينه، ومُعز أولياءه، لكن يمتحن الناس، والتاريخ طويل شاهدٌ بهذا.

"وظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ [آل عمران:154] بدلٌ، وهو على حذف موصوف، تقديره: ظن المدة الجاهلية، أو الفرقة الجاهلية".

الجاهلية: هي الحالة التي تكون مضافةً إلى الجهل، فهي حالة نفسية وشعورية وواقعية، بعيدة عن الله -تبارك وتعالى- والاهتداء بهداه، فهذه الجاهلية، وكل حالةٍ بعيدة عن هدى الله؛ حالة نفسية، أو شعورية، أو واقعية، أو اعتقادية فهي جاهلية.

وكل مجتمعٍ لا يهتدي بهدى الله فهو جاهلي، وقد يكون في الرجل الواحد خصلة من خصال الجاهلية، كما قال النبي ﷺ لأبي ذر: إنك امرؤٌ فيك جاهلية[36]، يعني خصلة من خصال الجاهلية، فقد يكون في المؤمن خصلة من خصال الجاهلية.

لكن لا يصح أن يقال لعصرٍ بعد بعث النبي ﷺ بأنه العصر الجاهلي، يعني يقال: العصر الجاهلي لما قبل مبعث النبي ﷺ فهذا لا إشكال فيه، وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] ولكن بعد بعث النبي ﷺ لا يقال: العصر الجاهلي، أو هذا العصر الجاهلي، أو نحو ذلك؛ لأن ذلك فيه ما فيه من الإزراء لبعث النبي ﷺ والنور الذي أشرقت به الدنيا، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الفتح:28] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] فكيف يختزل هذا، ويقال: عصرٌ جاهلي؟ أو جاهلية القرن العشرين، أو نحو هذا، فهذا لا يجوز، وإنما يقال ذلك في بلدٍ معين، مثلًا: الجاهلية الغربية، ونحو ذلك، من بلاد الكفار، فهم أهل جاهلية بلا شك، وهي منسوبةٌ إلى الجهل، ويكفي إزراءً عليها نسبتها إلى الجهل، حيث يعتقدون أنهم أصحاب علم وتقدم وتطور وحضارة، والواقع أنهم منغمسون في الجهل؛ ولهذا فهم عرفوا شيئًا من الدنيا، وفاتهم منها كثير، ولكنهم لم يعرفوا أهم المهمات، وأعظم المطالب، وهو معرفة الله، والإيمان به، وتوحيده، فهذا أعظم الأمور وقد جهلوه؛ ولذلك فإن ذكر هؤلاء على سبيل التمثل بهم للمثل العليا، ونحو ذلك، كما يذكر أحيانًا عن اليابان ونحو هذا، في مظاهر: من دقتهم وتطورهم وأخلاقهم وأمانتهم، في رسائل يتداولها الناس، لا أرى هذا صحيحًا أبدًا، فليسوا بأهلٍ لأن يذكروا بمثل هذه المقامات على أنهم قدوة، فهؤلاء جهلوا أهم المطالب، وأعظم المعارف، لم يعرفوا الله، الذي خُلقوا من أجل عبادته مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وهم ما عرفوا هذا، ولا اقتربوا من معرفته.

"هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ [آل عمران:154] قالها عبد الله بن أبي بن سلول، والمعنى: ليس لنا رأي، ولا يسمع قولنا أو: لسنا على شيء من الأمر الحق، فيكون قولهم على هذا كفرًا".

هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ يعني: لم يكونوا يملكون شيئًا من قرار الخروج إلى القتال، فإذا كان المقصود: ابن أبُي، فابن أُبي لم يحضر المعركة، رجع من الطريق كما هو معروف، فيكون قالها قبل ذلك -يعني حينما أراد أن يرجع- أنه أطاع هؤلاء الشباب المندفعين، الذين أرادوا الخروج، فكان ابن أُبي يرى البقاء في المدينة، وأن لا يخرج النبي ﷺ للمشركين، فخرج النبي ﷺ مع أن رأيه ﷺ كان البقاء في المدينة، لكن الذين كانوا يرون الخروج هم الذين لم يشهدوا بدرًا في الغالب، وكانوا يتحرّقون على لقاء العدو، وأرادوا الخروج، فلما رأوا أنهم قد حملوا النبي ﷺ على شيءٍ لم يرغب فيه، وكان قد لبس لأمته، فقالوا للنبي ﷺ: كأننا أكرهناك على الخروج، فقال: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل[37]، أو ما ينبغي لنبي أن يضع أداته بعد أن لبسها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه[38]، ولأمته المقصود بها: لباس القتال من السلاح بأنواعه؛ من الدرع، ونحو ذلك، مما يلبسه المقاتل.

وبعضهم يقول: هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ أي: من أمر الله -تبارك وتعالى- وهو النصر، والظهور على العدو.

وبعضهم يقول: هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ يعني: ما بأيدينا شيء؛ لأننا خرجنا مكرهين أصلًا، وهذا يحتمل أن يكون في بعض الذين خرجوا، وهم طائفة منهم.

قال: وَطَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ [آل عمران:154] فطائفة يغشاها النعاس، وطائفة لم تكن كذلك؛ وهم أهل النفاق، وهم جالسون يتحرقون، ويتلاومون، وكان هذا القلق والتشكي في وقت المصيبة، يعني يقولون: أخرجنا مكرهين لم نكن بإرادتنا.

فظاهر السياق أن هذا في قومٍ قد خرجوا، يعني من قال: بأن عبد الله بن أُبي، فعبد الله بن أُبي رجع لم يكن في المعركة، وهذا في الطائفة التي أهمها أنفسها؛ لأن الكلام متصل هنا، وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ إذًا كانوا معهم في المعركة، فهذا يحتمل على كل حال، والله أعلم.

"يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ [آل عمران:154] يحتمل أن يريد الأقوال التي قالوها، أو الكفر".

المعنى الأخير الذي ذكره ابن جزي: "أو لسنا على شيءٍ من الأمر الحق" لكن هذا بعيد، وابن كثير -رحمه الله- فسره بما بعده: يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا يعني هذه المقالة التي أخفوها.

"لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ قاله معتب بن قشير[39]، ويحتمل من المعنى ما احتمل قول عبد الله بن أبي".

"لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قاله معتب بن قشير" وهذا جاء بإسنادٍ حسن، من حديث الزبير [40].

قال: "ويحتمل من المعنى ما احتمل قول عبد الله بن أبي" يعني أنه لم يؤخذ برأينا، ولو أطاعنا ما خرج إلى أُحد.

وبعضهم يقول: يظنون أنهم يدفعون بذلك القدر، لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا يعني: ظن أهل الجاهلية: لو أنه أطاعهم فما خرجوا ما حصل القتل، هذه (لو) التي قال النبي ﷺ: تفتح عمل الشيطان[41].

يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا يدفعون بذلك قدر الله، وهذا لا يمكن، قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ فالإنسان سيموت في اللحظة الذي قُدرت له، فلا الحرب يقرب الأجل، ولا السلم يبعده، ولا المرض يقرب الأجل، ولا الصحة المتناهية تؤخره، ولا ركوب الأخطار يقرب الأجل، ولا الحذر الشديد يباعده، وليس معنى ذلك أن الإنسان يفرط في الأسباب، بل يحتاط، ويعمل الأسباب كما أُمر، فقد تكون سلامته مرتبة على هذه الأسباب بقدر الله تعالى، كما أنه يدعو ربه -تبارك وتعالى- ويتعاطى أسباب السلامة، ولا يتصرف تصرفات من شأنها أن توقع الإنسان بقدر الله تعالى، جعلها الله أسبابًا للمكروه، ويقول: كل شيءٍ بقدر الله فيتصرف تصرفات يكون فيها مفرطًا، فهذا لا يجوز، وإنما يفعل الأسباب، سواءً كان ذلك في مزاولاته، من جهة المخاطرة في سيره ومشيه وركوبه، ونحو ذلك، أو كان في غير هذا من الأمور التي يدفع بها الحر والبرد، وكذلك مدافعة المرض، ونحو هذا، فهو يبذل الأسباب، لكن يتوكل على الله -تبارك وتعالى- والأجل مقدر من الله .

في هذه المقاطع التي يشاهدها الناس ويتبادلونها أشياء عجيبة، يعني كيف يسلم إنسان أحيانًا بين سيارتين، يقع بينهما صدام وبينهم إنسان، ويسلم، ويخرج من بين السيارتين وهو يمشي على قدميه سالمًا، أو تأتي سيارة وتصدم في مكان يكون قد تحرك خطوات، قبل أن تصل إليه، ومناظر ومشاهد عجيبة في هذا، كلها تصور هذا المعنى، وأن قدر الله -تبارك وتعالى- نافذ، فمن كُتبت له السلامة فلو كان في رأس الأسباب الموجبة للخطر، فهو يسلم، وإن كان قد كُتب عليه غير ذلك فلو كان في غاية المأمن، فأنه يصيبه قدر الله .

"قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران:154] الآية: ردٌ عليهم، وإعلامٌ بأن أجل كل إنسان إنما هو واحد، وأن من لم يقتل يموت لأجله، ولا يؤخر، وأن من كتب عليه القتل لا ينجيه منه شيء وَلِيَبْتَلِيَ [آل عمران:154] يتعلق بفعل تقديره: فعل بكم ذلك ليبتلي".

والحافظ ابن القيم -رحمه الله- يقول: لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ هو اختبار ما فيها من الإيمان والنفاق، بما فعل بكم في يوم أُحد، من القتل والهزيمة والجراح، ونحو ذلك، فهذا ابتلاء من الله، يحصل به التمحيص؛ لأنه لو أدالهم إدالة دائمة، ونصرهم نصرًا دائمًا، فإنه لا يتميز المنافق من المؤمن، وضعيف الإيمان، بل سيهرول إليهم كل أحد، لكن حينما يقع مثل هذه الشدائد، فإنه يثبت أهل الإيمان، ويتساقط من يتساقط، وهؤلاء الذين يتساقطون ويرجعون على أدبارهم وأعقابهم، كما قال الله : لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا [آل عمران:176] هم يضرون أنفسهم فقط، فلا يؤسف على هؤلاء؛ لأنه لو علم الله فيهم خيرًا لبقوا وثبتوا، وثبتهم، وكما قال فيمن قعد عن غزوة العسرة، تبوك: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة:47] فهذا حالهم، لكم كره الله انبعاثهم فثبطهم، والله المستعان.

"إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا [آل عمران:155]... الآية، فيمن فر يوم أحد -في النسخة الخطية: الآية نزلت فيمن فر يوم أحد- اسْتَزَلَّهُمُ أي: طلب منهم أن يزلوا، ويحتمل أن يكون معناه: أزلهم أي أوقعهم في الزلل".

 

"اسْتَزَلَّهُمُ طلب منهم أن يزلوا" باعتبار أن الحروف الثلاثة الأولى تدل على الطلب، يقول: "ويحتمل أن يكون معناها: أزلهم" يعني تكون الحروف الثلاثة الأولى، ليست للاستدعاء والطلب وإنما للتوكيد، يعني طلب زللهم، والزلة: هي الخطأ والذنب من غير قصد، ولكن أصل الزلل: استرسال الرِجل من غير قصد، هذا أصله في اللغة.

"بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا [آل عمران:155] أي: كانت لهم ذنوب عاقبهم الله عليها، بأن مكن الشيطان من استزلالهم".

كما قال بعض السلف: أن من ثواب الحسنة: الحسنة بعدها، وإن من جزاء السيئة: السيئة بعدها، وهذه الآية تحمل معنًى كبيرًا، وهو أن: ذنوب الإنسان وجرائره، ومعاصيه، قد تكون سببًا لخذلانه في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تثبيت ونصر وعون من الله تعالى، فيُخذل وينهزم ويندحر ويضعُف ويُتراجع.

فهذه كما ترى حكمة الله وعدله، فالجزاء من جنس العمل، لم يثبت في جهاده الأول مع النفس والشيطان، وكان له ما كان من مقارفات وجنايات، فإذا جاء الجد انهزم ورجع وانتكس، سواء كان ذلك في ميدان المعركة، أو في غير المعركة الحربية، أو في غيرها من الميادين التي تكون فيها الشدة متوجهةً إليه، فيُخذل في وقتٍ أحوج ما يكون فيه إلى عون الله وتأييده.

ولذلك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، هذه أصل قاعدة كبيرة، ومعنىً عظيمًا، ينبغي أن يجعلها الإنسان دائمًا نصب عينيه، هؤلاء انهزموا، ولاحظ أنه جاء بثاني أقوى صيغة في الحصر: (إنما) إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا فوقع لهم هذا الانهزام بجناياتٍ سابقة، فينبغي على العبد أن يحصن نفسه دائمًا، وأن يكون حاله في الخلوة كحاله في الجلوة أمام الناس، ملازمًا للتقوى، ومراقبة الله والصيانة، وحفظ الجوارح، والقلب، وما إلى ذلك، وإلا فقد يُخذل.

"عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آل عمران:155] أي: غفر لهم ما وقعوا فيه من الفرار.

لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:156] أي: المنافقين".

لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156] حمله ابن كثير -رحمه الله- على إنه نهي عن مشابهة الكافرين في اعتقادهم الفاسد[42]، فنهى عن مشابهتهم لذلك، وهذا الذي اختاره ابن جرير[43]، جاريًا على ظاهر اللفظ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا.

وحمله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- على المنافقين[44]، كما قال ابن جزي هنا، وذلك باعتبار السياق، أنه في معركة أُحد، وأن هؤلاء هم الذين كانوا يرددون مثل هذه العبارات: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا [آل عمران:168]  كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران:156] فهذه العبارات التي يرددها مثل هؤلاء في أُحد، قالوه لهم، يُثبّطونهم، وهكذا في قوله: وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ [التوبة:81] هذا في غزوة تبوك، كانت في صيف، وفي حرٍّ شديد.

وهكذا كما قال الله : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [الأحزاب:18] هذه في واقعة الأحزاب، وعرفنا في مناسبات سابقة: أن القاعدة أن (قد) إذا دخلت على الفعل الماضي أنها للتحقيق، وإذا دخلت على المضارع فكثير من أهل اللغة يقولون: إنها قد تفيد التكثير أو التقليل، لكن إذا كانت في كلام الله : قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ فهي للتحقيق قطعًا.

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ [النساء:72] هذا كله في المنافقين -والله أعلم- فالذين نظروا إلى السياق، قالوا: إنها في المنافقين، والذين نظروا إلى ظاهر اللفظ، قالوا: إنها نهيٌ عن مشابهة الكافرين، ولا شك أن المنافقين هم كفارٌ في الباطن، لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ يعني: السفر للتجارة، ونحو ذلك، أَوْ كَانُوا غُزًّى يعني: قُتلوا في المعركة، لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا وهذا الذي يُسمى: باللف والنشر المرتب، فالضرب في الأرض: السفر للتجارة، مَاتُوا، أَوْ كَانُوا غُزًّى قُتلوا، فجاء بهما مرتبين، مَاتُوا، قُتِلُوا وقبله ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ، أَوْ كَانُوا غُزًّى فالأول للأول، والثاني للثاني، هذا يسمونه: لف ونشر، يعني: يُجمل قضيتين، ثم يأتي بأحكامهما، فإن كانا على الترتيب الأول؛ فهو لفٌ ونشرٌ مرتب.

وقد يكون مشوشًا يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ۝ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:106-107] فذكر بالعكس، يعني: ذكر الثاني، ثم الأول.

"لِإِخْوَانِهِمْ هي أخوة القرابة؛ لأن المنافقين كانوا من الأوس والخزرج، وكان أكثر المقتولين يوم أحد منهم، ولم يقتل من المهاجرين إلّا أربعة".

فالأخوة قد تقال: باعتبار النسب، وقد تقال: باعتبار الدين، وقد تقال: باعتبار ما يجمعهم كالبلد، ونحو ذلك، كالعمل الذي يعملونه يكون واحدًا، ونحو هذا، كما قال في قوله -تبارك وتعالى- في الأحزاب: وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا [الأحزاب:18] فهؤلاء من المنافقين، يقولون لإخوانهم، وجاء في بعض الروايات: أن رجلاً قال لأخيه -يعني من النسب- دعاه إلى طعام، أو نحو ذلك، فقال له: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس[45]، تعال واطعم، يعني دع هؤلاء.

ويحتمل أن يكون المقصود: وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ يعني: من قبيلتهم، ومن عشيرتهم، ويحتمل أن يكون وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ من المنافقين، ويحتمل أن يكون المعنى: قالوا للمؤمنين باعتبار الأخوة في البلد، كونهم جميعًا في المدينة، ومصالحهم ومصيرهم قد يكون مشتركًا.

"إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أي: سافروا، وإنما قال: (إذا) التي للاستقبال مع (قالوا)، لأنه على حكاية الحال الماضية".

والضرب في الأرض مضى الكلام عليه في بعض المناسبات لعله في المصباح المنير، يعني: المشي فيها؛ لأن الذي يمشي على راحلة، أو على قدمه، كأنه يضرب بقدمه، أو راحلته على الأرض، فيقال للسفر: الضرب في الأرض.

"أَوْ كَانُوا غُزًّى جمع غاز، وزنه (فُعّل) بضم الفاء، وتشديد العين".

الغزو معروف: هو الخروج إلى محاربة العدو، وأصل المادة تعني طلب شيء.

"لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا اعتقادٌ منهم فاسد؛ لأنهم ظنوا أن إخوانهم لو كانوا عندهم لم يموتوا، ولم يقتلوا، وهذا قول من لا يؤمن بالقدر، والأجل المحتوم، ويقرب منه مذهب المعتزلة في القول بالأجلين".

مذهب المعتزلة: أن المقتول لم يمت بأجله، يعني له أجل لو لم يتسبب هذا ويعتدي عليه لبلغه، يعني -مثلًا- كان سيعيش سبعين سنة، فجاء هذا وقتله وعمره -مثلًا- عشرون سنة، فيقولون: هذا أجل غير الأجل الأصلي، أجله سبعون، فقطع عليه القاتل أجله، وصار له أجلان، هذا الأجل الذي صار إليه لما قُطع عليه أجله الذي كان، فالمقتول عند المعتزلة مقطوعٌ عليه أجله، وهذا غير صحيح، هو ميت بأجله.

"لِيَجْعَلَ [آل عمران:156] متعلقٌ بـ(قالوا)، أي: قالوا ذلك فكان حسرةً في قلوبهم".

وهذا اختيار ابن جرير -رحمه الله-[46]، وابن كثير -رحمه الله- يقول: إن الله خلق هذا الاعتقاد الفاسد في نفوسهم، يزدادوا حسرة، على موتهم، وقتلهم[47]، وكما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: لو تفتح عمل الشيطان[48]، فهذا القول الذي يقولونه يورث في النفس تآكلًا وحسرةً وحزنًا متجددًا؛ لأنه كأنه يعتقد أنه يندفع عنه ذلك لو فعل هذا، الذي لا يمكن أن يدفع به، ولا يمكن أن يستدرك، ولا يمكن أن يرجع الأمر إلى ما كان قبل ذلك، فهذا أمرٌ قضاه الله -تبارك وتعالى- فلا يقول الإنسان: لو لو، انتهى، قدر الله وما شاء فعل.

قال: "إشارة إلى قولهم واعتقادهم الفاسد" ليجمع بين القولين، إشارة إلى القول، والاعتقاد الفاسد، وهذا جيد.

"أي: قالوا ذلك فكان حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ فاللام لام الصيرورة لبيان العاقبة".

يقول هنا: "متعلق بـ(قالوا)" وهذا كما سبق هو ظاهر كلام ابن جرير[49]، وكذلك -أيضًا- ابن كثير -رحمه الله-[50].

وبعضهم يقول: إنه متعلق بـقوله: وَلَا تَكُونُوا والمعنى: لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك؛ ليجعله الله حسرةً في قلوبهم فقط، وهذا فيه بُعد، وبعضهم يقول: المعنى: لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة، وهذا بعيد، لكن الظاهر أنه يرجع إلى الاعتقاد والقول الذي قالوه لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا، والله أعلم.

" ذَلِكَ [آل عمران:156] إشارة إلى قولهم واعتقادهم الفاسد، الذي أوجب لهم الحسرة؛ لأن الذي يتيقن بالقدر والأجل تذهب عنه الحسرة وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ [آل عمران:156] ردٌ على قولهم واعتقادهم، وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ [آل عمران:157] الآية، إخبار أن مغفرة الله ورحمته لهم، إذا قُتلوا، وماتوا في سبيل الله، خير لهم مما يجمعون من الدنيا وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ [آل عمران:158] الآية، إخبارٌ أن من مات أو قُتل، فإنه يحشر إلى الله فَبِمَا رَحْمَةٍ [آل عمران:159] (ما) زائدة للتأكيد لانْفَضُّوا [آل عمران:159] أي: تفرقوا".

يقول: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آل عمران:159] (ما) زائدة للتأكيد" وسبق في بعض المناسبات الكلام على إطلاق لفظ الزيادة، وأن بعضهم كرهه، وأن لا زائد في القرآن، طبعًا يقصدون زائدة إعرابًا لتقوية الكلام وتأكيده، والله أعلم.

وهنا يقول: "زائدة للتأكيد" يعني: بسبب رحمة الله تعالى لك ولأصحابك ألان قلبك لهم، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ يعني: بسبب، فالباء للسببية، بسبب رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لك ولهم، ألان قلبك لهم، كما قال الله : قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

وفي الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -ا- في صفة النبي ﷺ في التوراة ليس بفظٍ ولا غليظ، ولا صخّاب في الأسواق -الصخاب في الأسواق رفع الصوت في الأسواق- ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر[51].

وابن كثير -رحمه الله- يقول: أي شيءٍ جعلك لهم لينًا، لولا رحمة الله بك وبهم[52]، وقال قتادة: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ برحمة من الله لنت لهم[53]، وهذا التفسير جاري على أن (ما) للتوكيد.

وهذه يسميها بعضهم من باب التأدب في العبارة: (ما) صلة للتوكيد، يقولون: تصلها العرب بالمعرفة، كقولهم: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ [النساء:155] يعني: فبنقضهم ميثاقهم، ويصلونها بالنكرة، كقوله: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ [المؤمنون:40].

وفي هذا الموضع أيضًا في قوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أن (ما) زائدة هذه للتوكيد، هذا الذي جرى عليه اختيار سيبويه شيخ النحو[54]، وأبو جعفر ابن جرير شيخ المفسرين[55]، والحافظ ابن كثير[56]، فكلهم جروا على هذا، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي: فبرحمةٍ من الله، فـ(ما) حرف زائد للتوكيد.

"لانْفَضُّوا أي: تفرقوا".

"لانْفَضُّوا أي: تفرقوا" يعني: لم يسكنوا إليك، والفض: كسر الشيء، والتفريق بين بعضه بعضًا، فأصله: التفريق والتجزئة.

"فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران:159] أي: فيما يختص بك، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ أي: فيما يختص بحق الله، وَشَاوِرْهُمْ المشاورة مأمور بها شرعًا، وإنما يشاور النبي ﷺ الناس، في الرأي في الحروب، وغيرها، لا في الأحكام الشرعية، وقرأ ابن عباسٍ: وشاورهم في بعض الأمر[57]".

ذكر الحافظ ابن القيم -رحمه الله- أن هذه الآية تضمنت الحقوق الثلاثة؛ حق الله -تبارك وتعالى- الذي هو وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وحق النبي ﷺ فَاعْفُ عَنْهُمْ وحق الخلق وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ.

"فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159] التوكل: هو الاعتماد على الله في تحصيل المنافع، أو حفظها بعد حصولها، وفي دفع المضرات، ورفعها بعد وقوعها، وهو من أعلى المقامات".

فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أصل العزم: القطع، والمقصود: عقدت قلبك على إمضاء الأمور فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ.

"وهو من أعلى المقامات، لوجهين: أحدهما: قوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران:159] والآخر: الضمان الذي في قوله: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] وقد يكون واجبًا؛ لقوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23] فجعله شرطًا في الإيمان؛ ولظاهر قوله : وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [آل عمران:123] فإن الأمر محمولٌ على الوجوب".

وأعلم أن الناس في التوكل على ثلاث مراتب:

الأولى: أن يعتمد العبد على ربه، كاعتماد الإنسان على وكيله المأمون عنده، الذي لا يشك في نصيحته له، وقيامه بمصالحه.

والثانية: أن يكون العبد مع ربه كالطفل مع أمه، فإنه لا يعرف سواها، ولا يلجأ إلّا إليها.

والثالثة: أن يكون العبد مع ربه: كالميت بين يدي الغاسل، وقد أسلم نفسه إليه بالكلية.

فصاحب الدرجة الأولى له حظ من النظر -في النسخة الخطية: فصاحب الدرجة الأولى عنده حظ من النظر- لنفسه، بخلاف صاحب الثانية، وصاحب الثانية له حظ من المراد والاختيار، بخلاف صاحب الثالثة.

وهذه الدرجات مبنيّة على التوحيد الخاص الذي تكلمنا عليه في قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [البقرة:163] فهي تقوى بقوته، وتضعف بضعفه".

هذا التوحيد الخاص الذي يتكلم عليه هو الذي مضى الكلام، والتعليق عليه صفحة: (256،255) وهذا الكلام من جنس كلام الصوفية، وهنا يشير إليه في مسألة التوكل، مضى الكلام عليه عند قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ [البقرة:163] لما تكلم على الواحد، قال: "واعلم أن توحيد الخلق لله -تعالى- على ثلاث درجات: توحيد عامة المسلمين، وهو الذي يعصم النفس والمال في الدنيا، وينجي من الخلود في النار في الآخرة، وهو نفي الشركاء والأنداد والصاحبة والأولاد والأشباه والأضداد.

والدرجة الثانية: توحيد الخاصة، وهو أن يرى الأفعال كلها صادرةً من الله وحده، ويشاهد ذلك بطريق المكاشفة، لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمن، وإنما مقام الخاصة في التوحيد يقينهم في القلب بعلمٍ ضروري لا يحتاج إلى دليل" وهذا الذي يُسمى عند الصوفية: وحدة الشهود، وهذه مشكلة "وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله، والتوكل عليه وحده... إلى آخره.

والدرجة الثالثة: ألا يرى في الوجود إلا الله وحده، فيغيب عن النظر إلى المخلوقات" وهذا الذي يُعرف بوحدة الوجود، هذا توحيد خاصة الخاصة، توحيد المنحرفين والضلال هو توحيد خاصة الخاصة، نسأل الله العافية.

وهذا الذي أشار إليه هنا بقوله "وهذه الدرجات مبنيّة"، يعني في التوكل، يعني أصحاب الدرجة الثالثة هؤلاء هم خاصة الخاصة، الذين هم أصحاب وحدة الوجود "أن يكون العبد مع ربه كالميت بين يدي الغاسل، قد أسلم نفسه إليه بالكلية" ليس هذا على إطلاقه بأن يكون كالميت، معروف مدافعة القدر بالقدر، وعمر لما ذهب إلى الشام، ووقع فيها الطاعون، واستشار أصحاب النبي ﷺ وهي واقعة معروفة، وكيف رد على أبي عبيدة لما قال: أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟[58] فهذا يدفع قدر الله مثلما يُدفع الجوع بالأكل، والعطش بالري والشرب، والمرض بالدواء، ونحو ذلك.

وقلنا: إن هذا على أقسام -كما ذكرنا- في الأعمال القلبية، منه ما لا مدفع له، فهنا يجب التسليم، كالموت إذا نزل، والمصيبة التي تقع مما لا يمكن دفعه، ففي هذه الحال انتهى، يجب التسليم والصبر، ولا يعترض على قدر الله وهناك ما يمكن دفعه، ولكن مدافعته تكون بأسبابٍ مظنونة ليست مقطوعة، فهذا لا يجب، مثل: لو أنه مرض، ويوجد علاج مظنون، فلا يجب عليه التداوي في هذه الحال.

النوع الثالث: ما يكون أثره مقطوعًا به؛ مثل: الجوع والعطش، لو قال: لا أشرب ولا آكل، حتى مات، فيكون قد فرط وعرض نفسه للهلكة، ولا تبرأ ذمته، كذلك لو أنه جُرح فصار ينزف، وكان بالإمكان أن يربط هذا الجرح، فهذه نتيجته معروفة، عند تخيط الجرح يقف الدم، فيقول: لا، أنا أتركه ينزف حتى أموت، ولا أتسبب، وقد ذكر بعضهم شخصًا للإمام أحمد: أنه لم يكن يأكل من باب التوكل، فكانوا يضعون الطعام في فيه، فما كان يمضغ؛ لأن المضغ حركة وتسبب، فكانوا يحركون فكه، طيب هذا إذا احتاج الخلاء ماذا يصنع؟ هو لا يتحرك ولا يتسبب أبدًا، ماذا يصنع؟ يعني هذا لا يمكن، هذا مخالف لطبيعة الحيوان والإنسان، وفطر الخلق، وسنن الله في الكون، فالتسبب وفعل الأسباب، ولا يقال: "يكون كالميت بين يدي الغاسل" مطلقًا هكذا، هذا غير صحيح.

وإنما هناك من القدر ما يدافع بقدر الله والناس يذهبون ويعملون، ويكتسبون، وعلى هذا جرت الحياة، وعمارة الأرض، وهكذا الأكل، والشرب، والنكاح، إلى آخره، وهذا يريد من الناس أن يتعطلوا من كل شيء، وهذا توحيد خاصة الخاصة، الذي يشير إليه، فهذا غير صحيح، فالقدر يُدافع بالقدر.

"فإن قيل: هل يشترط في التوكل ترك الأسباب أم لا؟ فالجواب: أن الأسباب على ثلاثة أقسام:

أحدها: سبب معلومٌ قطعا، قد أجراه الله تعالى: فهذا لا يجوز تركه: كالأكل لدفع الجوع، واللباس لدفع البرد".

إذا كان "كالميت بين يدي الغاسل" فالجوع من قدر الله فلا يدفعه بالأكل على هذا، مما يدل على أن تلك المرتبة التي يصفها غير صحيحة.

"الثاني: سببٌ مظنونٌ: كالتجارة وطلب المعاش، وشبه ذلك، فهذا لا يقدح فعله في التوكل؛ لأن التوكل من أعمال القلب، لا من أعمال البدن، ويجوز تركه لمن قوي عليه".

تركه خلاف سنة الله في هذا الخلق، وخلاف سنن المرسلين وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ [الفرقان:20].

"والثالث: سبب موهوم بعيدٌ، فهذا يقدح فعله في التوكل، ثم إن فوق التوكل التفويض، وهو الاستسلام لأمر الله -تعالى- بالكلية، فإن المتوكل له مرادٌ واختياٌر، وهو يطلب مراده باعتماده على ربه، وأما المفوض فليس له مرادٌ ولا اختيار، بل أسند المراد والاختيار إلى الله -تعالى- فهو أكمل أدبًا مع الله -تعالى-".

ليس بهذا الإطلاق، بل بالتفصيل السابق، فإن فعل الأسباب فيه هذا التفصيل، لكن من الأدب مع الله -تبارك وتعالى- ألا يكون للعبد اختيار مع الله، هذا ليس بهذا الإطلاق الذي يذكره المؤلف، لكن متى يكون هذا، لا يكون له اختيار؟ يعني -مثلًا- أن يُرزق الإنسان بالبنات، ولا يُرزق بالذكور الأبناء، فيقول: أنا مُفوض أمري إلى الله، والذي يأتي من الله أنا راضي به، والحمد لله، ولا يكون له اختيار مع الله.

قد يقول له الأطباء: أنه هناك وصفات معينة، وبرنامج معين في الأكل والشرب، أو نحو ذلك، يغلب أن يكون المولود ذكرًا إذا تعاطيت هذه الأسباب، فيقول: لا، أنا لا يكون لي اختيار مع الله، فهذا صحيح، لكن أن يترك فعل الأسباب من باب التفويض، فيترك الكسب، والتجارة، والعمل، أو يترك التداوي، أو يترك حتى الأكل والشرب، من باب التفويض، هذا كلام غير صحيح، وليس على إطلاقه.

  1. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/147) وتفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (3/185) وتفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/526).
  2. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/137).
  3. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/146).
  4. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/146).
  5. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/137).
  6. كذا في تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/100) وفي البخاري في كتاب المغازي، باب {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون} [آل عمران:153] برقم: (4067) عن البراء بن عازب -ا- قال: "جعل النبي ﷺ على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير، وأقبلوا منهزمين فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم".
  7. تنظر: سيرة ابن هشام ت السقا (2/438) وإمتاع الأسماع (2/9) وغيرهما.
  8. مسند أحمد ط الرسالة (3/298-1776) وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين".
  9. سبق تخريجه.
  10. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/137).
  11. سبق تخريجه.
  12. سبق تخريجه.
  13. سبق تخريجه.
  14.  سبق تخريجه.
  15. سبق تخريجه.
  16. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (3/791).
  17. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (3/791).
  18. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/152).
  19. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (3/791) وتفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/152).
  20. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/143).
  21. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/158).
  22. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/144).
  23. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/144).
  24. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/527).
  25. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران برقم: (3007) وصححه الألباني، وانظر: تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/162).
  26. أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ...} [آل عمران:154] برقم: (4068).
  27. سبق تخريجه.
  28. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/163).
  29. تفسير ابن كثير ت سلامة (4/23).
  30. البيان والتبيين (1/154).
  31. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران برقم: (3008) وقال الألباني: "صحيح دون قوله: والطائفة الأخرى".
  32. أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب المناقب، باب فيمن سب أصحاب النبي ﷺ برقم: (3863) عن جابر عن النبي ﷺ قال: ((ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر)) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب" وضعفه الألباني.
  33. التفسير الوسيط للواحدي (1/502) وفتح القدير للشوكاني (1/445).
  34. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (19/46).
  35. زاد المعاد (2/103-106) وقد بسط القول في ذلك أيضاً في إغاثة اللهفان.
  36. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك برقم: (30) ومسلم في الإيمان والنذور، باب إطعام المملوك مما يأكل برقم: (1661).
  37. أخرجه أحمد ط الرسالة (23/99-14787) وقال محققو المسند: "صحيح لغيره".
  38. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم: (13282).
  39. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/167).
  40. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/168).
  41. أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله برقم: (2664).
  42. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/147).
  43. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/175).
  44. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/214).
  45. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (19/50).
  46. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/175).
  47. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/147).
  48. أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله برقم: (2664).
  49. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (6/175).
  50. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/147).
  51. أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب كراهية السخب في السوق برقم: (2125).
  52. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/148).
  53. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/148).
  54. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/533) وفتح القدير للشوكاني (1/451) وتفسير القرطبي (4/248).
  55. تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (2/235).
  56. تفسير ابن كثير ت سلامة (2/148).
  57. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (3/802).
  58. أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب ما يذكر في الطاعون برقم: (5729) ومسلم في السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها برقم: (2219).

مواد ذات صلة