الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
(006) من قوله تعالى (وما قدروا الله حق قدره..) الآية 92 – إلى قوله تعالى (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه..) الآية 100
تاريخ النشر: ١٠ / ربيع الآخر / ١٤٣٩
التحميل: 727
مرات الإستماع: 550

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:

فاللهم ارزقنا الفقه في الدين، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، واغفر لنا ولشيخنا والحاضرين، والمستمعين، ولجميع المسلمين.

قال الحافظ ابن جزي -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91] أي: ما عرفوه حق معرفته في اللطف بعباده، والرحمة لهم، إذ أنكروا بعثه للرسل، وإنزاله للكتب، والقائلون هم اليهود، بدليل ما بعده، وإنما قالوا ذلك مبالغةً في إنكار نبوة محمد ﷺ، وروي أن الذي قالها منهم مالك بن الصيف[1]، فردّ الله عليهم بأن ألزمهم ما لا بد لهم من الإقرار به، وهو إنزال التوراة على موسى، وقيل: القائلون قريش، وألزموا ذلك لأنهم كانوا مقرين بالتوراة.

قوله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ يعني: ما عظموه حق تعظيمه، يقول هنا: "ما عرفوه حق معرفته" هذا التفسير "ما عرفوه حق معرفته في اللطف بعباده" ونحو ذلك، هو من مقتضيات ما ذُكر من التعظيم؛ لأنهم إذا عرفوه معرفةً لائقة عظموه.

يقول: "والقائلون هم اليهود" وجاء من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس -ا- أنها نزلت في اليهود حينما قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابًا؛ فأنزل الله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ[2]، وهذه الرواية ثابتة عن ابن عباس -ا-، وهي أيضًا صريحة بكونها سبب النزول، ومثل هذا قد يُشكل على ما سبق من أن سورة الأنعام نزلت جملةً في مكة؛ ولهذا قال من قال من أهل العلم: بأنه يُستثنى منها آيات نازلة في المدينة، وهذا أيضًا لا يخلو من إشكال، فكون السورة نزلت جملةً واحدة في مكة فكيف يُستثنى منها؟ ويمكن أن يقال -والعلم عند الله -: بأن هذه الآيات نزلت ثانيةً في المدينة، يعني تكرر نزولها بسبب قول اليهود.

وقوله هنا: "وروي أن الذي قالها منهم مالك بن الصيف" وهذا جاء عند ابن جرير عن عكرمة مرسلاً[3].

وجاء أيضًا عند ابن جرير[4]، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مرسلاً[5]، وعن ابن أبي حاتم عن السدي: أنها في فنحاص اليهودي[6]، حين غضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء، في قصة اليهودي واليهودية، الذين زنيا، حين دعا النبي ﷺ بالتوراة، فوضع الحبر إصبعه على آية الرجم، وذكروا ما يجدونه عندهم في التوراة من تسويد الوجه، ونحو ذلك يعني سوى الرجم، فلما قال عبد الله بن سلام : مره يا رسول الله فليرفع إصبعه، فظهرت آية الرجم[7]، فغضب اليهودي هذا، وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء، هكذا جاء في بعض هذه الروايات[8].

فالرواية الأولى عن ابن عباس -ا- واضحة وصريحة في أن ذلك نزل بسبب اليهود، وقد تكون هذه أقوى ما يحتج به من استثنى بعض الآيات في هذه السورة، وسيأتي في قوله -تبارك وتعالى-: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] باعتبار أنه الزكاة، وبعضهم قال: إن الزكاة لم تفرض بمكة، وإنما فرضت بالمدينة، فهذه الآية مدنية، وبعضهم يقول غير ذلك، وسيأتي بيانه -إن شاء الله-، لكن تلك ليست كهذه، ولا يقال: بأنها نازلة بالمدينة، بل الأقرب أن أصل الزكاة فُرض بمكة، ثم فُرضت المقادير ونحو ذلك في المدينة.

وقوله هنا: "وقيل: القائلون قريش" وهذا مروي عن جماعة من السلف، كابن عباس، ومجاهد، وعبد الله بن كثير[9]، وهو اختيار ابن جرير -رحمه الله-[10]، فعلى هذا القول لا إشكال، لكن الرواية السابقة عن ابن عباس -ا- صريحة بأنها نزلت بسبب اليهود، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- حملها على هذا وهذا[11]، فهذه المراسيل السابقة مع رواية ابن عباس كل ذلك يدل على أنها في اليهود، ولا يقال: إنها نزلت في قريش إلا إذا صح ذلك بمثل الأول، فالأول سبب نزول وهو صريح، وما عداه فيمكن أن يقال: من قبيل الاجتهاد.

وعلى قول ابن القيم بأنها نزلت بسبب هذا وهذا، فيحمل على ما إذا كانت قريش قد قالت ذلك بعد الهجرة، وبعد ما قال اليهود ما قالوا، فيكون ذلك مرةً واحدة بعد الهجرة، ولكن على ما ذكرت أولاً من أن السورة نازلة بمكة كاملة فيكون ذلك نزل بسبب مقالة المشركين، ثم نزلت ثانيةً بسبب مقالة اليهود التي شابهوهم فيها، فيمكن أن يُحمل على هذا، ولكن هذا لا بد فيه من دليل واضح وصريح على صحته من أنها نزلت بسبب المشركين، والله أعلم.

لكن الثابت أنها نزلت بسبب اليهود، وأما ما يتعلق بقريش فهذا يحتاج إلى دليل مثل الأول في ثبوته وصراحته، من جهة سبب النزول؛ لأن سبب النزول له حكم الرفع، وما يقابل سبب النزول الصريح من أقوال فيمكن أن يكون ذلك من قبيل الاجتهادات، فلا يُعارض بها.

قوله تعالى: وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا [الأنعام:91] الخطاب لليهود أو لقريش على وجه إقامة الحجة، والرد عليهم في قولهم: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:91] فإن كان لليهود، فالذي عُلِموه التوراة، وإن كان لقريش، فالذي عُلِموه ما جاء به محمد ﷺ.

هو بحسب الخلاف السابق، وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أي: والحال أنكم قد عُلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم، وهذه الجملة يمكن أن تكون استئنافية مقررة لما قبلها.

وقوله هنا: "فإن كانت لليهود فالذي علموه التوراة" فيكون ذلك على وجه الامتنان عليهم بإنزال التوراة، ويحتمل أن يكون ذلك بما جاء بواسطة القرآن من أخبار من قد سبق، وما يأتي بعد ذلك، كما يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[12].

فإذا كانت في اليهود فلا يلزم أن يكون قوله: وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا مرادًا به التوراة، فيمكن أن يكون من طريق القرآن، ويمكن أن يكون هذا وهذا، مما علمهم الله، وامتن عليهم به بطريق الوحي الذي أوحاه الله إلى أنبيائه، وإلى نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فما أخبرهم به النبي ﷺ من الأمور التي أوحى الله بها إليه، فهذا مشتمل على ما لم يعلموه من كتبهم.

ويقول: "وإن كان لقريش فالذي علموه ما جاء به محمد ﷺ" وهذا لا إشكال فيه، وابن جرير -رحمه الله- حملها على أنها خطاب للمؤمنين[13]، فتكون هذه الآية: وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا جملة مستقلة، امتن على المؤمنين بذلك، فالله يخبر المؤمنين عن مقالة اليهود، فيقول: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ أي: هؤلاء اليهود، إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ورد عليهم بقوله: قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ثم قال: وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ [الأنعام:91] فأخبرهم عن مقالة اليهود، ورد على اليهود، وقال للمؤمنين: وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ [الأنعام:91] ولو قيل: بأن ظاهر السياق أن ذلك في اليهود، وأن الله في جملة الرد عليهم يقول: وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ [الأنعام:91] يعني من الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى، وعلمكم ما لم تعلموا؟

قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ [الأنعام:91] جواب مَنْ أَنزَلَ واسم (الله) مرفوع بفعل مضمر، تقديره: أنزله الله، أو مرفوع بالابتداء.

مرفوع بالابتداء والتقدير: الله أنزله.

قوله تعالى: وَلِتُنْذِرَ [الأنعام:92] عطف على صفة الكتاب.

عطف على صفة الكتاب والمعنى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ [ص:29] أي: لأجل البركات المشتمل عليها، ومصدقًا، يعني: والتصديق الذي بين يديه، ولتنذر، فصار في ذلك ثلاث علل لإنزال الكتاب:

لأجل البركات.

ولتصديق الذي بين يديه.

ولتنذر.

والأكثرون يقولون بأن المعلل محذوف، والمعنى: ولتنذر أم القرى أنزلناه إليك؛ وعلى قول ابن جزي وَلِتُنذِرَ عطف على صفة الكتاب، فيكون على الوجه الأول الذي ذكرته.

قوله تعالى: أُمَّ الْقُرى [الأنعام:92] مكة، وسميت أم القرى لأنها مكان أوّل بيت وضع للناس؛ ولأنه جاء أن الأرض دحيت منها؛ ولأنها يحج إليها أهل القرى من كل فج عميق.

قوله: أُمَّ الْقُرى أم الشيء هو أصله، يقال: أم الدماغ، وهكذا يقال للراية التي يجتمع حولها الجنود، توصف بأنها أم لهم، فمقدم الشيء وأصله يقال له: أم، والمقصود هنا مكة؛ لماذا سميت بذلك؟ يقول: "لأنها مكان أوّل بيت وضع للناس" فهي الأقدم؛ ولتقدمها أيضًا أمام جميع القرى، ولجمعها ما سواها، لكل ذلك.

يقول: "ولأنه جاء: أن الأرض دحيت منها" هذا روي في حديث مرفوع، لكنه لا يصح ولا يثبت، وذكر هذا المعنى جماعة من أهل العلم: كقتادة[14]، ومجاهد[15]، وممن قال به من المفسرين: الواحدي[16]، والبغوي[17]، والقرطبي[18]، والحافظ ابن رجب[19]، ذكروه هكذا تعليلاً لتسميتها بأم القرى، لكن كون الأرض دحيت من تحتها هذا لا يصح فيه شيء.

يقول: "ولأنها يحج إليها أهل القرى من كل فج عميق" يعني: يقصدونها، ويأمونها، فقيل لها: أم القرى، وهي أيضًا قبلتهم، وهي أجل وأعظم هذه القرى شأنًا.

قوله تعالى: أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ [الأنعام:93] هو مسيلمة وغيره من الكذابين الذين ادّعوا النبوّة.

القول بأنه مسيلمة هذا مروي عن عكرمة وقتادة[20]، لكنه لا يختص به، كما قال ابن جزي، فهو يصدق عليه وعلى غيره ممن ادعوا النبوة، كالأسود العنسي، وغير هؤلاء من المتنبئين.

قوله تعالى: وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ[الأنعام:93] هو النضر بن الحارث[21]؛ لأنه عارض القرآن، واللفظ عام فيه وفي غيره من المستهزئين.

نعم هو لا يختص به؛ لأنه لم يثبت شيء في هذا، والنضر بن الحارث كان يأتي بقصص وأخبار لفارس ونحوهم، وقد سافر إلى تلك البلاد، فكان يقول بأنه يقص قصصًا خيرًا مما يقوله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.

قوله تعالى: وَلَوْ تَرى [الأنعام:93] جوابه محذوف، تقديره: لرأيت أمرًا عظيمًا.

هناك قاعدة وهي أن حذف جواب (لو) في مثل هذا، في مقام الوعيد يفيد التهويل؛ ليذهب الذهن كل مذهب، لرأيت أمرًا فظيعًا، لرأيت أمرًا هائلاً، لرأيت أمرًا شنيعًا، ونحو ذلك.

والظالمون: من تقدّم ذكره من اليهود، والكذابين، والمستهزئين، فتكون اللام للعهد، أو أعم من ذلك، فتكون للجنس.

يعني عموم من يوصف بذلك من أهل الكفر، والنفاق.

قوله تعالى: باسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93] أي: تبسط الملائكة أيديهم إلى الكفار يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم، وهذه عبارة عن التعنيف في السياق، والشدّة في قبض الأرواح.

وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93] يعني: قد مدوا أيديهم يضربون وجوه وأدبار هؤلاء الكفار، كما قال الله : وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال:50] هذا عند قبض الأرواح، وجاء عن الضحاك وأبي صالح[22]: وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ يعني: بالعذاب.

فقوله هنا: "فهذه عبارة عن التعنيف في السياق" يعني سياق الموت، ونزع الأرواح، وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أن الملائكة حين تبشره بالعذاب تتفرق روحه في جسده، وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة، حتى تخرج هذه الأرواح[23]، فذاك قوله: أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ.

ويحتمل أن أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ من هذه الغمرات والكروب والشدائد عند الموت، ولكن الذي قبله أقرب، والله أعلم.

وبعضهم يقول: أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ من أيدينا، وخلصوها من العذاب، وهذا مثل الذي قبله، وهو أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ من هذه الغمرات والشدة من أيدينا من العذاب.

والذي يظهر -والله أعلم- أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ من هذه الأجساد على سبيل التعنيف، وإلا فالملائكة تقبض أرواحهم، ولا يستعصي ذلك عليها.

قوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ [الأنعام:93] يحتمل أن يريد ذلك الوقت بعينه، أو الوقت الممتد من حينئذٍ إلى الأبد.

الْهُونِ [الأنعام:93] الذلة فُرَادَى [الأنعام:94] منفردين عن أموالكم، وأولادكم، أو عن شركائكم، والأول يترجح بقوله: وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ [الأنعام:94] أي: ما أعطيناكم من الأموال، والأولاد، ويترجح الثاني بقوله: وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام:94].

قوله هنا: "الْهُونِ [الأنعام:93] أي: الذلة" أي: تهانون غاية الإهانة والذلة بما يقع لكم من العذاب.

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى قال: "منفردين عن أموالكم، وأولادكم" كما قال الله : وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الكهف:48] يعني: ليس معه حشم، ولا خدم، ولا أعوان، ولا أنصار، ولا جند، ولا غير ذلك.

وحمله ابن جرير -رحمه الله- على معنى: حفاة وعراة[24]، يعني: في صفة الحشر حفاةً عراةً غرلاً، فيحشرون هكذا فُرَادَى يعني: غير مصطحبين لشيءٍ من اللباس، ونحو ذلك على قول ابن جرير، لكن ما ذكره ابن جزي من الانفراد عن الأموال، والأولاد كأنه أقرب، تُفسِّره الآية الأخرى، وهي قوله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ [الأنعام:94] والذي خولهم هو الأموال، والأولاد، والخدم، والحشم، ونحو ذلك، ويكون ما ذكر ابن جرير -رحمه الله- من توابع المعنى، فأنه يأتي ليس معه شيء مطلقًا، لا لباس ولا نعل، ولا غير ذلك.

يقول: "أو عن شركائكم، والأول يترجح بقوله: تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ [الأنعام:94]" فهذا يمكن أن يؤيد المعنى الثاني، بمعنى الشركاء، وهذه الآية في سورة الأنعام: وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ تعني أنهم يحشرون من غير أموال، ولا أولاد، ولا خدم، ولا حشم، ولا غير ذلك، والمقصود بقوله: ما خَوَّلْناكمْ ما يُعطاه الإنسان من متاع الدنيا.

يقول: "أي: ما أعطيناكم من الأموال، والأولاد" وهذا الذي اختاره ابن كثير -رحمه الله-[25]، والشنقيطي[26].

ويقول: "ويترجح الثاني بقوله: وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ [الأنعام:94] لكان لو حمل قوله: فُرَادَى على أعم معانيه، منفردين ليس معهم شفيع، وليس معهم ولد، ولا مال، وليس عليهم لباس، ولا غير ذلك، كان هذا جمعًا بين هذه الأقوال غير المتنافية؛ لأن ذلك جميعًا يصدق عليه وصف الانفراد، والله أعلم.

قوله: لَقَد تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الأنعام:94] تفرَّق شملكم، ومن قرأه بالرفع أسند الفعل إلى الظرف، واستعمله استعمال الأسماء، أو يكون البين بمعنى الفرقة، أو بمعنى الوصل، ومن قرأه بالنصب، فالفاعل مصدر الفعل، أو محذوف، تقديره: تقطع الاتصال بينكم.

قوله: تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ يقول: "تفرق شملكم" وإذا أردتَ أن تفسره بعبارةً ألصق بألفاظه، يمكن أن تقول: تقطعت الوُصَل التي كانت بينكم في الدنيا، من القرابة، ونحوها، وتفسيره بـ"تفرق شملكم" هو تفسير على المعنى، وهذا لا إشكال فيه.

فالمقصود أنه لا قرابة، ولا حلف، ولا مودة، كل ذلك يتقطع ويزول.

يقول: "ومن قرأه بالرفع" يعني برفع: (بَيْنُكُمْ) وهذه قراءة متواترة، كما أن القراءة الأولى وهي النصب كذلك، فممن قرأه بالنصب تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ: نافع، والكسائي، وحفص[27]، والآخرون قرأوه بالرفع.

يقول: "من قرأه بالرفع أسند الفعل إلى الظرف" يعني الذي تقطع هو البين، فالبين هو الفاعل "من قرأه بالرفع أسند الفعل إلى الظرف، واستعمله استعمال الأسماء" يعني باعتبار أنه خارج عن الظرفية، فلم يعتبره ظرفًا، وإنما على أنه اسم متصرف، بمعنى: الوصل، (تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ) أي: وصلكم، فهذا اللفظ من الأضداد، يقال للوصل والفراق، لكنه يقول هنا: "ويكون البين بمعنى الفرقة أو بمعنى الوصل" وهذا باعتبار أنه من الأضداد، يعني: كلمة تأتي بمعنيين متضادين، فيكون ذلك من قبيل المشترك، لفظ واحد يدل على أكثر من معنى، لكن المشترك منه ما يدل على معنيين متناقضين، كالقرء يدل على الحيض والطهر، والبين يدل على الوصل والفرقة، وقد يدل على معنيين متضادين، مثل: عسعس بمعنى: أقبل وأدبر، فهذا من الأضداد، وهكذا الصريم، لو قلنا: بأنها صارت سوداء محترقة، أو صارت بيضاء يعني جرداء، ونحو ذلك، وقد يدل المشترك على معنيين مختلفين غير متضادين، ولا متناقضين، مثلما يقال: قسورة: الأسد، والرامي، والنبل، وأصوات الناس، ونحو ذلك، فهذه معاني متخالفة، ومثل لفظ الأمة حينما يقال للرجل الجامع لخصال الخير التي تفرقت في غيره، والمدة الزمنية، والجماعة من الناس المجتمعة على ملة ودين، ونحو هذا، فهذه معاني متخالفة، والاصطلاحات منطقية.

يقول: "ومن قرأه بالنصب فالفاعل مصدر الفعل" لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ يعني: تقطع الوصل بينكم، فهو مضمر يقولون: دل عليه (شركاء) فالشركة تشعر بالاتصال، هكذا قالوا، ويكون المعنى: انقطع ما كان بينكم وبين شركائكم في الدنيا، من تواصل، وتواد وتناصر، كما قال الله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة:166] وهكذا في قوله تعالى: وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [العنكبوت:25] فهذا باعتبار أن تقطُّع البين باعتبار الشركاء والمعبودات التي كانوا يعبدونها من دون الله ، وهذا ظاهر في سياق الآية، وإن كان أولها يحتمل من جهة المراد بالانفراد، وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى [الأنعام:94] لكن ما ذكرته من كون الآية في أولها يمكن أن تحمل على المعاني المذكورة يوجد فيها قرينة على بعض هذه المعاني، أو جملة منها، كما في قوله تعالى: كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ هذا يحتمل قول ابن جرير: حفاةً عراةً غرلاً، وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ من الأموال، والأولاد وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ [الأنعام:94] يعني بعيدين عن شركائهم، الذين ادعوا أنهم شفعاء، وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى، فيتبرؤون منهم.

يقول: "ومن قرأه بالنصب فالفاعل مصدر الفعل، أو محذوف، تقديره: تقطع الاتصال بينكم" ويكون بينكم صفة لهذا الفاعل المقدر (تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ) صفة له قامت مقامه لما حذف، أو يمكن أن يكون: أو تقطع وصل بينكم.

قوله تعالى: فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى [الأنعام:95] أي: يفلق الحب تحت الأرض لخروج النبات منها، ويفلق النوى لخروج الشجر منها، وقيل: أراد الشقين الذين في النواة والحنطة، والأول أرجح؛ لعمومه في أصناف الحبوب.

فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى الفلق: هو شق الشيء، وإبانة بعضه عن بعض، وأصله يدل على فرجة وبينونة في الشيء، ويأتي بمعنى: الخلق والفطر، خالق وفاطر، فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يقول: "أي: يفلق الحب تحت الأرض لخروج النبات منها، ويفلق النوى لخروج الشجر منها" الحب معروف مثل الحنطة، وغير ذلك، والنوى يدخل فيه نوى التمر وغير التمر، وهو ما فيه هذا العجم، والمشمش والخوخ، وغير ذلك، فلا يختص بالتمر، فكل ما فيه عجم يقال له: نوى، نواة المشمش، ونواة الخوخ، وهكذا، وهنا على هذا المعنى الذي ذكره: يفلق الحب تحت الأرض، بمعنى أنه يخرج منه مسمار النبات، فتلاحظ أن الحبة لو حفرت ونظرت إليها يخرج منها مثل الغصن الصغير الأخضر، فهذا هو المعنى المقصود هنا فالِقُ الْحَبِّ يعني: يفلق الحب، فيخرج منه مسمار النبات، ويفلق النوى فيخرج منه مسمار النبات، فالحبة والنواة يخرج منها هذا الدقيق الأخضر الذي يكون بعد ذلك أصلاً للشجرة مثلاً أو النبتة، فيكون ساقًا لها مثلاً، وعنه تتفرغ، إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى.

وهذا المعنى قال: "ويفلق النوى لخروج الشجر منها" وهذا الذي اختاره ابن كثير -رحمه الله-[28].

المعنى الثاني: يقول: "وقيل: أراد الشقين الذين في النواة والحنطة" فجعل فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى من ذوات الفلقتين، يلاحظ في النواة وفي الحب كالحنطة يوجد مثل الفلق أو الشق، كأنها ذات ناحيتين، النواة نفسها نواة التمر، بخلاف النوى الآخر، مثل: المانجو، والخوخ، والأرز، والشعير والأرز، فهو ليس من ذوات الفلقتين، فالمقصود: إن منها ما يبدو على أنه ذو شقين إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يعني: جعلها ذات فلقتين، في خلقتها وهيئتها وشكلها وصورتها الظاهرة على هذا المعنى.

يقول: "والأول أرجح؛ لعمومه في أصناف الحبوب" كما ذكرت لكم، أن الشعير ليس كذلك، والأرز ليس كذلك، فهذا لا يصدق على كل أنواع الحبوب، ولا كل أنواع النوى، لكن على المعنى الأول يصدق على الجميع إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يفلق الحبة والنواة فيخرج منها مسمار النبات؛ ولهذا قال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95] فهذا كأنه قرينة تدل على المعنى الأول، يعني يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّت مما يدخل في معناه -كما سيأتي- أنه يخرج النبتة الحية من النواة الميتة، أو من الحبة الميتة، فهذا من المعاني الداخلة تحتها، فهو قرينة في نفس الآية تدل على هذا المعنى.

ولو قال قائل: بأن ذلك يصدق على المعنيين لم يكن بعيدًا، أن الله خلقها بهذه الهيئة والصفة، وهو أيضًا الذي فلقها، فخرج منها النبتة، لكن إذا أردنا أن نرجح بين المعنيين، فكأن ما اختاره ابن جرير كأنه أقرب، والله أعلم.

قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ [الأنعام:95] تقدم في آل عمران وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ معطوف على فالق.

يُخْرِجُ الْحَيَّ [الأنعام:95] هذه الجملة يحتمل أن تكون جملة تفسيرية لما قبلها؛ يعني: فالق الحب والنوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95] أي: أخرج هذه النبتة من النواة الميتة، أو من الحبة الميتة، فيكون تفسيرًا له، وعلى هذا يحمل المعنى -كما ذكرت- في فلْقه الحب والنوى: بإخراج النبتة من النواة أو الحبة.

ويحتمل أنها خبر بعد خبر، يعني هذه جملة أخرى مستقلة عن الأولى، فهي أخبار متعاطفة، فمن دلائل عظمته وقدرته أنه فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [الأنعام:95] وهذا يحتمل أن يكون خلقها بهذه الصفة، وكذلك من دلائل قدرته أنه يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الأنعام:95] مثل السنبلة من الحبة، وإخراج الميت من الحي تخرج الحبة من السنبلة، وهكذا الشجرة تخرج من النواة، والنواة تخرج من الشجرة، وكذلك أيضًا الإنسان يخرج من النطفة، والنطفة تخرج من الإنسان، والنطفة كما ذكرت في بعض المناسبات يعتبرونها ميتة، وهذا الذي جرى عليه الاستعمال في القرآن، وكذلك أيضًا استعمال الفقهاء، حينما يذكرون مثل هذا يقصدون به أنه لا روح فيها، يعني: لا يتوهم متوهم أن النطفة فيها الحيوانات المنوية تَسْبح... الخ، فهذا غير مراد هنا، فحينما يقولون: ميتة يعني لا روح فيها.

وهكذا قول من قال: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ الدجاجة من البيضة، والْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ البيضة من الدجاجة، فهذه كلها معاني صحيحة، وهذا على الحقيقة، وعلى المعنى المجازي عند القائل بالمجاز يكون معنى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ المؤمن من الكافر، والْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ الكافر من المؤمن، والكافر يقال له: ميت، والمؤمن يقال له: حي، أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام:122] يعني: بالإيمان، والله أعلم.

القارئ: أحسن الله إليك لما لم يعطفه على يُخرج؟

الشيخ: لأن يخرج فعل، ومخرج اسم، فأعاده على فالق، مع أن هذا في اللغة يصح، لكنه ليس محل اتفاق.

قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ [الأنعام:96] أي: الصبح، فهو مصدر سُمي به الصبح، ومعنى فلْقه: إخراجه من الظلمة، وقيل: إن الظلمة هي التي تنفلق عن الصبح، فالتقدير: فالق ظلمة الإصباح.

فالِقُ الْإِصْباحِ يعني: خالق الإصباح، أو شاق الإصباح، حتى يتبين من الليل، يقول: "أي: الصبح، فهو مصدر سمي به الصبح، ومعنى فلقه: إخراجه من الظلمة"، يقول: "وقيل: إن الظلمة هي التي تنفلق عن الصبح" يعني: أن الله يشق ظلمة الليل وسواده شيئًا فشيئًا بضياء الصبح، والتعبير هنا جاء: بفلق الإصباح، وليس فلق الليل أو الظلام؛ يقولون: لأن شعاع الصبح يبدأ أولاً وتحته ظلام، ولم يسفر إسفارًا تامًا يكشف الظلام كشفًا كليًا، ثم ينصدع ذلك الإصباح انصداعًا كليًا عن ضوء النهار كما ينبغي، فهذا معنى قوله: فالِقُ الْإِصْباحِ والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- ذكر نحو هذا الكلام الذي أوردته آنفًا[29]، وكذلك بنحوه قال الحافظ ابن كثير[30].

وبعضهم يقول: فالِقُ الْإِصْباحِ أي: فالق عمود الفجر عن بياض النهار؛ لأنه يبدو مختلطًا بالظلمة، ثم يصير أبيض خالصًا.

وقوله هنا: "وقيل: إن الظلمة هي التي تنفلق عن الصبح؛ فالتقدير: فالق ظلمة الإصباح" والأصل عدم التقدير، يعني هذا باعتبار حذف مضاف، لكن لا دليل عليه، وضعفه الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-[31] لهذه العلة؛ لعدم القرينة.

قوله تعالى: سَكَنًا [الأنعام:96] أي: يسكن فيه عن الحركات ويُستراح.

كما قال الله : لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [يونس:67] وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ [القصص:73].

حُسْبانًا [الأنعام:96] أي: يعلم بهما حساب الأزمان والليل والنهار.

ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام:96] ما أحسن ذكر هذين الاسمين هنا؛ لأن العزيز يغلب كل شيء ويقهره، وهو قد قهر الشمس والقمر وسخرهما كيف شاء، والعليم لما في تقدير الشمس والقمر والليل والنهار من العلوم والحكمة العظيمة، وإتقان الصنعة.

في قوله: حُسْبانًا [الأنعام:96] قال: "أي: يعلم بهما حساب الأزمان والليل والنهار" فهذا يمكن أن يكون أحد المعاني الداخلة تحته، فيمكن أن يفسر بهذا، وأيضًا باعتبار أنهما يجريان في أفلاكهما بحساب معلوم عند الله وحُسْبانًا، جريان بعدد لبلوغ أمرهما، ونهاية آجالهما، يعني: هو جريان وحركة محسوبة ودقيقة ومعلومة عند الله -تبارك وتعالى-، يدوران لمصالح الخلق، وبهما تعرف الأوقات للعبادات والآجال، والديون، والمعاملات، كما قال الله : هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [يونس:5] فيكون جامعًا لذلك كله، وابن جرير[32]، وابن كثير[33]، فسروه بنحوٍ مما سبق، بأنهما يجريان في أفلاكهما بهذا الحساب الدقيق المعلوم عند الله -تبارك وتعالى- إلى ما حده الله لجريهما، وأنهما يدوران لمصالح الخلق؛ وبذلك تعرف الأوقات.

وحُسْبانًا جمع حساب بهذا الاعتبار.

وبعضهم يقول بأنه: مصدر حسبت، وبعضهم فسره بالضياء، وهذا لا يخلو من بعد، والله أعلم.

وأبو جعفر ابن جرير -رحمه الله- ذهب إلى أن الإشارة في ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام:96] يعود إلى فلق الإصباح، وجعل الليل سكنًا[34].

والشنقيطي -رحمه الله- يقول: بأن ذلك يعود إلى كل ما سبق من فلق الحب والنوى، وإخراج الحي من الميت، إضافةً إلى فلق الإصباح، وجعل الليل سكنًا[35].

يقول: "والعليم لما في تقدير الشمس والقمر والليل والنهار من العلوم والحكمة العظيمة وإتقان الصنعة".

والتقدير: هو تبيين كمية الشيء، وتقدير الله للأشياء على وجهين:

الأول: بإعطائها القدرة، يعني بجعلها قادرة.

والثاني: بأن يجعلها على مقدار محدد، ووجه محدد، بحسب ما تقتضيه حكمته، وهذا الثاني هو المراد، والله أعلم.

قوله تعالى: فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97] أي: في ظلمات الليل في البر والبحر، وأضاف الظلمات إليها لملابستها لهما [قال في نسخة: لمناسبتها لهما].

"فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: في ظلمات الليل في البر والبحر، وأضاف الظلمات إليهما لملابستها لهما"، هذا صحيح، والمعنى: لملابسة الظلمة للبر والبحر.

أو شبّه الطرق المشتبهة بالظلمات.

وحمله ابن جرير على ظلمة الليل، وظلمة الخطأ والضلال، وظلمة الأرض، أو الماء[36]، والظلمات هي مظنة لعدم الاهتداء، فالله يهديهم بذلك، وبما جعل لهم من النجوم التي يهتدون بها، والعلامات التي يعرفون بها الجهات والطرق التي توصلهم إلى الغايات المطلوبة.

قوله تعالى: فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ [الأنعام:98] من كَسَرَ القاف من (فَمُسْتَقِرٌّ) فهو اسم فاعل، وَمُسْتَوْدَعٌ اسم مفعول، والتقدير: فمنكم مستقرّ ومستودع، ومن فتحها فهو اسم مكان أو مصدر، وَمُسْتَوْدَعٌ مثله، والتقدير على هذا: لكم مستقرّ ومستودع، والاستقرار في الرحم، والاستيداع في الصلب، وقيل: الاستقرار فوق الأرض، والاستيداع تحتها.

فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ يقول: "من كسر القاف من فَمُسْتَقَرٌّ" يعني (فَمُسْتَقِرٌّ) وهذه قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وقراءة الجمهور بالفتح[37] فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ فعلى قراءة الكسر (فَمُسْتَقِرٌّ) اسم فاعل، والمراد: الولد القار في الرحم إلى وقت الولادة، وَمُسْتَوْدَعٌ اسم مفعول.

يقول: "والتقدير: فمنكم مستقِرّ ومستودَع، ومن فتحها فَمُسْتَقَرٌّ فهو اسم مكان" يعني اسم مكان وهو موضع استقرار الولد وهو الرحم فَمُسْتَقَرٌّ؛ (فَمُسْتَقِرٌّ) هو الولد، ومستقَر هو الموضع الذي يكون فيه الولد، وهو الرحم، "أو مصدر" وَمُسْتَوْدَعٌ مثله" أي يكون مصدرًا، "والتقدير على هذا: لكم مستقرّ ومستودع" ويبقى هذا المستقر والمستودع على هذه القراءة، قراءة الفتح: على المصدر، يقول: "والاستقرار في الرحم" "والاستيداع في الصلب" مستقر في الأرحام، ومستودع في الأصلاب، وهذا القول عزاه القرطبي لأكثر المفسرين[38].

وجاء عن ابن مسعود أيضًا أن المستقر في الدنيا، والمستودع حيث يموت[39].

وبعضهم يقول: المستقر في القبر، وبعضهم يقول: المستقر من خُلق، والمستودع: من لم يخلق، فكل هذا يحتمل، ولا دليل على واحد منها.

ولهذا حمله ابن جرير -رحمه الله- على أعم معانيه، يعني في الأصلاب والأرحام، وفوق الأرض، وفي القبر[40].

وأصل الاستقرار يدل على التمكن، وأصل ودع يدل على الترك والتخلية، لكن القول الأول الذي ذكره ابن جزي -رحمه الله- على قراءة الفتح فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ فالاستقرار في الرحم، والاستيداع في الصلب، فهذا كما ذكرنا قول أكثر أهل العلم من المفسرين، وهو مروي عن ابن عباس، وعكرمة ومجاهد وعطاء والسدي، وقتادة، والضحاك، وابن زيد[41]، وهو اختيار الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[42].

وكما سبق أن ابن جرير حملها على المعاني التي ذكرها ابن جزي، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- فسر ذلك بأن المستقر في الآخرة، والمستودع في الدنيا، والبرزخ[43]، لكن المعنيان اللذان ذكرهما ابن جزي، وهما: الاستقرار في الرحم، والاستيداع في الصلب، أو الاستقرار فوق الأرض، والاستيداع تحتها، هذان أقوى هذه الوجوه، من ناحية السياق، ودلالة الألفاظ، والله أعلم.

يعني لو قيل مثلاً: فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ أي: في الأصلاب والأرحام، وفوق الأرض وتحتها، كما قال ابن جرير -رحمه الله- فيكون هذا كأنه أقرب، الله أعلم.

قوله تعالى: فَأَخْرَجْنا بِهِ [الأنعام:99] الضمير يعود، على الماء فَأَخْرَجْنا مِنْهُ [الأنعام:99] الضمير عائد على النبات.

"عائد على النبات" أي: نبات كل شيء، وهذا الذي اختاره ابن عطية[44]، وابن عاشور[45]، والشنقيطي[46]، مع أن ابن جرير -رحمه الله- أعاد الضمير على الماء في الموضعين، وهما قوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ وفَأَخْرَجْنا مِنْهُ[47].

قوله: خَضِرًا [الأنعام:99] أي: أخضر غضًا، وهو يتولد من أصل النبات من الفراخ.

"يتولد من أصل النبات من الفراخ" ومعروف المراد بفراخ النبات، وهو ما يتفرع عنه من صغاره، وما يتولد من أصل النبات من الفراخ.

وبعضهم يقول: هو رطب البقول، مثل الجرجير، وسائر الورقيات، وهو ما يتشعب من الأغصان الخارجة من الحبة.

وبعضهم يقول: أراد القمح، والشعير، والذرة، وسائر الحبوب، لكن هذا لا يخلو من إشكال، والله أعلم.

والخضر يدل على لونه، فهو زرع وشجر أخضر رطب، ثم بعد ذلك يخلق فيه الحب والثمر المتراكب، كما قال ابن كثير -رحمه الله-، حيث فسر خَضِرًا بالزرع، والشجر الأخضر الرطب[48]، ثم يخرج منه الحب والثمر المتراكب.

القارئ: أحسن الله إليك، في النسخة الجديدة نضيف كلمة: ما، وهو ما يتولد؟

الشيخ: عندنا "وهو ما يتولد من أصل النبات".

القارئ: عندنا "هو يتولد".

الشيخ: الأوضح هو: "ما يتولد من أصل النبات".

قوله تعالى: نُخْرِجُ مِنْهُ [الأنعام:99] الضمير عائد على الخضر حَبًّا مُتَراكِبًا [الأنعام:99] يعني السنبل؛ لأن حبه بعضه على بعض؛ وكذلك الرمان وشبهها.

بمعنى أنه مركب بعضه على بعض، أو يركب بعضه بعضًا.

قِنْوانٌ [الأنعام:99] جمع قنو، وهو العنقود من التمر.

يعني: العذق، وهو معروف، القنو من التمر، يعني العزق.

وهو مرفوع بالابتداء، وخبره وَمِنَ النَّخْلِ [الأنعام:99] ومِنْ طَلْعِهَا [الأنعام:99] بدل، والطلع أول ما يخرج من التمر في أكمامه.

يقول: "حَبًّا مُتَراكِبًا يعني: السنبل؛ لأن حبه بعضه على بعض، وكذلك الرمان"قِنْوانٌ" جمع قنو، وهو العنقود من التمر، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره من النخل" يعني مقدم، مِنْ طَلْعِهَا "بدل، والطلع أول ما يخرج من التمر في أكمامه" فطلع النخلة هو ثمرها أو حملها، سُمي بذلك لطلوعه كل سنة، ويطلق على أول ما يخرج من النخلة في أكمامه، أو الوعاء الذي تنشأ فيه عذوق الرطب، فهو يقال لأول ما يخرج من التمر في أكمامه، كما يقول هنا ابن جزي -رحمه الله-، ويقال للثمر أو الحب، فالأكمام التي تخرج تنشق هذه الأكمام فيخرج هذا الطلع الذي يؤبر، ثم بعد ذلك يكون منه البسر، والرطب، والتمر، فهذا الطلع، يقال لأول ما يخرج، في مبدأه، ويقال أيضًا لنفس الثمر.

قوله تعالى: دانِيَةٌ [الأنعام:99] أي: قريبة سهلة التناول، وقيل: قريبة بعضها من بعض.

الأول أقرب، يعني أنها قريبة سهلة التناول، قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ أي قريبة لا تحتاج إلى صعود وكلفة، وهذا على سبيل الامتنان، وفي بيان عظمته -تبارك وتعالى- وقدرته الباهرة، قال: وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق:10] فذكر الطوال، بَاسِقَاتٍ [ق:10] باعتبار أن هذا أدل على القدرة والعظمة، لكن من نظر إلى أن القنوان لا تكون دانية على كل حال، فالنخل الصغار تكون قنوانها دانية، والنخل الكبار تكون قنوانها بعيدة، لا تنالها الأيدي، يقال: نخلة جبارة إذا كانت لا تنالها الأيدي، وذكرنا هذا في معنى "الجبار" في أسماء الله الحسنى، فهنا يقول: "وقيل: قريب بعضها من بعض" هذا قاله هذا القائل باعتبار أن ما كل النخل تكون ذات قنوان دانية، ففسرها بشيء تشترك فيه جميع النخيل.

قوله: وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ بالنصب عطف على نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ وقُرئ في غير السبع بالرفع عطفًا على قِنْوَانٌ[49].

جنات بالنصب، وَجَنَّاتٍ عطف على فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ وأخرجنا به جناتٍ، فجنات هنا منصوبة، وهذه الكسرة التي ترون، بأي اعتبار؟

الطالب: لأنه جمع مؤنث سالم.

نعم جمع المؤنث السالم ينصب ويجر بالكسرة، فهي منصوبة هنا، عطف على نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ، والتقدير: فأخرجنا بالماء النبات وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ فيكون من قبيل عطف الخاص على العام، فقوله: فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فيدخل فيها الجنات من الأعناب والنخيل، وأفردها لشرفها على غيرها، وفضلها على سائل النبات، أو أنه معطوف على قوله خَضِرًا.

يقول: "وقُرئ في غير السبع" وهي قراءة مروية عن أبي بكر عن عاصم[50]، بالرفع (وَجَنَّاتٌ) فيكون معطوفًا على قِنْوَانٌ؛ في قوله: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ، و(وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ).

قوله تعالى: مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ [الأنعام:99] نصب على الحال من وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ أو من كل ما تقدم من النبات، والمشتبه والمتشابه بمعنى واحد، أي: من النبات ما يشبه بعضه بعضًا، في اللون والطعم والصورة، ومنه ما لا يشبه بعضه بعضًا، وفي ذلك دليلٌ قاطع على الصانع المختار القدير العليم المريد.

يقول: "نصب على الحال من وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ والمشتبه والمتشابه بمعنى واحد، أو من كل ما تقدم من النبات، يشبه بعضه بعضًا في اللون والطعم والصورة، ومنه ما لا يشبه بعضه بعضًا".

وبعضهم يقول: في الكلام حذف، وهو خلاف الأصل، لكن يقولون: دل المقام عليه؛ أي: والزيتون مشتبهًا وغير متشابه، والرمان مشتبهًا وغير متشابه؛ فحُذف أحدهما لدلالة المقام عليه، يعني كل ذلك مشتبهًا وغير متشابه، فهذا التشابه كما ذكر الشنقيطي -رحمه الله- في ورق الزيتون، ولكن ثمره يتنوع[51]، وهكذا ورق الرمان مع أن ثمره يتنوع، يعني هو متشابه في ورقه، فهيئة شجرة الرمان واحدة لكن الثمر يختلف، وشجرة الزيتون واحدة ولكن الثمر يختلف.

ومن فسره بما هو أعم من ذلك، قالوا: بأن ذلك يرجع إلى الثمر، فهو يشبه بعضه بعضًا في الصورة، يعني هذا رمان، وهذا بسر، أو رطب، أو نحو ذلك، ولكنه يختلف في طعمه، والله أعلم.

قوله تعالى: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [الأنعام:99] أي: انظروا إلى ثمره أول ما يخرج ضعيفًا، لا منفعة فيه، ثم ينتقل من حال إلى حال حتى يينع؛ أي: ينضج ويطيب.

بالنسبة للفظة: جوبوا، بواوين غير مشدد، هذا استعمال صحيح.

وبالنسبة أيضًا في مسألة رد بعض القراءات المتواترة بحجة أنها تخالف العربية، فهذا الذي يقع من الزمخشري، وابن عطية، وأبو حيان يرد عليهما.

وذكرت قاعدة من قواعد التفسير في رد القراءة المتواترة، بحجة أنها تخالف قاعدة نحوية أو نحو هذا، وذكرت كلام أهل العلم في هذا.

  1. تفسير الطبري (11/521).
  2. تفسير الطبري (11/523).
  3. تفسير الطبري (11/522).
  4. تفسير الطبري (11/521).
  5. تفسير ابن أبي حاتم (4/1342).
  6. تفسير ابن أبي حاتم (4/1342).
  7. القصة في الصحيحين دون ذكر قول اليهودي: أخرجها البخاري في كتاب المناقب، باب قول الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146] برقم: (3635) ومسلم في الحدود باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا برقم: (1699).
  8. جاء في تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (4/168): "قال سعيد بن جبير: جاء رجل من يهود الأنصار يقال له: مالك بن الصيف يخاصم النبي -صلى الله عليه وسلّم-، فقال النبي: «أتشهد بالله الذي أنزل التوراة على موسى؟ ما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين»، وكان حبرًا سمينًا، فغضب، وقال: ما أنزل اللَّه على بشر من شيءٍ، فقال لأصحابه الذين معه: ويحك ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل اللَّه على بشرٍ من شيءٍ. فأنزل الله هذه الآية". فيكون غضب اليهودي، وقوله هذا القول في غير القصة السابقة، والله أعلم.
  9. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/300).
  10. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/524).
  11. هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (2/580).
  12. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/301).
  13. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/525).
  14. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/531).
  15. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (3/60).
  16. التفسير الوسيط للواحدي (4/43).
  17. تفسير البغوي - إحياء التراث (2/143).
  18. تفسير القرطبي (16/6).
  19. تفسير الفاتحة لابن رجب (ص:7).
  20. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/302).
  21. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/322).
  22. تفسير ابن أبي حاتم - محققا (4/1348).
  23. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/302).
  24. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/543).
  25. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/302).
  26. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/488).
  27. حجة القراءات (ص:261).
  28. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/304).
  29. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1/539).
  30. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/304).
  31. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1/539).
  32. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/559).
  33. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/304).
  34. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/560).
  35. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1/551).
  36. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/561).
  37. السبعة في القراءات (ص:263) والتيسير في القراءات السبع (ص:105).
  38. تفسير القرطبي (7/46).
  39. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/563).
  40. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/571).
  41. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/305).
  42. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/306).
  43. تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص:266).
  44. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/327).
  45. التحرير والتنوير (7/398).
  46. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (2/22).
  47. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (11/573).
  48. تفسير ابن كثير ت سلامة (3/306).
  49. معاني القراءات للأزهري (2/55) وحجة القراءات (ص:369).
  50. معاني القراءات للأزهري (2/55) وحجة القراءات (ص:369).
  51. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (2/29).

مواد ذات صلة