الإثنين 21 / جمادى الآخرة / 1446 - 23 / ديسمبر 2024
[15] من قول الله تعالى: {وَلَقَد ْأَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} الآية 130 إلى قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} الآية 135
تاريخ النشر: ٢٥ / ذو القعدة / ١٤٢٧
التحميل: 2965
مرات الإستماع: 2505

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ۝ فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:130، 131].

يقول تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ أي: اختبرناهم وامتحناهم وابتليناهم بِالسِّنِينَ وهي سِنِيُّ الجوع بسبب قلة الزروع وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ قال مجاهد: وهو دون ذلك، وقال أبو إسحاق عن رجاء بن حيوة: كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [سورة الأعراف:130].

فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ [سورة الأعراف:131] أي: من الخصب والرزق قَالُواْ لَنَا هَذِهِ أي: هذا لنا بما نستحقه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: جدب وقحط يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أي: هذا بسببهم وما جاءوا به، أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -ا: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ يقول: مصائبهم عند الله وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [سورة الأعراف:131].

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول الله : وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ [سورة الأعراف:130] يعني الجوع والقحط وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ [سورة الأعراف:130]، أي: أن الثمار لا تخرج كما كانت تخرج في مجاري العادات بل يصيبها من الآفات التي تنقصها وتضعفها.

لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ لعل تفيد التعليل، أي: من أجل أن يتذكروا، فالله يسوق إليهم ذلك من أجل أن يعودوا ويرجعوا إليه .

يقول تعالى: فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ [سورة الأعراف:131] يعني هذا لنا بما نستحقه.

قال: وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ [سورة الأعراف:131] جاءت الحسنة معرّفة والسيئة منكّرة، ويحتمل -والله تعالى أعلم- أن هذا التفاوت جاء باعتبار أن الحسنة هي الأصل، فالحسنة هي الشيء المستمر أو الغالب أو المعهود، وأما السيئة فجاءت منكرة باعتبار أنها شيء عارض على خلاف الأصل، فهي شيء نادر أو قليل الوقوع.

قوله: يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ [سورة الأعراف:131] يعني أنهم يتشاءمون به، فيقولون: هذا بسببك، ما رأينا الشر والآفات والرزايا إلا منك حينما جئتنا، كما قال الله عن المشركين: وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ [سورة النساء:78]، وقال قوم صالح -عليه الصلاة والسلام- لنبيهم صالح: اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ [سورة النمل:47]، وكذلك أصحاب القرية قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [سورة يــس:18، 19].

قال: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ [سورة الأعراف:131] أي: مصائبهم عند الله، وقيل: إن المراد ما كتب عليهم، وقيل: إن سبب خيرهم وشرهم هو عند الله والطائر يطلق على العلم، كما قال الله : وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا [سورة الإسراء:13]، ويمكن أن يراد به هنا في هذا الموضع أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ [سورة الأعراف:131] يعني: ما قدّر عليهم من خير أو شر، كله عند الله -تبارك وتعالى- وليس بسبب مجيئك، ولهذا قال: قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ [سورة النساء:78] كل ذلك عند الله -تبارك وتعالى- قدّره وخلقه وكتبه وأراده.

وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ۝ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ۝ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ ۝ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [سورة الأعراف:132-135].

هذا إخبار من الله عن تمرد قوم فرعون وعتوهم وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل في قولهم: مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ [سورة الأعراف:132] يقولون: أيُّ آية جئتنا بها ودلالة وحجة أقمتها رددناها فلا نقبلها منك ولا نؤمن بك ولا بما جئت به.

قال الله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ عن ابن عباس -ا- في رواية: كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار، وعنه في رواية أخرى: هو كثرة الموت، وقال مجاهد: الطوفان الماء والطاعون على كل حال.

قال أبو جعفر النحاس: إن الطوفان كل ما يطوف بالإنسان من آفة مرض أو مياه مغرقة، أو غير ذلك مما يُهلِك يقال له طوفان، وهذا المعنى قريب مما ذكره ابن جرير -رحمه الله: أن الطوفان هو أمر من الله  طاف بهم.

والطوفان بالنسبة لعرف الناس اليوم إذا أطلق فهو لا يتجه إلا إلى الماء خاصة، لكن مثل معاني القرآن لا تحمل على ما استقر عليه العرف في العصر الحديث، وإنما تحمل على عرف المخاطبين بالقرآن، فالطوفان عندهم أعم من الماء وهم عرب خلّص.

وأما الجراد فمعروف مشهور وهو مأكول لما ثبت في الصحيحين عن أبي يعفور قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الجراد، فقال: "غزونا مع رسول الله ﷺ سبع غزوات نأكل الجراد"[1].

إذا نزل الجراد بمكان ما فإنه يغطي وجه الأرض، ولا يترك شيئاً إلا أكله، ومن عادة الناس أن يصيدوه ليلاً لنزوله على الأشجار والأرض.

وروى الشافعي وأحمد بن حنبل وابن ماجه من حديث عبد الر حمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر -ا- عن النبي ﷺ قال: أحلت لنا ميتتان ودمان، الحوت والجراد والكبد والطحال[2].

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ [سورة الأعراف:133] قال: كانت تأكل مسامير أبوابهم وتدع الخشب.

وأما القُمَّل فعن ابن عباس -ا: هو السوس الذي يخرج من الحنطة، وعنه أنه الدبى، وهو الجراد الصغير الذي لا أجنحة له، وبه قال مجاهد، وعكرمة وقتادة، وعن الحسن وسعيد بن جبير: القُمَّل دواب سود صغار.

القُمَّل هو السوس الذي يكون بالحنطة، ويفسدها تماماً ولا يبقى منها إلا مثل بقايا القطن إذا ضرب، ولا تصلح للأكل.

قال: "وعنه: أنه الدبى" الدبى: الجراد الصغير، وهو أعظم آفة من الجراد الكبير؛ لأن الجراد الكبير ينزل في مكان ما، ثم بعد ذلك يغادر إلى مكان آخر فيفسد مكاناً ثم ينتقل إلى آخر، أما الدبى فإنه لا يطير وهو جالس في مكان معين يقرضه، فلا يطير ولا يغادر، ولا يؤكل، ويفتك فتكاً ذريعاً.

وقال بعضهم: القُمَّل هو البراغيث، وبعضهم قال: هو نوع من القراد الصغير الذي يكون في البهائم وتصل الأعداد التي اكتشفت منه إلى حوالي خمس وثلاثين ألف نوع، ولا يزالون يكتشفون ويقولون: الرقم مؤهل إلى الخمسين ألفاً، وهو أنواع: منه نوع طفيلي صغير يعيش على جسم الإنسان، يوجد في البيوت.

وقال بعضهم: القُمَّل هو الجعلان، وكل هذه الأقوال تدور على أن القُمَّل حشرة صغيرة مزعجة مؤذية، تنغص عليهم عيشهم وحياتهم، وإن كان المشهور -والله أعلم- أن القُمَّل هو الذي يكون في الحنطة والسوس، وبعضهم فسره بالقَمْل، وفيه قراءة غير متواترة، قراءة الحسن البصري.

وروى أبو جعفر بن جرير عن سعيد بن جبير قال: لما أتى موسى فرعون قال له: فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الأعراف:105] فلم يرسلهم، فأرسل الله عليهم الطوفان وهو المطر فصبّ عليهم منه شيئاً خافوا أن يكون عذاباً، فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا المطر، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فأنبت لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكلأ، فقالوا: هذا ما كنا نتمنى، فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكلأ، فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فداسوا وأحرزوا في البيوت، فقالوا: قد أحرزنا، فأرسل الله عليهم القُمَّل -وهو السوس الذي يخرج منه- فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها إلا ثلاثة أقفزة، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القُمَّل فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل، فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا؟ فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، وأرسل الله عليهم الدم فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار وما كان في أوعيتهم وجدوه دماً عبيطاً، فشكوا إلى فرعون فقالوا: إنا قد ابتلينا بالدم وليس لنا شراب، فقال: إنه قد سحركم، فقالوا: من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا وجدناه دماً عبيطاً؟ فأتوه وقالوا يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل.

تقول بعض الرويات: إذا استقت المرأة الإسرائيلية الماء لم يتغير، وإذا استقت الفرعونية صار دماً، فلما اشتد بهم العطش، كانت المرأة الفرعونية تقول لجارتها الإسرائيلية: مُجِّي الماء في فمي، فتمجّه من فمها إلى فمها فيتحول إلى دم، وبعض أهل العلم فسر الدم هنا: بالرعاف، والله تعالى أعلم.

وقد رُوي نحو هذا عن ابن عباس -ا- والسدي وقتادة وغير واحد من علماء السلف: أنه أخبر بذلك.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار -رحمه الله: فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مغلولاً ثم أبى إلا الإقامة على الكفر، والتمادي في الشر، فتابع الله عليه الآيات، فأخذه بالسنين وأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد ثم القُمَّل ثم الضفادع ثم الدم، آيات مفصلات، فأرسل الطوفان وهو الماء ففاض على وجه الأرض، ثم ركد لا يقدرون على أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئاً، حتى جهدوا جوعاً، فلما بلغهم ذلك، قالوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ [سورة الأعراف:134] فدعا موسى ربه فكشف عنهم.

بِمَا عَهِدَ عِندَكَ [سورة الأعراف:134] أي: بما استودعك من العلم، وقال بعضهم: بِمَا عَهِدَ عِندَكَ [سورة الأعراف:134] يعني: من معرفة الاسم الأعظم الذي إذا سألت ربك به أعطاك، وبعضهم يقول: بِمَا عَهِدَ عِندَكَ [سورة الأعراف:134] بما أعطاك الله من النبوة واختصك به من القرب والاصطفاء والتكليم.

فدعا موسى ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل الشجر فيما بلغني حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم القُمَّل، فذكر لي أن موسى أُمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه، فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فسأل ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً، لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً.

هذه كلها من العقوبات، وجنود الله لا تحصى، وكل شيء له آفة إلا نعيم الجنة، وليس في الدنيا مصلحة خالصة، وإنما هي مشوبة، والمصالح الخالصة في الجنة.

(مسألة): يقول: رجل أتى بوالدته وزوجته من مصر لأداء فريضة الحج، ثم أصيب في ركبته فلا يستطيع الذهاب معهم، فهل يجوز أن يذهبا بدون محرم، علماً بأن خال الزوجة موجود بمكة، ويمكن أن يصطحبها، في المناسك؟

(الجواب): لا بد في السفر من محرم، ودليل ذلك حديث ابن عباس -ا- قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني كتبت في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجّة، قال: ارجع فحج مع امرأتك[3].

(مسألة): هل يصح تحديد آيات معينة تقرأ على المصروع أو الممسوس؟

(الجواب): الرقى باب من أبواب الطب، والأصل في باب الطب الإباحة ما لم يشتمل على شيء محرم، فإذا سلمت الرقى من شيء محرم، أو أمور مبهمة غامضة فلا بأس أن تكون بآيات معينة، إذا دلت التجربة على أنها تؤثر بإذن الله ولا بأس أن يقرأ الإنسان في كل مقام بحسب ما يناسب المقام، فمثلاً الذي يعاني من الضيق والاكتئاب يقرأ عليه الآيات التي فيها الانشراح، والذي يعاني من الخوف فيمكن أن يُرقى بآيات السكينة، وكان شيخ الإسلام يكتب على جبين من أصيب بالرعاف قول الله وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ [سورة هود:44] فيقف الرعاف بإذن الله [4].

  1. رواه مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الجراد، (3/1546)، برقم: (1952).
  2. رواه ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال (2/1102)، برقم: (3314)، وأحمد (2/97)، برقم: (5723).
  3. رواه البخاري، كتاب الجهاد، باب كتابة الإمام الناس (3/1114)، برقم: (2896).
  4. نقل عنه ذلك تلميذه ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (4 / 326).

مواد ذات صلة