السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
الآية 31 من سورة النور
تاريخ النشر: ١٢ / رمضان / ١٤٢٨
التحميل: 2420
مرات الإستماع: 2478

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول الله -تبارك وتعالى- بعد أن أمر الرجال في هذه السورة الكريمة -سورة النور- بغض الأبصار وحفظ الفروج، يقول مخاطباً للنساء وذلك لتأكيد هذا المعنى وتقريره وإلا فإن الخطاب للرجال يتوجه أيضاً للنساء؛ لأنهن تبع للرجال، وهذه الشريعة تخاطب عموم المكلفين، فالله يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، "يغضوا من أبصارهم"، فما كل النظر حرام، وإنما تُغض الأبصار عما حرم الله -تبارك وتعالى، وبذلك تكون "من" هنا تبعيضية، وبعضهم يقول غير ذلك، ثم قال: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30]، أي: من أن ينظر إليها أحد، فلا تبدوا للناظرين، والقرينة الدالة على هذا المعنى -وهو ما اختاره كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله: أن الله   أمر بغض الأبصار، فهو يخاطبهم بغض أبصارهم من أجل أن لا ينظروا إلى عورات الناس، وكذلك أيضاً أمرهم أن يحفظوا فروجهم من أن ينظر إليها أحد[1].

وإذا كان الإنسان مأمورًا بالستر فإن ذلك يدل من باب أولى على حفظ الفروج عن مقارفة ما لا يليق من الفواحش، وما إلى ذلك، فهو معنى داخل في الآية من باب أولى.

ثم قال الله -تبارك وتعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، فلا تنظر إلى ما حرم الله -تبارك وتعالى، والمرأة من أهل العلم من يقول: إنها كالرجل لا فرق، فإنه لا يجوز لها أن تنظر النظرة بعد النظرة إلى الرجل لكَ الأولى وعليكَ الثانية[2]، فهي كالرجل سواء، ولا تديم النظر إلى الرجل، والأقرب -والله تعالى أعلم- أن المرأة لها نظر أوسع من الرجل، فيجوز لها أن تنظر إلى الرجال ولكن من غير شهوة، ولا تفرس، ولا يقال في حقها: "لك الأولى وعليك الثانية".

ثم قال: وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31]، أي: من نظر الناظرين، ومن باب أولى من مقارفة ما لا يليق.

ثم قال وهو الشاهد: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، ذكر الزينة هنا في هذه الآية مرتين، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، الزينة تطلق على محاسن الإنسان التي خلقها الله فيه، محاسن الخِلقة، وكذلك أيضاً تطلق على القدر الزائد على ذلك، وذلك في ثلاثة أشياء: الأصباغ كالحناء والكحل والحُمرة وما إلى هذا، والثياب بأنواعها وأشكالها، والحُلي.

فهذه ثلاثة أمور كلها داخلة في هذه الزينة، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، ما الذي يظهر منها؟.

هذا نظرٌ الآن أمام الأجانب، إبداءٌ أمام الأجانب، ما الذي يظهر منها؟ الذي يظهر منها هو ما لا يمكن التحفظ منه ولا ستره، كما قال ابن مسعود : "هو ما يبدو من الثياب"[3]، هي تلبس عباءتها فما يظهر من حذائها أو يظهر من أسافل ثيابها فإن ذلك أمر لا تستطيع أن تستره، كذلك هذه العباءة هي من الثياب، ولكن لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون هذه العباءة زينة وفتنة؛ لضيقها، أو كونها شفافة، أو مزينة، أو توضع على الكتف أو نحو ذلك مما يبدي المرأة أكثر أناقة، وجاذبية أمام نظر الرجال، فهذا لا يجوز، هو لون من التبرج والفتنة والإغراء، وليس من الحجاب والستر في شيء، فهذا التلاعب بالحجاب الذي نشاهده هو أبعد ما يكون عن الحجاب الذي شرعه الله ، بل هو قلب للقضية، صار الحجاب فتنة وزينة تتزين بها النساء.

ثم قال الله : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31]، عبر بالضرب مبالغة في الستر، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31].

ثم قال في حكم الزينة الثانية: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، هذه هي الزينة الخفية، فالزينة زينتان: الأولى: الزينة الظاهرة وهي أمام الرجال الأجانب، وهي ما يبدو من الثوب تحت العباءة من غير قصد، أو نفس العباءة إن لم تكن مزينة، فهي من الثياب، وهي زينة يتزين بها الإنسان، أقصد باللباس، هذا اللباس جعله الله زينة للآدميين.

وهنا الزينة الثانية هي الزينة الخفية التي تكون أمام الزوج والمحارم، ما هذه الزينة؟ قال الله : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31]، وعبارات السلف في هذا متفاوتة لكنهم يذكرون ذلك غالباً على سبيل المثال، كالقُرط الذي يوضع في الأذن، وهكذا أيضاً الخلخال الذي يوضع في أسفل الساق، والقلادة التي تكون في العنق، والحناء الذي يكون بالكف، وكذلك الكُحل، وكذلك الحُمرة وما إلى ذلك، فهذا يكون أمام النساء وأمام المحارم، هذه التي تسمى بالزينة الخفية، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31]، يعني: الأزواج، أو آبائهن وإن علو من جهة الأب ومن جهة الأم، أي الجد وأبو الجد وإن علا، وكذلك أبو الأم وإن علا، قال: أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، والد الزوج أو جده، وكل ما له من أجداد من جهة الأم ومن جهة الأب يجوز للمرأة أن تخرج أمامهم من غير حجاب، ثم قال: أَوْ أَبْنَائِهِنَّ [النور:31]، وإن نزلوا، أبنائهن من جهة الابن ومن جهة البنت، ابن البنت كذلك وإن نزل، أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، ابن الزوج وإن نزل، يعني: ابن ابن الزوج، وابن ابن ابن الزوج إلى آخره كله هؤلاء، ولذلك ينظر الإنسان إلى زوجات جده هذا لا إشكال فيه، أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ [النور:31]، للأشقاء وللأب وللأم، أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ [النور:31]، وإن نزلوا، ابن ابن الأخ، وابن بنت الأخ وإن نزلوا.  

أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ [النور:31]، كذلك كما قيل في الإخوان.

أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31]، ما المراد بنسائهن؟

هنا أضاف النساء إليهن، ففهم منه بعض أهل العلم كالحافظ ابن كثير والقرطبي وجماعة من أهل العلم سلفاً وخلفاً أن المراد بقوله: أَوْ نِسَائِهِنَّ يعني: المسلمات، قالوا: ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تبدي زينتها الخفية فتُظهرها أمام المرأة الكافرة، فهي كالرجل الأجنبي، هذا قال به طوائف من أهل العلم.

والقول الآخر أن قوله: أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31]، أي: النساء، ولعل هذا هو الأقرب -والله تعالى أعلم، والدليل على ذلك أن النساء من اليهوديات مثلاً كن يدخلن على أمهات المؤمنين على عائشة -ا- وغيرها ولم يأمرهن النبي ﷺ بأن يحتجبن منهن، فدل ذلك على أنها تكون أمام المشركة وأمام الكتابية كغيرها من النساء، فلا تحتجب منها.

قال: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31]، الذين قالوا: "أو نسائهن" يعني المسلمات، قالوا: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31]، يعني: من النساء المشركات، وليس الرجل ملك اليمين سواء كان مسلماً أو كافراً، قالوا: لا تبدي له زينتها، وإنما المقصود أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31]، المرأة المشركة التي تملكها، رقيقة عندها تبدي لها، تخرج أمامها هكذا، والأقرب -والله تعالى أعلم- أن قوله: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31]، يعني: الرجال، إن كان ملك يمين لها فيجوز لها أن تبدو أمامه كما تبدو أمام أخيها وأبيها وعمها وخالها، ونحو ذلك.

قال: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ [النور:31]، "التابعين غير أولي الإربة" هو الذي يتبع الناس من أجل أن يأكل معهم، إنسان ضعيف، وليس من ذوي الإربة، والإربة هي الحاجة، يعني: لا أرب له بالنساء، ليس عنده شهوة أصلاً، فإذا جلس مع النساء هو كإحداهن لا فرق، فمثل هذا يجوز أن يدخل على النساء، وهذا الذي عبر عنه بعض السلف بالمُخبَّل، الإنسان الذي لا يتفطن للنساء ولا لمفاتنهن ولا يعبأ بذلك، وليس عنده شهوة أصلاً، فمثل هذا يدخل مع الناس في البيوت، ويأكل معهم، ويجلس معهم ولا إشكال ما لم يتفطن لمفاتن النساء، وإلا فذلك الرجل الذي قال: "إنْ فتح الله عليكم الطائف فعليكم بأم غيلان، فإنها تُقبل بأربع وتُدبر بثمان، فلما سمع ذلك النبي ﷺ نهى أن يدخل على نسائه"[4]، مع أنه من غير ذوي الإربة، لكنه يتفطن. 

ثم قال الله بعده: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31]، هذا هو الضابط في مسألة الأطفال، عامة الناس يظنون أن الطفل يُحتجب منه إذا كان بالغاً، وهذا الكلام غير صحيح، لم يدل عليه دليل لا من الكتاب ولا من السنة، إنما ضابط المسألة ما ذكر الله هنا: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31]، الظهور يأتي لمعنيين:

المعنى الأول: بمعنى الغلبة، ولهذا فسره بعض السلف قالوا: ليس له صولة وظهور وغلبة يعني بوقاعهن، لم يكشفوا عن عورات النساء لجماعهن، يعني: لا يطيق النكاح، لا يطيق الوطء لصغره، هذا قال به طائفة من أهل العلم.

والمعنى الثاني -وهو الأقرب: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31]، أن الظهور بمعنى المعرفة، والعلم، كما قال الله في سورة الكهف: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ [الكهف:20]، يعني: إن يطلعوا على أمركم، ويعرفوا حالكم، يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ [الكهف:20]، فهذا هو المعنى الراجح، والله تعالى أعلم.

أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31]، يعني: يتفطن لمفاتن النساء، ويعرف ما يصدر منهن من غنج، وتكسِّر، وزينة، ومفاتن وما إلى ذلك، فالطفل حتى لو كان عمره سبع سنوات ويدرك هذه الأشياء إما لأنه نبيه في هذه الأمور، أو لأنه يخالط زملاء يتحدثون عن هذه القضايا، أو يجلس مع الكبار ويسمع منهم، أو أنه يشاهد أفلامًا كما هو الحاصل للأسف حتى في المدارس الابتدائية، وعن طريق البلوتوث فإذا نظر إلى المرأة تذكر المشاهدات التي شاهدها، إذا كان يتفطن لمثل هذه الأمور حتى لو كان عمره سبع سنوات يُحتجب منه كما يُحتجب من الرجل، هذا ضابط المسألة، وكثير من الناس يقول: نحن نشك عمره أربع عشرة سنة، نشك هل بلغ أو ما بلغ هل نحتجب منه؟ لا، ما يُنتظر حتى أربع عشرة سنة، هل يتفطن أو ما يتفطن؟ فمتى تفطن الطفل فإنه يُحتجب منه.

ثم قال: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31]، قبل ذلك نهى عن إظهار الزينة الخفية، ولكن المرأة قد تحتال إذا تغطت وتسترت تستراً كاملاً الآن تريد أن تُظهر شيئاً من الزينة، وإن كانت متسترة أمام الرجال الأجانب، فماذا تصنع؟ هي لابسة للخلخال مثلاً، الخلخال مثل السوار الذي في اليد، وفيه أشياء معلقة غالباً يصدر لها صوت إذا مشت، فإذا مشت ضربت برجليها فتراقصت قلوب مرضى الرجال، فتهتز لاهتزاز هذا الخلخال، وقد تضرب بصوت نعل، أو كعب أو نحو ذلك فتتحرك قلوب الرجال معه، فهذا لا يجوز، تمشي مشية معتدلة لا يُسمع منها شيء، فسد جميع الأبواب على هذا.

الشاهد هنا في قوله -تبارك وتعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31]، إلى آخره ما هذه الزينة؟ قلنا: هي هذه الأشياء سواء كانت القلادة، أو كان الوجه والكفين إلى آخره هذه تُبدَى أمام المحارم من الرجال وأمام النساء المسلمات وغير المسلمات.

لاحظوا: لم أقف على كثرة ما طالعت في تفسير هذه الآية من أقوال أهل العلم من السلف فمن بعدهم ما رأيت أحداً منهم قال: إنها تُبدي بطنها أو ظهرها أو جنبها أو نحو ذلك أبداً، كل ما تكلموا عنه القُرط، القِلادة، الحناء، الكُحل، وما أشبه ذلك، واليوم يأتي بعض النساء، ويرددن أن عورة المرأة من السرة إلى الركبة، وهو من أبطل الباطل، وهذا وإن قال به بعض الفقهاء فهو قول باطل من أساسه. 

ولكن لو أردنا أن نُسلم بذلك جدلاً فهم لم يقصدوا بحال من الأحوال أن المرأة تلبس تُفصل لباساً من السرة إلى الركبة، ثم تأتي للنساء في صالة الأفراح أو في المجلس أو في مجامع النساء الصغيرة أو الكبيرة أو أمام المحارم ما عليها إلا من السرة إلى الركبة، ما في أحد يقول بهذا الكلام، لكن الذين قالوا هذا ماذا قصدوا به؟

العورة ينبغي أن نفهم أنها تطلق بإطلاقات متعددة، هناك عورة أمام الرجال الأجانب، وهي التي ذكرها الله أولاً وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، فالمرأة كلها عورة كما قال النبي ﷺ: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان[5]، فتستر كل شيء، وهناك عورة أمام المحارم وأمام النساء وهي أنه لا يظهر منها إلا ما يظهر عادة في مهنتها، في بيتها وهو الوجه، الكفان، الشعر على الراجح؛ لأن من السلف من قال: لا تبديه إلا للزوج، وهكذا القلادة والسوار والخلخال والقدمان، فهذه تبديها للمحارم وللنساء، وما عدا ذلك فهو عورة.

وهناك عورة في الصلاة وهي ما عدا الوجه والكفين، ومن أهل العلم من قال: والقدمين، فهذه عورة، عورة المرأة في الصلاة غير عورة المرأة أمام المحارم، وعورة المرأة أمام المحارم ليست كعورة المرأة أمام الرجال الأجانب، وإنما قصد هؤلاء الفقهاء أن المرأة إن احتاجت فلا بأس عليها أن تحسر عن كمها فيبدو للوضوء مثلاً، فيبدو ذراعها ويبدو طرف العضد عند الوضوء، وكذلك لو أنها عند هؤلاء لو احتاجت أن تُرضع أمام النساء فإنها تُرضع تُخرج ثديها، مع أن هذا القول غير صحيح، وإنما تستره، يقولون: لو أرادت أن تتوضأ مثلاً فرفعت رجلها فبان ساقها فلا إشكال، أما أنها تفُصل ثيابًا من السرة إلى الركبة، وتخرج تقول: عورة المرأة من السرة إلى الركبة هذا لا يقول به أحد أبداً، ولا أدري كيف فهم هؤلاء الناس هذه العبارة لبعض الفقهاء بهذه الطريقة!.

الآن في قوله هنا: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، مع قوله -تبارك وتعالى: قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59]، تُعرف أنها حرة فلا يهمّ بها أحد، يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ كما قال ابن مسعود : "تُدني تسدل خمارها من فوق رأسها وتغطي وجهها ونحرها"[6]، يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ، تُعرف أنها حرة فلا تبدي وجهها، واليوم كثرت الدعوى والدعوة بقضية إظهار الوجه، وأن ذلك مسألة خلافية، وأن قول الجمهور أنه يجوز إبداء الوجه مع الكفين أمام الرجال الأجانب.

قبل أن يأتي الاستعمار إلى بلاد المسلمين لا يُعرف أبداً أن مجتمعاً مسلماً تُبدي فيه امرأة أمام الرجال الأجانب وجهها أبداً، واقرءوا تاريخ مصر، ولما جاءت الحملة الفرنسية قبل الإنجليز ماذا كان يقولون فيما ذكره الجبرتي في "عجائب الآثار"، ماذا كان المصريون يقولون عن الفرنسيين وعن النساء اللاتي جئن مع الحملة الفرنسية، كان المصريون يتعجبون غاية التعجب من هؤلاء النساء المتبرجات الفرنسيات اللاتي يضاحكن الرجال، دعاة التغريب في بلاد الإسلام طلائعهم الذين كانوا في مصر هدى الشعراوي، ومن كان معها خرج ثمان منهن إلى بلاد الغرب لحضور مؤتمر وهن من دعاة التغريب، ست مغطيات لوجوههن، أول وفد، أول ما عُرف من خروج النساء بلا محرم، وسفرهن بلا محرم، ست من دعاة التغريب مغطيات لوجههن ذاهبات يحضرن المؤتمر بغطاء الوجه، واثنتان قد كشفن وجوههن، فماذا قال المتآمرون المؤتمرون؟.

قالوا: إن هؤلاء النساء المغطيات هن المصريات، وإن الكاشفات لوجوههن قد استعارهن المصريون من غيرهم ليُمثلنهم، ما يصدقون أن امرأة مسلمة تكشف وجهها، لاحظوا دعاة التغريب في مصر في أي بلد من بلاد المسلمين رأينا صور النساء في الكويت قديماً وفي مصر، وفي القوقاز، وفي تركيا، وفي أنحاء كثيرة من بلاد المسلمين صورًا قديمة ما فيها امرأة تُظهر وجهها، متى جاءنا إظهار الوجه هذا؟.

لما جاء الاستعمار، الآن حينما جاء دعاة التغريب وكانوا في البداية يطالبون بالوجه والكفين، هل وقف في البلاد الإسلامية على الوجه والكفين؟.  

أبداً، انظروا إلى المجلات القديمة التي أسسها النصارى في البلاد الإسلامية مثل مجلة الهلال المصرية، انظروا إلى الأعداد القديمة جدًّا قبل أكثر من سبعين سنة وخمسين سنة ونحو ذلك تجد على الغلاف المرأة كما خلقها الله ما عليها قطعة واحدة تسترها، غلاف مجلة الهلال، مجلة مشهورة ما هي مجلة جنسية، مجلة إلى الآن تصدر، ما عليها قطعة واحدة، على الغلاف، هذا موجود، ومن شاء فليراجع تلك الحِقبة من الزمان، ما وقفتْ على الوجه والكفين، فدعاة جهنم ليست قضيتهم قضية الوجه مع الكفين.   

انظروا إلى البلاد الإسلامية على الشواطئ وفي البِرك، هي بقيتْ على الوجه والكفين؟ ما وقفت على هذا، فهؤلاء دعاة على أبواب جهنم، مثل الشيطان، بالتدريج، خطوات الشيطان، أول شيء المسألة فيها خلاف، ثم بعد ذلك ما وقفت على الوجه والكفين، يظهر الشعر، ثم بعد ذلك شيئاً فشيئاً فيظهر كل شيء، فينبغي على المسلمين أن يحذروا من هؤلاء، ثم أيضاً إذا كان الأمر كما يقولون: إن الوجه والكفين ليس بعورة، فلماذا الخاطب يرخص له بالنظر إلى الوجه والكفين، هي للجميع كلأ مباح؟، الفقهاء -رحمهم الله- حينما ذكروا قضية الوجه مع الكفين قالوا: إن مجامع الحُسن في الوجه والكفين، وهذا الكلام صحيح تماماً، وذكروا تفاصيل لا يمكن أن تُذكر هنا، ذكروا الأشياء التي تُعرف من الوجه، هناك أمور خفية جدًّا من الزينة مما يطلبها الرجال لو أرسلت خاطبة وناظرة إلى المرأة لا يمكن أن يأتونك بهذه المعلومات خفية جدًّا تُعرف من الوجه، وتُعرف من الكفين من امتلائهما وعدمه، تُعرف أمور خفية لو أرسلت ألف خاطبة ما يمكن أن تأتي لك بالخبر، بل بعض هذه التفصيلات والأوصاف نفس المرأة لو سألتها ما عندها جواب، ما تعرف، ويستطيع الإنسان أن يعرفها من النظر إلى وجهها وإلى كفها، أدق التفصيلات التي يريدها الرجل التي ما يستطيع أن يسأل عنها تُعرف من الوجه والكفين، وهذا يعرفه أولئك الذين لا يحفظون أبصارهم وجوارحهم عما حرم الله، وقد حدثني بعضهم قبل تركه لهذه الأمور أنهم كانوا يتابعون في الجامعات المختلطة يتابعون المرأة بناء على ما يظهر من علامات يعرفون أن هذه صفتها كذا، وهذه صفتها كذا، ويعرفون من يصلح لهم للفجور، بهذه الطريقة، فإذا كانت المرأة تُبدي الوجه مع الكفين خلاص تُعرف محاسنها، فالوجه هو الزينة.

وعلى كل حال أقول: حتى مثل هؤلاء الذين كتبوا "المرأة الجديدة" مثلاً قاسم أمين ندم بعد دعوته للسفور، وذكر أنه تتبع أحوال النساء في مصر اللاتي قد أبدين زينتهن وصرن سافرات يقول: فرأى أن أعين الرجال وأيديهم أحياناً تمتد إلى هؤلاء النساء فلا يسْلمنَ بحال من الأحوال منهم، وأن خروج المرأة سافرة أنه خطر محقق عليها، وأن المرأة لا يمكن أن تسلم إلا بأن تنأى بنفسها عن الرجال وعن مخالطة الرجال وعن السفور أمامهم.

فأسأل الله أن يحفظ حرمات المسلمين ونساءهم، وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. انظر: تفسير الطبري (17/ 254).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر، برقم (2149)، والترمذي، أبواب الأدب عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في نظرة الفجاءة، برقم (2777)، وأحمد في المسند، برقم (1373)، وقال محققوه: "حسن لغيره"، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1865).
  3. انظر: تفسير ابن كثير (6/ 45).
  4. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، برقم (4324)، ومسلم، كتاب السلام، باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب، برقم (2180).
  5. أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ، برقم (1173)، وابن خزيمة في صحيحه، برقم (1685)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6690).
  6. انظر: تفسير ابن كثير (6/ 481).

مواد ذات صلة