بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المفسر -رحمه الله تعالى:
ويستحب لمن جاء إلى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها، لما ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل[1].
ولهما عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ:غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم[2].
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده[3] رواه مسلم.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة[4]، رواه أحمد والنسائي وابن حبان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه الأحاديث التي أوردها المؤلف -رحمه الله- للتدليل على أن غسل الجمعة مستحب هي من أقوى ما يستدل به من قال بالوجوب، ولا شك أن ظاهرها الوجوب؛ كقوله: غسل الجمعة واجب على كل محتلم، أو الأمر بذلك صراحة في بعض الأحاديث، مثل: حق لله على كل مسلم، كذلك في الحديث الآخر: على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام فالتعبير بمثل: على فلان، على المسلم، عليك أن تفعل كذا يستعمل عادة في الوجوب.
والقول بالوجوب بناء على هذه الأدلة وغيرها لا شك أن له وجهاً قوياً من النظر، ولكن هذا الوجوب قد تصرفه بعض الأحاديث الأخرى، إذ إن في بعض ما يدل على الوجوب في ظاهره ما قرن معه ما ليس بواجب، كما جاء في بعض الأحاديث: وأن يمس من طيبه[5]، وذكر السواك، وطيب أهله، فمثل هذه الأمور ليست بواجبة.
وكذلك أيضاً قول النبي ﷺ في الحديث الآخر: من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل[6]، وكذلك أيضاً الأحاديث التي جاء فيها الترغيب في الاغتسال، وأيضاً ابن عباس -رضي الله عنهما- جاءه قوم من العراق وسألوه عن غسل الجمعة، فذكر لهم أنه ليس بواجب وبيّن لهم مبدأ الأمر، أي أن النبي ﷺ حينما أمرهم بذلك أمراً صريحاً، وهو ما ذكر مما هو معروف أن المسجد كان صغيرا، وكان سقفه منخفضاً، وكان الناس يزاولون أعمالهم بأنفسهم فيجتمعون في الجمعة، فتنبعث روائح، ويتأذى بعضهم من بعض، وكانوا يلبسون الصوف، ثم بعد ذلك وسع الله عليهم، فما عادوا يلبسون ذلك اللباس، وما عادوا يزاولون أعمالهم بأنفسهم، ووُسع المسجد.
وكذلك أيضاً عائشة -رضي الله تعالى عنها، جاء عنها ما يدل على هذا المعنى، فالمقصود أن هذه الأدلة الصريحة التي قد يفهم منها الوجوب، قد تصرفها تلك الأحاديث التي تدل على الاستحباب -والله تعالى أعلم.
قوله في هذا الحديث -حديث أوس بن أوس : من غَسَّل واغتسل، من غسَل رأسه يوم الجمعة واغتسل[8]، فيكون غَسَّل أي غسَل رأسه، واغتسل أي في سائر جسده، وبهذا فسره جماعة من أهل العلم من التابعين وغيرهم، وقد يدل عليه الحديث السابق حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه: حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده.
وقوله: غسَّل واغتسل فسره الإمام أحمد -رحمه الله- وآخرون بأن المراد: غسَّل أي تسبب في غسل غيره، واغتسل هو، وإنما يكون متسبباً في غسل غيره بالجماع، فبناء على ذلك قالوا: يستحب له قبل أن يأتي الجمعة أن يجامع أهله، وذلك أدعى لحضور الذهن فإن وفور الشهوة سبب لشتاته وتفرقه، فإذا قضى الإنسان وطره كان ذهنه أجمع ما يكون، فلا يوجد فيه ما يشوشه من هذه الحيثية.
فالمقصود أن هذا الفهم قال به جماعة من أهل العلم، وبناء عليه قالوا: إن ذلك مستحب، وقد يستدل لهذا القول بالحديث الآخر حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة[9]، فهذه الجملة تحتمل أن يكون المراد بها غسل الجنابة أي الغسل المتسبب عن الجنابة، ويحتمل أن يكون المراد أنه اغتسل غسلاً كاملاً بصفة غسل الجنابة، حيث إنه يتوضأ -كما هو معلوم- قبله ثم يفيض الماء على رأسه ثلاث حثيات، ويفيض الماء على سائر جسده، فهذه أكمل صور الاغتسال، مع أنه يجزئ الإنسان في الغسل أن يفيض الماء على سائر جسده ويتمضمض ويستنشق، فقد يفهم من هذا.
ولكن حديث أبي هريرة لا يدل على ذلك صراحة؛ لأنه محتمل لهذا المعنى والمعنى الآخر، والشريعة عامة لجميع الناس، ويُظن في مثل هذه الفضائل أن جميعهم -جميع المكلفين- يمكنهم أن يحصلوها، وإلا فلو حمل هذا على غسل الجنابة، لبقي من لم يتزوج محروماً من هذا الفضل والأجر، والعلم عند الله .
بمعنى أنهم يطوون الصحف، وإلا فهم يقفون على أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول، وما ذكر هنا في صفة الكبش من أنه أقرن؛ لأنه أكمل من الأجلح، وهذه الفضائل غفل عنها أكثر الناس اليوم، وإلا فانظر إلى الحديث الذي قبله وهو حديث صحيح، ذكر فيه النبي ﷺ بعد الأمور التي يطلب تحصيلها: كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، هذا إذا فعل ما ذكر من التبكير، والاغتسال والمشي، وعدم الركوب مشى ولم يركب.
لكن السواك ليس بواجب، ومس الطيب ليس بواجب، فذكره في سياق واحد غسل الجمعة واجب يعني والسواك واجب، وأن يمس من طيب، فلعل المراد بذلك: أنه يطلب طلباً مؤكداً.
وفي بعض الروايات وزيادة ثلاثة أيام[13]، باعتبار الحسنة بعشر أمثالها، فالأسبوع سبعة أيام وزيادة ثلاثة فتصير عشرة، فالحسنة بعشر أمثالها، ويوخذ من قوله: ومس من طيب أهله إن كان عنده فائدة وهي أنه يدل على أن التطيب بطيب النساء ليس من التشبه بهن.
وفي سنن أبي داود وابن ماجه عن عبد الله بن سلام -رضي الله تعالى عنه: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول على المنبر: ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته[14].
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها: أن رسول الله ﷺ خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار فقال: ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته[15] رواه ابن ماجه.
أي في أول الأمر حينما رأى عليهم تلك الثياب، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- يوضحه، فلما وُسّع عليهم ما عادوا يلبسون تلك الثياب التي تنبعث منها تلك الرائحة، ثم إن قوله ﷺ: ما على أحدكم إن وجد يدل على أن ذلك لا يجب.
وقوله تعالى: إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ [سورة الجمعة:9] المراد بهذا النداء هو النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدي رسول الله ﷺ إذا خرج فجلس على المنبر، فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه، فهذا هو المراد، فأما النداء الأول الذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- فإنما كان هذا لكثرة الناس كما رواه البخاري -رحمه الله- عن السائب بن يزيد -رضي الله تعالى عنه- قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس، زاد النداء الثاني على الزوراء[16]، يعني يؤذن به على الدار التي تسمى بالزوراء، وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد.
وقوله تعالى: وَذَرُوا الْبَيْعَ أي: اسعوا إلى ذكر الله واتركوا البيع إذا نودي للصلاة، ولهذا اتفق العلماء -رضي الله تعالى عنهم- على تحريم البيع بعد النداء الثاني.
وقوله تعالى: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
قوله: وَذَرُوا الْبَيْعَ ذكر البيع؛ لأنه غالب تعامل الناس، أغلب تعامل الناس بالبيع والشراء، ولكن يدخل فيه سائر العقود مثل الإجارة، ويدخل فيه أيضاً عقود الشركات، وعقد النكاح.
وَذَرُوا الْبَيْعَ وهذا بمعنى النهي وهو صريح في ذلك، والأصل أن النهي يقتضي الفساد، ولذلك فإن ما يحصل من المبايعة بين من تجب عليهم الجمعة، أو من العقد كعقد النكاح أو نحو ذلك الأقرب والأرجح -والله أعلم- أنه باطل لا يصح، كل عقد يكون بعد النداء الثاني للجمعة فإنه باطل، لا يحق لهذا أن ينتفع بالثمن، ولا يحق للآخر أن ينتفع بالمثمن، -والله أعلم، فإن كان عقد نكاح فإنه لا يصح، لا يستحل به البضع.
وقوله تعالى: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أي: ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة خير لكم، أي في الدنيا والآخرة إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
وقوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ [سورة الجمعة:10].
طريقة احتساب الساعات في يوم الجمعة، من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، والثانية بقرة، والثالثة كبشاً أقرن، والرابعة دجاجة، والخامسة بيضة، تحسب من شروق الشمس إلى وقت الزوال، ويقسم على خمس، فالساعة ليس المقصود بها الساعة المعروفة الآن، وإنما هي مدة من الزمن، فإذا قسمته على خمس فإنه يزيد وينقص في الشتاء والصيف، الشتاء يمكن أن تذهب في حدود الساعة السابعة إلا ربعا، وتدرك الساعة الأولى، بخلاف الصيف فإن الوقت يختلف كما هو معروف.
قوله: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ هذا أمر بعد النهي، والقاعدة في هذا الباب أن يقال، ما هي القاعدة؟ هذا بعضهم يقول: الأمر بعد النهي للإباحة، وبعضهم يقول: للاستحباب، والراجح: أن الأمر بعد الحظر يرجع فيه إلى ما كان عليه قبله، فإن كان مستحباً صار للاستحباب، وإن كان مباحاً صار للإباحة وهكذا.
فهنا البيع والشراء مباح، فنهاهم عنه ثم بعد ذلك قال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ فهذا للإباحة، فلا يجب على الإنسان أن يخرج، خلافاً لمن قال ذلك كبعض الظاهرية، قالوا: لا يبقى في المسجد بعد صلاة الجمعة فَانتَشِرُوا الفاء تدل على التعقيب المباشر فيخرج، وهذا القول في غاية البعد، فهذا الأمر للإباحة، والسياق يبيّن ذلك، وهذه القاعدة أيضاً بالاستقراء.
وأما قوله: وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ يعني التجارة كما يدل عليه السياق، هذا هو الأقرب -والله أعلم، ومن أهل العلم من حمل ذلك على أمور يحصل بها التقرب إلى الله ، قال: وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ بعيادة المريض، وصلة الأرحام جاء هذا عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- وغيره، والله قال: وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ، و لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [سورة البقرة:198]، في الحج أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ يعني بالتجارة في الحج، فهنا نهاهم عن البيع والشراء ثم قال: لا حرج عليكم أن تبتغوا من فضل الله بالاتّجار والتكسب وما أشبه ذلك.
وقوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي: في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم اذكروا الله ذكراً كثيراً، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة، ولهذا جاء في الحديث: من دخل سوقاً من الأسواق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة[18].
وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً.
لما كان السوق مضنة للغفلة والاشتغال بالبيع والشراء وهو مكان يضع فيه الشيطان رايته، وهو أبغض الأماكن إلى الله كما في الحديث: أبغض البقاع إلى الله أسواقها، وأحب البقاع إلى الله مساجدها[19]، فهو ينتقل من أحب البقاع إلى شر البقاع، وذلك مظنة لغفلته، فالله أمر بذكره كثيراً، والذكر إذا أمر الله به في القرآن فإنه يأتي غالباً مقروناً بالكثرة؛ وذلك لعظم منزلته، وأيضاً لأنه ليس فيه كلفة، لا يشترط فيه الطهارة ولا استقبال القبلة، ولا في هيئة معينة، ولذلك قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [سورة الأحزاب:41، 42].
وكذلك قال: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [سورة النساء:103]، والحديث: سبق المفردون[20]، وفسره بـ: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [سورة الأحزاب:35] إلى غير هذا، فهذا أمر لا يتطلب من الإنسان كلفة وجهداً زائداً، ومشقة، مع عظيم فضله.
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سورة الجمعة:11].
يعاتب -تبارك وتعالى- على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذ فقال تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا أي: على المنبر تخطب، هكذا ذكره غير واحد من التابعين، منهم أبو العالية والحسن وزيد بن أسلم وقتادة، وزعم مقاتل بن حيان أن التجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن يسلم، وكان معها طبل فانصرفوا إليها وتركوا رسول الله ﷺ قائماً على المنبر، إلا القليل منهم، وقد صح في ذلك الخبرُ، فروى الإمام أحمد عن سعد بن أبي الجعد عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: قدمت عير مرة المدينة، ورسول الله ﷺ يخطب، فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجلاً فنزلت: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا[21]. أخرجاه في الصحيحين من حديث سالم به.
هذا هو سبب النزول، وكانت هذه التجارة أو العير جاءت في وقت حاجة، فبدأ الناس ينسلون ورسول الله ﷺ يخطب، الواحد بعد الواحد، حتى ما بقي إلا هذا العدد القليل، فعاتبهم الله هذه المعاتبة: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا التجارة هي هذه العير، واللهو فسره بعضهم بالطبل الذي كان يضرب بين يدي العير إعلاماً بقدومها، وقد يفعل ذلك أهلُه، يعني صاحب العير، فرحاً بقدومه واستبشاراً بذلك، وهذا يمكن أن يكون قبل تحريم المعازف، على هذا التفسير، ويمكن أن يكون فعل ذلك دحية قبل إسلامه كما هو معروف، وفعله له لا يؤخذ منه أن ذلك يجوز، وقد سماه الله لهواً وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا .
والأحاديث في تحريم المعازف معروفة، وقول الله : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [سورة لقمان:6]، فالمعازف بجميع أنواعها محرمة، سواء كانت بالدف أو بغير الدف، وحتى ما يؤدي مؤداها، مما يعرف بالمؤثرات الصوتية، التي تقوم مقام المعازف بهذا القيد، بحيث تكون مطربة بهذا القيد، وإلا فإن الصدى من المؤثرات الصوتية، ولا يقال: إنه من المعازف، لكن التي تقوم مقامها، أو يكون ذلك بما يفعله الإنسان بفمه أحياناً، أو نحو هذا، فكل هذا حرام، مما يؤدي مؤداها.
ولو أن ما يستثنى من ذلك الدف فقط في حالتين اثنتين لا ثالث لهما، وهي في الزواج: أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف[22]، وكذلك في العيد، وإنما يكون ذلك في الحالتين للنساء فقط، وأما الرجال فلا يحل لهم لا في العيد ولا في الزواج، ويسأل كثير من النساء في الأعراس عن وضع شريط أناشيد فيه دف في الزواج، فيقال: ليس هذا من شأن الرجال وإنما هو منكر.
وقوله هنا: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًامن السلف من فسر اللهو بمعنى آخر، قالوا: المقصود باللهو هو التشاغل بالدنيا، فذهابهم إلى هذه التجارة هو من جملة اللهو، وما ذكروا الطبل أصلاً، وإذا فسر بالطبل فهنا يرد سؤال معروف وهو أن الله قال: انفَضُّوا إِلَيْهَا، فأعاد الضمير مفرداً مع أنه ذكر أمرين اثنين، ووُجّه ذلك بأنها هي المقصودة، هم ما ذهبوا للطبل، وإنما ذهبوا للتجارة، يريدون التجارة انفَضُّوا إِلَيْهَا .
وهذا أسلوب معروف، أن يُذكر شيئان فأكثر فيعود الضمير إلى واحد منهما لاعتبارات متعددة، منها: أن يكون هو المقصود، وأحياناً يعود الضمير إلى أحدهما ليدل على الآخر، وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ [سورة التوبة:62] أي: أن يرضوهما، لا أن يرضوه وحده، أَن يُرْضُوهُ فأعاد الضمير مفرداً، فطاعة النبي ﷺ ورضاه داخل وتبع لرضا الله .
وفي قوله تعالى: وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [سورة الجمعة:11] دليل على أن الإمام يخطب يوم الجمعة قائماً، وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: كانت للنبي ﷺ خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكّر الناس[23].
وقوله تعالى: قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ أي: الذي عند الله من الثواب في الدار الآخرة، خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي: لمن توكل عليه وطلب الرزق في وقته.
آخر تفسير سورة الجمعة ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة.
- رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو النساء؟ برقم (837)، ومسلم، في بداية كتاب الجمعة، برقم (844).
- رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو النساء؟ برقم (839)، ومسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، برقم (846).
- رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، برقم (849).
- رواه النسائي، كتاب الجمعة، باب إيجاب الغسل يوم الجمعة، برقم (1378)، وابن خزيمة برقم (1746)، وابن حبان في صحيحه برقم (1219)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7482)، ولم أجده عند الإمام أحمد.
- رواه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي ذر برقم (21569) وقال محققوه: حديث صحيح، والحاكم في المستدرك برقم (7394) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وابن خزيمة في صحيحه برقم (1755).
- رواه النسائي، كتاب الجمعة، باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، برقم (1380)، والترمذي، أبواب الجمعة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، برقم (497)، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الرخصة في ذلك، برقم (1091)، وأحمد في المسند برقم (20177)، وقال محققوه: حسن لغيره، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (6182)، من حديث سمرة بن جندب .
- رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة، برقم (345)، والنسائي، كتاب الجمعة، فضل غسل يوم الجمعة، برقم (1381)، والترمذي، أبواب الصلاة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة، برقم (496)، وأحمد في المسند برقم (16173)، وقال محققوه: إسناده صحيح، وبرقم (16962)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، غير أن صحابيّه لم يخرج له سوى أصحاب السنن، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح برقم (1388).
- رواه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة، برقم (346)، من حديث أوس الثقفي ، وقال الشيخ الألباني: "إسناده صحيح" في صحيح أبي داود برقم (374).
- رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة، برقم (841)، ومسلم، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وباب الطيب والسواك يوم الجمعة، برقم (850).
- رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة، برقم (841)، ومسلم، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وباب الطيب والسواك يوم الجمعة، برقم (850).
- رواه ابن خزيمة في صحيحه بلفظ: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ويمس طيبا إن عنده برقم (1744)، ولفظه: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم رواها البخاري، كتاب الجمعة، باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو النساء؟ برقم (839)، وبرقم (855)، في باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟
- رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما، كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة، برقم (343)، وابن ماجه من حديث أبي ذر ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، برقم (1097)، وأحمد في المسند برقم (23571)، وقال محققوه: صحيح لغيره، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (688).
- رواه مسلم، من حديث أبي هريرة ، كتاب الجمعة، باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة، برقم (857)، وأبو داود من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما، كتاب الطهارة، باب في الغسل يوم الجمعة، برقم (343).
- رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب اللبس للجمعة، برقم (1078)، وابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، برقم (1096)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5635).
- رواه ابن ماجه، كتاب المساجد والجماعات، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، برقم (1096)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5635).
- رواه البخاري من حديث السائب بن يزيد ، كتاب الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، برقم (870).
- انظر: تفسير ابن أبي حاتم (12/ 313)، برقم (18897).
- رواه البزار في مسنده برقم (125)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (3139).
- رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح وفضل المساجد، برقم (671).
- رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، برقم (2676).
- رواه الإمام أحمد في المسند برقم (14356)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ومسلم، كتاب الجمعة، باب في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [سورة الجمعة:11]، برقم (863).
- رواه الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في إعلان النكاح، برقم (1089)، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب حسن في هذا الباب وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح التفسير هو ثقة، وأحمد بلفظ: أعلنوا النكاح برقم (1613)، وقال محققوه: حسن لغيره، والألباني -رحمه الله- صحح لفظة: أعلنوا النكاح، وضعف تمام الحديث كما في ضعيف الجامع برقم (967).
- رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة، برقم (862).