الجمعة 30 / ربيع الأوّل / 1446 - 04 / أكتوبر 2024
(137) قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ...} الآية، وقوله: {بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا...} الآيات 124 – 125
تاريخ النشر: ٠١ / جمادى الأولى / ١٤٣٨
التحميل: 482
مرات الإستماع: 1088

للشيخ/ خالد بن عثمان السبت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلما ذّكر الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين بنصره يوم بدر: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون [آل عمران:123]، قال بعد ذلك: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين ۝ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِين [آل عمران:124-125].

فقوله -تبارك وتعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ، هذا يحتمل أن يكون متعلقًا بما قبله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران:123]، ثم ذكّر بما كان منه ﷺ حينما بشّر أصحابه بنزول الملائكة، فيكون ذلك مما يتصل بيوم بدر، وهذا له وجه ظاهر باعتبار أنه يرتبط بما قبله مباشرة في وقعة بدر، ومعلوم أن الملائكة نزلت في غزوة بدر، وأنهم قاتلوا ونزلوا في يوم حُنين للتطمين وتسكين القلوب، ولم يُقاتلوا في يوم حُنين، واختلف العلماء في نزولهم في أُحد هل نزلوا أو لم ينزلوا؟

فبعض أهل العلم يقول: هذه الآية هي في يوم أحد، وأنها تتعلق بقوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ [آل عمران:121]، الذي هو حديث عن أحد كما ذكرنا، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، فهذا قول لطائفة من أهل العلم، ولعل الأقرب -والله أعلم- هو أنه مرتبط بالآية قبله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ، يرد على هذا إشكال وهو أن الله قال في الأنفال في غزوة بدر قال: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِين [الأنفال:9]، وهنا ثلاثة وخمسة ولم يذكر الألف، فالذين قالوا: إن هذه الآية من سورة آل عمران هي في بدر قالوا: بأن العِدة في بدر الوعد بألف من الملائكة مُردفين، يعني أنهم يردفهم آخرون، يتبعهم آخرون، وهؤلاء الذين يتبعونهم هم الثلاثة آلاف ثم الخمسة آلاف، والذين قالوا: هي في أحد قالوا الآيات هنا في سورة آل عمران تتحدث عن أحد والآيات التي في الأنفال تتحدث عن غزوة بدر، وهذا يحتمل، والله أعلم.

فقوله -تبارك وتعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، يعني: أنه يُذكر واذكر إذ تقول، فـ"إذ" مُـتعلقة بمُقدر محذوف تقديره اذكر، واذكر: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، المشركون في وقعة بدر يُقال إنهم وعِدوا بمدد، وأن هذا جاء في مقابل وعد المشركين بمدد من الكفار يأتونهم، فالله -تبارك وتعالى- قوى عزائم المؤمنين فقال الله لهم على لسان رسوله ﷺ: أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، يعني: الألف وثلاثة آلاف إذا جاء المدد ثم قال: بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ، فجعل هذا هو الشرط، وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا، الفور هنا يُقال: للسُرعة، يُقال: جاء فورًا، احضر فورًا، ويُقال أيضًا: للغضب فار التنور، بمعنى شدة الحرارة ونحو ذلك، فالفور يُقال: للغضب، ويُقال أيضًا: للناحية والوجه يعني من هذا الوجه أو من هذه الناحية، ولذلك قال بعضهم بعض أهل العلم: بأن المقصود: وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا، يعني: يأتوكم من وجههم هذا أو من غضبتهم هذه وحنقهم؛ لأنهم خرجوا في غاية الغضب في يوم أُحد؛ لأن عيرهم تعرضت لمحاولة أخذ من قِبل رسول الله ﷺ وعليها تجارتهم، أموال قريش فيها، فخرجوا غاضبين في حِدة وحمية.

قال: بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم، يعني: الكفار، مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا، من غضبتهم أو من مخرجهم، أو يأتوكم مسرعين من مخرجهم هذا غاضبين حانقين، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِين.

وبعض أهل العلم يقال: "بأن ذلك إشارة إلى المدد الذي وعدوا به أنه بمجرد ما يأتي من هذه الناحية تأتي الملائكة مباشرة ثلاثة آلاف وخمسة آلاف"، لكن هذا مُقيد بالتقوى، فالذين قالوا هي في أُحد قالوا: لم يحصل هذا الشرط الصبر والتقوى، ومن ثَم لم يحصل هذا المدد وحصلت لهم الهزيمة، والذين قالوا: إنه في بدر وحملوا ذلك على مدد يأتي للكفار وأن ذلك المدد لم يأت تخلف أصلاً فلم ينزل الثلاثة ولا الخمسة وإنما نزل الألف، فهؤلاء فوق الألف على هذا المعنى، والعلم عند الله -تبارك وتعالى-.

وقوله -تبارك وتعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، مُنزلين من السماء إلى أرض المعركة، بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ، يعني: بلى يكفيكم هذا المدد، ثم جاءهم ببشارة أخرى وهو أنهم إن صبروا واتقوا، صبروا على لقاء العدو، واتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ فإنهم يُمدهم ربهم -تبارك وتعالى- بخمسة آلاف، وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا، يأتيكم الكفار من مخرجهم مسرعين غاضبين حانقين، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وفيها قراءتان متواترتان، هذه القراءة التي نقرأ بها: مُسَوِّمِينَ، يعني: أنهم قد جعلوا السيما إما على أنفسهم كعادة المقاتلين الشجعان يجعلون سيما لهم يُعرفون بها؛ لشجاعتهم لفرط شجاعتهم كأنهم ينادون الخصم أو العدو ليعرفهم فهم لا يحتاج الواحد منهم أن يتوارى في أغمار الصفوف والجيش والمقاتلين، وإنما يُبرز نفسه ليُستهدف.

والقراءة الأخرى "مسوَمَين"، على القراءة الأخرى: مُسَوِّمِينَ، لأنفسهم أو مسومين لخيلهم، علامات من السيما والسمة يعني علامات يضعونها على الخيل، فكان المقاتلون يضع علامة على فرسه أو علامة على نفسه بعصابة يربطها فيُعرف أن هذا من الأبطال الشجعان الذين لا يُبالون بلقاء العدو.

وعلى القراءة الأخرى: "مسوَمَين" أنه جُعلت لهم سيما يُعرفون بها، فنزل الملائكة بلا شك في بدر، وكان معهم جبريل على فرس وسمع بعض الصحابة قائلاً يقول: أقدم حيزوم، وذكر النبي ﷺ أنه فرس جبريل ، وكان يُعرف قتلى الملائكة يعني الذين قتلهم الملائكة من الكفار بمثل الخط أثر السوط يكون إلى الخُضرة، يعني مُخضر أثر الضرب يكون كأثر ضرب سوطٍ يكون خطًا أخضر، هؤلاء من قتلهم الملائكة من المشركين.

هذه الآية الكريمة: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، هذا فيه البشارة لأهل الإيمان ولاسيما في أوقات الشدة، أوقات الخوف الأوقات العصيبة، فليس من العقل ولا من المروءة ولا من الدين أن تُذاع الشائعات في أوقات الشدائد، مما يُسبب كسر النفوس، والتضعضع وبث الخوف في الناس، ويكون ذلك مُمهدًا للهزيمة الساحقة؛ لأنه إذا وجد الخوف لم يثبت الناس لعدوهم بحال من الأحوال والأمة بحاجة إلى مثل هذه المعاني في مثل هذه الأوقات، هناك دعاية تُبث لا يبعُد أن يكون مصدرها من العدو نفسه بحيث يحصل الرُعب للناس من هؤلاء الأعداء، فيتركون ما بأيديهم ويولون طالبين النجاة، وقد يكون ذلك عن طريق بعض المسلمين الذين لا فقه لهم ولا عقل ولا حُسن نظر ولا تدبير، هو يبُث وينُشر قبل أن يُفكر وينظر في العواقب، ما الهدف من هذا النشر؟

هذه الرسالة ما أثرها ما عائدتها على النفوس؟ كيف تؤثر في نفوس الناس؟ هذه الرسالة التي تبعثها إلى هذه المجموعات أو بهذه الوسائل أو عن طريق تغريدة أو غير ذلك، ما الفائدة المرجوة من ورائها؟

بصرف النظر عن كونها حقيقة أو لا، قد يكون بولغ فيها كثيرًا، قد تكون غير حقيقة أصلاً، وقد تكون حقيقية لكن لا يُحسن نشرها بل تُدفن وتطوى ولا تروى، والنبي ﷺ في الخندق لما نقضت قريظة العهد وأرسل لهم السعدين ومن معهم ، وجههم بتوجيه واضح أنهم إن وجدوا هؤلاء اليهود على العهد هؤلاء داخل المدينة والأحزاب يُحاصرون المدينة، والنبي ﷺ عند الخندق والنساء في الأُطم في الحصون أخرجوهم من بيوتهم، وضعوهم في الحصون لا يأمنون في بيوتهم، ويأتي اليهود من داخل المدينة وينقضون العهد هذه مُصيبة، الناس يُقابلون العدو وراء الخندق أو أنهم ينظرون إلى من في الداخل عند أهليهم وذراريهم، فقال لهم النبي ﷺ أرشدهم علمهم: "أنهم إن وجدوهم على العهد أن يُعلنوا ذلك ويُذيعوه في الناس، يقولون اليهود على العهد"، الكلام الذي وصل المعلومة التي وصلت غير صحيحة، "وإذا وجدوهم قد أخلفو العهد فيلحنون له لحنًا يفهمه ﷺ دون بقية الناس.

فذكروا له ما وقع من بعض القبائل بالغدر مثل: قبيلة عُضل ونحو ذلك الذين غدروا بالقُراء فعرف النبي ﷺ لما سموا هذه القبائل أن اليهود قد نقضوا العهد"، ومع ذلك كبّر ﷺ وبشر أصحابه بالنصر في أسوء الظروف، وهم يحفرون الخندق يُبشرهم بفتح ليس بالنصر فقط على هؤلاء، بفتح أعظم الممالك في ذلك الوقت الفُرس والروم وقصور صنعاء في اليمن، هذه أعظم العواصم والقوى في ذلك الزمان يُبشرهم بفتحها في وقت وهو مُحاصر، هكذا ينبغي أن تُقوى قلوب الناس، ويُثبت المجتمعات، ويكون عندهم من اليقين والطمأنينة والثقة بالله  ونصره، لا أن نكون معاول نحطم وننشر مثل هذه الرسائل التي تجعل الناس في حال من القلق وعدم الثقة بما عندهم فينهزمون قبل أن يروا عدوهم، هذا غير صحيح، ليس هذا من العقل ولا من الدين في شيء، لكن للأسف أصبح كل أحد ينشر ما شاء وتأتيه الرسالة قبل أن ينظر في مضمونها مباشرة ينشرها، وهو في غنى عن ذلك كله، والله المستعان.

فهنا البشائر في أوقات الشدة: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، ولاحظ هنا بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ، ثلاثة آلاف، الكفار في غزوة بدر يقربون من الألف بين التسعمائة والألف، ثلاثة آلاف من الملائكة ثم خمسة على أن هذه في بدر، هو ملك واحد بنفخة واحدة يجعل هؤلاء الكفار وخيامهم وجمالهم وما معهم من خيل أو قِدر أو غير ذلك من المتاع أثرًا بعد عين، ملك واحد نفخة، أو يصيح بهم صيحة يجعلهم حصيدًا خامدين، الصيحة التي أوقعها الله بالأمم التي كذبت والعتاة أمة كاملة تُهلك بصيحة، أهلكتهم الصيحة، صيحة الملك صاح بهم الملك فماتوا، لا يحتملون سماع ذلك يموتون، فلو صاح بهم الملك هذا الجيش الذي جاء على هذه الجمال والخيول، بل لو رأوا الملك على حقيقته لهلكت دوابهم وأصابهم من الفزع ما يقطع قلوبهم، وثلاثة آلاف من الملائكة! ثم خمسة آلاف من الملائكة! وكما سيأتي: وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى [الأنفال:10]، في سورة الأنفال.

وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ [آل عمران:126]، كما في هذه السورة.

وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم [آل عمران:126]، فهذا العدد الهائل من الملائكة مُجرد بُشرى ليسوا هم الذين يجلبون النصر، وسيأتي الحديث عن هذا إن شاء الله.

فهنا في هذه الشدة الناس كانوا في حال من التردد والخوف ما استعدوا للمواجهة في بدر، وتأتيهم هذه البُشرى لتُثبتهم، وتقوى عزائمهم، وتربط على قلوبهم، ومن ثَم يثق بنصر الله .

وفي قوله -تبارك وتعالى-: يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، "يمددكم ربكم" فذكر الرب وإضافة الرب إليهم، من معاني الربوبية: الرب هو المالك والسيد والمربي خلقه، فمن لُطفه بهم وعنايته بهم ونحو ذلك أنه يُمدهم بالملائكة وبعونه ونصره وتأييده، تنزل عليهم ألطافه: بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِين، وهذا يدل على أن الملائكة -عليهم السلام- مربوبون لله ، متوظفون بوظائف الله -تبارك وتعالى- يأمرهم بالقيام بها كما في هذه الآية.

وكذلك أيضًا في قوله: مُنزَلِين، يدل على أن الملائكة في السماء فينزلون بأمر الله -تبارك وتعالى-.

وقوله -تبارك وتعالى-: بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم، "إن تصبروا وتتقوا"، تصبروا على لقاء العدو، وتتقوا الله بفعل المأمورات واجتناب المنهيات يأتيكم هذا المدد، مما يؤخذ منه أن النصر إنما يكون مع الصبر والتقوى، وما جاء عن النبي ﷺ: إن النصر مع الصبر[1]، هذا في الصبر التام الذي يتعلق بالصبر بأنواعه، الصبر على أقدار الله المؤلمة، ومن ذلك الصبر على أذى الأعداء وحربهم.

وكذلك أيضًا الصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته.

إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا، فمن رام النصر والمدد الإلهي فلابد له من صبر وتقوى، فإذا ضعُف الصبر وضعُفت التقوى تخلف من المدد الإلهي بقدر ذلك، فإذا ترحل الصبر والتقوى ترحل النصر معهما، لا يتحقق النصر لمن لا صبر له ولا تقوى، فمن أراد معونة الله ، وأراد ألطافه فعليه أن يتحلى بهذا، سواء كان في ميدان المعركة أو كان في غير ذلك مما يُكابده الإنسان في هذه الحياة، لا بد له من صبر وتقوى، فيحصل له من معونة الله ونصره ما لا يخطر له على بال، وليس السبيل أنه يُبتلى الإنسان ببلاء في نفسه، أو في جسده، أو في ماله أو في ولده أو في غير ذلك ثم بعد ذلك يكون في حال من الغفلة لا يرده ذلك البلاء إلى ربه فيرجع إلى طاعته وتقواه، وهكذا فيما يتصل بالمجتمع والأمة، فهي بحاجة إلى مثل هذه المعاني، وأن تُراجع نفسها، وترجع إلى ربها، نحن بحاجة إلى توبة وإلى استغفار وإنابة.

هذا وأسأل الله أن يُعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحُسن عبادته، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعاف مبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دنيانا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه أحمد في المسند، برقم (2803)، وقال محققوه: "حديث صحيح"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2382)، وفي صحيح الجامع، برقم (6806).

مواد ذات صلة