الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
[110] قوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ..}
تاريخ النشر: ٠٣ / صفر / ١٤٣٧
التحميل: 1051
مرات الإستماع: 3082

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فنواصل الحديث عن هذه الآية التي تتحدث في جملة ما جاء في موضوع القبلة: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] تحدثنا عن صدر هذه الآية، ثم نواصل الحديث في الكلام على قوله -تبارك وتعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] هذا فيه زيادة من التحذير من اتباع أهواء هؤلاء، فيه أيضًا استفظاع لحال من ترك الحق البين والدليل الظاهر اتباعًا لهواه، وفيه أيضًا حث وحظ وتحريض على لزوم الحق والثبات عليه.

وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ [سورة البقرة:145] هذا بعد بيان حاله الثابتة المستقرة: وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ [سورة البقرة:145] فحاشا النبي ﷺ أن يتبع أهواءهم، ولهذا فإن القاعدة أن التعليق على الشرط لا يقتضي إمكان الوقوع، كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [سورة الزخرف:81] لا يمكن أن يكون، هذا من المُحال أن يكون لله -تبارك وتعالى- ولد، فالتعليق في الشرط لا يقتضي إمكان الوقوع وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ كقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [سورة الزمر:65] وحاشا النبي ﷺ أن يقع منه الإشراك هذا لا يكون، ولكن هذا على سبيل الفرض والتقدير فيكون ذلك من قبيل التحضيض على لزوم الحق والثابت عليه، والتحذير من الباطل وأهله وأهواءهم، هذا بالإضافة إلى أن النبي ﷺ قد يوجه إليه الخطاب ويكون ذلك خطابًا لأمته؛ لأن الأمة تُخاطب في شخص قدوتها -عليه الصلاة والسلام- فيكون الخطاب للنبي ﷺ ويُراد به الأمة من بعده، وهذا لا شك أنه أبلغ حينما يوجه إلى شخصه -عليه الصلاة والسلام- أبلغ في التحذير والتخويف.

ثم أيضًا: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] لكن النبي ﷺ لا يتبع أهوائهم فهو ليس من الظالمين في شيء، ولكن هذا التركيب وما تضمنه من الألفاظ فيه من صور التشديد والتأكيد والتحذير الشيء الكثير، انظر إلى ما اشتمل عليه مجموع الشرط والجزاء من المؤكدات التي منها القسم المدلول عليه باللام: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ والله لئن اتبعت أهوائهم، فالقسم يُفيد توكيد الكلام كما هو معلوم، هذا المؤكد الأول. 

مؤكد آخر وهو اللام هذه الموطئة للقسم وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ فهي تزيد هذا القسم تأكيدًا، وكذلك أيضًا حرف التوكيد في جملة الجزاء: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ [سورة البقرة:145] فجاء بـ"إن" المؤكدة وهي بمنزلة إعادة الجملة مرتين، من المؤكدات عند العرب إعادة الكلام تقول للإنسان مثلاً: اسمع اسمع، اقرأ اقرأ، تعال تعال، احذر احذر، ونحو ذلك، أو تأتي بـ"إن" فهي بمنزلة إعادته مرتين، كذلك أيضًا الإتيان بـ"إذًا" الدالة على الجزائية: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فهذه أكدت ربط الجزاء بالشرط، إذا تحقق هذا فإنك إذًا بناء عليه تكون بهذه الصفة.

وكذلك أيضًا يمكن أن يؤخذ من جملة هذه المؤكدات، أو المقويات لهذا النص الإجمال ثم التفصيل في قوله: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] فإنه يدل على الاهتمام وجعل ما نزل عليه هو نفس العلم: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ثم بعد ذلك جاء بالتفصيل: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] ففي الأول أجمل اتباع الهوى، ثم بعد ذلك فصل فذكر أخطر صوره وأشد هذه الصور فظاعة أن يكون ذلك من بعد مجيء العلم، فمن يتبع أهواء الُمضلين بعد علمه ليس كالذي يتبع ذلك جهلاً منه وغفلة وليس عنده علم في ذلك.

وتأمل أيضًا قوله: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ [سورة البقرة:145] لم يقل: ولئن اتبعت دينهم، وذلك أن ما هم عليه هي أهواء هي مجرد أهواء، ولذلك قد لا يصح أن يُقال: الديانات السماوية مثلاً غير الإسلام، هذه الديانات المحرفة: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا [سورة آل عمران:67].

وكما سبق في الآيات حيث إن إبراهيم وصى أبناءه ويعقوب وهو إسرائيل وصى أبناءه أيضًا: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [سورة البقرة:132] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [سورة آل عمران:19] وما عداه فهي أهواء، فموسى لم يكن يهوديًّا، وعيسى لم يكن نصرانيًّا، وإنما كانوا على الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء، فالأديان المحرفة لا تُنسب إلى الله، أديان سماوية.

ويمكن أن يُقال هذا قبل التحريف فهذا صحيح؛ لأنها مُنزلة من السماء، أو يمكن أن يُقال الأديان السماوية في أصلها ثم بعد ذلك دخلها ما دخلها من التبديل والتحريف فصارت أهواء، فقال هنا: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ [سورة البقرة:145] فما قال: دينهم؛ لأن ما هم عليه هي مجموعة من الأهواء، وهم يعلمون ذلك، وكل من ترك الحق فهو مُتبع للهوى ولابد: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [سورة الجاثية:23] يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [سورة ص:26] قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وفي المقابل قال في الاهتداء: فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ [سورة سبأ:50].

أيضًا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فجاء هنا بصيغة الجمع أَهْوَاءَهُمْ هنا لأن هؤلاء لهم أهواء لا تتناهى، فاليهود طوائف وفِرق يُكفر بعضها بعضًا كما قال النبي ﷺ: افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة[1] فهؤلاء أهواء ولهم أسماء هذه الفرق معروفة من نظر في كتب الأديان وجد فرق اليهود وفرق النصارى، فكل ذلك أهواء.

وإذا نظرت إلى المجموعين يعني اليهود بفرقهم والنصارى بفرقهم فهذان اثنان فجاء بالجمع يمكن أن يكون باعتبار أن أقل الجمع اثنان، ومن ذلك ما جاء في قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ يعني: الميت فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ وهي تُحجب من الثلث إلى السُدس باثنين من الإخوة فأكثر، فعبر بالجمع، وكذلك في قوله -تبارك وتعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [سورة البقرة:197] مع أن الحج شوال وذو القعدة، وعشر من ذي الحج، فيكون ذلك باعتبار أن أقل الجمع اثنان، أو باعتبار جبر الكسر العشر من ذي الحجة فيُجبر ذلك بالشهر كله كما هي طريقة العرب.

ثم أيضًا اقتران الظلم والعدل بالحقائق والأعمال، وما يكون عليه الناس حقيقة، بعيدًا عن الألقاب والأسماء والدعاوى فكل طائفة تدعي أنها على الحق، كل طائفة تدعي أنها على الحق، لكن الواقع أن من خالف الحق فهو مُتبع للهوى وهو ظالم، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فكل من وضع شيئًا في غير موضعه فهو ظالم، هذا أصله في اللغة.

وقائلة ظلمت لكم سقائي وهل يخفى على العكد الظليم[2].

العكد عصب اللسان، ظلمت لكم سقائي، يعني: ضرب اللبن قبل أوانه قبل أن يروب يكون هذا الضرب في غير موضعه، وهكذا الحفر الذي يكون للقبر في أرض لم يكن ذلك فيها يُقال لها: الحفرة هذه، القبر يُقال لها: مظلومة في لغة العرب مظلومة، وهذا جاء في كلامهم وفي أشعارهم.

فكل من وضع الشيء في غير موضعه فهو ظالم، كل من ترك الحق فهو ظالم، وأعظم ذلك الإشراك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان:13] ؛ لأنه وضع للعبادة في غير من خلق، ولهذا قال الله لنبيه ﷺ: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فالمسألة ليست مرتبطة بدعاوى يدعيها الإنسان، أو نسبة ينتسب إليها، وإنما هي بلزوم الحق واتباعه والعمل به.

وفي قوله -تبارك وتعالى: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] "ال" هنا هذه "ال" علم، العلم الذي جاءه ما هو؟ هو العلم الشرعي، علم الوحي الذي أوحى الله به إليه فلم يحتاج أن يقيده من بعد ما جاءك من علم الوحي، أو علم الدين، أو علم الشرع، فجاء بهذا الإطلاق فدل على أن العلم إذا أُطلق فهو العلم الشرعي، فهو العلم الأعظم، العلم الأكمل، العلم الأشرف، والباقي يقال لها: علوم، وهي علوم نافعة تتفاوت في نفعها، ولكنها ليست كالعلم بالله، وليست كالعلم بشرعه، وليست كالعلم بالدار التي يصير الناس إليها.

فهذه العلوم حتى العلوم الشرعية تتفاوت في شرفها وفضلها ومكانتها لكن لا شك أن علوم الشريعة أفضل من غيرها من العلوم، فجاء بهذا الإطلاق مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فإذا أُطلق العلم فهذا هو العلم، وأما ما يُعبر به كثيرون بمثل هذه الأوقات يقولون للعلوم التجريبية مثلاً: العلمي، والعلوم الشرعية يقولون لها: الأدبي، فهذه تسمية ليس لها أصل، وليس لها أساس إطلاقًا ولا وجه، يعني: ليس لها وجه أصلاً يعني لا تُبنى على وجه صحيح؛ لأن علوم الفقه، والحديث، والتفسير، والاعتقاد، وما إلى ذلك ليست من الأدب أو الآداب أو العلوم الأدبية أدبي، فما المقصود العلم الأدب يعني الذي هو جزء من علوم اللغة، النحو ليس من الأدب، يعني ليس من علوم الأدب، الأدب يُقال بمنزلة يعني إزاء الخلق وكذا، ليس هو المقصود.

المقصود الأدب، الأدب الذي هو أحد فروع علوم اللغة فتسمية هذه العلوم كلها ما يتعلق بالسلوك الذي يسمونه التربية، أو ما يتعلق بالفقه، والحديث، والتفسير، والعقيدة، وعلوم الآلة مثل: أصول الفقه، والنحو نحو هذا، هذه لا علاقة لها بهذه التسمية الأدب أدبي، فهذه تسمية لا أعلم كيف نشأت وكيف وجدت وهذه المُباينة بين العلم وإطلاق لفظ العلم إذا أُطلق توجه إلى العلوم التجريبية والمادية، فهذا غير صحيح إطلاقًا، بل أول ما يتبادر إذا أُطلق العلم هو العلم بالله، وبكتابه وبسنة رسوله ﷺ وما أشبه ذلك.

وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] هذا العلم الذي هو العلم الشرعي جاء فيه الثناء بالنصوص الكثيرة المتكاثرة، لكن فيما يتعلق بالثناء على أهله فكما قال أهل العلم كابن رجب[3] والشاطبي[4] وغير هؤلاء كالحافظ ابن الجوزي[5] قالوا: "كل النصوص الواردة في الثناء على أهل العلم إنما المقصود به أولئك الذين يعملون به، وإلا فإن العلم وحده لا يُحمد صاحبه إذا كان بعيدًا عن العمل، ولهذا ذم الله -تبارك وتعالى- أحبار اليهود، كما قيل: لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله أحبار اليهود، فلابد من العمل: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [سورة آل عمران:79] فالمشتغل بالعلوم الشرعية ينبغي أن يكون ربانيًّا.

ويدل قوله -تبارك وتعالى: مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [سورة البقرة:145] يدل على أن مؤاخذة من وقع في المخالفة وهو يعلم أشد وأعظم، وهذا فيه تحذير للعلماء الذين يقع منهم المخالفة بعد العلم فليس ذلك كالجُهال، لاسيما أن ذلك يكون فتنة للناس، الناس ينظرون إليه ويقتدون به كما قال بعضهم:

كفوفة الظفر تخفى من حقارتها ومثلها في سواد العين مشهور[6].

كفوفة الظفر، مثل: الأشياء الوسخ الذي يكون تحت الأظفار تخفى من حقارتها، ومثلها في سواد العين، سواد العين لو وجدت مثل هذه كل الناس يقولون ما بعين، في سواد العين مشهور.

وخطأ العالم المشهور مشهور وخطأ الجاهل المغمور مغمور[7].

الناس لا ينظرون إلى أخطاء الجاهلين، وإنما ينظرون إلى أخطاء العالم فإذا أخطأ تحدث الناس بهذا وقالوا: انظروا ماذا صنع مع أنه يصنع هذه الصنيع لربما الملايين من العامة لكن لا يلتفتون إليهم.

وكذلك فيه التحذير للأمة من اتباع أهواء أهل الكتاب وترك محاكاة هؤلاء: إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] فإذا كان النبي ﷺ يوصف بهذا وحاشاه فإن غيره من باب أولى.

وكذلك في التعبير بقوله: لَمِنَ الظَّالِمِينَ [سورة البقرة:145] الدخول في جملتهم والواقع أنه أشد مع أن بعض أهل العلم قال: هذا ألطف في الخطاب حيث لم يوجهه للنبي ﷺ فيقول: أنت ظالم إذا اتبعت أهوائهم، وإنما قال: لَمِنَ الظَّالِمِينَ.

وكذلك أيضًا التعريف في الظَّالِمِينَ هذا يدل على أن هذا الوصف الظالمين يعني الذين استحقوا الحالة الأكمل من الظلم لَمِنَ الظَّالِمِينَ الذين قد استوفوا هذا الوصف كأنه قد تحقق فيهم على أكمل وجوهه وصف الظلم لَمِنَ الظَّالِمِينَ فدخول "ال" المعرفة هنا كأنها تُشعر باستجماعهم لهذا الوصف، وأن ذلك قد صار صفة راسخة ثابتة لهم.

وكذلك في صيغة الجمع الظَّالِمِينَ فهذا الظلم هؤلاء الذين يتصفون به كُثر لكن يدخل في جملتهم من كان متصفًا بشيء منه.

وفي الآية أيضًا ما يدل على شدة عناد هؤلاء وتمسكهم، وأنهم لا يتركون باطلهم كما ذكرنا سابقًا.

وكذلك أيضًا النبي ﷺ في مقابل ذلك هو في غاية الثبات على الحق، وأنه أبعد ما يكون عن اتباع هؤلاء، ولم يتجه إلى بيت المقدس؛ لأنه قبلة اليهود وإنما لأن الله أمره بذلك، فلما وجهه إلى الكعبة بعد ذلك توجه إليها فذلك محض العبودية، هذا ما يتعلق بهذه الآية.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بالقرآن العظيم، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين -والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. 

  1.  أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم (4596)، وابن ماجه، أبواب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم (3992)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1083). 
  2. انظر: تهذيب اللغة (14/ 275)، وتفسير القرطبي (1/ 310)، العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1/ 83).
  3.  انظر: جامع العلوم والحكم، ت الأرناؤوط (1/ 250، 251). 
  4.  انظر: الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (2/ 856). 
  5.  انظر: التبصرة لابن الجوزي (2/ 193). 
  6. زهر الأكم في الأمثال والحكم (3/ 104).
  7. المصدر السابق. 

مواد ذات صلة