السبت 14 / جمادى الأولى / 1446 - 16 / نوفمبر 2024
[113] قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ..}
تاريخ النشر: ٠٩ / صفر / ١٤٣٧
التحميل: 992
مرات الإستماع: 2007

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلا زال الحديث في الآيات التي تتحدث عن تحويل القبلة، في هذه السورة الكريمة سورة البقرة والرد على اليهود الذين اعترضوا على هذا التحويل.

يقول الله -تبارك وتعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [سورة البقرة:150] ومن أي مكان خرجت والخطاب موجه إلى النبي ﷺ وهو متوجه للأمة من بعده فتوجه إلى المسجد الحرام، وحيث ما كنتم معاشر المسلمين في أي ناحية فولوا وجوهكم نحو المسجد الحرام، من أجل أن لا يكون على أحد من الناس من أجل أن لا يكون لأحد من الناس عليكم حجة يحتج عليكم بالمخاصمة والمجادلة بعد هذا التوجه إليه، لكن أهل الظلم والعناد سيظلون يشغبون على هذا الأمر، فلا تخافونهم وخافوني بامتثال أمري واجتناب نهيي، ولكي أتم نعمتي عليكم باختيار أكمل الشرائع، ولعلكم تهتدون من أجل أن تهتدوا إلى الحق والهدى والصواب.

قوله -تبارك وتعالى- كما في هذه الآية: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [سورة البقرة:150] مع قوله -تبارك وتعالى- في موضعين سابقين: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة البقرة:149] وفي الموضع الثالث: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [سورة البقرة:149].

فهذه ثلاثة مواضع يذكر الله -تبارك وتعالى- فيها هذا المعنى، فهذا ليس من التكرار المحض، ومعلوم أنه لا يوجد في القرآن تكرار محض، فهذا مع ما فيه من إفادة التوكيد بشأن القبلة وذلك أن هذه القضية صارت محل جدل وشغب وإثارة شبهات على أهل الإيمان واستغلها اليهود فكان هذا التأكيد مرة بعد مرة؛ لئلا يتسلل الشيطان إلى النفوس فيحصل شيء من التردد ويُزعزع الإيمان، ويحصل شيء من الريب، أو الشك، فهذا كان بحاجة إلى تأكيد وإلى تجذير وتعميق في النفوس؛ من أجل أن يحصل الثبات على الحق، وعلى هذه القبلة، هذا بالإضافة إلى كل موضع من هذه المواضع يتعلق بما قبله مباشرة: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:150] فيكون متصلاً بما قبله، ومتعلقًا به وليس بتكرار مجرد.

ويمكن أن يُقال في كل موضع من هذه المواضع مزيد إبطال لشبهات هؤلاء الذين ما زالوا يشغبون، وأن هذا أمر من عند الله -تبارك وتعالى- ولهذا قال: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [سورة البقرة:150] في هذا الموضع، كان هذا البيان وهذا هو الموضع الذي يذكر فيه هذه القضية هذا البيان الذي أكده وأصله وأعاد فيه وأبدا من أجل قطع احتجاج هؤلاء المُلبسين المُضللين، وهذا يدل على أنها كانت قضية كبيرة وهي كما قال الله : وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ [سورة البقرة:143] فكان ذلك تطمينًا للنفوس، وقطعًا لدابر الشبهات، ودفعًا لأهلها فذكر للتحويل ثلاث عِلل:

تعظيم الرسول ﷺ: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة البقرة:144] فهذا في الموضع الأول، فذكر ما كان يترقبه النبي ﷺ من تحويل القبلة ونزول الوحي بذلك، وأن الله -تبارك وتعالى- قد حقق له ما كان يُرجيه هذا في الموضع الأول.

والموضع الآخر: جاء في سياق ذكر أهل الملل والديانات حيث يتوجه أهل كل ملة إلى وجهة ولابد: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا [سورة البقرة:148] فهنا كذلك أيضًا دفع احتجاج المحتجين وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ثم قال: وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [سورة البقرة:150] فصارت هذه ثلاث عِلل، قد جمعت في هذه الآيات فجاء ذلك مُكررًا في ثلاثة مواضع -والله تعالى أعلم- أيضًا هذا التكرار فيه تذكير بأن ذلك في كل مرة من عند الله -تبارك وتعالى.

ويؤخذ من هذه الآية: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [سورة البقرة:150] الحجة تُقال لما يحتج به المُحتج أيًا كانت سواء كانت من قبيل الحق أو من قبيل الباطل، فقد تكون هذه الحجج هي مجرد شبهات وأباطيل فتسمى حجة، وبعض أهل العلم يقولون إن ذلك من قبيل التعبير الذي روعي فيه نظر المخاطب، يعني: هم يعتبرونها حجج فسماها حجة بهذا الاعتبار وإلا فهي ليست بحجة.

ومن أهل العلم من يقول: إن إطلاق الحجة أصلاً يُقال لكل ما يُحتج به سواء كان من الحق أو من الباطل فهي حجة بهذا الاعتبار كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتابه "الصفدية"[1] وهذا أوضح فيما يتعلق بالحجة، لكن إذا كان ذلك من قبيل الحق فيُقال له: البُرهان، والدليل؛ ولهذا يُطالبهم بالبرهان: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ [سورة البقرة:111] فما هم عليه ليس ببراهين، وإنما هي أباطيل يحتجون بها: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [سورة النساء:165].

وكذلك أيضًا تأمل قوله -تبارك وتعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [سورة البقرة:150] قطع حجة هؤلاء هذا أمر قرره الشارع في القرآن، فدفع احتجاج المبطلين وملامة اللائمين مطلوب ما أمكن إذا كان المقام يقتضيه والحال تحتمله، فيُدفع ذلك لقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ [سورة البقرة:150].

وتأمل قوله -تبارك وتعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [سورة البقرة:150] فإنه يدل على أن الظالم يعني الذي لا يريد الحق أصلاً ليست المسألة عنده موضع لبس وإنما ذلك من أجل إبطال الحق وتشويهه ودفعه وإقرار الباطل، فمثل هؤلاء لن ينقطعوا ولن ينتهوا: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [سورة البقرة:150] فهؤلاء لن يتوقفوا، فشغبهم دائم وتلبيسهم دائم وهم ينتهزون الفُرص سواء كان ذلك في مقام تحويل القبلة أو في غيره، وهذا في طوائف المشركين، وأهل الكتاب، والمنافقين على حد سواء.

اليهود يقولون: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [سورة البقرة:142] في غزوة النضير لما قُطع بعض النخيل، قالوا: ما بال قطع النخيل وأنت تدعوا إلى الصلاح والإصلاح، فأنزل الله : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [سورة الحشر:5][2].

والمشركون لما حصل ما حصل من قتل بتأويل في أول ليلة من الشهر الحرام في القصة المعروفة في السرية التي بعثها النبي ﷺ إلى نخلة، وكان ذلك قبل غزوة بدر، فقُتل، كانوا يظنون أن الشهر الحرام لم يدخل فقُتل هذا الرجل من المشركين في تلك القافلة فشنع المشركون على رسول الله ﷺ وعلى أهل الإيمان، كيف تدعي أنك على ملة إبراهيم وتنتهك الشهر الحرام، فأين الذين يزعم أنه يدعوا إلى ملة إبراهيم فأنزل الله أنزل الرد الحاسم عليهم فقال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [سورة البقرة:217][3] هنا انتهى، ثم حول عليهم الرد: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [سورة البقرة:217] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [سورة البقرة:217] هذا كله في المشركين.

والذي في المسلمين قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ لكن ما هي أفعالكم معاشر المشركين في البيت الحرام الصد عن سبيل الله، والمسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتل، والفتنة أكبر من القتل، الفتنة يعني الكفر، وحمل الناس على الكفر، هذا أكبر من القتل، فكان القرآن يقطع عليهم الطريق ولا يعطيهم فرصة ليستغلوها من أجل الوقيعة بأهل الإيمان بسبب خطأ وقع -والله المستعان.

فهؤلاء الذين ظلموا لا يزال حالهم على ذلك إلى يومنا هذا بطوائفهم الثلاث أهل الكتاب، وأهل الإشراك، وأهل النفاق، والمنافقون يستغلون الفُرص أيضًا لما حصل ما حصل من لطم رجل هو مولى لعبد الله بن أُبي لطمه مولى لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- حينما استبقوا إلى الماء في غزوة المصطلق، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أُبي قال: "أوقد فعلوها، والله ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قال الأول: سمّن كلبك يأكلك" ثم ذكر نصيحته البائسة: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا [سورة المنافقون:7] وجاء الرد القرآني: وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة المنافقون:7].

وقال: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [سورة المنافقون:8] يعني: نفسه الأعز، وأن النبي ﷺ هو الأذل فنزلت الآيات في هذا، وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين[4] هكذا كان يأتي القرآن في الرد على هؤلاء من المنافقين وغيرهم من الطوائف، فهذه قضية لا تتوقف ولا تنقطع فبعض هؤلاء الذين يُثيرون الشبهات ويطعنون في الدين وحملته هؤلاء لن يتوقفوا في عصر من العصور، إذا كان قائلهم قال ذلك وهو مع رسول الله ﷺ في نفس الغزوة، والنبي ﷺ معه أصحابه ويجترئ ويقول مثل هذا الكلام، أترون أن هؤلاء ينكفون في آخر الزمان؟

أبدًا، لكن وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [سورة المائدة:41].

ويؤخذ من هذه الآية قوله -تبارك وتعالى: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [سورة البقرة:150] النهي عن خشية الظالم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية[5] وأمر بخشيته، فالذين يُبلغون رسالات الله حملة الرسالة من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وأتباع الأنبياء من الدعاة إلى الله لا يخشون هؤلاء إنما يخشون الله فَلا تَخْشَوْهُمْ هذا نهي والنهي للتحريم، فلا يجوز خشية هؤلاء وأن يتعاظم هؤلاء في نفوس أهل الإيمان.

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [سورة آل عمران:175] معنى الآية يخوف، يعني: يخوف أهل الإيمان من أولياءه، يخوف أولياءه، يخوفكم أولياءه، يعني: يجعل هؤلاء في حال من الانتفاشة، ويُضخمهم فيخافهم أهل الإيمان ويحسبون لهم ألف حساب، الله يقول: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [سورة آل عمران:175] يخوفكم منهم، يُعظمهم في النفوس، من أجل أن تخافوهم فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران:175].

ويؤخذ أيضًا من هذه الآية أن العمل على وفق شرع الله -تبارك وتعالى- وامتثال أمره وطاعته كل ذلك مع خشيته يكون سببًا للهداية، هداية الإرشاد، وهداية التوفيق: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [سورة البقرة:150] إتمام النعمة بتكميل شرائع الإيمان؛ لأنه قال في نهاية المطاف: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [سورة المائدة:3] ومن إتمام النعمة إقرار المؤمنين في بيت الله الحرام لا يُشاركهم فيه أحد، كما حج النبي ﷺ وفي ذلك العام لم يحج مشرك، فهذا من تمام النعمة.

ومن تمام النعمة ظهور دين الإسلام، وحصول الظهور والغلبة، وفتح البلاد، وكبت الأعداء.

وفي قوله -تبارك وتعالى: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [سورة البقرة:150] إثبات حكمة الله -تبارك وتعالى- يعني: اللام هنا للتعليل، فأفعال الله -تبارك وتعالى- هي لحِكم بالغة، خلافًا لمن يقوله أولئك الذين يظنون بالله غير الحق، يظنون به الظنون السيئة، يقولون:

ما ثَم غير مشيئة قد رجحت مثلاً على مثلٍ بلا رُجحانِ[6]

يقولون: هي خبط عشواء من تُصب تمته ومن لا تُصب من الناس يسلم، هذا كلام غير صحيح، هذا من أبطل الباطل بل أفعال الله مبناها على الحكمة، له الحكمة البالغة، فلا يقع شيء في هذا الكون إلا وفق علمه المحيط، وإرادته الشاملة وحكمته البالغة.

هذا وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين -والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

  1.  انظر: الصفدية (1/ 54). 
  2.  أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير، ومخرج رسول الله ﷺ إليهم في دية الرجلين، وما أرادوا من الغدر برسول الله ﷺ برقم (4031)، وبرقم (4884)، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ [سورة الحشر:5] ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها، برقم (1746)، والطبري في تفسيره (22/ 510). 
  3.  تفسير ابن كثير (1/ 574). 
  4.  أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [سورة المنافقون:1] إِلَى لَكَاذِبُونَ برقم (4900)، ومسلم، في أوائل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، برقم (2772). 
  5.  انظر: مجموع الفتاوى (1/ 57)، و(14/ 206). 
  6. نونية ابن القيم (الكافية الشافية) (ص:8).

مواد ذات صلة