الثلاثاء 17 / جمادى الأولى / 1446 - 19 / نوفمبر 2024
(242) قوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ..} الآية:280
تاريخ النشر: ١١ / رمضان / ١٤٣٧
التحميل: 738
مرات الإستماع: 1018

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما نهى الله -تبارك وتعالى- عن الربا، وكان من عادتهم في الجاهلية أنه إذا حل الأجل خيروا المدين بين القضاء، أو الزيادة، إما أن يقضي، وإما أن يبذل الربا ويزيد، فالله -تبارك وتعالى- نهى عن ذلك، وتوعد عليه، وقال: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [سورة البقرة:279] رأس مالك يرجع إليك، ثم قال بعدها: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:280] يعني: وإن كان الذي عليه الدين لا يستطيع الوفاء، فيُمهل ويُنظر.

فَنَظِرَةٌ بهذه الصيغة إنظار إلى حال اليُسر، وإلى أن يوسع الله عليه، ويستطيع قضاء ما عليه من الدين، وَأَنْ تَصَدَّقُوا بإسقاط الدين، أو بإسقاط بعضه خَيْرٌ لَكُمْ أي: خير لكم في العاجل، والآجل، إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ أن ذلك خير وأفضل وأكمل وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة، وإن كنتم تعلمون ما ينفعكم ويُصلحكم ويرفعكم، فذلك الذي أرشد الله إليه.

فيؤخذ من قوله: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [سورة البقرة:280] رحمة الشارع بالمكلفين، والإرفاق بهم، فلا يُكلف ما لا يجد؛ ولذلك فإن المُعسر له أحكام، فقد يسقط الحق الذي عليه بالكلية إن ثبت إعساره، وأنه لا يستطيع الوفاء ولو مستقبلاً، وإن كان يستطيع ذلك في المستقبل فيُنظر ويُمهل، ولا يُضيق عليه، فيُحمل ما لا طاقة له به، فهذا من رحمة الله بالعباد، مثل الديات في القتل الخطأ، تكون مقسطة ومُجزئة على ثلاث سنين إرفاقًا بالمكلفين.

فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [سورة البقرة:178] يعني: لا يؤذيه في الطلب، هذا في الدية، وأرشد الآخر (الجاني والقاتل خطأً) وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [سورة البقرة:178] أمر هذا بحُسن الطلب، وأمر ذاك بحُسن الأداء، فتتحقق بذلك مصالح الناس من غير شطط يلحقهم، وألطافه -تبارك وتعالى- لا تُحصى، ولو نظرت إلى الكفارات والتخيير الواقع فيها، وكما في الصيام أيضًا في الحج، لمن لم يجد الهدي، صيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم؛ ليكن ذلك أرفق بالمكلف.

ولما شرع الصيام -كما ذكرنا في الكلام على آيات الصيام- كان ذلك بغاية اللطف والتدريج، من صيام عاشوراء، ثم لما شُرع رمضان كان على التخيير من شاء صام، ومن شاء أطعم، مع القُدرة، ثم بعد ذلك حينما فرض الصيام جاء بهذه العبارات أيضًا: كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [سورة البقرة:183] ليسُهل عليهم، وكذلك في قوله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ بيان أن فيه مصلحة عائدة إليكم، وأيضًا في قوله: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [سورة البقرة:184] يُخففه على نفوسهم، ثم بعد ذلك أيضًا: ما ذكره بعده من الرخصة.

فالله أرحم بالخلق من رحمة بعضهم ببعض، يُرشدهم إلى مثل هذا الإرفاق، كما قال الله -تبارك وتعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [سورة النساء:11] والوالدان أحرص ما يكونان على مصالح الأولاد، ومع ذلك يوصينا الله في أولادنا، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة.

ودل قوله: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [سورة البقرة:280] أن الله -تبارك وتعالى- فاوت بين الخلق في الغنى، والرزق، نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [سورة الزخرف:32] فمنهم الفقير، ومنهم الغني، ومنهم القوي، ومنهم الضعيف، ومنهم الصحيح ومنهم العليل، كل ذلك لحكمة بالغة، ليبلو بعضهم ببعض، وتتحقق بذلك مصالحهم، ويكون بذلك عمارة دنياهم وآخرتهم.

فلو كان الناس أغنياء جميعًا، وأقوياء، لما اسُتخدم أحد، ولا عمل أحد عند أحد، ولتعطلت الصنائع والحِرف والمِهن؛ لأن الناس قد استغنوا، فلا يجدون ما يُحقق معايشهم، ولا يجدون من يزرع، ولا من يخبز، ولا من يبني، ولا من يشيد الشوارع والطرقات والأماكن العامة، ولا من يعمل عندهم في بيوتهم، ولا من يقوم بشيء من مصالحهم، لكن فاوت بينهم، فهذا التفاوت ينبغي أن يكون مُذكرًا بالحقوق، لا أن يكون ذلك سببًا للتسلط والقسوة والاستحواذ على حقوق هؤلاء الضعفاء، الذين جعلهم الله تحت يدك، فلو شاء الله -تبارك وتعالى- لكنت أنت الذي في هذا الموضع، أنت المدين، وهو الدائن، فيُرفق به، ويُنظر إلى ميسرة.

وقوله: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ يعني: صاحب عُسرة، وهو المُعسر، فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ فالفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهي للتعليل، فدل على أن العلة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ هو الإعسار، فطالما أنه مُعسر فينظر، ولو طالت المدة، فهذا أمر الله -تبارك وتعالى- لعباده.

ولاحظ هذا التعبير، وهذه الجملة، وما تحويه من الألفاظ والدلالات تحتها وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ أي: فإنظار وإمهال إلى متى؟ إلى حال اليُسر، إلى ميسرة، فهذه الميسرة تعني توفر المال دون مشقة، أن يوجد عنده المال دون حرج وإذلال، فمعنى ذلك أنه لا يذهب ليقترض ليوفيه، تقول له: اذهب اقترض، افعل ما شئت، المهم أن تؤدي هذا المال، لا، فهذه ليست حال ميسرة، أن تُلجئه إلى اقتراض آخر لمزيد من الإذلال، فهو يريد أن يتخلص من هذا الدين، فيُنظر إلى حال يستطيع الوفاء فيها.

ولا يكون ذلك أيضًا بحمله على الأداء، بحيث لا يبقى في يده قليل ولا كثير، فيتعطل، ولا يجد ما يأكله، ولا ما يغذو به عياله، فيكون في حال من الحسرة والانقطاع، فهذه ليست ميسرة، بأن يُلجأ إلى حال البؤس، كأن يُباع بيته وأثاثه، وما إلى ذلك، فيبقى في قارعة الطريق، فهذه ليست ميسرة، وليس لك أن تقول: اخرج من بيتك، وبعه وبع طعامك وشرابك ولباسك من أجل أن تقضي هذا الدين، لا، ليس كذلك.

وهكذا فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ لا بد أن يكون هذا الإنظار من غير أذى، إذا كان في الدماء والدية في قتل الخطأ كما ذكر الله مما أوردته آنفًا فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [سورة البقرة:178] فكيف بغيره مما يتصل بالأموال التي تذهب وتجيء؟

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: أن الله -تبارك وتعالى- ذكر في آخر هذه السورة أحكام الأموال، وأنها ثلاثة أصناف: الأول عدل، والثاني: فضل، والثالث: ظُلم، يقول: فالبيع عدل، والربا ظلم، والصدقة فضل[1]، فالبيع هذا من العدل، وهي من التجارات المُباحة، وأما الربا فهو أخذ لأموال الناس بغير حق، والصدقة من الفضل، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:280] فهذا يدل على تفاضل الأعمال، وهذا أمر لا إشكال فيه، وهو في غاية الوضوح، ويدل عليه أدلة كثيرة جدًا، منها: وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه[2].

ويؤخذ أيضًا من هذه الآية وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [سورة البقرة:280] فضل الصدقة، ويُؤخذ منها: أن من الصدقة ما يكون بالإسقاط في مثل هذا المقام، في الديون والحقوق، كذلك في المكاتبين لما أمر الله -تبارك وتعالى- بمكاتبتهم فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ [سورة النور:33]. 

وعبارات المفسرين في المراد من قوله: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ بعضهم يقول: الخطاب موجه إلى من بيده بيت مال المسلمين من الحكام والأمراء والخلفاء، وبعض أهل العلم يقول: هذا خطاب للأغنياء، بأن يعطوهم من الزكاة والصدقة.

وبعض أهل العلم يقول: هو خطاب لعموم الأمة، وبعضهم يقول: هو خطاب للسادة المكاتبين؛ ليسقطوا عنهم بعض الأقساط؛ لأن المكاتبة تكون على أقساط، يعني: يُكاتبه يقول مثلاً: تُعتق بمائة ألف ريال، تدفع كل شهر عشرة آلاف في عشرة أشهر، فإذا استوفيتها، فأنت حر، فهنا يُرشد إلى إسقاط بعض الأقساط، وهذه المعاني كلها صحيحة، وكل ذلك داخل في الآية.

والشاهد فيه هذا الأخير: الإسقاط، فالسيد يُسقط بعض الأقساط، وهكذا أيضًا بإسقاط الحقوق غير الأموال، فالله -تبارك وتعالى- يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [سورة البقرة:228] أي: النساء، وأكثر المفسرين يقولون: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [سورة البقرة:228] بما أُعطي من التفضيل والقوامة، التفضيل الوهبي، والتفضيل الكسبي، بما فضل الله هؤلاء الرجال على النساء، وأيضًا بالأموال التي يبذلونها والإنفاق، لكن ابن عباس ذكر معنى آخر: وقد أُعجب به المُحقق لتفسير ابن جرير -رحمه الله، وهو الأستاذ محمود شاكر -رحمه الله- إعجابًا كبيرًا.

وحاصله: أن الدرجة التي للرجال هي بالتغاضي عن الحقوق بالإسقاط، والتجاوز، والتنازل[3]، فهو يرى أن الدرجة هي أن يتنازل عن بعض حقوقه، وأن يُمرر للمرأة وللزوجة بعض الأمور، ولا يقف عند كل شيء، فلا يلوم دائمًا بقوله: نامت، أو ما صنعت طعامًا، أو ما صنعت اليوم الإفطار، أو نسيت أن تكوي الملابس، أو نحو ذلك، بل يتغافل ويُعرض ويتجاوز ويُسقط بعض حقوقه التي قد تغفل عنها.

فابن عباس -رضي الله عنهما- يرى أن الدرجة: هي التجاوز والإغضاء من قِبل الرجل عن المرأة، فقضية إسقاط الحقوق هذه صدقة، قد يكون هذا الإسقاط لأموال تطالبهم بها، أو يكون هذا الإسقاط لحقوق أخرى معنوية، كأن يقول: فلان ما اتصل علي، وفلان ما يزور، وفلان ما يسأل، ومرضت فما عادني، ونحو ذلك، فيُسقط حقوقه على الناس، وبهذا يخف على قلوبهم، ولا يُحملهم تبعة؛ ولهذا قال الله : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [سورة الأعراف:199].

وقد تكلمت على هذه الآية بمجلس مستقل، وقلنا المراد بقوله: خُذِ الْعَفْوَ يعني: ما تسمحت به نفوس الناس من غير تكلف، ما أدوه إليك من غير تكلف من الزيارة والمكالمة والتواصل، والإحسان، وأداء الحقوق فاقبله، وما لم يكن كذلك فلا تحملهم ما يشق عليهم، خُذِ الْعَفْوَ ما عفى من أخلاق الناس، مما يأتونه من غير تكلف، ويؤدونه إليك، من غير أن يثقل ذلك عليهم، فاقبله، ولا تطالبهم فيما وراء ذلك، ما تسمحت به نفوسهم فاقبل، ولكن لا تُشدد وتقف وتُنقر عند كل شيء، فبعض الناس يريد أن تؤدى الحقوق إليه جميعًا، وافية، ولا يتأخر عن ذلك أحد، وتحضير لكل مناسبة، في العيد، من جاء ومن غاب، وفي العزاء من جاء ومن غاب، وإذا مرض، فيأتون إليه في غاية التكلف، من أجل أن لا يتحامل عليهم، هذا غلط.

فهنا أرشد إلى الصدقة وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ وبهذا يُعلم أن المعايير التي يقيس بها كثير من الناس غير صحيحة، يعني: كثير من الناس حينما يُسقط الدين عن المعسر يعتقد أن هذه خسارة، وربما يحزن، وينزعج غاية الانزعاج بسبب ذلك، ويشعر أنه مال ضائع، والواقع أنه ليس بضائع، وقد جاء في الحديث في فضل القرض بأنه يفضل الصدقة بالضعف، وأنه إذا حل الأجل فإن ذلك يكون بضعفين، وقد ذكرت هذا في مجلس خاص بعنوان "أيكم يعجز عن هذا" والأحاديث في فضل القرض، وفضل إنظار المُعسر، وتفريج الكُربة عن المكروب.

وفي الحديث: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة[4]، وجاء عن حذيفة عن النبي ﷺ: أن رجلاً مات، فدخل الجنة، فقيل له: ما كنت تعمل؟ فقال: إني كنتُ أبايع الناس، فكنت أنظر المعسر، وأتجوز في السكة -أو في النقد- فغفر له[5]، فهذا الرجل الذي كان يُبايع الناس، فكان إذا وجد مُعسرًا، أو نحو ذلك أنظره، فماذا كان جزاؤه؟ لما حاسبه الله -تبارك وتعالى- وسأله لم يجد عملاً هذا الإنسان يتقرب به إلى الله -تبارك وتعالى- غير هذا في تعامله مع الناس، ورفقه بهم، فالله -تبارك وتعالى- تجاوز عنه، وغفر له، فالله أحق بهذا الوصف.

وفي قوله: إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ فالعلم يهدي صاحبه إلى ما فيه الخير له، ويهديه إلى الفضائل والكمالات، ولكن إذا قل علمه يشعر أن هذا من قبيل المغرم، وكثير من الناس يُعذب بماله، يملك المال الكثير، ولكنه يتحسر على مال ذهب ولم يرجع لدى مُعسر، أو مال آخر تعثر في مساهمة، أو مضاربة، أو نحو ذلك، وعنده من المال ما يكفي له ولأجيال من بعده من ذريته، ومع ذلك تذهب نفسه حسرات على حفنة من المال هنا وهناك، والواقع أنه لا يضيع من هذا شيء، والمؤمن ينوي الخير والإحسان إلى الناس دائمًا، والله يُجازيه على ذلك ولا يضيع عنده شيء.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. مجموع الفتاوى (20/ 554).
  2. أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع برقم (6502).
  3. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (4/ 536).
  4. أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر برقم: (2699).
  5. أخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب فضل إنظار المعسر برقم: (1560).

مواد ذات صلة