بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:
وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىَ قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَىَ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ قَالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلّهُمُ السّامِرِيّ فَرَجَعَ مُوسَىَ إِلَىَ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتّمْ أَن يَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رّبّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مّوْعِدِي قَالُواْ مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنّا حُمّلْنَا أَوْزَارًا مّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السّامِرِيّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَىَ فَنَسِيَ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا [سورة طه:83-89].
لما سار موسى ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الأعراف:138]، وواعده ربه ثلاثين ليلة، ثم أتبعها له عشرًا، فتمت أربعين ليلة، أي: يصومها ليلًا ونهارًا، فسارع موسى مبادرًا إلى الطور، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون، ولهذا قال تعالى: وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىَ قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَىَ أَثَرِي، أي: قادمون ينزلون قريبًا من الطور.
وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ، أي: لتزداد عنى رضا، قَالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلّهُمُ السّامِرِيُّ، أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري، وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ [سورة الأعراف:145]، أي: عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري.
وقوله: فَرَجَعَ مُوسَىَ إِلَىَ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا، أي -بعدما أخبره تعالى بذلك: في غاية الغضب والحنق عليهم، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم، وفيها شرف لهم، وهم قوم قد عبدوا غير الله ما يَعلمُ كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم، ولهذا قال: رجع إليهم غضبان أسفًا، والأسف شدة الغضب، وقال مجاهد: غضبان أسفًا أي جزعًا، وقال قتادة والسدي: أسفا حزينًا على ما صنع قومه من بعده.
قَالَ يَقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا، أي: أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة، كما شاهدتم من نُصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله؟ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ، أي: في انتظار ما وعدكم الله، ونسيان ما سلف من نعمه، وما بالعهد من قدم، مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا، أي: عن قدرتنا واختيارنا، ثم شرعوا يعتذرون بالعذر البارد، يخبرونه عن تورعهم عما كان بأيديهم من حلي القبط الذي كانوا قد استعاروه منهم حين خرجوا من مصر، فقذفناها أي ألقيناها عنا.
وفي رواية السدي عن أبي مالك عن ابن عباس -ا، إنما أراد هارون أن يجتمع الحلي كله في تلك الحفيرة، ويجعل حجرًا واحدًا، حتى إذا رجع موسى رأى فيه ما يشاء، ثم جاء ذلك السامري فألقى عليها تلك القبضة التي أخذها من أثر الرسول، وسأل هارون أن يدعو الله أن يستجيب له في دعوته، فدعا له هارون -وهو لا يعلم ما يريد- فأجيب له، فقال السامري عند ذلك: أسأل الله أن يكون عجلًا، فكان عجلًا له خوار أي صوت، استدراجًا وإمهالًا ومحنة واختبارًا، ولهذا قال: فَكَذَلِكَ أَلْقَى السّامِرِيّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لّهُ خُوَارٌ.
وروى محمد بن إسحاق عن ابن عباس -ا- فقالوا: فَنَسِيَ، أي: ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري، قال الله تعالى ردًا عليهم وتقريعًا لهم وبيانًا لفضيحتهم وسخافة عقولهم فيما ذهبوا إليه: أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا، أي: العجل، أفلا يرون أنه لا يجيبهم إذا سألوه ولا إذا خاطبوه، وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا، أي: في دنياهم ولا في أخراهم.
قال ابن عباس -ا: لا والله ما كان خواره إلا أن يدخل الريحُ في دبره فيخرج من فمه فيسمع له صوت، وقد ورد في حديث الفتون عن الحسن البصري أن هذا العجل اسمه بهموت، وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم وعبدوا العجل، فتورعوا عن الحقير وفعلوا الأمر الكبير، كما جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر -ا- أنه سأله رجل من أهل العراق عن دم البعوض إذا أصاب الثوب، يعني هل يصلي فيه أم لا؟ فقال ابن عمر -ا: انظروا إلى أهل العراق، قتلوا ابن بنت رسول الله ﷺ يعني الحسين- وهم يسألون عن دم البعوضة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله -تبارك وتعالى: وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [سورة طه:83، 84]، لما خرج بنو إسرائيل ونجاهم الله من فرعون وأهلكه وأغرقه واعدهم الله -تبارك وتعالى- جانب الطور الأيمن، فتقدمهم موسى -عليه الصلاة والسلام- إلى الطور، وبقي بنو إسرائيل مع هارون -عليه الصلاة والسلام- فقال الله له: وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى، لماذا سبقتهم وخلفتهم وراءك؟ فقال: وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، ثم يذكر أجوبة.
والذي يظهر -والله أعلم- أن الجواب مطابق للسؤال، ولكنه قدم بمقدمة وهي أنه قال: هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي، وإلا فالجواب: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، هذا الذي أعجله، المبادرة والمسارعة في طلب مرضاة الله ، وقوله: هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِيهذا له تعلق أيضًا بالجواب كأنه يقول: إنهم قريب مني، لم أتقدمهم بشيء كثير معتبر، كمن تقول له: أين أصحابك؟ فيقول: هم أولاء على أثري، هم قريب، تقول له: تقدمت أصحابك تعجلت، تركت أصحابك، يقول: هم أولاء على أثري، كأنه يقول: ما تركتهم هم قريب مني على الطريق، ليس بيني وبينهم شيء كثير، فكأنهم معه، هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي يأتون، وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى.
فقال الله له: فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فتنا: الفتنة تطلق على الاختبار والامتحان، وتطلق على نتيجة حسنة كانت أو سيئة، وقيل لإدخال الذهب والمعدن في النار: فتنة، تقول: فتنته في النار، يقال ذلك للإحراق فيها؛ لأن ذلك يتخلص به صحيحه من شائبه، والله -تبارك وتعالى- يقول: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [سورة البروج:10] يعني أحرقوهم بالنار، وهنا فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فالله -تبارك وتعالى- ابتلاهم بهذا العجل الذي صار بهذه المثابة، ففتنّا فيه من فُتن منهم حتى عبدوه، وعكفوا على عبادته وادعوا أنه ربهم، بل كذبوا على موسى -عليه الصلاة والسلام- واجترءوا عليه وقالوا: إنه ذهب يطلب ربَّه، وربُّه هاهنا، وهذا السامري قيل: هو رجل من أهل السامرة، وقيل: كان من كبار بني إسرائيل، وقيل: كان جارًا لموسى -عليه الصلاة والسلام، وقيل غير هذا.
والحاصل أنه رجل ممن كان معهم، وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ، والله -تبارك وتعالى- أخبر موسى بذلك فرجع موسى -عليه الصلاة والسلام- إلى قومه غضبان أسِفًا، والأسَف: هو الغضب، والأسِف هو الغاضب، يقال ذلك لشدة الغضب، فلا تكرار، يعني: رجع غضبان شديد الغضب، ولا يقال: إن هذا تكرار، ولذلك لا حاجة لتفسيره بالغم أو الحزن أو نحو هذا من أجل التخيير، فلما جاء إليهم قال: يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله: أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة، وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم، وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله؟ وهذا من أجمع ما قيل في تفسير الآية.
وبعضهم يقول: وعدهم أن ينزل عليهم كتابًا فيه كل ما يحتاجون إليه، كما يقول الشنقيطي -رحمه الله، فموسى -عليه الصلاة والسلام- ذهب إلى الميقات من أجل مناجاة الله ، ولأجل أن ينزل الله عليه ذلك الكتاب، وهكذا قول من قال: وعدهم أن يسمعهم كلامه على لسان رسوله ﷺ ليعملوا بما فيه، وهو التوراة.
وبعضهم يقول: إن الوعد هو ما تقدم من قوله: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى، وواعدهم جانب الطور، وأنزل عليهم المن والسلوى وهذا الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير -رحمه الله، وأَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا قال: أي في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم، فجمع بين المعنيين.
أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ، قال: في انتظار ما وعدكم الله، يعني بأن ينزل عليكم كتابًا مثلًا، وهذا مستلزم لقول من قال أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ، أي: بتنزيل الكتاب، وهكذا قول من يقول: أفطال عليكم العهد بي، أبطأت عليكم، يقول: ونسيان ما سلف من نعمه، أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ [سورة طه:86، 87]، وبعضهم يقول: إن الذين قالوا هذا هم الذين لم يعبدوا العجل؛ لأنه لم يعبد العجل كلُّ الذين كانوا مع هارون -عليه الصلاة والسلام- وإنما عبده بعضهم.
ويقال: إن الذين كانوا مع هارون -عليه الصلاة والسلام- والله تعالى أعلم- كانوا اثني عشر ألفًا، الذين لم يعبدوا العجل، وأن البقية عبدت العجل، وهذا من الأخبار الإسرائيلية، ويختلفون في تقدير عدد بني إسرائيل حينما خرجوا من مصر، ومن أهل العلم من يقول: إن الذين أجابوا بهذا الجواب هم الذين لم يعبدوا العجل، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ.
وهذا القول وإن كان له وجاهة في بادئ الأمر لكن ما بعده يدل على خلافه، وجه وجاهة هذا القول: أن قوله -تبارك وتعالى- عنهم: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا إن كان صدر من الذين عبدوا العجل هذا جواب بارد، لأنهم لم يذكروا عذرًا معتبرًا، لكنه إن صدر من الذين لم يعبدوا العجل فإنهم قالوا: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا بمعنى أننا على الطريق وعلى أثرك، ولكن لما نزلت بنا هذه المصيبة وعبد هؤلاء العجل لم نتمكن من مقاتلتهم حتى ترجع، ولم نتمكن من تركهم ونلحق بك لئلا يتفرق جمع بني إسرائيل فأبطأنا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا، لكن قوله بعده: وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا يدل على أن الذين قالوا هذا هم الذين عبدوا العجل، وأنهم اعتذروا بهذا العذر البارد، فقوله عنهم: مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا قال: أي عن قدرتنا واختيارنا.
مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا، وقرأ نافع وعاصم بفتح الميم بمَلكنا، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالكسر بمِلكنا، والمعنى: أي فأخطأنا، وبعضهم يقول: بمِلكنا أمورنا، يعني: لم نملك أمرنا، وفي قراءة حمزة والكسائي بالضم بمُلكنا، أي: بسلطاننا، والذي يظهر -والله أعلم- أن هذه القراءات ترجع إلى معنى واحد، فهم يقولون: ما أخلفنا موعدك بإرادتنا وإنما وقع لنا ما لم نتمكن من الخلاص منه -نسأل الله العافية، ولم نملك أمورنا ومن ثم لم نتمكن من الثبات على الصواب ولزوم الحق والصراط المستقيم، عرضت لهم فتنة فاستزلهم الشيطان وفتنوا بهذا العجل فزاغت قلوبهم وانحرفوا، ووقعوا في هذا الإشراك العظيم.
فكأنهم يقولون: لم نطق حمل أنفسنا على الصواب، بمجرد أن رأينا هذا العجل له خوار وقع لنا اضطراب فزلت قدم بعد ثبوتها، هكذا يعتذرون، وهذا عذر سخيف، يقول لهم: لماذا عبدتم هذا العجل؟ فيقولون: والله شيء خارج عن مقدورنا، لم نفعل ذلك بقدرتنا على لزوم الحق، وإنما وقع ذلك بشيء من إقبال النفس، أو بشيء من الفتنة التي حصلت في القلوب فأدت إلى زيغها وضلالها وانحرافها، وهذا من أعجب الأشياء.
وكلما يقف الإنسان عند هذه الآية ويتأمل يرجع أحيانًا بسؤال كبير وهو أنهم نجاهم الله قبل قليل من فرعون، والبحر انفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، ورأوا عدوهم يهلك أمامهم ثم بعد ذلك يعبدون عجلًا، فقد صحبوا موسى -عليه الصلاة والسلام، ومعهم هارون وحين أراد هارون -عليه الصلاة والسلام- أن يغير عليهم هموا بقتله، واستخفوا به، واستضعفوه، وقالوا: لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [سورة طه:91]، فلم يفرقوا بين ربهم -تبارك وتعالى- وبين العجل الذي عبدوه، إذ كيف يكون هذا العجل الذي له خوار هو الرب الخالق المعبود؟ فهذا من أعجب الأشياء، ولو وقع هذا للجيل الثالث أو الرابع أو الخامس لكان معقولًا، لكون العلم قد اندرس لكن الذين مع موسى!، والبدايات عادة يكون فيها من الإقبال وهذه بدايات، وهذا عذرهم.
يقول: وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ حُمِّلنا، هذه قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وحفص، وقرأ الباقون بالفتح: حُمِّلْنَا وفي القراءة الأخرى: حَمِّلْنَا أَوْزَارًا والأوزار هي الأثقال، وبعضهم يقول: المقصود بهذه الأوزار: الأشياء المحرمة عليهم؛ إما لأنها استعيرت، أو لأنها كانت من الغنائم، والغنائم محرمة فأرادوا الخلاص منها، فَقَذَفْنَاهَا.
وبعضهم يقول: قذفناها: يعني أنهم ألقوها من أجل أن تنزل هذه النار المحرقة، فقذف السامري ما معه من القبضة، فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، وبعضهم يقول: إنهم ألقوها في حفرة؛ لأن هارون أمرهم بهذا حتى يأتي موسى -عليه الصلاة والسلام- ثم ينظر فيها، فقذف عليها السامري هذه القبضة فصارت عجلًا، وبعضهم يقول: إن هارون -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يجعلها قطعة واحدة، فأوقد عليها، فجاء السامري وألقى عليها هذه القبضة فصارت عجلًا، فالشاهد أنهم يقولون: فَقَذَفْنَاهَا يقول: أي ألقيناها عنا، ألقوها من أجل أن تأتي النار فيتخلصوا منها كما يتخلصون من الغنائم فتحرق، أو ألقوها للسامري لتبقى عنده حتى يرجع موسى -عليه الصلاة والسلام.
يقول: فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، كما ألقيناها نحن فكذلك ألقى السامري، أي: فمثل ذلك القذف ومثل ذلك الإلقاء فعله السامري، ألقى ما معه من القبضة، فهم كأنهم يقولون: فقذفنا هذا الحلي في الحفرة أو في غيرها، وكذلك قذف السامري ما معه، وهذه الأخبار الإسرائيلية نحن لا نصدق بها كما هو معروف ولا نكذبها، فبعضهم يقول: إنه لما رأى حافر فرس الملك جبريل -عليه الصلاة والسلام، وبعضهم يقول: رآه حينما كان يتبع الفرس التي كان يركبها فرعون، وهذا غريب؛ لأنهم قد نجوا وصاروا إلى الشق الآخر.
فالشاهد أنهم يقولون: أخذ قبضة من أثره، وبعضهم يقول: رآه لما جاء لموسى -عليه الصلاة والسلام- فأخذ قبضة من حافره، وبعضهم يقول: إنه رأى حافر الفرس كلما وقعت على شيء نبت واخضر، فأُلقي في روعه -في قلبه- أنه لا يأخذ ذلك الأثر فيلقيه على شيء فيقول له كن كذا إلا يكون، فالشاهد أن هذا الرجل سيئ أخذ ذلك من أجل أن يعده لأمر ما كهذا، رجل متهيئ مستعد فهو يبيت أمرًا مكروهًا.
ويقول: فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ، نسأل الله العافية، عجلًا جسدًا، بعضهم يقول: هو من ذهب وفيه ثقوب يدخل معها الهواء كما يقول ابن عباس ويخرج من الجهة الأخرى فيصدر صوتًا، وإلا فلا حياة فيه، وبعضهم يقول: إن قوله: وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا [سورة طه:97]، فيدل على أنه كان من الذهب وأنه لم يتحول إلى مخلوق من لحم ودم، وقال لهم: هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ [سورة طه:88]، يقول ابن كثير -رحمه الله: "أي ترك ما كان عليه من الإسلام يعني السامري"، فيكون هذا من كلام الله ، ويكون من الموصول لفظًا المفصول معنى.
والضمير في قوله: فَنَسِيَ راجع إلىالسامريويكون هذا من كلام الله ، والنسيان بمعنى الترك، وليس بمعنى الذهول عن المعلوم، فذهاب المعلوم يقال له نسيان، والنسيان يطلق على معنى آخر وهو الترك، نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ [سورة التوبة:67]، نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ [سورة الحشر:19]، فيكون من كلام الله الذي يصف فيه السامري.
والمعنى الآخر -وقال به كثير من السلف- هو أن ذلك النسيان يرجع إلى موسى -عليه الصلاة والسلام- ويكون هذا من بقية كلام السامري، قال لهم: هذا إلهكم وإله موسى فنسي، يعني موسى -عليه الصلاة والسلام- نسي أن يذكركم ويقول لكم: هذا ربكم، لكن العجل لم يكن موجودًا، وكثير منهم يقولون: فنسي أي موسى -عليه الصلاة والسلام- فذهب يطلب ربه في مكان آخر، فالرب الذي أنجاهم من آل فرعون وقال له: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [سورة طه:77]، -وكان العجل وقتئذٍ حليًا معهم- هو العجل، لكن هذا يدل على أنهم بمنتهى البلادة، وقد عبدوا هذا الحيوان الذي يضرب به المثل بالبلادة، فالذي لا يفهم مثلًا يقال له: ثور، فالثور يضرب به المثل في البلادة، والعجل من الثور، فقبل لحظات كان حليًا ثم جعلوه عجلًا ثم يتحول إلى إله ويكذبون على موسى -عليه الصلاة والسلام- ويسيئون الأدب معه ويقولون: هو ذهب يطلب ربه وأخطأه، وهذا هو ربه، يكابرون بهذه المكابرة.
وهذا القول قال به كثير من المفسرين، وهو الذي اختاره ابن جرير وابن القيم: أن الذي نسي هو موسى -عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال الله لهم: أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وهذا يدل على شدة علوق النفوس بهذه الأمور، ولهذا قطعت الشريعة كل أسباب الإشراك، فجاء النهي عن الصلاة في المقابر أو إلى القبور، وكذلك البناء على القبور، وتحريم التصاوير، فالنفوس في هذه الأشياء قد تفتن فتنة عظيمة، ويحصل لها مثل ما حصل لهؤلاء الناس، وهنا قال: فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا.
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُواْ لَن نّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتّىَ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىَ [سورة طه:90، 91]
يخبر تعالى عما كان من نهي هارون لهم عن عبادتهم العجل وإخباره إياهم: إنما هذا فتنة لكم، وإن ربكم الرحمن الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، ذو العرش المجيد الفعال لما يريد،قَالُواْ لَن نّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتّىَ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىَ، أي: لا نترك عبادته حتى نسمع كلام موسى فيه، وخالفوا هارون في ذلك وحاربوه، وكادوا أن يقتلوه.
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلّوَاْ أَلاّ تَتّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَابْنَ أُمّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرّقْتَ بَيْنَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [سورة طه:92-94]
يخبر تعالى عن موسى حين رجع إلى قومه، فرأى ما قد حدث فيهم من الأمر العظيم فامتلأ عند ذلك غضبًا وألقى ما كان في يده من الألواح الإلهية، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، وقد قدمنا في سورة الأعراف بسط ذلك، وذكرنا هناك حديث: ليس الخبر كالمعاينة[1]، وشرع يلوم أخاه هارون، فقال: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلّوَاْ أَلاّ تَتّبِعَنِ، أي: فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع، أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، أي: فيما كنت قدّمتُ إليك، وهو قوله: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [سورة الأعراف:142].
قَالَ يَابْنَ أُمّ، ترقق له بذكر الأم مع أنه شقيقه لأبويه؛ لأن ذكر الأم هاهنا أرق وأبلغ في الحنو والعطف، ولهذا قال: يَابْنَ أُمّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي الآية، هذا اعتذار من هارون عند موسى في سبب تأخره عنه حيث لم يلحقه فيخبره بما كان من هذا الخطب الجسيم، قال: إِنّي خَشِيتُ أن أتبعك فأخبرك بهذا، فتقول لي: لم تركتهم وحدهم وفرقت بينهم وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، أي: وما راعيت ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم، قال ابن عباس -ا: وكان هارون هائبًا مطيعًا له.
في قوله: قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلّوَاْ أَلاّ تَتّبِعَنِ، الاتباع يحتمل أن يكون المراد به الاتباع حسًا، ويحتمل أن يكون المراد به الاتباع معنى، أما الاتباع حسًا فهو أن يفارقهم ويلحق موسى -عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي اختاره ابن جرير -رحمه الله، ويكون على هذا الاعتذار الذي تقدم به هارون -عليه الصلاة والسلام- حينما قال: إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي فرقت بينهم بمعنى أنك أتيت بطائفة وبقيت طائفة في مكان آخر، وأما إذا كان هذا الاتباع المقصود به أن يتبعه معنًى وذلك بأن يتبع سبيله ويكون هذا في الإنكار عليهم أو في مقاتلتهم والتغيير على هؤلاء الذين عبدوا العجل، أَلاّ تَتّبِعَنِ، قال: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي هو حينما أمره قال له: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [سورة الأعراف:142].
فإذا قيل الاتباع المقصود به الاتباع معنًى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ فيكون من الإصلاح أن يغيّر على هؤلاء، فكيف تركهم يعبدون العجل؟ وإذا كان الاتباع المقصود به الاتباع حسًا بأن يفارقهم ويلحق بموسى -عليه الصلاة والسلام- فهو يقول له: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ فإذا فرقهم وجاء مع طائفة وترك طائفة فإنه يكون بذلك قد خالف أمره في ظاهر الحال، يحتمل هذا ويحتمل هذا، والله تعالى أعلم.
والحاصل أن موسى -عليه الصلاة والسلام- هنا يقول: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلّوَاْ أَلاّ تَتّبِعَنِ، أي: فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع، أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، أي: فيما كنت قدّمتُ إليك.
فالحاصل أنه قال له: يَابْنَ أُمّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي، هو شقيقه فقال له: يَابْنَ أُمّ؛ لأن المخاطبة بذلك، وذكْر الوشيجة بالأم أدعى إلى الحنو والرأفة والرقة، لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي، هنا فيه كلام محذوف معلوم من السياق وهو أن موسى -عليه الصلاة والسلام- أخذ برأسه ولحيته كما قال الله : وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ [سورة الأعراف:150]، فهارون -عليه الصلاة والسلام- عندها قال له: يَابْنَ أُمّ يستعطفه، لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرّقْتَ بَيْنَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي فإذا جاء ببعضهم وترك البعض، أو إذا جاء وقاتلهم؛ لأنه أنكر عليهم وغيّر فاستضعفوه وكادوا أن يقتلوه.
فالشاهد أن هارون -عليه الصلاة والسلام- قال له هذا، وقال له: فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء فيتندروا بي ويستهزئوا، وهذا يدل على أن هؤلاء الذين جاءوا ونجاهم الله من الغرق فيهم أعداء لهارون -عليه الصلاة والسلام، وفيهم أهل إفساد كما قال: وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [سورة الأعراف:142]، فهؤلاء الجمع الذين نجوا وصحبوا موسى -عليه الصلاة والسلام- وهارون فيهم مثل هؤلاء الأشرار، وهم الجيل الأول والصفوة، والذين شاهدوا هذه الآية العجيبة وباقي الآيات العصا ونزول المن والسلوى عليهم، وحصل لهم الاجتباء والاصطفاء ومع ذلك كانوا بهذه المثابة، فالبقية ماذا يقال عنهم الآن؟ ماذا يقال عن هؤلاء الذين في زماننا هذا؟ قل ما شئت من الشر والفساد والإفساد محادّة لله -تبارك وتعالى.
يقول: وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، يقول: أي وما راعيت ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم، قال ابن عباس: وكان هارون هائبًا مطيعًا له، وبعضهم يقول: وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي يعني لم تنتظر قدومي حتى أقرر، إذا أتيت أقرر شيئًا أو ما أراه، ولكن هذا فيه بعد والأقرب هو ما سبق، وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي يعني فيما أمرتك به؛ لأنه إذا جاء، إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، فيقول: إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، يعني: لم تنتظر حتى آتي ثم بعد ذلك أقرر شيئًا، لماذا استعجلت وأتيت مثلًا، انتظر حتى أرجع وعند ذلك أتخذ قرارًا، هذا معنى آخر، والمشهور هو الأول وَلَمْ تَرْقُبْ يعني حيث أمرتك بالإصلاح وما سبق، والله أعلم.
- رواه الإمام أحمد في المسند برقم (1842)، وقال محققوه: حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، من حديث ابن عباس -ا، والحاكم في المستدرك برقم (3250)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (9504).