السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
أحكام الصيام
تاريخ النشر: ٢٥ / شعبان / ١٤٢٥
التحميل: 20391
مرات الإستماع: 20719

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعـد:

فإن من فضل الله علينا في هذه الأيام أن انتشر الوعي بين المسلمين، وأصبحنا نرى الإعلانات المتكاثرة التي تتحدث عن شهر رمضان المبارك من نواحٍ شتى، تتحدث عن فضائله، وتتحدث عن أحكامه، وتتحدث عمَّا ينبغي أن يكون المسلم عليه في هذا الشهر، وتتحدث عن حقيقة الصيام، وما إلى ذلك من الموضوعات، فهذا من فضل الله الذي يستوجب الشكر.

يقول الله : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [القصص: 68] فالله - تبارك، وتعالى - له الخلق، فهو يخلق خلقه، ويختار من هذا الخلق، فيصطفي ما شاء، يخلق الناس، ثم يصطفي منهم أهل الإيمان، كما أنه يصطفي من أهل الإيمان طوائف لحمل الرسالات، وتبليغ دعوته إلى العالمين، ويصطفي من هؤلاء المؤمنين العُبَّاد، والمجاهدين، وأهل الإنفاق، والبذل، وما إلى ذلك من صنوف أهل العبودية.

كما أن الله خلق الملائكة، واصطفى منهم رسلاً، كما أنه خلق الأرض، واختار منها بقاعاً - وهي المساجد - فجعلها أفضل بقاع الأرض، وجعل الله المسجد الحرام مميزاً عليها جميعاً، كما أنه اصطفى مسجد رسوله ﷺ واصطفى المسجد الأقصى على سائر المساجد بعد المسجد الحرام، فهذا كله من اصطفائه، واختياره - تبارك، وتعالى -.

كما أنه يصطفي من الأزمان، والأوقات، فيجعل بعض الأوقات أشرف من بعض، كما يجعل بعض الأوقات مواسم لعبادته - سبحانه، وتعالى - فيضاعف فيها الأجور لعباده المؤمنين، ويفتح بها أبواب الجنة، ويغلق أبواب النار - كما في شهر رمضان - وهذا كله من لطفه، وحكمته، ورحمته .

فالله اصطفى لنا هذا الشهر المبارك، والذي نسأل الله أن يبلغنا إياه، وأن يتقبله منا، وأن يعيننا جميعاً فيه على ذكره، وشكره، وحسن عبادته سبحانه.

لقد اصطفاه الله - جل، وعلا - وأمرنا بصيامه، وبين لنا العلة من هذا الصيام، والحكمة فيه فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] أي من أجل تحقيق التقوى لله - تبارك، وتعالى - فإذا كانت هذه هي الحكمة العظمى من شرع الله لصيام رمضان فإن ذلك ينبغي أن نلحظه في صومنا، وفي شهرنا، وأن يكون ذلك على بالٍ، وذكرٍ منا لا يغيب عنا لحظةً من اللحظات في هذا الشهر الكريم، وخاصة في الأيام التي نستعد فيها لاستقباله. 

 لماذا نصوم؟

النبي ﷺ يقول: الصيام جُنَّة[1] أي وقاية، وفي رواية: الصيام جُنة، وحصن حصين من النار[2]  وفي رواية: الصوم جُنة من النار كجُنة أحدكم من القتال[3].

معنى ذلك أن هذه الجُنَّة كالترس الذي يحول بينك، وبين ما تكره من ضرب الحديد، وضرب السلاح، وطعن الرماح، وضرب السيوف، وأنه قد تنحرق هذه الجُنَّة.

هذا الصيام كالترس يقيك - بإذن الله - من الدخول في النار، ومن أسباب الدخول فيها، ما لم ينخرق بالغيبة، فدل ذلك على أن هذا الترس يمكن أن ينخرق، فإذا خرق فإنه لا يكون واقياً لصاحبه كما ينبغي من جميع الآفات، والأخطار، والمخاوف، فتنتاشه الآفات[4]  وتعتريه الأمور التي تسبب له عقوبةً، وعذاباً إذا لقي ربه.

والنبي ﷺ يبين لنا كيف نحفظ هذا الحرز، والجُنة فيقول: فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب[5] لا يرفث: أي لا يصدر منه أي لون من ألوان الرفث. 

  1. أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب هل يقول إني صائم إذا شُتم (1805) (2/673) ومسلم في كتاب الصيام - باب فضل الصيامِ (1151) (2/806).
  2.  رواه أحمد في مسنده برقم (9214) ( ج2 / ص 402)، وحسنه الألباني لغيره برقم (980) في صحيح الترغيب والترهيب.
  3. رواه النسائي في كتاب الصيام - ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب في حديث أبي أمامة في فضل الصائم برقم (2231) (ج 4/ ص 167)، وابن ماجه في كتاب الصيام - باب ما جاء في فضل الصيام (1639) (ج 1 /ص 525) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3879).
  4.  أي تتناوله الآفات.
  5.  رواه البخاري في كتاب الصوم - باب هل يقول: إني صائم إذا شُتم (1805) (ج 2/ ص 673).
ما هي ألوان الرفث التي يمكن أن تدخل تحت قوله ﷺ: فلا يرفث؟

تحت هذا العموم يدخل مواقعة الحرام، والفواحش بجميع أنواعها، ويدخل فيه مواقعة الزوجة الحلال، ويدخل فيه - أيضاً - ألوان الفحش من الكلام في النساء، ومن الفجور، ومن دنيء القول، ومُنحطِّ الكلِم، وسافله، كل ذلك داخل في قوله: فلا يرفث.

كما يدخل فيه اللعن، والسب، والشتم، والمهاترات، والجدل بالباطل، كل ذلك داخل في معناه الأعم، وإن كان الرفث يطلق في عرف الاستعمال على بعض هذه المعاني.

وقوله - عليه الصلاة، والسلام -: ولا يَصخَب أي: أن الصائم لا يرفع صوته رفعاً مستنكراً، فلا يكون صخّاباً بالأسواق؛ فإن الصائم ينبغي له أن يكون متصفاً بالسكينة، والوقار، أن يكون متئداً، وله سمت يليق بالصائمين، فإن حصل له عدوان فقدوته النبي ﷺ إذ يقول: فإن سابّه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم[1] وفي بعض روايات هذا الحديث: الصيام جنة فلا يرفث، ولا يجهل[2] فالصائم لا يجهل بالقول، ولا يجهل بالفعل، لا يفعل أفعال الجاهلين من الاعتداء على الناس في أعراضهم، وأبدانهم، وأموالهم، ولا يستهزئ بأحد؛ لأن الذي يستهزئ بالناس إنما هو جاهل.

وموسى ﷺ لما قال لقومه: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة: 67] فدل ذلك على أن الذي يستهزئ بالناس، ويسخر منهم هو من الجاهلين، فهذا أمر لا يليق بالمسلم فضلاً عن الصائم؛ ومما يدل على ذلك قوله - عليه الصلاة، والسلام -: فإن سابّه أحد، أو قاتله فليقل إني امرؤؤ صائم[3].

وجاء عن النبي ﷺ أنه قال: من لم يدع قول الزور، والجهل، والعمل به فلا حاجة لله في أن يدع طعامه، وشرابه[4] فقول الزور كشهادة الزور، ويدخل فيه الغيبة، والنميمة، والكذب، والإفك، وألوان الباطل من الكلام، إذ كل ذلك من الزور، والجهل هو العدوان على الناس.

وقوله: والعمل به أي: العمل بالزور، كالعبث الباطل، وكلعب القمار، وغير ذلك من ألوان العبث المحرم، وكذلك حضور مجالس الزور التي يُستهزأ فيها بالله وبدينه، وشرعه، وكتابه، ورسوله ﷺ وبعباده المؤمنين، لا يجوز للإنسان أن يحضر تلك المجالس لا مباشرةً، ولا أن يتابع ذلك عبر شاشة في الإنترنت، أو عبر شاشة في تلك القنوات الفضائية البائسة.

فينبغي للإنسان أن يحفظ صومه؛ إذ لا يصح بحالٍ من الأحوال أن نصوم، ثم نفطر على لونٍ من الزور، وأن نحضر مجالس الزور عند فطرنا لنرى ألواناً من العبث، ونسمع ألواناً من قول الباطل، والاستهزاء بدين الله - تبارك، وتعالى -.

وقوله - عليه الصلاة، والسلام -: من لم يدع قول الزور، والجهل، والعمل به فلا حاجة لله في أن يدع طعامه، وشرابه[5] يدل على أن الصيام ليس المراد منه التجويع، وإنما المراد منه أن تتحقق التقوى في نفس الصائم، ولهذا قال النبي ﷺ: من لم يدع الخَنا، والكذب فلا حاجة لله في أن يدع طعامه، وشرابه[6].

فليس الصيام مجرد الإمساك عن الأكل، والشرب، إنما الصيام هو أيضاً الإمساك عن اللغو، والرفث، فإن سابّك أحد، أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم، ولهذا يقول النبي - عليه الصلاة، والسلام -: رُب صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر[7]  وهذا إنما يكون لمن خرق صومه بألوان الباطل من القول، والعمل - نسأل الله العافية -.

فمن منا يرضى أن يكون نصيبه من هذا الصيام إنما هو الجوع، والعطش؟ وبالتالي يكون صومه مردوداً عليه، وغير مقبول!

أقول: الصوم إنما شرعه الله من أجل أن نحقق التقوى في نفوسنا، ومن أجل أن نفطم هذه النفوس عن شهواتها، أن نفطم النفس عن شهوة البطن بترك الأكل، والشرب المستلذ الذي أباحه الله ومنعنا منه في حال الصوم، كذلك أن نترك شهوة الفرج، ولو كانت مباحةً من أجل الله، من أجل التقرب إليه - سبحانه، وتعالى - بهذا الصيام، وأن نترك شهوة العين فلا يمتد النظر إلى النساء الذي هو محرم على الصائم، وعلى غير الصائم في كل زمان، ومكان، وهو أمر يؤثر على صوم الإنسان، وكما قيل:

كلُّ الحوادثِ مبدؤها من النظرِ ومعظمُ النارِ من مستصغرِ الشررِ

فليس من العقل، ولا من الدين أن يصوم البطن، وتمتد العين، وتسرح بالنظر في الكاسيات العاريات في الأسواق، وعبر الشاشات.

ومن مستلزمات الصيام أيضاً أن تفطم اللسان عن الكلام الباطل من الكذب، والزور، وعن الوقيعة في أعراض الناس، فإن للسان شهوةً لها ضرام أعظم من شهوة البطن، والفرج أحياناً، ولذلك تجد الإنسان أحياناً لربما كان صواماً قواماً، ولكنه لا يتمكن بحالٍ من الأحوال أن يغلب لسانه فيمسكه من الوقيعة في أعراض الناس، فهذا أمر يحتاج إلى ترويض، ويحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى تربية، فالصائم لا يغتاب، ولا يكذب، ولا يدخل في مهاترات.

وهكذا الأذن تصوم من سماع الأغاني، ومن سماع الغيبة، والنميمة، والكذب، والفجور، والباطل، لا تسمع إلا الحق.

والصوم يطلق النفوس من أسر الشهوات التي تذلها، وتهينها فتنحط مراتبها في درجات العبودية، والصوم يحررنا من رق الشهوات، ويضيق مجاري الشيطان؛ لأن البطن إذا جاع شبعت الجوارح، فيفتر النظر، وتفتر اليد، وتفتر الرجل، وتفتر الأذن، ويكون الإنسان أقرب ما يكون إلى الله لا سيما مع ما يحصل في هذا الشهر الكريم من تصفيد الشياطين، فيحصل لكثيرٍ من الناس من إشراق النفوس، والقرب من الله بألوان العبادات القلبية، والقولية، والعملية ما لا يقادر قدره، فيسارع الناس في التقرب إلى الله بأموالهم، وبقراءة القرآن، وبذكر الله بجميع صوره، وأشكاله، كما نجدهم يجلسون في المساجد كثيراً، كما نجد الناس يتهيئون للصلاة فيه، ولعمل الخيرات ما لا يتهيئون في غيره، فعدوهم مصفد، والجنة قد فتحت أبوابها، والنار قد أغلقت أبوابها، فتقربت الرحمة من العباد، فاشرأبت نفوسهم إليها، فكانوا أقرب ما يكونون إلى الله وكان ذلك أحرى لقبول دعواتهم، وهذا هو السر - والله تعالى أعلم - في أن آية الدعاء ذكرت في وسط آيات الصوم.

  1.  المصدر السابق.
  2.  رواه البخاري في كتاب الصوم - باب هل يقول: إني صائم إذا شُتم (1795) (ج 2/ ص 670) وعند مسلم بلفظ: إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل انظر التخريج رقم (1) في هذا البحث.
  3.  رواه البخاري في كتاب الصوم - باب هل يقول إني صائم إذا شُتم (1805) (ج 2 / ص 673)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيامِ (1151) (2/806).
  4.  رواه ابن ماجه بهذا اللفظ في كتاب الصيام - باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم (1689) (ج 1 / ص 539)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه برقم (1370)، وأصله في البخاري ولفظه: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ.
  5. سبق تخريجه آنفاً.
  6.  أخرجه الطبراني في الأوسط (3622) (ج 4 / ص 65) والصغير (472) (ج 1 / ص 286)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب( 1080).
  7.  أخرجه ابن ماجه في كتاب الصيام - باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم (1690) (ج 1 / ص 539)، وصححه الألباني برقم (3488) في صحيح الجامع.
ما معنى توسيط آية الدعاء في ثنايا آيات الصوم؟

قد يتساءل الإنسان فيقول: الله يذكر الصيام في سورة البقرة، ثم يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186] ثم يقول: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ  [البقرة: 187] إلى آخر ما ذكر الله  فما معنى توسيط هذه الآية في ثنايا آيات الصوم؟ 

أخذ من ذلك بعض أهل العلم أن للدعاء مع الصوم مزية، وأنه حريٌّ بأن يُتقبل دعاء الإنسان، فأكثروا فيه من الدعاء، ولم يثبت عن النبي ﷺ حديث صحيح في أن هذه الدعوة تكون عند الفطر، إنما الذي يكون عند الفطر هي فرحة: للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه[1].

فيتحرى الإنسان الدعاء في حال السجود، وبين الأذان، والإقامة، وفي غير ذلك، فهذه أمور تحصل مجتمعة، ولا تنكر.

فحري بالعبد أن يستغل ذلك في إصلاح قلبه، وعمله، وحاله مع الله وحفظ صيامه، وأن يفكر جيداً كيف سيكون حاله في هذا الشهر الذي سيستقبله بعد أيام؟ هل فكرتم في هذا؟ هل جلستم مع أنفسكم، ومع أهليكم، فتحاورتم في هذه القضية؟ 

نحن نحتاج إلى هذا التذكير، والله يأمرنا بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، نحن بحاجة قبل هذه المواسم العظيمة أن لا نفوت حظنا منها، ثم نندم عند انقضائها على التفريط، وضياع الأوقات بما لا طائل تحته، بل أحياناً بما يسخط الله ويباعدنا منه.

  1.  رواه البخاري في كتاب الصوم - باب هل يقول إني صائم إذا شُتم (1805) (ج 2 /ص 673) ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيامِ (1151) (ج 2 / ص 806)، واللفظ لمسلم.
ما علاقة هذا الشهر بالعبث، واللهو، واللغو؟

بعض الناس تزداد شروهم في رمضان، وتزداد معاصيهم، ومن الناس من تكون حاله كأنه قد أخذ على عاتقه مهمة إبليس لإضلال العباد، وغوايتهم في هذا الشهر، فكرْ، وأعمل عقلك كيف تريد أن تكون في هذا الشهر؟

من غير المعقول أن يتحول شهر القرآن، وشهر الصيام، وشهر العبادة، وشهر الرحمة إلى شهرٍ للفوازير، وإلى شهرٍ للبرامج الهابطة، والأفلام، والمسلسلات التي لا تزيدنا إلا غفلةً، وإعراضاً، وبعداً من الله .

علاقة شهر رمضان بالعبث، واللهو، واللغو:

ما علاقة هذا الشهر بالعبث، واللهو، واللغو؟ ما علاقة هذا الشهر بالسهر على غير القيام، وقراءة القرآن؟

الإمام مالك - رحمه الله تعالى - كان إذا دخل شهر رمضان أوقف درسه في الحديث، ونحن ما نشتط في الاستراحات، وفي غيرها كما نشتط إذا دخل هذا الشهر، وإذا نظرت إلى حال الناس مع الأسواق وجدت أسواقاً مكتظة بألوان البضائع من الأواني، والمطعومات، والمفروشات، وألوان الملابس، حتى الأثاث، وكأن الناس قد خلت بيوتهم سائر العام عن معصية الله وتزكية الأوقات بلعب الورق، ومشاهدة الباطل بجميع أنواعه، أليس الإنسان له عقل يفكر فيه؟ لماذا يضيع هذه المواسم؟!

ولربما ازداد هذا العبث، والتسكع في الأسواق في أفضل أيام الشهر - في العشر الأواخر منه - فهل يصح أن يُقضى نهاره بالنوم، والفتور، والكسل، وأن يقضى ليله باللهو، والعبث؟ هذه أمور نحتاج أن نراجع أنفسنا فيها.

في رمضان ثلاث فرص من ضيعها فهو مضيع

في رمضان ثلاث فرص من ضيعها فهو مضيع: الأولى: من صام رمضان إيماناً، واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[1].

الثانية: من قام رمضان إيماناً، واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[2].

الثالثة: من قام ليلة القدر إيماناً، واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه[3].

هكذا يقول النبي ﷺ فلا أقل من أن يصيب الإنسان واحدةً من هذه الرحمات، ومغفرة الذنوب إن أخطأ واحدةً، أو اثنتين، فالبَدارَ البدارَ لاستغلال مثل هذه الفرص الثمينة.

  1. البخاري في كتاب الصوم - باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية (1802) (ج 2 / ص 672) ومسلم (760) في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (ج 1 / ص 523).
  2.  رواه البخاري في كتاب صلاة التراويح - باب فضل من قام رمضان برقم (1905) (ج 2 / ص 707) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (759) (ج 1 / ص 523).
  3. رواه البخاري في كتاب الصوم - باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية (1802) (ج 2 / ص 672) ومسلم (760) في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (ج 1 / ص 523).
فرضية الصيام

فرض الله علينا الصوم في هذا الشهر الكريم، بل عده رابع أركان الإسلام، وكان أول ما شرع الصوم أن وجب على الناس صوم يومٍ واحد، وهو يوم عاشوراء من شهر الله المحرم، ثم نسخ الله ذلك بصيام رمضان، وكان ذلك على التخيير من شاء صام، ومن شاء أفطر، وأطعم مكانه مسكيناً وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184].

ثم بعد ذلك ألزم الله جميع القادرين بالصيام، ومن حصل له عارض من سفرٍ، أو مرضٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 185].

تعريف الصيام

الصيام: هو إمساك بنيةٍ عن الطعام، والشراب، والجماع، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذه حقيقة الصيام.يتعلق بنا حكم رمضان، ويلزمنا صيامه برؤية الهلال - هلال رمضان - لأن الله يقول: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] والنبي ﷺ يقول: إذا رأيتموه  - يعني الهلال - فصوموا[1] فإن لم يُرَ فهناك طريق آخر، وهو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، كما قال النبي ﷺ: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له[2]  وفي رواية: فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين[3]  ولقوله ﷺ: لا تقدموا رمضان بصومم يوم، ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه[4].

وعن عمار بن ياسر عند البخاري تعليقاً :"من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم ﷺ"[5]  ومعنى ذلك أن الناس إن لم يروا الهلال فلا يجوز لهم أن يصوموا اليوم الأخير من شهر شعبان من باب الاحتياط، وإنما عليهم أن يكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم بعد ذلك يصومون، ولا يُنقص ذلك من أجورهم شيئاً، ولو أدى ذلك إلى تفويتهم يوماً في حقيقة الأمر، وباطنه؛ لأن النبي ﷺ قال: الصوم يوم تصومون[6]  وقال ﷺ: شهرا عيدٍ لا ينقصان رمضان، وذو الحجة[7] ومن أشهر تفسيرات هذا الحديث أن الناس إن أخطئوا فصاموا تسعةً، وعشرين يوماً فإن أجرهم يكون على التمام، فلا داعي للأسف لما فات بطريق الخطأ. 

  1.  أخرجه  البخاري في كتاب الصوم - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعاً (1801) (ج 2 / ص 672) ومسلم في كتاب الصيام 2 - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً (1080) (ج 2 / ص 759).
  2.  رواه البخاري في كتاب الصوم - باب قول النبي ﷺ: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا (1807) (ج 2/ ص 674) ومسلم في كتاب الصيام - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله، أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً (1080) (ج 2 / ص 759).
  3. رواه البخاري في كتاب الصوم - باب قول النبي ﷺ: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا (1808) (ج 2 / ص 674).
  4.   رواه البخاري في كتاب الصوم - باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين (1815) (ج 2 / ص 676) ومسلم في كتاب الصيام - باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين (1082) (ج 2 / ص 762) واللفظ لمسلم.
  5.  رواه البخاري تعليقاً في كتاب الصوم - باب قول النبي ﷺ: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا (ج 2 / ص 673) ورواه أبو داود في كتاب الصوم - باب كراهية صوم يوم الشك (2334) (ج 1 / ص 713)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
  6.  أخرجه الترمذي في كتاب الصوم - باب ما جاء الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون (697) (ج 3 / ص 80)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3869).
  7.  أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب شهرا عيدٍ لا ينقصان (1813) (ج 2/ ص 675)، وأخرجه مسلم في كتاب الصيام - باب بيان معنى قوله ﷺ: شهرا عيد لا ينقصان (1089) (ج 2 / ص 766) وهذا لفظ مسلم.
ما المعتبر في رؤية الهلال؟

هل إذا رأى الهلال أهل ناحية يجب على جميع الناس أن يصوموا؟

من أهل العلم من يقول: نعم، إذا رآه أهل ناحيةً وجب على جميع المسلمين أن يصوموا في مشارق الأرض، ومغاربها؛ لأن النبي ﷺ قد خاطب الأمة بقوله: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته[1] قالوا: هذا خطاب لجميع الأمة.

ومن أهل العلم من فرق، وقال: إن هذا لمن كانوا في تلك الناحية؛ واعتبر هؤلاء اختلاف المطالع، ويدل على ذلك ما جاء عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - كما في صحيح مسلم عن كريب أن أمَّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمتُ الشام، فقضيت حاجتها، واستهل عليّ رمضان، وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال - يعني بالشام -؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية، قال ابن عباس: لكننا - يعني في المدينة - رأيناه ليلة السبت، يعني بعد أهل الشام بليلة، فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين، أو نراه، فقلت: ألا تكتفي برؤية معاوية، وصيامه؟ فقال: لا.

وقد يقول قائل: هذا اجتهاد من ابن عباس ولكن آخره يدل على أنه ليس باجتهاد، حيث قال: هكذا أمرنا رسول الله ﷺ.

إذن: نحن مطالبون بأن نعتبر الرؤية، ولا نعتبر الحساب الفلكي؛ لقوله ﷺ: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته[2].

من المعتبر في رؤية الهلال؟

المعتبر في رؤية الهلال هو العدل، وهل يُحتاج العدد لرؤية هلال رمضان؟ يقال: بل يكفي الواحد، والدليل على ذلك أن عندنا حديثين:

الأول: حديث ابن عمر يقول: أخبرت النبي ﷺ برؤيته، فصام، وأمر الناس بصيامه.

والحديث الآخر: أن أعرابياً شهد عند النبي ﷺ أنه رأى الهلال، فقال له النبي ﷺ: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قال: نعم، وشهد أنه رأى الهلال، فأمر بلالاً فنادى في الناس أن يقوموا، وأن يصوموا[3].

وأما هلال شوال - الحكم بخروج شهر رمضان - وكذلك الحكم بدخول سائر الشهور، والحكم بخروجها فالمعتبر في ذلك هو شهادة رجلين، ولا يكفي في ذلك الواحد؛ لقول النبي ﷺ: فإن شهد شاهدان فصوموا، وأفطروا[4].

مسائل تتعلق برؤية الهلال:

المسألة الأولى: لو أن أحداً من الناس رأى الهلال، وخاف، أو لم يجرؤ، أو استحيا، أو أنه لم يكن عنده ما يبلّغه، أو لم يعرف الطريق لإيصال شهادته، أو أنه في مكانٍ بعيد، فجاء بسيارته حتى فات الوقت، أو أضاع الطريق، أو نحو ذلك فما الحكم؟ هل يصوم هذا الإنسان في خاصة نفسه؟

من أهل العلم من يقول: إنه يصوم؛ لقول النبي ﷺ: صوموا لرؤيته[5] والأقرب أنه لا يلزمه الصيام، وذلك أن هذا الخطاب في قوله: صوموا لرؤيته[6] خطاب عام للأمة.

وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: إن الشهر إنما قيل له ذلك لاشتهاره، فهذا الذي لم يحكم برؤيته حتى لو بلغ فإنه لا يصوم، وإنما يصوم مع الناس؛ لأن النبي ﷺ قال: الصوم يوم تصومون[7] فليس المعتبر في ذلك أن يراه الإنسان بمفرده، ثم يحكم بعد ذلك على نفسه.

المسألة الثانية: هنا مسألة تقع، وتكرر في أحيان كثيرة، وهي: لو أن أهل هذا البلد رأوا الهلال ليلة السبت، وصاموا يوم السبت، فسافر أحد من الناس إلى بلدٍ آخر صام أهله في اليوم الذي بعده - يوم الأحد - فمتى يفطر؟ لو أن أولئك صاموا تسعةً، وعشرين يوماً فبالنسبة إليه لا إشكال؛ لأن التاسع، والعشرين بالنسبة إليه هو اليوم المكمل للثلاثين، فهذا لا إشكال فيه، فيكمل معهم.

لو أن القضية وقعت بالعكس، صام هنا بعد بلده بيوم، ثم سافر ليقضي العيد في بلده، وأولئك صاموا تسعةً، وعشرين يوماً، وقد سبقونا بيوم، فكم يكون الصيام في حقه؟ يكون ثمانيةً، وعشرين يوماً، وهل يكون الشهر بهذا القدر؟ أبداً، لا يمكن، فماذا يفعل؟ هل يصوم يوم العيد بالنسبة إليهم؟

ظاهر الحديث: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون أنه يفطر معهم، لكن يلزمه القضاء، يقضي يوماً بعد العيد، في أي وقتٍ من أوقات السنة؛ لأن وقته موسع، فهو قد فات عليه يوم لعذر.

لو عكسنا المسألة بصورةٍ أخرى، صام هنا، ثم سافر إلى بلده وقد صاموا بعدنا بيوم، وأكملوا العدة ثلاثين يوماً، كم يوماً صام؟ نحن هنا صمنا قبلهم بيوم، وسافر إلى بلده، وأكملوا العدة ثلاثين فيكون قد صام واحداً، وثلاثين يوماً، وهل يكون الشهر واحداً، وثلاثين يوماً؟ لا يمكن، فماذا يفعل؟ هل يفطر سراً قبلهم بيوم؟

من أهل العلم من يقول: يفطر سراً؛ لأن الشهر ما يكون واحداً، وثلاثين يوماً، لكن ظاهر الحديث: الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون[8] فيقال: لا يفطر قبلهم، إنما يفطر معهم، فحكمه حكمهم، لكن ما حكم  ذلك اليوم الزائد؟ هذا اليوم لا يضيع أجره عند الله لا يضيع أجره بإذن الله .

المسألة الثالثة: لو أن إنساناً نام ليلة الصوم؛ إذ من عادته أن ينام مبكراً، وقد تأخر خبر ثبوت الشهر على هذا الإنسان، ثم استيقظ لصلاة الفجر، ولم يلقَ أحداً، أو لم يُخبَر، أو لا يعرف أحداً، أو كان مسافراً، أو كان في الصحراء، وفي الضحى أخبر أن هذا من رمضان، فماذا يعمل؟.

الجواب: هذا الإنسان على أحد حالين: إما أن يكون قد أكل، وشرب، أو لم يأكل، ولم يشرب، فإن لم يأكل، ولم يشرب فالمترجح أن صومه صحيح، ولا قضاء عليه.

وبالنسبة للنية من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له[9] نقول: لم يعلم بذلك فكان ذلك عذراً له، والدليل على هذا أنه لما أمر النبي ﷺ الناس لزوماً بصيام يوم عاشوراء لما كان مفترضاً قال: من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم[10].

الاحتمال الثاني: أن يكون هذا الإنسان - الذي لم يبلغه إلا في النهار - أكل، وشرب، فما الحكم؟

من أهل العلم من يقول كما قال النبي ﷺ في صيام عاشوراء يمسك، ويتم بقية يومه، ولا يضره، ولا يقضي، وهذا هو ظاهر الحديث في أمر النبي ﷺ بصيام يوم عاشوراء، يمسك، ويتم بقية يومه مع أنه أكل، وشرب، بنص الحديث، وهذا هو اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله -.

ومن أهل العلم - وهم كثير - من يقول: يمسك؛ لحرمة الشهر، ثم يقضي هذا اليوم، ولماذا يقضي؟ قالوا: أولاً ما نواه من الليل، والنبي ﷺ يقول: من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له[11] ثم قالوا: قوله: من لم يجمع... هذا عام في من له عذر، ومن لا عذر له، وهذا الذي يفتي فيه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -.

المسألة الرابعة: إذا رُئي الهلال، وبلغ الناس دخول الشهر أيًّا كان بلغهم في الليل، أو بلغهم في اليوم الثاني من الذي يلزمه الصوم؟

يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر سالم من الموانع؛ فالكافر لا يصح منه لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة: 183] إذن: الصيام يلزم المكلف، وهو البالغ العاقل، فما حكم صيام الصبي؟

إذا صام الصبي فإنه يؤجر، بل ينبغي أن نُعوِّد الصغار على الصيام؛ فالصحابة كانوا يُصوِّمون الصغار، وإذا جاعوا أعطوهم ما يلتهون به من اللُّعب إلى غروب الشمس، فينبغي أن نعود الصغار، ومن الخطأ أن نقع فيما يقع فيه بعض الناس من باب الشفقة ينهى صغاره عن الصوم؛ رأفةً بهم، لا، بل الرأفة بهم أن تعودهم على العبادة لا سيما إذا كانوا يقبلون عليها، ويتحمسون لذلك.

إذن: الصغير يصح منه الصوم، ولا يجب عليه

المسألة الخامسة: ما حكم من بلغ أثناء النهار؟

هذا إما أن يكون قد صام من أول اليوم، ولمّا يبلغ، فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه، وأما لو أنه أكل، أو شرب، ثم بلغ أثناء النهار - وهذا متصور - فعلى قول شيخ الإسلام، ومن وافقه أنه يمسك بقية اليوم، ولا قضاء عليه؛ لأن التكليف تعلق به في تلك الساعة.

وعلى قول كثيرٍ من أهل العلم أنه يمسك؛ حفظاً لحرمة الشهر، ولكنه يقضي يوماً مكانه.

المسألة السادسة: إذا وُجد إنسان تأتيه حالات نوبات من الجنون، فما حكم صيامه؟

إن كان هذا الجنون لوقتٍ محدد كأن يعرض له في النهار - مثلاً - فصومه صحيح، أي يُجن ساعة، أو ساعتين، ثم يفيق، هذا لا إشكال، صومه صحيح، لكن لو أنه جن قبل الفجر إلى غروب الشمس فهذا لا صوم له، لكن هل عليه القضاء؟

الجواب: لا قضاء عليه، لماذا؟ لأنه غير مكلف، يقول - عليه الصلاة، والسلام -: رفع القلم عن ثلاثة...[12].

المسألة السابعة: لو أن شخصاً أغمي عليه في أثناء النهار ساعة، أو ساعتين، ونحو ذلك فصومه صحيح، ولو أغمي عليه من قبل الفجر إلى بعد غروب الشمس فهذا لا يعتبر صوماً، وبالتالي فإنه لا يعد صائماً مع أنه لم يأكل، ولم يشرب، فهل يلزمه قضاء ذلك اليوم؟

الجواب: نعم، إذ حكمه حكم المريض، والله يقول: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] فهذا حكم العاجز عجزاً مؤقتاً، أما العجز المستمر الذي لا يُرجى برؤه فهذا يقال له: أطعِمْ عن كل يوم مسكيناً، ولا صيام عليك، وله طريقتان في الإطعام، إما أن يطعم كل يومٍ بيومه مسكيناً، وله أن يعطيه الطعام جاهزاً مطبوخاً، أو غير مطبـوخ، والطريقة الأخرى أنه يدعو المساكين هؤلاء في آخر الشهر على عدد أيام الشهر، سواء كانت تسعةً، وعشرين، أو ثلاثين، ثم يطعم هؤلاء جميعاً وجبة واحدة، إما أن تكون تلك الوجبة غداء، أو عشاء، أو نحو ذلك.

المسألة الثامنة: حصول العذر لمن وجب عليه الصوم، كالحيض، والنفاس للمرأة يعتبر مانعاً من موانع الصيام خلافاً للاستحاضة فليست مانعاً بل لابد من صيام المرأة المستحاضة، وصيامها صحيح، فلو أن امرأة حائضاً انقطعت عنها عادتها، وقت صلاة الظهر، أو نفساء ارتفع عنها الدم، وقت صلاة الظهر فما الحكم؟

كثير من أهل العلم يقولون: تمسك بقية اليوم، ثم  تقضي يوماً مكانه، لكن لماذا تمسك؟ قالوا: لحرمة الشهر، ولماذا تقضي؟ قالوا: لأنها لم تصم يوماً كاملاً، ولم تنوِ الصوم من الليل، وهذا الذي كان يفتي به الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وقبله شيخ الإسلام، لكنّ جمعاً من أهل العلم يقولون: إن هذا لا دليل عليه، ولكنه لا يفطر مجاهرةً لئلا يساء الظن به فقط، وإلا فهو معذور.

وكذلك المسافر إذا قدم في النهار وقت الظهر - مثلاً - فما الحكم؟

أولئك يقولون: يمسك بقية اليوم، ولا يعتد به، ويقضيه، والأقرب أنه يأكل، ويشرب، ويكون مفطراً، لكنه لا يظهر ذلك؛ لئلا يساء الظن به.

وكذلك المريض الذي أفطر بسبب المرض، فبرئ في وسط النهار فصار قادراً نشيطاً، أو أكل دواءً فوجد فيه نشاطاً للصوم، وذهب عنه ما يجد من الصداع، والتعب، والمرض، فما الحكم؟

هو أفطر أول النهار فالأقرب أنه - كما سبق - لا يمسك، ولا ينفعه ذلك، لكنه لا يتظاهر بالفطر أمام الناس؛ لئلا يساء الظن به، وهكذا من أفطر لمصلحة غيره، كالذي يعمل في الإطفاء - مثلاً - فشب حريق فاحتاج إلى الفطر ليتقوى على ذلك، ثم خمد الحريق، وانتهى، وانتهت المهمة، وقت صلاة الظهر - مثلاً - هل نقول: أمسكْ بقية اليوم أم نقول: لك أن تأكل، وتشرب سائر اليوم؟ القول الثاني هو الأقرب؛ لأن هذا غير صائم، ولا ينفعه هذا الإمساك، ولا انتهاك لحرمة الشهر في حقه؛ لأنه إنما أقدم على الأكل، والشرب لعذرٍ معتبرٍ شرعاً.

المسألة التاسعة: صوم الحامل، والمرضع:

هناك أعراض غير المرض، والسفر، والإغماء، والجنون، وما أشبه ذلك من العوارض، ومن ذلك المرأة الحامل، والمرضع إذا أفطرت فلها الإفطار، ولهما ثلاث حالات:

الأولى: إما أن تفطر لمصلحتها - خوفاً على نفسها - ؛ لأنها تشعر بفتور، وتخشى أن يغمى عليها، ولا تستطيع القيام لضعفها، فهذه يقال: تفطر، ثم تقضي يوماً مكانه.

الثانية: لو أنها أفطرت، وهي تقوى على الصوم لكن إن صامت انقطع الحليب من ثدييها فخشيت من ذلك على ولدها، فأفطرت من أجل الولد، فما الحكم؟

الحكم في هذه الحالة أن تقضي اليوم الذي أفطرته، وتطعم مسكيناً عن ذلك اليوم، والدليل على ذلك أثر صحيح ثابت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال: "والمرضع، والحبلى - يعني الحامل - إذا خافتا على أولادهما أفطرتا، وأطعمتا" إذنً الفطر إن كان لمصلحة الولد فالقضاء، والإطعام، وإذا كان لمصلحتها فالقضاء فقط.

الحالة الثالثة: لو اجتمع الأمران أفطرت لمصلحة الولد، ولمصلحتها هي، فيمكن أن تغلَّب هنا مصلحتها، فيقال: عليها القضاء فقط.

المسألة العاشرة:

لو أن إنساناً نام قبل طلوع الفجر، حيث سهر الليل، ونام قبل طلوع الفجر، ولم يفق إلا بعد غروب الشمس، فما الحكم؟

لا شك أن هذا تفريط، ولا يجوز للإنسان أن يترك الصلوات، أو يؤخرها فذلك حرام، لكن نتكلم عن حكم الصوم هنا، هل يصح، أو لا يصح؟ نقول: صومه صحيح، ولا قضاء عليه. 

  1.  رواه البخاري في كتاب الصوم - باب قول النبي ﷺ: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا (1810) (ج 2 / ص 674) ومسلم في كتاب الصيام - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوماً (1081) (ج 2 / ص 762).
  2.  سبق تخريجه آنفاً.
  3.  أخرجه أبو داود في كتاب الصيام - باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (2341) (ج 1 / ص 715)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود برقم (508).
  4.  أخرجه النسائي في كتاب الصيام - باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان وذكر الاختلاف فيه (2116) (ج 4 / ص 132) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3811).
  5.  سبق تخريجه.
  6.   سبق تخريجه.
  7.  سبق تخريجه.
  8.   سبق تخريجه.
  9.  رواه أبو داود في كتاب الصيام - باب النية في الصيام (2454) (ج 1 / ص 744) والترمذي في كتاب الصوم - باب لا صيام لمن لم يعزم من الليل (730) (ج 3 / ص 108)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6538).
  10.  رواه البخاري في كتاب الصوم - باب صوم الصبيان (1859) (ج 2 / ص 692) ومسلم في كتاب الصيام - باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه (1136) (ج 2 / ص 798).
  11.  سبق تخريجه.
  12.  أخرجه أبو داود في كتاب الحدود - باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً (4398) (ج 2 / ص 545) والترمذي في كتاب الحدود - باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد (1423) (ج 4 / ص 32) وابن ماجه في كتاب الطلاق - باب طلاق المعتوه والصغير والنائم (2041) (ج 1/ ص 658) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3513).
النية في الصوم

الصوم عبادة، ويحتاج إلى نية؛ لأن النبي ﷺ قال: إنما الأعمال بالنيات[1] وتحدثنا عن الذي بلغه الصوم في الضحى، وعن الصور، والاحتمالات التي تقع له، فما الذي يلزمنا في هذا الباب في نية الصوم؟ هل يلزمنا أن نجدد النية في كل يوم، أو نحتاج إلى نيةٍ في أول الشهر فقط؟

القاعدة تقول: كل صومٍ متتابع مثل رمضان، ومثل كفارة اليمين على الأرجح؛ لأنه في قراءة أحادية: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" وهي ثابتة صحيحة، وهي تفسر القراءة المتواترة، وبناءً على حمل المطلق على المقيد، وكالنذر كأن يكون نذر أن يصوم شهراً، ومن كان عليه كفارة - ككفارة الظهار، وكفارة القتل - يصوم شهرين متتابعين، كل ذلك يكفي الصائم فيه نية من أول الشهر، ولا يحتاج أن يجدد النية في كل ليلة، ولكن إنْ قطع فإنه يحتاج إلى استئناف نية جديدة، ومثال ذلك: امرأة نوت أن تصوم رمضان من أول الشهر يكفيها ذلك، لكنها حاضت في اليوم الرابع عشر - مثلاً - ولمدة خمسة أيام، ثم أرادت أن تصوم بعدما طهرت فماذا تحتاج؟ هل تكفيها نية أول الشهر؟

الجواب: لا، بل تحتاج إلى نيةٍ جديدة، ومثلها من نوى صيام رمضان، وبعد أن صام يومين، أو ثلاثة، سافر يوماً، وأفطر، ثم رجع ماذا يحتاج؟

يحتاج إلى نيةٍ جديدة، وهذه النية بالقلب بطبيعة الحال، لا يحتاج الإنسان أن يتكلم بها، بل إن ذلك من البدع.

مسألة:

النية يجب أن تكون جازمة، فلا يصح فيها التردد، فلو أن إنساناً قال: غداً احتمال أن أصوم، واحتمال أن لا أصوم هل يصح مِن هذا؟

إن كان غداً من رمضان، وهو يعلم، فقال: احتمال أصوم، واحتمال ما أصوم، حسب النشاط، هل يصح صومه؟ لو جاء إنسان بعد صلاة الفجر، وقال: ها يا فلان، قال: والله أنا ربما أصوم، وربما ما أصوم، فقال له: اتق الله، واعلم أن من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يجزه صيام الدهر، ولو صامه، أين أنت من هذه الفضائل؟ فقال: لا حول، ولا قوة إلا بالله، إذن: أنا صائم، هل يصح هذا الصيام؟ لا يصح؛ لأن النبي ﷺ قال: من لم يُجمِع الصيام قبل الفجر فلا صيام له[2].

والنية يجب أن تكون جازمةً، إلا أن هناك صورة في التردد يصح معها الصوم، وذلك في أول الشهر، وفي آخره، مثال ذلك: لو أن إنساناً يريد أن ينام مبكراً، فقال: أنا لا أستطيع السهر، وما اعتدت على السهر، وأنتظر الخبر سيأتيني به زيد، أو فلان، فأريد أن أنام، إن كان من رمضان فأنا صائم، فهذه نية معلقة، وكذلك في ليلة العيد حينما يتوقعون أن يكون الغد هو يوم العيد، أو إكمال العدة ثلاثين، فيقول: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم، وإن كان العيد فأنا مفطر، مثل هذه الصورة هل النية جازمة، أو غير جازمة؟ لا شك أنها غير جازمة، لكن هل التعليق، والتردد هنا حصلا بأنه يصوم، أو لا يصوم، أو أن التعليق حصل بالشهر؟

ربط ذلك بالشهر، إن كان من رمضان فهو جازم بالصوم، وإن لم يكن من رمضان فهو مفطر، فهناك فرق بين الصورتين، فمثل هذا يصح معه الصوم؛ لأن التعليق لم يكن بالتردد في الصيام من أصله، وإنما التردد، والتعليق إنما هو بدخول الشهر، فأناط ذلك فيه، فإن دخل الشهر فهو صائم، فهذا جازم بالنية، وبالتالي فإن هذا الصوم صحيح، ولا إشكال عليه، وهذا اختاره كثير من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -.

  1.  أخرجه البخاري في كتاب الوحي - باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ برقم (1) (ج 1 / ص 3) ومسلم في كتاب الإمارة - باب قوله ﷺ: إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو، وغيره من الأعمال (1907) (ج 3 / ص 1515).
  2.  سبق تخريجه.
أحكام المفطرات

الصوم هو الإمساك عن الطعام، والشراب، والجماع، فهذه الأمور الثلاثة هي أصول المفطرات، فسائر المفطرات ترجع إلى هذه الأمور الثلاثة، وهي المذكورة في آيات الصيام في قوله - تبارك، وتعالى -: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ [البقرة: 187] فهذه الأمور الثلاثة هي المذكورة في هذه الآية، وهي أصل يرجع إليها جميع أنواع المفطرات.

فأولها الأكل: وحقيقة الأكل معروفة، فإذا قيل: إن إنساناً أكل عُرف المقصود، فهو إدخال الشيء إلى المعدة عن طريق الفم، هذا هو الأكل، وسواء كان ذلك المأكول نافعاً كما لو أكل الفاكهة، أو كان ضاراً كما لو أكل الخنزير، والميتة، أو الحشيشة، أو المخدرات، أو كان ذلك لا ينفع، ولا يضر كأن يكون خرقة.

فالأكل مفطر في الحالات الثلاث، ويلحق به الاستعاط، وهو: دخول شيء عن طريق الأنف إلى الجوف، مثل - أجارنا الله، وإياكم، وعافانا، وعافى مرضى المسلمين - المرضى الذين يوضع لهم ذلك عن طريق الأنف،  فيدخل إلى الجوف عن طريق الأنف، فما الحكم؟

نقول: وإن لم يكن عن طريق الفم إلا أنه يلحق به؛ لأن النبي ﷺ كما جاء في حديث لقيط بن صبرة قال: وبالغ في الاستنشاق  - يعني عند الوضوء -  إلا أن تكون صائماً[1]  فقوله: إلا أن تكون صائماً يدل على أن دخول الماء عن طريق الأنف إلى الجوف يؤثر، وبالتالي يقال: إن دخول الأشياء إلى الجوف عن طريق الأنف يفطر.

ومثل ذلك البخار، فالذي يعاني من اختناق بسبب الحمى، أو نحو ذلك كالتهاب الشعب الهوائية، ونحوها يوضع له ماء ساخن فيستنشق بخار الماء، أو ربما اختنق شخص فعمد مسرعاً إلى السخان، ثم أفرغ الماء الحار، وبقي يستنشق هذا الماء، فما الحكم؟.

الحكم الشرعي هو أنه يفطر بذلك؛ لأنه في الواقع يستنشق بخار الماء، فبخار الماء هذا يتحول في داخل الجوف إلى ماء، ومما يدل على هذا - من الحس - أنك لو وضعت يدك فوق قِدر به ماء يغلي فإنك تجد في يدك بللاً، هذا البلل هو في الحقيقة ماء، والماء من المفطرات، ومثل ذلك في الحكم الأدوية البخارية التي يتم تلقيها عبر الأنف.

وهناك أدوات طبية يتم إدخالها للمريض عن طريق الفم كالمنظار، فلو أن هذا الإنسان المريض وضع له منظار فهل يفطر؟ هل المنظار أكل، أو شرب؟

نقول: المنظار من حيث هو ليس بأكلٍ، ولا شربٍ، ولا في معناه؛ لأنه بنفسه يدخل، ويخرج فلا يفطر، لكن هناك ملحظ آخر، وهو أن هذا المنظار هل يدخل بمجرده أم أنه يوضع عليه دهانات من أجل أن يسلك في المريء؟ فهذه الدهانات، ونحوها التي توضع على المنظار تعلق أين؟ تعلق داخل الجوف.

وهنا مسألة: وهي أنه ليس المقصود بالجوف هو مجرد المعدة، أو البطن فقط، بل كل ما في التجويف فهو جوف، وبالتالي يقال: من وضع له هذا المنظار بهذه الطريقة فإنه لا يستطيع أن يحفظ صومه.

هناك أشياء يسأل عنها البعض، وهي أن بعض أنواع الأمراض القلبية يوضع لها حبة تحت اللسان، ويقول الأطباء: إنها تمتص تحت اللسان دون أن تنفذ من الحلق إطلاقاً، فهل تفطر أم لا تفطر؟

الظاهر أنها لا تفطر، لاحظْ، ما يبلعها، ولا يتسرب منها شيء إلى الجوف إطلاقاً، وإنما تمتص، تمتصها هذه المنطقة التي تحت اللسان تنفذ إلى الجسم من أين؟ من تحت اللسان، وبالتالي لا تفطر، لا يبتلعها، ولا يتسرب منها شيء إلى جوفه، فهذه لا تفطر، ومثل ذلك بعض أنواع العقاقير التي توضع على الجلد فيمتصها الجلد، فإن حكمها أنها لا تفطر؛ لأنها ليست بطعام، ولا شراب.

وبالنسبة للحقن الطبية فهي لا تفطر، والمقصود بالحقن ما يوضع في القبل، أو في الدبر، وأما بالنسبة لما يقوم مقام الطعام، والشراب كالمغذيات، أو الأدوية التي تصل عن طريق الوريد كأن يعطى المريض فيتامينات، ومحاليل، وما أشبه ذلك فمثل هذا الذي يستغنى به عن الطعام، والشراب يكون مفطراً، ومثله لو فُتح له فتحة من المعدة، وصار يوضع الطعام عن طريقها فإن الراجح أنه يفطر بذلك، وإن لم يكن ذلك عن طريق الفم، وهذه المسألة ليست محل اتفاق.

وبالنسبة للشرب أيًّا كان نوع هذا الشراب، سواء كان شيئاً يجوز شربه في الأصل، أو لا يجوز شربه فإن ذلك كله يفطر، وهذا واضح.

وأما الجماع فإن من جامع في نهار رمضان عامداً عالماً بالحكم، وذاكراً لصومه فإنه يجب عليه القضاء، وتجب عليه الكفارة، لحديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: هلكتُ، قال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا،  قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس فجلس، فأتي النبي ﷺ بعرق فيه تمر - والعرق المكتل الضخم - قال: خذ هذا فتصدق به قال: أعَلَى أفقر منا؟ فضحك النبي ﷺ حتى بدت نواجذه، قال: أطعمه عيالك[2] وثبت عند أبي داود أن النبي ﷺ أمره أيضاً بالقضاء، بل، وبالاستغفار أيضاً، حيث قال له: كله أنت، وأهل بيتك، وصم يوماً، واستغفر الله[3] ففي هذا بيان حكم من جامع في نهار رمضان.

فإذن: هذا يدل على أنه لو كان جاهلاً لا يعلم أن الجماع يفطر لما حُكم بفطره، وأُمر بالقضاء، والكفارة؛ لأن صومه حينئذ سيكون صحيحاً، ولا شيء عليه، ومثله لو كان ناسياً أنه صائم فإن صومه صحيح، ولا قضاء عليه، ولا كفارة.

ومثل ذلك المرأة لو أكرهت على الجماع، فإن كان ذلك الإكراه معتبراً شرعاً فلا شيء عليها، صومها صحيح، فتكمل بقية اليوم، وليس عليها القضاء، ولا الكفارة.

لكن الإكراه المعتبر شرعاً ليس معناه أنه يطلب منها أن تمكنه من نفسها فتطاوعه، وتقول: لا أستطيع أن أعصيه؛ إذ ليس هذا إكراهاً، ومثل ذلك لو أكثر الإلحاح عليها، لكن لو أنه أمسك بها بقوة، أو أنه ضربها ضرباً معتبراً، أو هددها تهديداً يغلب على ظنها أنه يفعل فعند ذلك يعتبر هذا من الإكراه.

عرفنا الآن مسألة الأكل، والشرب، وما يلحق بهما، والجماع، وبالنسبة للجماع لا يلحق به شيء من جهة الكفارة، لكن يلحق به من جهة أنه يفطر كلُّ استنفاذ للشهوة بأي طريق إذا كان عالماً عامداً ذاكراً لصومه، لما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلي[4] وقاسه بعض أهل العلم على القيء، والحجامة.

إذن: هذا بالنسبة للأكل، والشرب، والجماع، ويلحق بذلك من المفطرات الحجامة؛ لقول النبي ﷺ: أفطر الحاجم، والمحجوم[5] ما الحكمة، أو ما العلة في أن الحجامة تفطر؟

إذا قلنا: إن العلة تعبدية غير مدركة فنقول: الحجامة تفطر فحسب، ولا يقاس عليها أي لونٍ من إخراج الدم، سواء عن طريق الفصد، والفصد: هو شق العرق عرضاً، والشرط هو شق العرق طولاً، وهذه من ألوان العلاجات، ولا زالت إلى اليوم، وهي معروفة عند العرب، فإذا قلنا: إن العلة تعبدية فما يقاس إخراج التبرع بالدم، ولا تعمد إخراج الدم بأي  طريق سواء بالفصد، أو الشق، أو غير ذلك.

وإذا قلنا: إن العلة مدركة - وهذا هو الأقرب - وذلك لما يحصل بسببها من الفتور إذا خرج الدم، فيقال: كل إخراجٍ للدم عمداً يحصل به هذا الفتور؛ لأنه كثير فإنه يفطر.

ومن هنا نعلم أن مجرد تحليل الدم غير مفطر، ونعلم أن الجراح التي تصيب الناس في حال الصوم، ولو خرج دم كثير فإنه لا يفطر، إذن: ما الذي يفطر؟ الذي يفطر هو إخراج الدم الكثير عمداً بحيث يحصل به فتور، فيقاس عليه التبرع بالدم.

وأما الحاجم، فلماذا يفطر؟

من قال: إن العلة تعبدية فلا إشكال في كون الحجامة مفطرة، ومن قال: إن العلة مدركة فيقول: إن الحجامة قديماً، وإلى عهدٍ قريب هي عبارة عن آلة لها مخرج في رأسها مثل الكأس الصغير، لها ثقب، يأتي الحجام، ويضعها على موضع الحجامة، ثم يمتص الهواء، ثم يتركها مدة فيجتمع الدم حتى يتكور تحت الجلد، ثم يخرجها؛ لأنه يسد هذا المنفذ بصمغة، أو علك، أو عصب، أو نحو هذا، ثم بعد ذلك يفتح هذا المكان فتسقط، ثم يشرطها بالموس، ثم يضع هذا ثانيةً عليه، ثم يشفط، فما الذي يحدث له؟

الذي يحدث هو أنه لا يستطيع أن يتحرز من الدم، فتتطاير أجزاء من الدم إلى جوفه، ولهذا كان كسب الحجام خبيثاً؛ لأن عمله مستقذر إذ يقارب فيه الإنسان أموراً مستقذرة، هي عبارة عن الدم الفاسد، ولما كان لا يستطيع التحرز من وصوله إلى جوفه لذلك صار مفطراً.

الآن تغيرت الحجامة فصارت تستخدم بطريق الآلات، إما بشفط الهواء بآلة، أو عن طريق الإحراق، حيث يضعون، ورقاً، أو نحو هذا بداخل الكأس، ثم يحرق من أجل إحراق الأكسجين فيحصل المقصود كما لو أنه شفط ذلك بفمه دون أن يستعمل الفم، فما الحكم؟

إذا قلنا: إن العلة هي تطاير شيء من الدم إلى الجوف نقول: لا يفطر الحاجم، أي أننا إذا قلنا: إن العلة هي مقارفة النجاسات؛ فإن هذا الرجل الآن لا يقارفها، وبالتالي فإن كسبه لا يكون خبيثاً، ولا تكون الحجامة من الأعمال الدنيئة - والله تعالى أعلم -.

على كل حال النبي ﷺ يقول: أفطر الحاجم، والمحجوم[6] وهذا حديث ثابت عن النبي ﷺ رواه عنه ثلاثة عشر صحابياً.

بعد ذلك أقول: من الأمور التي تفطر بنص حديث رسول الله ﷺ القيء إذا كان عمداً، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقضِِ[7].

كيف يكون الاستفراغ متعمداً؟

يكون تعمد الاستفراغ إما بوضع الإصبع في الفم، أو بعصر البطن، أو بالنظر عمداً إلى شيءٍ يقزز حتى يستفرغ، أو بسماع شيءٍ يقزز حتى يستفرغ، وهو مريد الاستفراغ، فمثل هذا كله يفطر بسببه، فإن غلبه من غير تعمد فإن هذا لا شيء عليه، وصيامه صحيح.

والقَلَس: وهو يشبه القيء لكنه قليل، وهو مُرٌ في الفم يخرج هكذا إلى الحلق بمقدار ما يملأ الفم، فمثل هذا نقول: لا يفطر، لكنه يُخرجه، لا يرجعه إلى جوفه مرةً أخرى.

ولو فعل الإنسان شيئاً من هذه الأمور نسياناًَ كأن يكون أكل، أو شرب مرةً بعد مرة فإنه لا يفطر بذلك، مثل الرجل الذي جاء إلى أبي هريرة قال: أصبحتُ صائماً، ثم أتيت قوماً فوجدت طعاماً فأكلت، وشربت، ثم ذهبت إلى آخر فأكلت، وشربت، ثم ذهبت إلى الثالث فأكلت، وشربت، قال له أبو هريرة: "أنت لم تعتد الصوم".

فالمقصود أن هذا أكل هذه المرات جميعاً لكنه كان ناسياً فصيامه صحيح، والنبي ﷺ يقول: من نسي، وهو صائم فأكل، أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله، وسقاه[8].

لكن لو أن هذا الإنسان رأيتَه يأكل، أو يشرب ناسياً فهل يجب عليك أن تذكره أم لا، خاصة وأن بعض الناس يغضب من ذلك، يقول: لماذا ذكرتني، وقطعت عليّ رزقاً ساقه الله إليّ، الله أطعمني، وسقاني؟!

فنقول: يجب عليه أن ينبهه، من باب إنكار المنكر، ولو قيل: هذا ناسٍ؟ نقول: المنكر لا يشترط في كونه منكراً أن يكون صاحبه مؤاخذاً؛ لأنه قد يفعل المنكر، وهو جاهل، أو وهو ناسٍ، لكن يجب علينا أن ننكر هذا المنكر، فإذا رأينا إنساناً ينتهك حرمة الشهر، فيجب علينا أن ننبهه، وأن نذكره أنه صائم، وإن غضب.

الجاهل للحكم، والجاهل بالحال:

الجاهل لابد من أن ينبه، ويعلم، سواء كان جاهلاً بالحكم مثل ما جاء في حديث عدي بن حاتم لما سمع قول الله وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ لأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187] وضع عقالين تحت وسادته، أحدهما أبيض، والآخر أسود، وجعل ينظر إلى هذين العقالين مترقباً التمييز بينهما، فبقي يأكل، ويشرب، فأكل، وشرب في جزء من النهار، فالنبي ﷺ بين له المراد، ولم يأمره بالقضاء.

أو كان جاهلاً بالحال مثل لو أن إنساناً ظن أن الشمس قد غربت، وغلب ذلك على ظنه بسبب الغيم، وليست لديه ساعة، وكان في مكان لا يسمع فيه الأذان، ولم يوجد من يسأله فأفطر، فماذا يصنع؟  نقول: مثل هذا الإنسان ليس عليه شيء، ويدل على ذلك حديث أسماء - رضي الله عنها - أنها قالت: "أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد رسول الله ﷺ ثم طلعت الشمس"[9] ظنوا أن الشمس قد غربت، ثم ظهرت.

فمثل هذا يقال له: أمسكْ إذا تبين لك الخطأ.

إفطار المكره:

إذا وقع للصائم شيء من هذه المفطرات بالإكراه، كأن يكون جاءه عابثون، فأمسكوه، وفتحوا فمه، وصبوا فيه الماء، فماذا يصنع؟ نقول: صومه صحيح، ولا شيء عليه، ولو أنه حصل من غير اختياره، كأن يكون دخل في جوفه غبار، أو كان اغتسل فدخل إلى جوفه الماء من غير إرادته، تمضمض، ولم يقصد المبالغة، واستنشق، ولم يقصد المبالغة، لكن سبق شيء إلى جوفه فماذا يصنع؟ ليس عليه شيء.

الشك في طلوع الفجر، وغروب الشمس:

يقول الله - تبارك، وتعالى -: وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187] إذا شك في طلوع الفجر فهل يجوز له أن يأكل، ويشرب؟ الجواب: ما لم يتبين له طلوع الفجر فإنه يجوز له أن يأكل، ويشرب حتى يتيقن طلوعه، فلا يمتنع عن ذلك لمجرد غلبة الظن، بل له أن يستمر حتى يتيقن طلوع الفجر.

ولو أنه شك في غروب الشمس، فهل يجوز له أن يفطر؟ الجواب: لا، بل يجب عليه أن يبقى ممسكاً عن المفطرات.

والفرق بين الصورتين أن هناك الأصل بقاء الليل، وهنا الأصل بقاء النهار، لكن هل يجب عليه أن يتيقن غروب الشمس، أو يكفيه غلبة الظن؟ يكفيه غلبة الظن؛ بناءً على حديث أسماء، لمّا أفطروا في يوم غيم.

حول ما دخل من العين، والأنف:

ما دخل عن طريق العين، أو الأذن كالكحل، وقطرة العين، والأذن هل يلحق بالطعام، والشراب؟

الجواب: الكحل، وقطرة العين، والأذن، ولو وجد طعمهما في حلقه لا تفطر؛ لأن ذلك ليس بمنفذ للطعام، ولا للشراب.

وبالنسبة للبخور له أن يتبخر، لكن لا يتعمد استنشاقه؛ لأن هذا البخور هو عبارة عن أشياء تتطاير من هذه المادة التي تحترق، فلا يتعمد استنشاق ذلك.

  1.  أخرجه أبو داود في كتاب الصيام - باب الاستنشاق للصائم (2366) (ج 1 / ص 721) والترمذي في كتاب الصوم - باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788) (ج 3 / ص 155) والنسائي في كتاب الطهارة - باب المبالغة في الاستنشاق (87) (ج 1 / ص 66)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها - باب المبالغة في الاستنشاق، والاستنثار (407)   (ج 1 / ص 142) وصححه الألباني في إرواء الغليل برقم (935).
  2.  رواه البخاري في كتاب كفارات الأيمان - باب متى تجب الكفارة على الغني، والفقير (6331) (ج 6 / ص 2467) ومسلم في كتاب الصيام - باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفارة الكبرى فيه، وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر، وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع (1111) (ج 2/ ص 781). 
  3. رواه أبو داود في كتاب الصيام - باب كفارة من أتى أهله في شهر رمضان (2393)  (ج 1 /ص 728)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
  4.  أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب فضل الصوم - (1795) (ج 2 / ص 670)، واللفظ له، ومسلم في كتاب الصيام - باب فضل الصيام (1151) (ج 2 / ص 806) ولفظه: يدع شهوته وطعامه من أجلي.
  5.  أخرجه أبو داود في كِتَاب الصّيام - باب في الصائم يحتجمِ (2367) (ج 1 / ص 721) والترمذي في كتاب الصوم - باب كراهية الحجامة للصائم (774) (ج 3 / ص 144) وابن ماجه في كتاب الصيام - باب ما جاء في الحجامة للصائم (1680) (ج 1 / ص 537) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2074).
  6.  سبق تخريجه.
  7.  رواه أبو داود في كتاب الصيام - باب الصائم يستقيء القيء عامداً (2380) (ج 1 / ص 724) والترمذي في كتاب الصوم - باب ما جاء فيمن استقاء عمدا (720) (ج 3/ ص 98) وصححه الألباني في مختصر إرواء الغليل برقم (930).
  8.  أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً (1831) (ج 2 / ص 682) ومسلم في كتاب الصيام - باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر (1155) (ج 2 / ص 809).
  9.  أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (1858) (ج 2 / ص 692).
أحكام القضاء

لو أن إنساناً عليه قضاء من رمضان كامرأة عليها قضاء، أو رجل سافر في رمضان فأفطر، أو مريض عليه قضاء، نقول لهؤلاء: ينبغي ألا يتطوعوا بصيام قبل القضاء، لكن لو أنه تطوع قبل القضاء صح تطوعه في غير الست من شوال، لكنه مخطئ؛ لأنه يجب عليه أن يبرئ ذمته أولاً، فيبادر إلى الفرض، ولا يقدم عليه النفل.

من كان عليه قضاء من رمضان فهل يصح أن يصوم الست من شوال؟

الجواب: لا؛ لأن الرسول ﷺ قال: من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال[1] وهذا لم يصم رمضان، وبالتالي لو أن إنساناً أفطر سبعةً، وعشرين يوماً، هل يمكن أن يصوم الست؟ الجواب: لا، هل له أن يؤخر القضاء إلى رمضانٍ آخر؟ الجواب: لا، لحديث عائشة - رضي الله عنها - في الصحيحين، قالت: " كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان"[2] فلو أخره إلى رمضان آخر من غير عذر فعليه الكفارة مع القضاء؛ لما ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وكذلك عن أبي هريرة، وقد صححه النووي - رحمه الله -.

من مات، وعليه قضاء من رمضان فهذا له صورتان: إما أن يكون هذا الإنسان استمر به المرض بعد رمضان حتى مات، فليس عليه قضاء، وليس عليه إطعام؛ لأن ذمته بريئة فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].

وإما أن يكون هذا الإنسان قد برئ، ولم يصم، ثم مات أثناء السنة، فهنا: من مات، وعليه صوم صام عنه وليه[3].

فبعض أهل العلم يقول: يصوم عنه وليه، وكثير من أهل العلم - وهو اختيار شيخ الإسلام، وابن القيم، وجماعة من أهل العلم كثير، بل هو قول أكثر أهل العلم - يقولون: إنه يطعم عنه، وإنه لا يصام إلا في النذر؛ لأنه جاء ذلك في بعض الروايات، وعموم الحديث يدل على أنه يصام عنه.

لكن إذا أراد الولي أن يحتاط فإنه يطعم عن صوم رمضان، وهذا إذا مات مِن وليه، وهو مستطيع للصوم في أثناء السنة، يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً.

وهناك صورة أخرى: لو أن إنساناً مرض مرضاً لا يُرجى برؤه، ولم يطعم، ثم مات فماذا عليه؟ عليه الإطعام، فيخرجون ذلك عنه، ولا يصومون عنه.

من قال له الأطباء: إن هذا المرض لا يُرجئ برؤه، فأفطر، ثم صار يطعم عن كل يوم مسكيناً، وبعد أربعة أشهر برئ، شفاه الله فهل يلزمه القضاء؟ الجواب: لا، لا يلزمه القضاء.

هذه بعض أحكام القضاء، وأسأل الله أن يبارك لنا، ولكم فيما سمعنا، وأن يجعلنا، وإياكم هداةً مهتدين، وصلى الله، وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

  1.  أخرجه مسلم في كتاب الصيام - باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعاً لرمضان (1164) (ج 2 / 822).
  2.  أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب متى يقضى قضاء رمضان (1849) (ج 2 / ص 689) ومسلم في كتاب الصيام - باب قضاء رمضان في شعبان (1146) (ج 2 / ص 802).
  3.  أخرجه البخاري في كتاب الصوم - باب من مات وعليه صوم (18519) (ج 2 / ص 690) ومسلم في كتاب الصيام    - باب قضاء الصيام عن الميت (1147) (ج 2 / ص 803).

مواد ذات صلة