السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال
تاريخ النشر: ١٠ / جمادى الآخرة / ١٤٣٥
التحميل: 13183
مرات الإستماع: 3955

أهمية التأصيل

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، صلى الله، وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا هو المجلس الثالث من هذه المجالس التي تتصل بالتأصيل، وهي من أهم المهمات، فطالب العلم بحاجة إلى أن يبني على أصل، وأن ينطلق من أصل.

واليوم لا نتحدث عن طلبة العلم من أهل الاختصاص، بل ينبغي أن نوجه ذلك إلى عموم الشباب، إذ إننا صرنا إلى حال يتلقف بالناس فيها الشبهات، والأهواء، والضلالات، ويتلاعب بهم شياطين الجن، والإنس، ويضللونهم.

فتنتشر الأهواء، وتتكرر تلك المذاهب، والآراء الفاسدة التي وجدت عبر قرون متطاولة تعود بأثواب جديدة، ولربما كان هؤلاء، أو كان كثيرون من هؤلاء لا يشعرون أنهم يسيرون في نفس الطريق، وأنهم ينطلقون من تلك المنطلقات التي أودت بأصحابها إلى ضلالات، وانحرافات، وذلك عبر تاريخ هذه الأمة الممتد.

فأنتم في جلوسكم، وصبركم على خير عظيم، ولا يُستخسر في مثل هذا جهد يصرف، ولا وقت يبذل، فأبشروا، وأملوا، ومن ثبت نبت، والعلم يحتاج إلى صبر.

وحديثنا في هذا المجلس عن مآخذ أهل الأهواء في الاستدلال، والمقصود ما يتكئون عليه، ويعتمدون، الحديث هنا عما يتشبثون به، ويتعلقون مما يستدلون به لباطلهم تارة، أو يردون الحق به تارة أخرى.

فهم يتشبثون بأشياء، ولربما انطلقوا منطلقات يبنون فيها على غير أصل - كما سيتضح - ولكن هؤلاء ينطلقون في عموم أحوالهم من باطل، وهذا الباطل لا يمكن أن يكون سبيلاً يتوصل به إلى الحق، إن الغايات الصحيحة لا يمكن أن يتوصل إليها بالوسائل المنحرفة، والدلائل الفاسدة.

الخطأ لا ينكر، فهو يقع لخيار الأمة، وعلمائها، وفضلائها سلفاً، وخلفاً في المسائل العلمية، والمسائل العملية، ولكن الخطر حينما يكون هذا الانحراف، أو هذا الخطأ أصلاً ينطلق منه، فيكون سبيلاً يُسلك، أو طاغوتاً ترد به النصوص الشرعية، فهنا ندخل في باب آخر، وهو باب أهل الأهواء، والبدع، أيًّا كانت هذه الأهواء، والبدع، وأيًّا كان اسمها، سواء كانت من القديمة، أو مما يستجد، ويخترع في أي زمان، أو مكان.

فالأشياء التي تكون منطلقاتها، وأصولها هذه الأخطاء، والانحرافات تكون منحرفة حينما يُبنى على الأصول الفاسدة، ويُتكأ عليها سواء كان ذلك في المسائل العلمية - قضايا الاعتقاد، وما يحتف به - أو في المسائل العملية - الفقه - فإن ذلك يدخل صاحبه - كما سيتبين - في باب البدعة، والهوى، فإن الهوى يقال لميل النفس عن الحق، فإذا كان الإنسان مائلاً عن الحق، حائداً عنه انطلاقاً من أصول يستمر عليها، فإن هذا يكون من جملة أهل الأهواء، وبذلك يحكم على الكتب، والمؤلفات.

حينما نقول: هذه الكتب في التفسير، أو في غيره، هل هي من تفاسير أهل البدع، أو لا؟ فيمكن أن نجعل ذلك ضابطاً، يقال: من أصّل أصلاً بدعيًّا منحرفاً يحاكم إليه النصوص، فتفسيره من جملة تفاسير أهل الأهواء، والبدع، ولو كانت نسبة هذه الانحرافات التي وقعت بسبب هذه الأصول قليلة بالنسبة للمادة الكثيرة الموجودة في هذا الكتاب.

الكلام في الضابط، وليس الكلام في رد الكلام من أصله، وما فيه من الفوائد، والمعاني الصحيحة لمن يميز.

وكل خارج عن الصراط المستقيم ممن ينتسب إلى الإسلام يدعي أنه على حق، وهدى، ومن ثَمّ فإنه يتكلف للاستدلال على مطلوبه بما أمكنه من أنواع الأدلة.

وأهل الأهواء هؤلاء يزعمون، ويدعون أنهم أهل الحق، بل كثيراً ما كانوا عبر القرون يسمون أنفسهم بـ"أهل السنة" ويلمزون أهل السنة بأقبح الأوصاف.

فالكل يدعي وصلاً بليلى، الكل يدعي أنه على الصراط المستقيم، ومن ثَمّ لكي يبرر هؤلاء باطلهم، ويحتجون لانحرافاتهم فإن أعظم ما يتعلقون به - وهو الأول من هذه المآخذ التي يستندون إليها، وينطلقون منها -: هو التعلق بالمتشابه.

هذا الوصف، والأصل هو الأصل الكبير الذي يشترك فيه جميع الطوائف قديماً، وحديثاً حتى الخارجين عن الإسلام من اليهود، والنصارى حينما يحتجون على المسلمين بأشياء من كتاب الله فهم يتعلقون بالمتشابه.

أولئك الذين ظهرت بدعهم قديماً، أصول البدع الكبار، وما تفرع عنها، الخوارج، الشيعة، القدرية، المرجئة، هؤلاء يتعلقون بالمتشابه، وكذلك أيضاً الذين يسلكون المسالك المنحرفة فيما يتصل بفروع الدين هؤلاء أيضاً يتعلقون بالمتشابه، ما يسمى اليوم بمنهج التيسير هؤلاء يتعلقون بالمتشابهات، فالكل يتعلق بالمتشابه؛ ولهذا فهذا هو الأصل الذي تشترك فيه جميع الطوائف قديماً، وحديثاً، الطوائف المنحرفة ممن سلك هذه الطرق المعوجة سواء كان ذلك مما يتصل بأصول الدين، أو فروعه.

هؤلاء الذين جعلوا الانحراف طريقاً، ومسلكاً، وليس من قبيل الخطأ الذي لا يسلم منه أحد في المسألة، أو المسألتين، أو الثلاث، أو العشر، أو أكثر من ذلك، الكلام في أصل يؤصل، تجرى عليه النصوص، وتوزن به الأمور، فهذا أول ما يقال فيه: إنه اتباع المتشابه، ولهذا فإن الله - تبارك، وتعالى - قال في آية آل عمران، وهي الأصل في هذا الباب: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران: 7].

على الوقف على لفظ الجلالة، فيكون المتشابه من قبيل المتشابه المطلق الذي يتعلق بحقائق الأمور الغيبية، وما لا يطلع عليه إلا الله - تبارك، وتعالى -.

وعلى الوصل وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا يعني أن الله يعلمه.

فهذا ما يتعلق بالمعاني، فيكون الأول في المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وهذا لا يكون في المعاني؛ لأن الله لم يخاطبنا بشيء لا نعلمه، ولا نعقله.

وأما المتشابه النسبي فهو موجود يتفاوت الناس في معرفته، وفهمه، لكنه يخفى على بعض الأمة، وقد يخفى على بعض علمائها إلا أن غيرهم يعرفون معناه، فهذا متشابه نسبي.

فمن خفي عليه ذلك، أو التبس فهو بالنسبة إليه من قبيل المتشابه، وهذا معنى النسبية هنا، فهذه الآية أصل في هذا الباب يؤخذ منها:

أولاً: أن الراسخين في العلم لا يتبعون المتشابه، بل يتبعون المحكم؛ لأن الله قال: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ هذا وصف لأهل الزيغ، ومفهوم مخالفته أن الراسخ لا يكون متبعاً للمتشابهات.

الثاني: أن الزائغين هم الذين يتبعون المتشابه.

الثالث: أن كل دليل خاص، أو عام شهد له معظم الشريعة فهو الدليل الصحيح، وما سواه فاسد، ولو كان بينهما واسطة لنصت عليه الآية.

يعني هنا لم يذكر سوى نوعين: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ.

فالمحكمات هن الواضحات في المعنى، والمتشابهات ما يحتاج معه إلى رده إلى المحكم ليتبين معناه.
فليس عندنا إلا محكم، أو متشابه.

الرابع: أن كون أهل الزيغ يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة، هذا يدل على فساد مقاصدهم، ابتغاء الفتنة - لطلب الفتنة - وابتغاء تأويله فهم لا ينظرون في الأدلة نظر المستبصر الذي يريد الحق، يريد التوصل إلى الهدى، وإنما له مآرب أخرى ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ.

فلا يكون هواه تحت حكم الدليل، بل يريد أن يطوع الأدلة لتكون تابعة، ودالة على هواه، فهو حاكم بالهوى، ولكنه طلب الدليل ليكون شاهداً له.

الفرق بين أهل الرسوخ وأهل الزيغ

فالفرق بين الطائفتين أهل الرسوخ، وأهل الزيغ - وشتان ما بين الفريقين -: أن الراسخين يطلبون الحق من الأدلة كما يقول الشاطبي - رحمه الله -[1].

وأما أهل الزيغ فيطلبون من الأدلة ما يصححون به أهواءهم، هذا الفرق، هذا في المسائل العلمية، والمسائل العملية.

الذي ينظر في الأدلة ليجد بغيته بما يشهد، أو يصحح هواه، فهذا نظر أهل الزيغ، هذا نظر غير صحيح، ولا تبرأ به الذمة أيًّا كان هذا الناظر من المنتسبين إلى العلم، أو من غيرهم.

وأما من نظر إلى الأدلة يطلب الحق ليتوصل إليه، ثم ينقاد مذعناً فهذا هو النظر الصحيح إذا استوفى الشروط التي يجب أن تُستوفى في هذا النظر، كأن يكون هذا من أهل الاجتهاد، والقدرة على الاستنباط، وما إلى ذلك. 

فهذا شأن المسائل التي يتبع فيها الهوى أولاً، ثم يطلب لها المخرج من كلام الله، أو من كلام رسوله ﷺ أو من كلام العلماء أحياناً، يبحث عن قول هنا، وهناك، وهذه سوق رائجة في هذه الأيام لدى كثيرين ممن يتلقفون دينهم ممن هب، ودب، ودرج، فهو يأخذ من هنا، وهناك من غير روية، ولا بصيرة، ثم يرفع عقيرته، ويقول: تظنون ما في علماء إلا عندكم؟ العلماء في مشارق الأرض، ومغاربها.

لُقن كلمة لم يفقه ما تحتها، ثم بعد ذلك يأتي بأقوال شاذة مخالفة للنصوص، ويقول: هذه قال بها عالم.

وهل هناك مسألة لم يقل بها عالم؟ لا توجد مسألة لم يقلها عالم، إن كان يريد أن يرقع بهذه الطريقة فسيلبس ثوباً يشنؤه، ويزري به، فيكون ذلك معرّة عليه في الدنيا، والآخرة، بل إن المرء ينسلخ من أصل الدين حينما يكون سائراً على هذا المَهْيع - نسأل الله العافية -.

  1. الاعتصام للشاطبي، ت الهلالي (1/ 283).
من تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله

من تتبع رخص العلماء اجتمع فيه الشر كله، ولهذا قالوا: "من تتبع رخص المذاهب، وزلات المجتهدين فقد رق دينه"[1] لأن هذه الأقوال لم يقل بها عالم واحد في كل هذه المسائل المجتمعة، ولكنه أخذ قول هذا، وأخذ قول ذاك في المسألة الأخرى، وأخذ قول الثالث الشاذ في المسألة الثالثة، والرابع، والعاشر، والمائة، حتى اجتمع عنده ألف مسألة شاذة تغشاها، وتسربل بها، ثم بعد ذلك جاء - نسأل الله العافية - في حال من التضييع لدينه، وإيمانه.

فالمقصود أن لغة العرب لغة واسعة، تحتمل، وهؤلاء لن يعجزوا عن أن يجدوا ما يتشبثون به من الاحتمالات، أو من الأقوال هنا، وهناك في تفسير كلام الله، أو كلام رسوله ﷺ.

لكن الراسخين في العلم ينظرون إلى هذه النصوص من أولها إلى آخرها، فينظرون في السياق، واللحاق، والسباق، ينظرون فيما يحتف بهذا النص، وما يتصل بالنزول إضافة إلى منطلقهم من قواعد، وأصول صحيحة، فيأتي فهمهم مسدداً، واستنباطهم صحيحاً.

أما غير هؤلاء فهم لا ينطلقون من شيء من ذلك، ولا يعتبرون هذه الأمور، والقرائن، وما ينبغي أن يكون عليه الفهم، والاستنباط، إنما يأخذون الأدلة من أطراف العبارة الشرعية، فهم يبتسرون ذلك، ويجتزئونه، فيختطفون هذا الاستنباط، ويتعلقون بشيء يظنون أنه يغني عنهم، وينفعهم، فليس ذلك من سبيل الراسخين.

  1. انظر: سير أعلام النبلاء (8/ 90)، وقال: "كما قال الأوزاعي، أو غيره: من أخذ بقول المكيين في المتعة، والكوفيين في النبيذ، والمدنيين في الغناء، والشاميين في عصمة الخلفاء، فقد جمع الشر" وقال ابن القيم - رحمه الله - في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 228): "من تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق، أو كاد".
كل منفي عنه الرسوخ في العلم فهو إلى الجهل ينسب

أمر خامس: أن كل منفي عنه الرسوخ في العلم فهو إلى الجهل ينسب، ما فيه غير هذا.
إذا قيل: هذا ليس من الراسخين في العلم فمعنى ذلك أنه منسوب إلى الجهل كما يقول الشاطبي - رحمه الله -[1].

فمن جهة الجهل حصل له اتباع الهوى مع فساد القصد، فهؤلاء الذين يتبعون المتشابه - الذين في قلوبهم زيغ - عندهم فساد في القصد ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله.

وإنما تستحكم الأهواء، وتقع الانحرافات إذا وجد هذان المِعولان: فساد القصد، وسوء الفهم.

مع أنه يكفي واحد من هذين؛ ليتحقق الانحراف.

يعني حتى لو عنده فهم صحيح يكفي أن يوجد فساد القصد، فينحرف.

اليهود عندهم علم، ولكن عندهم فساد قصد، فصاروا أهلُ غضب؛ لأنهم تركوا الحق مع معرفته، لكن سوء الفهم يؤدي إلى الانحراف، والضلالة، ولو وجد حسن القصد، فالنصارى صاروا من أهل الضلال؛ وذلك لأنهم أهل جهل، ولكن بعد بعث النبي ﷺ صار الجميع أهل غضب، إلا أن النصارى مع الغضب صاروا أيضاً مضيفين إليه وصفاً آخر، وهو الضلال الواقع بسبب الجهل، أهل غضب، وضلال.

فالمقصود أن غير الراسخ - هذا الإنسان الذي ينسب إلى الجهل - هذا لا يصح منه نظر، لا إلى متشابه، ولا إلى محكم، لا ينظر في المتشابه، ولا في المحكم، هو لا يطالب بالنظر أصلاً؛ لأنه غير مؤهل، فهذا لا يطالب باتباع المحكم، ولا يطالب باتباع المتشابه؛ لأنه - كما يقول الشاطبي - يمكن أن يتبع المحكم على وجه لا يصح[2].

لأنه لن يفهمه، ولا يحمل هذه المحكمات على مراد الله - تبارك، وتعالى - فكيف بالمتشابه إذا اتبعه؟!.

وإنما حق هذا أن يسأل فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 43].

ولا يقال في مثل هذا: إنه قد أجر عقله للشيوخ كما يُردَّد، وتُستفز به عقول الشباب في مثل هذه الأوقات، لا توجر عقلك، يطالب هذا المسكين الشاب الذي ليس له حصيلة علمية، ولا فهم صحيح ينطلق من أصول صحيحة، غاية ما قرأ بضع تغريدات، فإن ارتقى مرتبة قرأ مطوية، فإن ارتقى أعلى الدرجات قرأ كتاباً مترجماً، ويظن أنه قد حاز الثقافة من أطرافها، ثم بعد ذلك يقال: لا تؤجر عقلك!

يعني اعرض النصوص الشرعية من الوحي، الكتاب، والسنة فضلاً عن كلام العلماء الراسخين، اعرض ذلك جميعاً على عقلك، ما قبله عقلك فاقبله، وما لم يقبله عقلك فيرد، لا تؤجر عقلك لهؤلاء.

هؤلاء الذين شابت مفارقهم، ولحاهم في العلم، عقود متطاولة، وليس لهم اشتغال إلا بالعلم، الواحد منهم يقرأ ما لا يقل عن ست عشرة ساعة في اليوم، عشرات السنين، وحضرة هذا يقرأ بضع تغريدات، ثم يقال له: اعرض النصوص، قال الله، قال رسوله ﷺ واعرض كلام الراسخين الأئمة، الشافعي، وأحمد، والليث، ومالك، والأوزاعي، ومن فوقهم، أيوب السختياني، ومن فوقه كأبي قلابة، ومن فوقه كأصحاب النبي ﷺ اعرض جميع هذا على عقلك فما قبله عقلك اقبله!

هذه شِنشنة عرفت من أخزم، وما أودت بأصحابها إلى خير أبداً، وسيأتي طرف من خبر هؤلاء، وما آلت إليه أحوالهم، وأمورهم. 

  1.  الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/ 283).
  2.  انظر: المصدر السابق (1/ 197).
اتباع الزيغ للمتشابه لا يصل به إلى مطلوب صحيح

سادساً: أن اتباع صاحب الزيغ للمتشابه لو كان من أجل الاسترشاد به فإنه لا يصل به إلى مطلوب صحيح، فكيف إذا كان متبعاً للمتشابه مع فساد القصد ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [النور: 40].

هو يبحث عن المتشابه بقصد فاسد فهذا لا يمكن أن يصل إلى الحق، وهذا ديدن المعترضين على شرائع الإسلام، وأصوله العظام قديماً، وحديثاً.

هم ينطلقون من هذا، ويتشبثون بأدلة هنا، وهناك، ولربما كان كثير من هؤلاء أصلاً لا يعرفون في العلم قليلاً، ولا كثيراً، يعني ليسوا بأنصاف، ولا أرباع متعلمين، بل هم مطبقون في الجهل، موغلون فيه، منغمسون لكنهم يجدون رفداً من بعض المنتكسين ممن قرءوا في بعض الكتب، وحضروا بعض الدروس، ثم بعد ذلك أزاغ الله قلوبهم، فصاروا يمدون هؤلاء بأشياء من الأدلة من قبيل المتشابه.

فاجتمع زيغ هؤلاء، وزيغ أولئك، فصاروا ينشرون ذلك، وتارة يُكتب لهم، فيلبسون به على الأمة، يلبسون به على عامة الناس، على الشباب، ويضللونهم بمثل هذه الأمور شأن أهل الأهواء من أهل البدع، فإنهم يفعلون ذلك، فيبحث، وتجد حينما يحتج، ويستدل أنه لا يعرف أن ينطق حتى سنن الترمذي، ينطقها بلغة تضحك منها حتى تختلف أضلاعك، ولا داعي للتمثيل، لكنه يقع على هذه الأشياء مثل الذباب، وأحياناً يكون قد دُل عليها، أو استأجر من يدله عليها، ثم بعد ذلك يأتي، ويقول: عندكم في سنن الترمذي كذا، وعندكم في تفسير صحيح البخاري كذا، وعندكم، واسمع أسماء الكتب، واسمع أسماء العلماء، وكيف ينطق بها بعجمة قد اشتمل عليها قلبه قبل لسانه - نسأل الله العافية - زيغ، وسوء فهم.

فهذا يقع للطاعنين في الإسلام من الخارجين عنه، ويقع أيضاً لبعض المنحرفين من المنتسبين إليه، وهم طرائق قدداً.

فنسأل الله العافية للجميع، والهداية، وأن يجنبنا، وإياكم الأهواء، والضلالات، والفتن ما ظهر منها، وما بطن.

ومعلوم أن كل دليل - كما قرر أهل العلم - فيه اشتباه بحيث لا يستبين المراد منه إلا برده إلى أصول من المحكم فإنه لا يصح الاستدلال به على سبيل الاستقلال، ولا التعلق به لبناء اعتقاد، أو حكم حتى يستبين المراد منه؛ لأن الدليل لا يكون دليلاً حقيقة إلا أن يكون ظاهراً في نفسه، ودالاً على غيره، وإلا فإنه لا يكون دليلاً بغير هذا.

كيف يكون دليلا، وهو غير ظاهر؟ فإنه في هذه الحال يحتاج إلى دليل يدل عليه.

ومن ثَمّ فهذه الآية دلت على انقسام آي الكتاب إلى محكمات، ومتشابهات، وأن المحكمات هي الأصل الذي يرجع إليه، ويعتصم به عند الاشتباه، فيحصل بذلك الاهتداء لمن يريد الاهتداء، وهذا إنما يكون لمن يحسن النظر في الأدلة، وليس لكل أحد كما سبق.

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس فقد انعكس"[1].

فهذا معيار واضح في التمييز بين أهل الهدى، وأهل الزيغ كما في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي ﷺ تلا: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران: 7] آية آل عمران إلى قوله: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7] فقال قولاً فصلاً: إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم[2].

إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، يتبع ذلك في مناقشاته، في مناظراته، في برنامجه، في صفحته في الفيس بوك، في موقعه في الإنترنت، وحسابه في تويتر، في رسائل يرسلها عبر هذه الوسائط، في الواتس أب، ونحو ذلك، في عموده الذي يكتب فيه، كل هذا إذا رأيته يدندن حول المتشابهات فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم .

الذين يتبعون المتشابه هم مراتب، بعضهم يشكك في الثوابت، فيما يتصل بالسنة - كما سيأتي - أو ما يتعلق بالصحابة، ولا يقترب من القرآن، ولا من الرسول ﷺ ولا من أصل دين الإسلام.

فإذا حرك هذه الثوابت، فاضطربت عند من لا بصر له تداعت عقولهم إلى مسائل، وأصول أخرى في أبواب لم يتعرض لها.

فقالوا: إذا كان الأمر كذلك على خلاف ما عهدنا، وأن المسألة فيها، إذن علينا أن نراجع كل ما تلقيناه من الدين في أصوله، وفروعه، فيتشككون في كل شيء، فيتطلبون ذلك في مواقع أخرى، فيستلمهم شياطين آخرون أعلى مرتبة من الأول.

يبدءون يشككونهم في أصل دين الإسلام، وفي صحة القرآن، ثم بعد ذلك يتخرجون ملاحدة، وقد رأيت بعض هؤلاء أصبحوا لا يؤمنون بوجود الله وكانت البداية بعض المواقع، وبعض الصفحات التي تشككهم في قضايا تتعلق بالصحابة، وفي قضايا تتعلق بأحاديث، وأمور من سنة رسول الله ﷺ ولعلكم جميعاً تعرفون بعض هؤلاء الزائغين المنحرفين الذين ما فتئوا يشككون في هذه الثوابت، فإذا تحركت، واضطربت في نفوس الناس قادهم ذلك إلى غيرها حتى ينسلخوا من الدين، وهم يظنون أنهم على شيء، وأن هذه حجج قوية، يظنون هذا؛ لأنه لا بصر لهم أصلاً مع أنه يمكن أن يرد على هذه بردود غير قابلة للنقض تكسرها، تحطمها من أصلها.

ولا أقول هذا مبالغة، بل يرد على الواحد منها من وجوه متعددة، وأنا - والله أعلم - هذا كما أني أشاهدكم، وقد هممت أن أتفرغ لهذا الآدمي، أن أتفرغ له سنين لأبين للناس أن كل ما قاله عبر هذه السنوات أنه من أبطل الباطل، وأنه كذب، وإفك، وافتراء، وتحريف، وتلاعب بعقول هؤلاء الجهّال فيقيسون عليه غيره.

ولكن العمر قصير، تفكرت في العمر، وكم نحتاج في مثل هذا، وكم نقضي في أعمارنا من أعمال، وأعمال، ووجدت أن العمر أعز من أن أقضيه مع مثل هذا المأفون - نسأل الله العافية للجميع -.

فهذا معيار، إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه (فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) فطريق أهل الزيغ الذين هم أهل الضلال، والخروج عن الحق إلى الباطل: التعلق بهذه المتشابهات التي يمكنهم معها أن يتوصلوا إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلون النصوص على احتمالات مرجوحة.

يحملون كلام الله، وكلام رسوله ﷺ عليها.

هكذا حالهم، فهؤلاء أهل زيغ يفعلون ذلك طلباً للفتنة ليفتنوا به الناس، وطلباً لتأويله على ما تقتضيه مذاهبهم، وآراؤهم الفاسدة، وأهواؤهم المنحرفة كما ذكر ذلك طوائف من المفسرين كابن جزي[3] وغيره.

فهؤلاء محل الذم أنهم يطلبون تأويلاً ليسوا له بأهل، يعني جمعوا بين الجهل، وسوء القصد فذموا لفساد مقاصدهم، ولجهالتهم، واتباعهم المتشابه.

وكل اشتغال بالمتشابه إذا كان مفضياً إلى هذا المطلوب فإن الذم يلحقه، ويلحق صاحبه.

فالذين اتبعوا المتشابه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله طوائف من الكفار، من المنافقين، من الزنادقة، من المشركين، ومن شابههم.

فكل من جعلوا المتشابه، والاشتغال به ديدناً لهم فهم داخلون في ذلك كما يقول ابن عاشور - رحمه الله -[4].

فيفضي ذلك بهم إلى ضلالات، وأهواء، فهذه الآية تخبر، وتنبئ عن قوم لهم ميل عن الحق، وحيف عنه، فيتبعون ما تشابه من ألفاظ الكتاب، وما كان محتملاً لوجوه من التأويلات، فيلبسون على أنفسهم، وعلى غيرهم، ويحتجون على باطلهم بذلك، ويردون الحق الذي دلت عليه المحكمات.

وهذه الآية، وإن نزلت في طائفة من الكفار من أهل الكتاب فإن ذلك يلحق من كان على هذا المسلك أيًّا كان ممن يتبع المتشابه سواء كان من الطوائف المنحرفة في باب الاعتقاد، أو السلوك، أو العمل - أعني الفقه، والأحكام - يبحث عن المتشابهات، كما يقول الحافظ ابن جرير - رحمه الله -[5].

فالمتشابه مركب لا يوصل إلى مطلوب صحيح إن لم يرد إلى المحكم عند من كان ملتبساً، ومشتبهاً عنده، فكيف إذا كان مع قصد فاسد؟!.

ولهذا لا نجد فرقة من فرق الضلالة، ولا نجد أحداً من المختلفين في الأحكام لا الفروعية، ولا الأصولية يعجز عن الاستدلال على مذهبه، ورأيه بظواهر من الأدلة، بل كما يقول الشاطبي - رحمه الله -: "رأينا من الفساق من يستدل على مسائل الفسق بأدلة ينسبها إلى الشريعة"[6].

وذكر أن في كتب التواريخ، والأخبار من ذلك أشياء شنيعة في الافتئات على الشريعة، وأن النصارى أنفسهم استدلوا على صحة ما هم عليه بالقرآن، يحتجون بأشياء لا داعي لذكرها على أن التثليث عقيدة صحيحة، أو أن ما عليه النصارى أنه دين صحيح.

ذكر هذا المعنى الشاطبي - رحمه الله - في كتابه "الموافقات" وذكر في الاعتصام كذلك أيضاً أشياء من هذا القبيل، وأن "مدار الغلط في هذا الباب إنما هو بسبب الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها إلى بعض"[7] وكذلك فساد القصد، ثم ذكر أمثلة على هذا.

والحافظ ابن القيم - رحمه الله - ذكر أمثلة على هذا في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" ذكر سبعين مثالاً في مسائل الاعتقاد، وفي مسائل العمل - المسائل العملية الفقهية - ذكر سبعين مثالاً من التعلق بالمتشابه، ورد المحكم.

ولكن أذكر أمثلة من غير ما ذكروا مما يكون أعلق بموضوعنا، وأقرب إلى ما نعايشه في عصرنا الحاضر، وهذا كثير جدًّا، يعني يخرج بعضهم في قناة فضائية، ويحتج على جواز التماثيل المجسمات من ذوات الأرواح بقوله تعالى: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ [سبأ: 13].

مع أن هذا الاستدلال غير صحيح، فالتماثيل هذه تقال: لكل ما صوّر على صورة من ذوات الأرواح، أو من غيرها، فلا يختص ذلك بذوات الأرواح كما قال هذا القرطبي، وأبو حيان، والشوكاني، وغير هؤلاء، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى حتى لو فُرض فإن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا إذا جاء في شرعنا ما يخالفه، قد جاءت النصوص الصريحة في تحريم التماثيل، هذا بالإضافة إلى أمر آخر، وهو أن هذا يترك المحكمات - النصوص الواضحات - ويتعلق بهذا الدليل، ويظن أنه على شيء.

هو يمكن أن يزاول ما شاء لكن من غير أن يكذب على الله، وأن ينسب ذلك إلى الشريعة، فيكون مستحلا لهذه المحرمات.

ومثل ذلك: هذا الذي يريد أن يبرر، أو أن يحتج لصحة ما هو عليه من عبادة القبور، وبناء المساجد على القبور مع أن النصوص الواضحة المحكمة دالة على خلاف هذا.

يحتج بآية سورة الكهف: قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا [الكهف: 21].

فهذا على الأرجح أصلاً من قول الكفار، فإن أهل الإيمان لا يقولون هذا، وليسوا بأهل عبادة للقبور، فهذا من قول الكفار، ولا عبرة بقولهم، ولو فرض أنه من قول المؤمنين، فكما سبق أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا إذا جاء في شرعنا ما يرده، وقد تضافرت النصوص الدالة على هذا.

النبي ﷺ لما ذكرت له أم سلمة، وأم حبيبة ما رأتا في أرض الحبشة، الكنيسة التي فيها التصاوير، قال: أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح - أو الرجل الصالح - بنوا على قبره مسجدًا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله[8].

تُترك هذه النصوص، ويُحتج بهذا المتشابه! هذا الآخر عبد الشهوات الذي يدعو إلى التبرج، والسفور، أو إلى الاختلاط، يحتج بقوله - تبارك، وتعالى - عن مكلة سبأ، وما قص الله من خبرها مع سليمان قيل لها: ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ [النمل: 44].

يقول: هذه كشفت عن ساقيها.

كشفت عن ساقيها؟!.

أولاً هذه امرأة كافرة حينما قدمت، ثم أيضاً هي جاءت في السبي، ثم لم تفصل ثوباً قصيراً، وإنما كشفت عن ساقيها؛ لأنها كما قال الله: حَسِبَتْهُ لُجَّةً لئلا تبتل ثيابها من الماء.

وأما مجيئها إلى سليمان - عليه الصلاة، والسلام - فإنه جيء بها كما يجاء بالسبايا، فكيف يحتج بهذا على تجويز الاختلاط، أو تجويز العري، وإظهار المفاتن أمام الرجال الأجانب؟!

وهكذا كل مفتون يمكن أن يحتج بأشياء، وظواهر مما جاء في الكتاب، أو السنة، يعني هذا الذي يريد أن يحتج مثلاً في تجويز الغيبة، وأن الغيبة مباحة، يقول النبي ﷺ قال: ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة، أو لبئس رجل العشيرة[9].

هذه غيبة، يترك النصوص الواضحة المحكمة، يترك قول الله وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات: 12] فالنبي ﷺ قاله لمعنى، قاله لعلة، ليبين حال هذا الرجل لحاجة دعت إلى ذلك، يرونه يحسن إليه، وما إلى ذلك، وشر الناس من أحسن الناس إليه اتقاء شره. 

لما سألته عائشة - رضي الله عنها - عن هذا الصنيع، فلئلا يُظن أن هذا من أهل الإيمان الكُمّل نظراً لمصانعة النبي ﷺ له، ولاحتفائه به مثلاً، إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من التوجيه.

يترك هذا جميعاً، ثم يتشبث بهذا الدليل على إباحة الغيبة؟ وهكذا قد يتشبثون بأشياء مما ورد من الآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم -.

يقول قيس بن أبي حازم: "دخلت على أبي بكر في مرضه، وأسماء بنت عميس تروِّحه، فكأني أنظر إلى وشم في ذراعها"[10].

فيأتي هذا يقول: الوشم، النبي ﷺ يقول: لعن الله الواشمات، والمستوشمات[11] هذا وشم كان من أيام الجاهلية، ما استطاعت أن تزيله، فهي غير مؤاخذة.

ثم يحتج بذلك أيضاً على أمور أخرى من الاختلاط مثلاً، هي تروِّحه - تمرضه - فدخل هذا الرجل عليه، والحاجة داعية لبقائه عنده، كما يدخل الرجل في المستشفى على أحد يزوره، وعنده بعض أهله، فهذا لا ينكر، فأين هذا من حالات مستديمة يبقى فيها الرجل مع المرأة جنباً إلى جنب ساعات طويلة في أوقت تتكرر في كل يوم.

وهكذا كما قال الشاطبي: "يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل، فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم، والعمل"[12].

لا يقال: لنا فهمنا، ولهم فهمهم، نحن رجال، وهم رجال.

فهم الذين شهدوا التنزيل، وعرفوا مراد الله، ومراد رسوله ﷺ فهم أكمل الأمة علوماً، وأحسنهم قصداً.

فيجب أن يكون الفهم موافقاً لفهمهم، ولا يمكن أن يجتمع أولئك الأخيار الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ﷺ على ضلالة، ثم نقول: ما فهموا الإسلام، نحن الذين فهمنا الدين على وجهه الصحيح!

يدخل في اتباع المتشابه أشياء كثيرة، هذا الذي يأخذ بالمطلقات دون النظر فيما يقيدها، أو العمومات دون نظر فيما يخصصها، والعكس، فيخبط في النصوص خبط عشواء، يورد المطلقات، والنصوص العامة التي جاء ما يقيدها، فيدع ذلك جميعاً لغرض في نفسه، أو لجهل قاده إلى مثل هذه الممارسات فيضل، وينحرف.

إذا تبين أن للراسخين طريقاً يسلكونها في اتباع الحق، وأن للزائغين طريقاً غير الطريق التي انتهجها أهل الرسوخ فلابد من معرفة سبيل المجرمين.

عرفتم في أول هذه المجالس الأصول الصحيحة التي يستند إليها أهل الرسوخ، أهل العلم، أهل السنة، أهل الجماعة في الاستدلال، فلابد من معرفة سبيل المجرمين؛ لئلا يقع الإنسان بها، وهو لا يشعر، أو يغتر بمن قد يحسن به الظن، فيقوده إلى أمور لا تحمد عواقبها.

فالله - تبارك، وتعالى - يقول: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 153].
فهذه الآية أفادت أن طريق الحق واحد، وأن للباطل طرقاً متعددة، ويدل على هذا حديث ابن مسعود قال: "خط لنا رسول الله ﷺ يوماً خطًّا، فقال: هذا سبيل الله ثم خط لنا خطوطاً عن يمينه، ويساره، فقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلا هذه الآية"[13].

فطرق الضلال أكثر من أن تحصى، وفي كل عصر تستجد طرقاً، ولكن يمكن أن تُذكر بعض هذه الطرائق المنحرفة لتدل على غيرها، وإلا فوجوه الجهالة، والضلالة لا تنحصر، وكل زمان - كما يقول الشاطبي - رحمه الله - لا يخلو من غريبة من الغرائب، غرائب الفهم، والاستنباط[14] - والله المستعان -.

فيمكن أن توجد في هذا الزمان، أو في زمان آخر أمور يستند إليها بعض المنحرفين، وإن كان في الغالب أن المنطلقات ترجع إلى أصول معدودة، معلومة تتكرر، وإن كانت تختلف بحسب الآخذين بها، فقد تجتمع الطوائف على أصل كالمتشابه، تنطلق منه، وتتكئ عليه، وقد تكون بعض هذه المآخذ، والطرائق في الاستدلال تختص بطائفة من الطوائف، وقد تشترك طائفتان، أو ثلاث، أو أكثر في بعض هذه المآخذ.

فإذا تقرر هذا: أن الأصل الكبير - وقد فصلت فيه قصداً - هو الأخذ بالمتشابه فإن ما بعده كثير، من ذلك أن بعضهم يعتمد في مطلوبه على أحاديث واهية، مكذوبة على رسول الله ﷺ وما أكثر هذه الأحاديث، ومنها ما يهدم أصولاً، أو يؤسس ضلالات، وأهواء لا تنقضي.

يعني هذا الذي ينسب إلى النبي ﷺ: (ما أتاكم من حديثي فاقرءوا كتاب الله، واعتبروه، فما وافق كتاب الله فأنا قلته، وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله)[15].

هذا الحديث منكر، ولا يمكن أن يبنى على مثل هذا، من الذي يقول بمثل هذا؟

يعرض على كتاب الله! في السنة أشياء زائدة على كتاب الله نعم لا يوجد في سنة رسول الله ﷺ الصحيحة ما يناقض كتاب الله، ويعارضه، ولكن يوجد في السنة أشياء زائدة ليست في القرآن، وهو من جملة البيان، ولكن من هذا الذي ينظر فيعرض على كتاب الله ويقول: هذا يوافق، أو يعارض؟!.

وقد ابتلينا بهذا الزمان للأسف أن الكل صار ينظر، الكل يقول: من حقي.

كنا نستغرب هذا قديماً قبل عهد الفضائيات، والإنترنت، بعض من يعيشون في بلاد الغرب حينما تلقي درساً كهذا، أو في موضوع من الموضوعات تفاجأ بعد الدرس أن أكثر الأيدي مرفوعة، تظن أن هؤلاء سيسألون، وإذا بهم كل واحد يبدي رأيه في هذه الأصول، هذا وقع لي أنا.

لا يظهر عليهم سيما الصلاح أصلاً في أغلبهم، فيتبين لك أن كل واحد يحمل رأياً، ووجهة نظر في هذه الأصول التي تذكرها، أصول أهل السنة في الاستدلال، ألقيت موضوعاً بهذا العنوان: "أصول أهل السنة في التلقي، والاستدلال" وفوجئت بعد الدرس أكثر الأيدي مرفوعة، والذي يحضرني في هذه الساعة أن كل هؤلاء لم يكن على واحد منهم سيما الاستقامة، فظننتهم يسألون، ففوجئت أن هؤلاء كل واحد عنده رأي، وتعقيب، ومناقشة، واستدراك على ما قلته في هذه الأصول.

تقول: الإجماع.

لست ملزماً بالإجماع!

تقول: فهم السلف الصالح.

نحن لنا فهم، ولهم فهم، كل عصر له فهم!.

كذا يتكلمون، ويظن أنه يطرح شيئاً ذا بال، ما علم أنه ينادي على نفسه بالصوت العالي بالجهالة، لكن ما يعلم.

ما يعلم، فالجهل بلاء.

كذلك قد يحتج بعضهم بالحديث الآخر: (من حدث عني حديثاً هو لله رضا فأنا قلته، وبه أُرسلت)[16].

هذا حديث موضوع مكذوب على النبي ﷺ من الذي يحكم بهذا؟

يقول: فأنا قلته!

النبي ﷺ لا يمكن أن يقول هذا، وحاشاه ﷺ.

فيأتي كل صاحب هوى، وضلالة، ويقول: هذا لله رضا.

فأقول: هؤلاء الذين يتشبثون بهذه الأباطيل، ويبنون عليها العقائد، والأعمال، هؤلاء لا يسلكون طريقاً صحيحة.

ناقشت أحد هؤلاء، شاب في مقتبل العمر يقيم موالد تردد فيها البردة التي من أبياتها:

وإنّ مِن جودك الدنيا وضرّتها ومِن علومك علمُ اللوحِ، والقلمِ[17].

فقلت: هذا من أين لك؟

إذا وقفت بين يدي الله وذكرت له النصوص في علم الغيب، وأنه لا يعلم من في السموات، والأرض الغيب إلا الله، قلت: كيف تقولون: إن النبي ﷺ من علومه علم اللوح، والقلم الذي فيه علم الله؟.

وإن الدنيا، و ضرتها - يعني الآخرة - من جود النبي ﷺ ؟ كيف؟ من أين لك هذا؟

وقفت بين يدي الله، وسألك، هات الجواب!

فلم يطل نظره، وتأمله، شاب صغير لم يجاوز العشرين، قال: النبي ﷺ لما عرج به إلى السماء أعطاء جبريل لما وصل إلى السماء السابعة حلاوة، فلما ذاقها انكشف له ما تحت العرش إلى الأرض السابعة.

قلت: هذا الحديث لا وجود له في شيء من دواوين الإسلام.

هات الحديث، أمهلك ثلاث سنوات، واسأل من شئت من الثقلين، إن أتاك أحد بشيء من هذا الحديث، فسكت، ثم قلت: اذهب، واسأل من شئت من ساعتك هذه، كل من تلقاه، وابحث بكل الوسائل، والوسائط، والطرق التي تمكنك.

عقيدة كبيرة مثل هذه، ادعاء الغيب، النبي ﷺ يعلم ما في اللوح، من علومه "مِن" تبعيضية، علم اللوح، والقلم، اللوح المحفوظ!

كيف تُبنى عقيدة على مثل هذا؟

فذهب، وهذا الكلام مضى عليه ما يقرب من عشر سنوات، أو أكثر، وإلى ساعتي هذه ما رأيته إلى اليوم، مع أني وعظته، وذكرته، وتلطفت به غاية التلطف، قلت: هذا كلام محب، مشفق والد، تلقى الله، أحضر فقط الجواب، أنا لا أريد منك شيئاً.

ناصح، محب، أحضر جواباً بين يدي الله، وذهب.

فمثل هذا انظر كيف يتشبث بهذه الأباطيل!.

يقابل هؤلاء قوم ردوا النصوص؛ لأنها تخالف معقولهم، وهذا وقع به طوائف فيما يتعلق بوسائل الأصول - يعني الاعتقاد - ووقع به طوائف فيما يتصل بمسائل الفروع، أن هذا يخالف الأصول.

إذا قالوا: يخالف الأصول يعني القياس عندهم.

وابن القيم - رحمه الله - ذكر عشرات الأمثلة في كتابه: "إعلام الموقعين" لأولئك الذين ردوا النصوص الواضحة بحجة أنها تخالف القياس، فأبطل كلامهم في كلام بديع في غاية الإحكام، وبين أنه لا يوجد شيء من النصوص إطلاقا ًيخالف القياس، وشيخ الإسلام تكلم على هذه القضايا، وبين أن هذه الأصول العقلية التي عندهم، وهذه الأقيسة سواء كانت أقيسة عقلية، أو أقيسة تمثيل - التي هي قياس الفقهاء - أن هذه أصلاً أقيسة فاسدة يظنون أنها أقيسة صحيحة.

وفي كتاب: "درء تعارض العقل، والنقل" لشيخ الإسلام من هذا كثير يبين أن هذه المعقولات، والقواعد العقلية التي قعّدوها، أنها قواعد غير صحيحة في الأصل، فيردون بسببها النصوص في كلام، وتفاصيل طويلة أتمنى أن الشباب يعرفونها من أجل أن لا يتلاعب بهم شياطين الإنس، وشياطين الجن.

يقول: اعرض على عقلك!

أصحاب العقول أنفسهم الذين ينتسبون إلى العقل، ويدعون التحاكم إلى العقل اختلفوا غاية الاختلاف، وصار بعضهم يضلل بعضاً، ويكفر بعضهم بعضاً، المعتزلة اثنتا عشرة فرقة.

أبو علي الجُبّائي، وأبو هاشم الجُبّائي، الأب، والابن كل واحد يكفر الآخر، كل واحد له فرقة من فرق المعتزلة، وهم كلهم يقولون: نرجع إلى العقل.

أي عقل؟ عقل من؟

حينما نحاكم النصوص إلى العقول، عقلي، أو عقلك، أو عقل زيد، أو عمرو؟ متاهة!

ولهذا جاءت طائفة لما رأوا هذا الاختلاف بين المنتسبين إلى العقل المحتكمين إليه، قالوا: لا ينفع العقل.
بعد أن قالوا: لا ينفع النقل.

قالوا: لابد من الحس، وإلا فلا يعول على العقل؛ لأن أصحاب العقول اختلفوا.

والعقل يتصور الأشياء على غير حقيقتها، لابد من الحس، فجاءت طائفة، وقالوا: حتى الحس يخطئ، يرى النجم من بعيد صغيراً، ويرى الإنسان على هيئة الشجرة من بعد، ويرى العصا في الماء منكسرة، إذن الحس يخدع الإنسان.

وتجد بعض الفلسفات الغربية المترجمة المعاصرة التي صُدرت إلينا، البرمجة العصبية، وما أشبه ذلك، يأتون بصور متشابهة، رسومات متشابهة جدًّا، ويقول لك: هذه مثل هذه؟

تقول له: نعم.

يقول لك: لا، هذه غير.

ويتضاحكون بعقول الناس، ويأتي يرسم له بيتًا، أو كوخًا، أو شجرة، ويقول: ما هذا؟

تقول: بيت.

يقول: لا، هذه، ورقة.

ما هذه؟ تقول: شجرة.

يقول: لا، هذه، ورقة، ما هي شجرة، هذه رسمة، ورقة، ليست شجرة.

هذا لا يحتاج أنك تقول له أكثر من "صباح الخير" ما في أكثر من هذا، وإن شئت أن تقول كما قال بعض السلف: كم بلغ سعر الحنطة؟

هذا ما يحتاج أن يناقش، يتلاعبون بعقول الناس، ويدخلون دورات، وتُدفع عليها أموال طائلة، ويفتخر الواحد، أحدهم سمعته يقول: صرفت خمسة، وعشرين ألفًا على هذه الدورات.

وأنا أقول في نفسي: ما شاء الله، عوضك الله خيراً!

بماذا خرجوا؟ بماذا رجعوا؟ يشككونهم في الثوابت، يلبِّسون عليهم ما يوجد من معانٍ صحيحة تدركها العجائز، ويعطونها أسماء، وألقابًا، فيغتر بذلك من يغتر.

فالمقصود أن هؤلاء عكس الأولين، عكس الطائفة التي تتشبث بأباطيل واهيات، فهؤلاء يردون النصوص الصحيحة، الثابتة بحجة أنها تخالف المعقول، فأنكروا ما أنكروا من عذاب القبر، الصراط، الميزان، رؤية الله في الآخرة، وغير ذلك، حديث الذباب: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء[18].

يقولون: ما يقبله العقل، لكن لو قاله أحد الغربيين لطاروا به، اكتشاف علمي! حقيقة علمية! لكن لما يقوله الذي لا ينطق عن الهوى يقول: عقلي ما يقبل هذا! وما هذا العقل؟!.

وربما قدحوا في النقلة من أصحاب رسول الله ﷺ ومن التابعين، ومن خيار الأمة من الأئمة، من الفقهاء، والمحدثين، والرواة على إمامتهم، وسعة علومهم، وحفظهم، وتدقيقهم، فردوا أقوالهم، وقبحوا حالهم في أسماع الجيل، والعامة؛ لينفروا الأمة عنهم، وعما يحملون من العلم الصحيح، فهؤلاء حملة السنة، ورواتها، وتطاول بعضهم فرد أخبار الآحاد جملة فيما يتصل بالعقائد، بل سمعت بعض من رد خبر الآحاد في العقائد، والأحكام، إلى هذا الحد؟!.

وكذلك أيضاً نجد أن هؤلاء منهم من رد السنة برمتها، وقال: نكتفي بالقرآن، ولربما يحتج بعضهم بتلك الأحاديث: (ما أتاكم من حديثي فاقرءوا كتاب الله، واعتبروه، فما وافق كتاب الله فأنا قلته، وما لم يوافق كتاب الله فأنا لم أقله).

ولذلك تجد بعض الليبراليين اليوم قد يناقش، ويقول: القرآن فيه هدى، فيه كل ما تحتاج إليه البشرية.

وتقول: ما شاء الله صار منظراً، هداه الله وفتح على قلبه، ويبدأ يتحدث عن عظمة القرآن، وهدايات القرآن، أن القرآن قد اشتمل على كل ما تحتاج إليه الأمة، ليتوصل بذلك في النهاية إلى تقرير أن الأمة ليست بحاجة إلى شيء آخر، يعني السنة لسنا بحاجة إليها، يكفينا القرآن، من أجل أن يحمل القرآن على ما أرادوا، وكل شيء يقول: دل عليه القرآن.

فالقرآن حمّال، ذو وجوه، والسنة تفسره، ولهذا قال علي لما بعث ابن عباس ليجادل، ويناظر الخوارج، قال: "إذا جادلوك بالقرآن فجادلهم بالسنة، فإنها مبينة لما جاء به القرآن

 

ولهذا قال علي لما بعث ابن عباس ليجادل، ويناظر الخوارج، قال: "إذا جادلوك بالقرآن فجادلهم بالسنة، فإنها مبينة لما جاء به القرآن"[19] وأخبره أن القرآن حمّال، ذو وجوه، يعني يحتمل وجوهاً، فالسنة هي التي تبينه، ولذلك كان أكثر ما يتأذى به هؤلاء من أهل الأهواء، يتأذون من أئمة السنة، ومن حملتها الذين رووها، فوصلت إلينا.

فهؤلاء بعضهم أباح الخمر محتجًّا بقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا [المائدة: 93].

اشرب ما شئت، أهم شيء التقوى هنا، وبعد ذلك يأتي بالحديث: التقوى هاهنا[20] القلب، اشرب خمرًا ما عندك مشكلة! هذا احتج به بعضهم.

وسئل عمر بن عبيد يوماً عن شيء، وهو رجل من رؤوس المعتزلة من أصحاب واصل بن عطاء، وهو في زمن التابعين، فأجاب فيه، فقال له عمر بن النضر: ليس هكذا يقول أصحابنا.

فقال: "من أصحابك، لا أب لك؟".

فذكر له أئمة السلف من التابعين، كأيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وابن عون، وإبراهيم التيمي.

قال: "أولئك أنجاس أرجاس، أموات غير أحياء"[21].

فهذا السرطان، هذا الطاعون قديم، ليس بجديد.

هذا يجترئ في ذلك الزمان، والعصر الشريف، ويقول عن هؤلاء: أنجاس أرجاس، يتكلم عنهم بهذه الجرأة، وبهذه الطريقة، أموات غير أحياء!

فلا تستغرب في زمانك إذا جاء من يطعن في أئمة الدين.

وتكلم واصل بن عطاء مرة، فقال عمرو بن عبيد - هذا الذي ذكرت خبره - للحضور: ألا تسمعون؟ ثم قال: "ما كلام الحسن - يعني البصري - وابن سيرين عندما تسمعون إلا خرقة حيضة ملقاة"[22].

يزري بهؤلاء الأئمة ابن سيرين، الحسن البصري، أئمة التابعين "إلا خرقة حيضة ملقاة"!.

هذا يشبه من وجه هؤلاء الذين يقولون عن علماء الأمة، والأئمة: هؤلاء علماء الحيض، والنفاس، لماذا؟

ليتوصلوا إلى إسقاطهم، كل صاحب هوى، وبدعة، وضلالة يريد أن يسقط أئمة الدين، والهدى، وحملة السنة، لماذا؟ لأنهم إذا أسقطوا فكما قيل: "خلا لكِ الجو فبيضي، واصفري، ونقِّري ما شئتِ أن تنقري" يصير هو الإمام، ولذلك الخوارج كفروا أصحاب النبي ﷺ من أهل الشام، ومن أهل العراق، يعني الذين مع علي من الذي صار يقودهم، ويفتيهم؟ هم منهم، من أنفسهم، حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام.

لا يوجد فيهم صحابي واحد من أصحاب النبي ﷺ سفهاء، جهلة، جهلهم مطبق، والهوى عليهم غالب.

فمثل هؤلاء - نسأل الله العافية - كانوا يقعون في هؤلاء الأئمة الأعلام، ويضللونهم، ويكفرونهم، فهكذا أصحاب الأهواء يسقطون أئمة الدين من أجل أن يبقى المكان خالياً فلا يبقى من يُقتدى به، أو يؤتم به من العلماء، ومن ثَمّ تبقى السفينة حائرة في البحر، فيقودها هؤلاء اللصوص، ويضللون الناس.

ومن ذلك توهينهم النصوص سواء كان ذلك من المنقول عن رسول الله ﷺ أو المنقول عن الله "القرآن". 

فالقرآن يطعنون به، يقولون: إن دلالته تحتمل، وورود الاحتمال يصيره من حال القطع إلى الظن، وإن السنة غالب ما جاء فيها أخبار آحاد، وأخبار الآحاد عندهم تفيد الظن، وهذا غير صحيح بهذا الإطلاق. 

ثم يقولون: ما سلم منها من ذلك - يعني جاء بطريق التواتر - فإن ألفاظه، ومتونه تحتمل التخصيص، والتقييد، إلى آخره.

القوادح العشرة التي ذكرها الرازي، فقالوا: الظن يلاحقها إما سنداً، وإما متناً، وإما سنداً، ومتناً، إذن لا يصح أن يعتمد عليها.

فوهنوا النصوص، يقولون: ظنية، والفقه ظني، من بعض الظنون، وقالوا: نتبع العقول، لكن عقل من؟

كل واحد يقول: عقلي أنا.

واسمع جهالات هؤلاء الذين يدعون أنهم أصحاب عقول في هذا.

الأمر الرابع من طرائقهم: وهو أنهم يتكلمون في الاستنباط، وفي معاني القرآن مع عروِّهم عن الفهم الصحيح للغة العرب، ومناحي الكلام، ووجوه المخاطبات، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهم لا ينطلقون من أصول في الفهم صحيحة، فيفتئتون على الشريعة في تلك الفهوم الفاسدة، فيقعون في الانحرافات.

والشاطبي - رحمه الله - في كتاب: "الموافقات" ذكر أشياء مضحكة في فهمهم، ولكني سأُعرض عن الأمثلة الفجة جدًّا إلى أمثلة دونها:

فسئل أحدهم عن قوله تعالى: رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ [آل عمران: 117].

فقال: "هذا هو الصَرصر!"[23] يعني صرّار الليل!

هذا فهم، آخر مثل النظّام كان يقول: إذا آلى المرء بغير اسم الله - الإيلاء الحلف أن لا يطأ امرأته - لم يكن مولياً؛ لأن الإيلاء مشتق من اسم الله![24].

الإيلاء ليس بمشتق من اسم الله وَلَا يَأْتَلِ [النور: 22] يعني من الألِيّة، وهي الحلف، وفسر بالامتناع، وليس بمشتق من اسم الله.

فهكذا يستنبط هذا النظّام الذي كان يبيت على سكر، ويغدو على جرائرها، وله فرقة اسمها "النظّامية" فرقة يتبعون واحدًا مثل هذا، يبيت على سكر، ويغدو على جرائرها، ويفهم الإيلاء بهذه الطريقة، يضيف ذلك إلى مادة أخرى في اللغة، يقول: مشتق من اسم الله!، وليس بمشتق من اسم الله.

في قوله تعالى: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه: 121] قالوا: أُتخم من أكل الشجرة[25] باعتبار عصمة الأنبياء عندهم من المعصية.

يعني من غوِي الفصيل إذا بشم، يعني رضع كثيرًا، فانتفخ بطنه.

هذه "غوِي" مادة أخرى غير "غوَى" ففسرها بهذا.

وهكذا في أمثلة كثيرة، من أباح شحم الخنزير، وعصب الخنزير يحتج بقوله تعالى: أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ [الأنعام: 145].
يقول: نص على اللحم، فالباقي من أجزاء الخنزير حلال! كبدة الخنزير حلال، كلاوي الخنزير حلال، وأمعاء الخنزير، وكرش الخنزير، كل هذا حلال، وجلد الخنزير، وعظام الخنزير، وعصب الخنزير، وشحم الخنزير [26].

مع أنه في لغة العرب إذا أطلقت العرب اللحم فهو يشمل الأحمر، وغير الأحمر، هذا في لغة العرب، لكن هؤلاء لا يفهمون لغة العرب، ولا لغة العجم، هؤلاء أصحاب هوى.

"لحم خنزير" يفسره بهذه الطريقة، وقد قال الحسن البصري - رحمه الله -: "أهلكتهم العجمة، يتأولون القرآن على غير تأويله"

وقد قال الحسن البصري - رحمه الله -: "أهلكتهم العجمة، يتأولون القرآن على غير تأويله"[27].

ومن طرائق هؤلاء أيضاً، ومآخذهم في الاستدلال أنهم يحرفون الأدلة عن مواضعها.

يعني يكون الدليل ورد في سياق معين، في الكفار مثلاً، فيجعلونه في المسلمين، فيكفرونهم، يكفرون فاعل الكبيرة بأدلة جاءت في الكفار، وهكذا في أمثلة كثيرة ينتزعون النص من سياقه، ويستدلون به على غير ما جاء لتقريره، وهذا يفعله أهل الأهواء على اختلاف أهوائهم، ولا زال إلى يومنا هذا نرى ذلك يتكرر مرة بعد مرة.

الأمر السادس: أن بعضهم بنى الأدلة على غير ظواهرها التي تفهم منها، على معانٍ باطنة.

يعني الأصل الآخر عندهم هو التأويل على غير الظاهر، يحملونه على معانٍ أخرى غير الظاهر، وهؤلاء طوائف، وهذا من الأصول الكبار في الانحراف. 

الاعتماد على العقل كما سبق، وهذا أيضاً التأويل، فيقع في ذلك طوائف ممن يعتمدون على عقولهم، بأي اعتبار؟ بأن هذا خالف عقله، إذن لابد أن يتعامل مع النص، فهو إن استطاع أن يحرف النص بأن يحمله على غير ما دل عليه فعل، وإن لم يستطع سلبه ما دل عليه من الحق. 

فهم يدورون بين هذا، وهذا في تحريفهم، فهذا وقع فيه بعض المنتسبين إلى العقل، فحرفوا نصوص الصفات، واجترأت طائفة، وقالوا: ليس لكم اختصاص، فيحل لكم التأويل، ويحرم على غيركم، ويمتنع، فنحن أيضاً سنؤول نصوص القرآن على غير ظواهرها من معانٍ، وإشارات تظهر لأرباب السلوك من غير دليل.

 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة: 67] قال طائفة من الصوفية: يعني النفس، تذبح بسكين الطاعة قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ [البقرة: 68] قالوا: هكذا الصوفي لا في شرخ الشباب، والطيش، ولا في سن الكهولة، والشيخوخة، والضعف. 

 قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ [البقرة: 69] قالوا: صفرة العبادة لا صفرة المرض، كثرة قيام الليل.

 لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ [البقرة: 71] قالوا: هكذا الصوفي ليس بصخّاب في الأسواق، وإنما في الخلوة، وانقطاع للعبادة.

هذا تحريف للكلم عن مواضعه، هذه طائفة.

بينما تجد الرافضة يقولون: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا [بَقَرَةً البقرة: 67] قالوا: عائشة!

 بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ [النساء: 51] قالوا: أبو بكر، وعمر.

كل هذا بالتأويل، فتلاعبوا بهذه النصوص، وحرفوها بهذه التحريفات.

وجاءت الباطنية، فحرفوا دين الله، فقالوا: الجنابة مبادرة الداعي للمستجيب بإفشاء السر إليه قبل أن ينال رتبة الاستحقاق، الاغتسال من الجنابة تجديد العهد على من فعل ذلك، الاحتلام من سبق لسانه إلى إفشاء السر في غير محله، عليه أن يغتسل، يجدد المعاهدة، ما هو غسل حقيقي!

الطهارة التبرؤ من كل اعتقاد سوى متابعة الإمام عندهم.

الصيام الإمساك عن كشف السر.

الحج قصد الولي.

الصفا النبي.

المروة علي. 

  1.  تفسير ابن كثير (2/ 6).
  2. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آل عمران: 7]، برقم (4547)، ومسلم، كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن، والتحذير من متبعيه، والنهي عن الاختلاف في القرآن، برقم (2665).
  3.  التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي (1/ 145).
  4.  التحرير، والتنوير (1/ 82).
  5. تفسير الطبري (5/ 206).
  6. الموافقات (3/ 288).
  7. الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/ 311).
  8. أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة، برقم (434)، وبرقم (1341)، في كتاب الجنائز، باب بناء المسجد على القبر، ومسلم، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، برقم (528).
  9. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد، والريب، برقم (6054)، ومسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب مداراة من يتقى فحشه، برقم (2591).
  10. تاريخ دمشق لابن عساكر (49/ 458)، وسير أعلام النبلاء (4/ 202).
  11. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب المتفلجات للحسن، برقم (5931)، وبرقم (5948)، كتاب اللباس، باب المستوشمة، ومسلم، كتاب اللباس، والزينة، باب تحريم فعل الواصلة، والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة، والنامصة، والمتنمصة، والمتفلجات، والمغيرات خلق الله، برقم (2125).
  12. الموافقات (3/ 289).
  13.  أخرجه أحمد في المسند، برقم (4142)، وقال محققوه: "إسناده حسن" والنسائي في السنن الكبرى، برقم (11109)، والحاكم في المستدرك، برقم (2938)، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" وحسنه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (166).
  14. انظر: الاعتصام للشاطبي (1/ 286).
  15. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (13224)، وضعفه ابن عبد البر، ونقل عن ابن مهدي القول بوضعه كما في جامع بيان العلم، وفضله (2/ 1191)، برقم (2347)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (1088).
  16. انظر: كنز العمال (10/ 230)، برقم (29213)، وقال بوضعه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة برقم (1172).
  17. ديوان البوصيري (ص: 200)، تحقيق: محمد سيد كيلاني، طبع مصطفى الحلبي مصر، سنة النشر: 1374هـ.
  18. أخرجه البخاري، كتاب الطب، باب إذا، وقع الذباب في الإناء، برقم (5782).
  19.  الإتقان في علوم القرآن (2/ 145)، ومعترك الأقران في إعجاز القرآن (1/ 388).
  20. أخرجه مسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره، ودمه، وعرضه، وماله، برقم (2564).
  21. الاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/ 158).
  22. المصدر السابق (1/ 296).
  23. انظر: المصدر السابق (1/ 301).
  24.  المصدر السابق.
  25.  المصدر السابق.
  26.  انظر: المصدر السابق (1/ 302).
  27.  انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (10/ 122)، والاعتصام للشاطبي ت الهلالي (1/ 304).
عصمة الأئمة

الأمر السابع: أنهم غلوا في متبوعيهم فأضافوا إليهم أوصافاً لا تصلح للبشر، أو لا تصلح أيضاً لغير المعصومين، فأضافوا إليهم العصمة، عصمة الأئمة مثلاً.

هذا وقع فيه الرافضة، ووقع فيه أيضاً طوائف من الصوفية، يعتقدون أن الشيخ المتبوع أنه يعلم ما في نفسك، وأنه لا يمكن أن يخطئ، وأنه يُكشف له عن أمور الغيب، وينبغي أن يكون المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل.

نفذ، ولا تعترض، ويأتون بحكايات، وأكاذيب أن الشيخ حدث فلانًا عن أمور خطرت في باله، كيف يخطر هذا في بالك؟

تحدثني، أو أحدثك، هكذا، تجدون في طبقاتهم أشياء كثيرة من هذا القبيل.

وطائفة استندوا إلى المنامات، والرؤى، واستروحوا إليها، وبنوا عليها أصولاً عظاماً، وأحكامًا، وقضايا، ومسالك سلكوها، كل ذلك يحتجون برؤى، ومنامات، وهذا غير صحيح، المنامات ما هي إلا مبشرات، ولا يصح العمل بها، والاعتماد عليها.

فيأتي هؤلاء فيعملون أشياء، وينتهجون مناهج منحرفة باعتبار أنهم رأوا، وقد يقولون: رأينا النبي ﷺ والنبي ﷺ لا يمكن أن يتمثل به الشيطان.

نقول: أولاً هل رأيتموه بالوصف كما هو؟ وهل تعرفون وصفه كما هو؟

ثم إن النبي ﷺ قد كمل لنا ما أمره ربه بتبليغه الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3] ولا يمكن أن يكمل الدين بمنامات، ورؤى.

بل بعضهم لربما فعل أشياء كمن أراد أن يقتل رجلاً فلما سئل عن هذا، قال: رأيت إبليس، وقال: إن أول داخل يدخل من باب المدينة يكون شرًّا على أهلها.

فقال: يا قوم، لو أن إبليس أفتاكم في اليقظة بقتلي أتقتلونني؟!.

الرؤى، والمنامات، دخل شريك القاضي المعروف الإمام، دخل على الخليفة، فالخليفة مباشرة أراد أن يقتله، قال الخليفة المهدي: عليّ بالسيف، والنطع.

فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين.

فقال: رأيت في منامي كأنك تطأ بساطي، وأنت معرض عني، فقصصت رؤياي على من عبرها فقالوا: يظهر لك طاعة، ويضمر معصية.

فقال شريك: والله ما رؤياك برؤيا إبراهيم الخليل ولا معبرك بيوسف الصديق.

فأمر بإخراجه عنه[1].

والمقصود أن طرائق أهل البدع لا تنتهي، ولا تنقضي، ومسالك أهل الأهواء كثيرة جدًّا، هذا كما أشرت في البداية إلى أن بعضهم يبني على غير أصل أصلاً، مثل بعض الذين يخرجون ببعض الفتاوى، وبعض الأقوال، ويقول لك: هذا يفهم من روح الشريعة.

لا يوجد شيء اسمه روح الشريعة عند العلماء في الأصول، أبداً، لا الأصول الصحيحة، ولا المختلف فيها، الأصول الصحيحة المعروفة الكتاب، والسنة، والإجماع، ثم يأتي القياس، ثم تأتي الأصول المختلف فيها قول الصحابي، والمصالح المرسلة، وسد الذرائع، وما إلى ذلك.

هنالك أشياء ليست من هذا، ولا ذاك.

روح الشريعة، هذا ليس بأصل! فهم يبنون على غير أصل، وكذلك أيضاً لو أردنا أن نتتبع هذا الباب سنجد أشياء، ولو أردنا أن  ننظر إلى الطوائف، وكل طائفة ما تميزت به من أصول فإننا نجد من هذا أيضاً أشياء كثيرة قد لا يتسع هذا الوقت، وأضعافه لمثلها، ولكن لعل ما ذكرت يكون نافعاً - إن شاء الله -.

وأسأل الله - تبارك، وتعالى - أن يعصمنا، وإياكم من مضلات الفتن، وأن يهدي قلوبنا، وأن يسدد ألسنتنا، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، وأن يحيينا على السنة، وأن يميتنا عليها، وأن يعيذنا، وإياكم من الضلالة.

وأسأل الله أن يرزقني، وإياكم علماً نافعاً، وأن يغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه. 

  1. انظر: المحن، لمحمد بن أحمد بن تميم التميمي المغربي (ص: 260). 

مواد ذات صلة