الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
التحذير من تتبع رخص الفقهاء 2
تاريخ النشر: ٠٩ / ربيع الآخر / ١٤٢٩
التحميل: 5288
مرات الإستماع: 6654

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من تتبع رخص الفقهاء 2


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
كنا نتحدث عن تتبع الرخص، وخطورة ذلك على دين الإنسان، وما يحصل به من التفلت من أحكام الشريعة والخروج على نظامها، وذكرنا في المرة الماضية جملة من العلل والأسباب التي تدعو لمجانبة هذا المسلك والحذر منه، وكان مما ذكرنا أن الشريعة اشتملت أحكامها على مصالح، وقد بُنيت هذه الشريعة على الحكم، فالله إنما يشرع شيئاً لحكمة، فإذا تتبعنا هذه الرخص معنى ذلك أنا قد أفسدنا حكمة التشريع، وأبطلنا المصالح التي راعاها الشارع حينما شرع لنا هذه التكاليف.
وذكرنا أمراً آخر: وهو أن هذه الشريعة قد وضعت على خلاف داعية الهوى، وأن من مقاصد الشريعة في تكليف المكلفين بها أن ينتشل المكلف من داعية هواه، فإذا استرسل مع الهوى، وصار يتتبع الرخص فمعنى ذلك أن مقصود الشارع لم يتحقق.

 

هذه الشريعة قد وضعت على خلاف داعية الهوى، وأن من مقاصد الشريعة في تكليف المكلفين بها أن ينتشل المكلف من داعية هواه، فإذا استرسل مع الهوى، وصار يتتبع الرخص فمعنى ذلك أن مقصود الشارع لم يتحقق.

 


وذكرنا أيضاً أن إتباع هذه الرخص يؤدي إلى سقوط التكاليف، ومثلنا لذلك بجملة من الأمثلة، فالعبد يخرج عن التكليف الذي قد شق عليه، أو قد ثقل عليه، أو قد كرهه، أو خالف هواه، يخرج عنه بتتبع رخص العلماء، فإذا كان له شهوة في أمر ما وجد عالماً قد رخص له في هذا الأمر فأتبعه، فمعنى ذلك أنه قد خرج من ربقة التكليف في هذه القضية، فإذا كان له شهوة في أمر آخر اتبع رخصة أو قولاً ولو كان شاذاً، ثم بعد ذلك يكون قد تنصل من التزام هذا التكليف وهكذا فكلما كثر تتبعه للرخص كان ذلك أدعى لخروجه من ربقة التكليف والعبودية لله -تبارك وتعالى-، فيصير عبداً لهواه.
وذكرنا أيضاً أن العلماء قد أجمعوا على منع تتبع الرخص، وقد نصوا على فسق من فعل ذلك، وتحراه وتلمسه، ونقلنا قول جملة من العلماء في هذه القضية، لاسيما من نقلوا الإجماع على هذا المعنى، وذكرنا أيضاً أن العبد يجب عليه في حال الاختلاف أن يرجع إلى الكتاب والسنة، أن يرجع إلى الله وإلى رسوله ﷺ، فإذا تتبع الرخص كان راجعاً في الواقع إلى هواه، ولم يكن محتكماً إلى نصوص الكتاب والسنة، كما أمر الله، فاختيار الأقوال بمجرد التشهي إنما هو إتباع للهوى، وليس عبودية للرب المالك المعبود --.
وأيضاً تتبع هذه الرخص يكون سبباً لذهاب هيبة الدين، واستهانة بمحرمات الشريعة، وذلك أن الإنسان الذي يتتبع هذه الرخص هو في الواقع يكون متلاعباً بحدود الله -تبارك وتعالى-، كما فعل بنوا إسرائيل حينما احتالوا على الخروج من أحكام الله، فحرم الله -تبارك وتعالى- عليهم الصيد، أو العمل في يوم السبت، ثم هم قد احتالوا على ذلك بأن نصبوا الشباك في يوم الجمعة، ثم استخرجوها في يوم الأحد، فهذا في الواقع استخفاف بالتشريع، وخروج عن نظامه، وتلاعب بأحكام الله -تبارك وتعالى-.
فأقول: هذا الإنسان الذي يتتبع الرخص -رخص العلماء-، أو يتتبع بعض الفتاوى الضعيفة الشاذة، أو المبنية على مثل هذه الحيل هو في الواقع متلاعب بالتشريع، فإذا أخذ رخصة هذا العالم في جواز سماع الأغاني والموسيقى والمعازف، وأخذ رخصة ذلك العالم في أن الفخذ ليس بعورة، وأخذ رخصة العالم الآخر بأن اللحية لا يجب إعفاؤها كما قال بعضهم: "لما رأيت ذلك الأمر قد عم، ووقع فيه كثير من الفضلاء أردت أن أخرجه على شيء تبرأ فيه ذممهم" أراد أن يخرج لهم فتوى بطريقة فلم يجد قولاً لأحد من أهل العلم المعتبرين يرخص في حلق اللحية، فيقول: "نظرت إلى قول عند الأصوليين وهو قول ضعيف، وهو: أن الأمر يدل على الاستحباب، ومن المعروف والمشهور عند الأصوليين: أن الأمر يدل على الوجوب، فقول النبي ﷺ: (أعفوا اللحى)[1]، هذا أمر والأمر يدل على الوجوب، فهذا يدل على وجوب إعفاء اللحية، فهناك قول لبعض الأصوليين في مسألة الأمر، وهو أن الأمر يدل على القدر المجزوم به وهو الاستحباب، فيقول: نظرت في هذا فخرجت عليه الأمر بإعفاء اللحية، فيمكن أن يقال بهذا الاعتبار: إن الأمر بإعفائها على سبيل الاستحباب، ويقال ببساطة لهذا الإنسان: إن الله يقول:وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 43 سورة البقرة ويمكن أن تخرج على طريقتك هذه أن الأمر للاستحباب إذاً الصلاة مستحبة وليست واجبة، وهكذا في الزكاة وهكذا في غيرها، فهذا عبث بالشريعة، هذا الإنسان حينما أراد أن يُخرّج لهؤلاء تخريجاً يخرجهم فيه من التبعة تلاعب بهذا التلاعب.
وذكرنا لكم مثالاً آخر في ذلك الرجل الذي عرضت عليه قضية، وهي قضية شفعة في إجارة في أرض، فلما كان صاحب الحق مسافراً سأل الطرف الآخر، سأل هذا الرجل فأفتاه بأن لا شفعة في الإجارة، فلما قدم صاحب الحق، وقابل هذا المسئول، قال له: لو علمت أنك صاحب القضية لحكمت لك بقول أشهب -من علماء المالكية- فهو يقول بوقوع الشفعة أو بصحة الشفعة فيما يتعلق بالإجارة.
وكان بعضهم يتفنن ويتبجح ويقول: إذا كان لصديق لي قضية من القضايا أفتيته بما يكون سهلاً ورخصة، فهو يرى أن هذا من القدرات التي يتمكن بها من خدمة أصحابه أو قرابته أو معارفه، ولا شك أن هذا عبث في الشريعة، ثم إن هذا الذي يتتبع الرخص هو متناقض في نفسه، ولذلك فإن عبد الله بن المبارك حينما جاء إلى الكوفة وكانوا يرخصون في النبيذ المسكر، كانوا يقولون: بأن المسكر المحرم إنما هو من عصير العنب خاصة؛ لأنه هو الذي كان يشرب في وقت نزول القرآن، فيقولون: هذا هو الحرام، أما المسكرات من الأشياء الأخرى فإنها لا تحرم، فلما قدم عليهم ابن المبارك -رحمه الله- اجتمعوا عليه، وعرضوا عليه هذه المسألة فأخبرهم بأن ذلك لا يحل، فقالوا: قد رخص فيه فلان وفلان وفلان، وذكروا جماعة من علماء التابعين، فقال لهم: دعونا من تسمية الرجال، وأنتم ما تقولون: في فلان وفلان وفلان؟ وذكر لهم عطاء الخرساني، وذكر لهم طاووس بن كيسان، وذكر لهم جابر بن زيد، وذكر هم جملة من علماء التابعين، فقال: ما تقولون في هؤلاء؟ فقالوا: هؤلاء علماء وأئمة، ولهم قدرهم ومنزلتهم، قال: فما تقولون في بيع الدينار بالدينارين والدرهم بالدرهمين؟ فقالوا: رباً لا يجوز، قال: إن هؤلاء يرخصون فيه، فما تقولون؟ فإن قلتم: هؤلاء علماء فهؤلاء أيضاً علماء، فإذا استرخصتم في شيء تشتهونه وهو شرب بعض المسكر؛ لأن هؤلاء العلماء أفتوا بجوازه فأيضاً رخصوا في الأشياء الأخرى، لماذا تقولون: إنها حرام؟
ثم أيضاً هناك أمر آخر يترتب على تتبع هذه الرخص: أن هذا الإنسان الذي يتتبع الرخص هو في الواقع يؤول الأمر به إلى الخروج عن قول الجميع، فعلى سبيل المثال: رجل أخذ بقول الإمام مالك -رحمه الله- بأن القهقهة لا تبطل الصلاة، أو أنها لا تنقض الوضوء، والأحناف يقولون: بأن القهقهة تبطل الوضوء وبالتالي تبطل معها الصلاة، فإذا أخذ بهذا القول وهو مثلاً من الأحناف، ومذهبهم أنها تبطل الصلاة، وتبطل الوضوء فهو أخذ بقول الإمام مالك، ثم هو أيضاً أخذ بقول آخر في أن الوضوء يكفي فيه مسح ثلاث شعرات -مسح الرأس-، ومعلوم أن هذا القول أيضاً لبعض الفقهاء، وأخذ أيضاً بقول آخر هو أنه يكفي في الرجلين المسح فقط، وهذا قال به أيضاً بعض الفقهاء أخذاً بقراءة الجر في قوله -تبارك وتعالى-: وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَين6 سورة المائدة فتصور هذا الإنسان الذي يمسح على رجليه في الوضوء، ويمسح في رأسه ثلاث شعرات فقط، ويرى أن القهقهة مثلاً -وهي كذلك- لا تبطل الوضوء، فهو في الواقع خرج على قول الجميع، فجميع العلماء لا يقولون: بأن هذه القضايا مجتمعة غير مؤثرة؛ لكن بعضهم يرى أن هذه القضية غير مؤثرة، والآخر يرى أن القضية الأخرى غير مؤثرة، والثالث يرى أن القضية الثالثة غير مؤثرة، لكن ما أحد منهم يقول: إن هذه القضايا جميعاً إذا اجتمعت في إنسان فإن صلاته صحيحة، إذا اجتمعت فيه فصلاته باطلة عند الجميع وهكذا.
فهذا الذي يتتبع الرخص في الواقع يكون خارجاً على قول الجميع، ولو نظرنا إلى هؤلاء الناس الذين يتتبعون الرخص ما هي حجتهم؟ لربما يحتجون بيسر الشريعة، وأن الله قال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج 78 سورة الحـج، وبقول النبي ﷺ:(يسروا ولا تعسروا)[2] أخرجه الشيخان، فيقال لهؤلاء الناس: هذه الشريعة بنيت على التسهيل والتيسير، وهي شريعة ميسرة؛ ولكن التيسير والتسهيل إنما هو مضبوط مزموم بحكم الشرع لا بالتشهي والهوى، ليس معنى يسر الشريعة أنك تشرع لنفسك، وأنك تتخير بحسب أهوائك، فتخرج عن أحكام التكليف، إنما معنى يسر الشريعة أن الله لم يكلفنا ما لا نطيق، وأن الله في حال الحرج والمشقة الكبيرة فإن الله -تبارك وتعالى- ييسر علينا، ويخفف عنا الأحكام، فمثلاً في السفر يجوز لك الفطر، وإذا سافرت فإن الصلاة الرباعية تقصر إلى ركعتين، وكذلك من لا يطيق الحج فإنه يسقط عنه، من لا يستطيع القيام بالصلاة فإنه يصلي وهو قاعد، من لا يستطيع الصلاة وهو قاعد فإنه يصلي على جنب، إذا قال له الطبيب: إن العين تتضرر من السجود والركوع فيمكنه الإيماء، هذا معنى يسر هذه الشريعة، فهي شريعة سهلة، شريعة ميسرة بضوابطها الشرعية، أما أن يفهم الإنسان أن يسر الشريعة يعني أن نتلاعب بأحكام الله كيفما أردنا، وأننا نتخير من أقوال العلماء الشاذة ما نجعله ديناً لنا نتدين الله -تبارك وتعالى- به فهذا غير صحيح، وأما المشقات فإن المعتبر منها هي المشقات التي لا تكون محتملة، أو تكون معتبرة بالشرع، هذه التي يترتب عليها التيسير كما هي القاعدة: (أن المشقة تجلب التيسير)، و(أن الأمر إذا ضاق اتسع) هذا معنى هذه القواعد، أما المشقة التي تكون باعتبار مخالفة الهوى فهذه مشقة ليست معتبرة، كالذي يقول مثلاً: إن هواه يخالف قيامه من نومه لصلاة الفجر، فهذه مشقة غير معتبرة، وآخر يقول: يشق عليّ الوضوء، فأني لا أحتمل الماء مثلاً، فأريد أن أتيمم وأنا في البلد، فنقول: هذه مشقة غير معتبرة، والأخر يقول: أنا أكسل عن غسل جنابة مثلاً، فنقول: هذه مشقة غير معتبرة؛ لأنها مخالفة للهوى، وهكذا الذي يقول: أنا يشق عليّ الصيام، فنقول: إن كانت هذه المشقة معتبرة كأن يكون الإنسان مريضاً أو يكون قد تقدم به السن بحيث أنه يعجز عن الصيام، أو أن الصيام يضره، أو كانت المرأة حاملاً أو نحو ذلك، فهذا يرخص له في الفطر، أما إذا كان مجرد أنه يجوع، أو يحرم نفسه غداءه، أو نحو ذلك، فهذه مشقة غير معتبرة، هذا ضابط المشقات.
ولربما يحتج بعضهم أيضاً بأن الخلاف رحمة، ويحتجون بقول بعض السلف: "خلاف أمتي رحمة"، وبقول عمر بن عبد العزيز: "ما أحب أن أصحاب رسول الله ﷺ لم يختلفوا، إنهم لو لم يختلفوا لما كان توسعة لمن بعدهم"

 

لربما يحتج بعضهم أيضاً بأن الخلاف رحمة، ويحتجون بقول بعض السلف: "خلاف أمتي رحمة"، وبقول عمر بن عبد العزيز: "ما أحب أن أصحاب رسول الله ﷺ لم يختلفوا، إنهم لو لم يختلفوا لما كان توسعة لمن بعدهم"

 

، فالمقصود بمثل هذه الأشياء أن الخلاف رحمة بمعنى أن أصحاب النبي ﷺ لما اختلفوا كان ذلك مسوغاً لمن كان جاء بعدهم أن يجتهد، وأن يتلمس الأحكام، وأن يتعرف عليها، فهو قد يخطئ وقد يخالفه غيره، فلا يكون ذلك سبباً للحوق الحرج فيه، ولا يكون ذلك داخلاً في توعد الله للمختلفين: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 105 سورة آل عمران فلا يكون داخلاً بسبب هذه القضية؛ لأن الصحابة حصل منهم اجتهاد، وبالتالي حصل بينهم خلاف، فكان ذلك مسوغاً لمن جاء بعدهم من العلماء أن يجتهدوا، وأن يتعرفوا على الأحكام، وأن يحاولوا أن يقفوا عليها، ولو حصل خلاف بينهم، فإن الحرج لا يكون لاحقاً لهم، هذا معنى كون خلاف الأمة رحمة، وليس كما فهمه بعضهم.
ولهذا يقول الإمام إسماعيل القاضي المالكي من علماء القرن الثالث الهجري: "إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله ﷺ توسعة في اجتهاد الرأي، فأما أن يكون توسعة لأن يقول بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا؛ ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا"، وقد علق الإمام ابن عبد البر -رحمه الله- على قول الإمام إسماعيل القاضي -رحم الله الجميع- من علمائنا، علق عليه بأنه قول جيد جداً.
هذا ما يتعلق بشبهات هؤلاء الذين يتتبعون الرخص، والواقع أنهم مع شبهاتهم هذه إنما يتبعون أهواءهم، ولذلك تجد الرجل الذي يرخص للناس ولربما يتمسخر في الصحف وفي الفضائيات من العلماء المتزمتين المتحجرين، أصحاب النظرة الأحادية، الذين لا يفقهون شيئاً في هذا العصر، الذي يضيقون على الناس ويحرجون عليهم، وما شابه ذلك من العبارة الفجة التي يقولها عن علماء الأمة، مثل هذا تجد أن الجماهير تنظر إليه، وتطلع إلى كلامه، وهم في الواقع إنما يتبعون وهماً، وإنما يتبعون جاهلاً صاحب هوى لا يدلهم على الطريق السوية المستقيمة، وهم في ذلك الفعل لا يكونون معذورين عند الله -تبارك وتعالى-؛ لأنهم إنما يتبعون أهواءهم: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ 50 سورة القصص أصبحنا نرى بعض المعممين يتبجح في الفضائيات أن عنده دش، وآخر يتبجح حينما تقابله مذيعة شبه عارية، أمام الناس، أمام العالمين، يتبجح في مقابلة أخرى يسأل هل ندمت على هذا اللقاء مع فلانة؟ فيقول: لو عادت لعدت، وآخر رأيت له في الليلة الماضية صورة وهو في عمامته بين طابور من النساء والرجال، والنساء أشبه بالعرايا، وقد وقف في عمامته في الوسط بين هؤلاء النساء اللاتي قد لبسن إلى أنصاف الفخذين، فمثل هذا يخرج أمام الناس باعتبار أنه يطرح طرحاً ميسراً، طرحاً عصرياً يتلاءم مع الناس، وأصبحنا نرى بلاءً عظيماً، أصبحناً نرى بعض من ينتسب إلى الدعوة إلى الله يطرح مشاريع لهؤلاء الناس الذين يذهبون إلى السياحة في بلاد الغرب، مثلاً فيطرح لهم أنه هو الذي يذهب بهم، أو أنه يطرح لهم في مجلة أو غير ذلك الأماكن السياحية الجيدة في البلد الفلاني أو البلد الفلاني أو البلد الفلاني، باعتبار أنه يريد أن يركب القطار قبل أن يغادر، فهذا يريد أن يركب هذا القطار ولو كان إلى جهنم، ولو كان إلى الفساد، فيريد أن يوجه هو هؤلاء الذين يريدون أن يذهبوا إلى بلاد الكفار يوجههم إلى الأماكن السياحية الجيدة التي يذهبون إليها في شرق الأرض وفي غربها، في بلاد غير المسلمين، وأصبحنا نرى أشياء كثيرة جداً من هذا القبيل، لا ندري ما الذي أصاب الناس في هذا الزمان؟!
فأقول: ينبغي على الإنسان أن يتقي الله، وأن ينظر فيما ينجيه، وهذه هي القضية التي سنتحدث عنها -إن شاء الله-، ما هو الواجب على المكلف إذا رأى العلماء قد اختلفوا في قضية من القضايا؟
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

 

_____________________

1- أخرجه البخاري في كتاب اللباس باب إعفاء اللحى (5/ 2209- 5554) بلفظ: (انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى)، ومسلم في كتاب الطهارة باب خصال الفطرة (1/ 222- 259) بلفظ: (أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى).

2- أخرجه البخاري في كتاب العلم باب: ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا (1/ 38- 69) وفي كتاب الأدب باب: قول النبي ﷺ: (( يسروا ولا تعسروا)) (5/ 2269 – 5774)، ومسلم في كتاب: الجهاد والسير،  باب: في الأمر بالتيسير وترك التنفير، (3/ 1358- 1732).

مواد ذات صلة