الخميس 19 / جمادى الأولى / 1446 - 21 / نوفمبر 2024
أحكام الطفل (6) المعاملات- أبواب متفرقة- الميراث- جنايات الصغير- جنايات على الصغير- الأقضية- شهادة الصغير.
تاريخ النشر: ٢١ / محرّم / ١٤٣٣
التحميل: 14077
مرات الإستماع: 16701

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:

فالقسم الرابع هو المعاملات، والمعاملات منها ما يصح صدوره من الصبي، ومنها ما لا يصح، ومن أهل العلم من يقسم المعاملات من هذه الحيثية إلى ثلاثة أنواع:

فيقولون: منها ما هو نفع محض، ومنها ما هو ضرر محض، ومنها ما يخالطه نفع وضرر، فهي مترددة بين النفع والضرر، أما المعاملات التي هي نفع محض فهذه لا يتفقون عند الكلام عليها على كل الأمثلة الداخلة تحتها، فبعضهم يرى أن هذا النوع من المعاملة ليس بنفع محض وإنما فيه ضرر، والمقصود بالضرر ليس من جهة أنه محرم أو نحو ذلك، لا يقصدون أنه يخرج المال عن يد الصبي مثلاً أو يلحقه فيه نقص أو معرة أو نحو ذلك، أما المتمحض نفعاً فيقولون: هو الذي يؤدي إلى تملك المال أو المنفعة دون مقابل، يعني: يأتيه هذا المال غنيمة باردة، فيقولون: الصبي أهل لبعض التصرفات المتمحضة نفعاً، مثل لو أنه ذهب إلى البحر واستخرج صيداً، أو ذهب إلى البر وصاد صيداً، صاد طائراً، يكون ملكاً له، لو أنه جمع حطباً، فالحطب له، فهذه الأشياء يملكها الصبي، فمن هذه المعاملات التي بعضهم يعتبرها من قبيل النفع المحض الهبة، لا أنه يهب فهذا يعتبرونه من الضرر المحض، ويقولون: ليس بأهل لأن يهب، وليس الكلام أيها الأحبة عن الأمور التافهة، يعني قد يعطي صديقه في المدرسة مثلاً خبزة أو عصيراً ونحو ذلك فهذا لا إشكال فيه، لكن الكلام عن الأشياء التي لها قيمة معتبرة، يقول: أنا أريد أن أهب لصديقي عشرة آلاف ريال، فهنا يقال: ليس من حقه أن يهب، لكن الكلام في النفع المحض هو قبول الهبة؛ لأن الهبة لا تحصل للموهوب إلا إذا قبلها، تتوقف على قبوله، لو أنه ما قبلها فإنها لا تكون قد خرجت من ملك الواهب؛ ولذلك في الحديث: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه[1]، فهذا يقال في العود بالهبة إذا وصلت إلى الموهوب وقبلها، لكن لو أنه أعطاها وكيلاً له وقال له: تفضل هذه وصّلها لفلان هبة، ثم تراجع واتصل وقال له: رجّعها لو سمحت، غيرت رأيي، فلا إشكال، لكن إذا وصلت إلى الموهوب لا يجوز له أن يرجع فيها على قول الجمهور.

قبول الهبة: قبول الصدقة بعض العلماء يرى أن هذا من قبيل النفع المحض؛ ولهذا يقول الحنابلة بأنه يصح قبوله للهبة، وأن يقبضها لكن إذا أذن له الولي في ذلك، فإن لم يأذن فلا يصح قبوله ولا قبضه؛ لأنها متوقفة على ركنين: الواهب وقبول الموهوب، يقولون: هذا ليس بأهل لإبرام العقود فلابد من الولي، والواقع أنك إذا تأملت هذه القضية موضوع الهبة وموضوع الصدقة وجدت أن هذا قد يحتاج فيه فعلاً إلى أذن الولي؛ لأنه قد يكون فيه نوع نقيصة، وقد يُعطَى الولد لأي اعتبار من الاعتبارات، قد يكون اعتباراً سيئاً، قد يكون باعتبار أنهم يرون أنه محتاج، فيُعطَى هبة يعطى صدقة، فيرى الولي أن هذا فيه نوع من النقيصة لا يحتملها ولا يقبلها، فلا يقبل الابن، الصغير ما حط في يده أخذه، قد يوهب له شيء يرى الولي أن هذا لا يصلح له، وإن لم يكن محرماً، وقد يُعطَى نوعاً من الألعاب يرى الولي أن هذا سيشغله عما يربيه عليه ونحو ذلك، فيقول لهم الولي: أشكركم على هبتكم هذه وهديتكم، لكن نحن لا نريدها أعطوها لإنسان آخر، قد يوهب له طعام يقولون: نحن في غنى عنه.

الهبة للأولاد: الوالد حينما يهب أولاده هو مطالب بالعدل، لكن بماذا يتحقق العدل هل يتحقق بالتسوية، أو أن يعطى كل واحد كما يقسم في الميراث: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [سورة النساء:11]؟

حديث النعمان بن بشير يقول: أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة -وهي أمه: لا أرضى حتى تشهد رسول الله ﷺ والسبب أنها كانت تلح مدة طويلة تريد أن يهب لابنها هذا؛ لأن له أولاداً آخرين من امرأة أخرى، فخشيت أن يرجع في هذه الهبة كما تدل عليه بعض الروايات الآخرى، فقالت: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله ﷺ، فجاء فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟، قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم[2]، والحديث فيه روايات متعددة: فإني لا أشهد على جور[3]، أشْهِد على هذا غيري إلى آخره، وكلها تدل على أن النبي ﷺ امتنع ورأى أن هذا من الجور، وهذا يدل على التحريم، أن يعطي بعض الولد دون بعض، لاحظ النبي ﷺ وجه إليه هذا السؤال: أعطيت كل ولدك مثل هذا؟، الولد يشمل الذكر والأنثى، وقوله: مثل هذا يؤخذ من ظاهره وجوب التسوية بين الذكر والأنثى؛ لأن النبي ﷺ لم يسأل هل هم ذكور أو إناث؟ ولم يقل: أعطِ الذكور ضعف ما تعطي الأنثى، وترْكُ الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم من المقال، فقال له: فأرجعه، في رواية: فاردده، وفي رواية: فلا تشهدني إذن، وفي رواية: فإني لا أشهد على جور، فلا تشهدني على جور، فلا يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق، أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن إلى غير ذلك، من الروايات: قاربوا بين أولادكم، فابن القيم -رحمه الله- يقول: كل هذه الألفاظ صحيحة صريحة في التحريم والبطلان، وذكر عشرة أوجه تدل على أنه يحرم أن يعطي بعض الولد دون بعض، والعجيب أن الجمهور قالوا: إن هذا ليس على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب، وأجابوا عن حديث النعمان هذا بعشرة أجوبة ذكرها الحافظ في الفتح، ابن القيم استدل من عشرة أوجه على الوجوب، والجمهور استدلوا بعشرة أوجه على الاستحباب.

فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن العدل يجب، والعدل تارة يكون بالتسوية وتارة يكون بغير التسوية، الميراث الآن البنت نصف حق الابن، هذا عدل، لكن ليس بالتسوية، في الهبة الذي أظنه أقرب -والله تعالى أعلم- أنه يجب التسوية بين الذكور والإناث أخذاً من ظاهر هذا الحديث.

الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وبعض الشافعية والمالكية يقولون: العدل أن يُعطَى الذكر ضعف ما تعطى البنت كالميراث، قالوا: إن قسمة الله هي الأعدل والأقوم، فكما أن المال يقسم لو ترك ما وهب سيصير إليهم بهذه الطريقة بعد الوفاة، فكذلك لو أنه قسم بينهم في الحياة.

وبعضهم يقول: لا فرق، واحتجوا بهذا الحديث، واستأنسوا بحديث ابن عباس رفعه إلى النبي ﷺ: سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء[4]، أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريق سعيد بن منصور أيضاً وإسناده حسن، وقوله: سووا أمر بالتسوية صريح بهذا.

في فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- سئل عن هذا الحديث: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم، هل المقصود المساواة أم للذكر مثل حظ الأنثيين؟

فكان في الجواب:... فدل ذلك على أنه لا يجوز تفضيل بعض أولاده على بعض في العطايا، أو تخصيص بعضهم بالعطية دون بعض، إلى أن قال: والأرجح أن تكون العطية كالميراث، فإن هذا هو الذي جعله الله لهم في الميراث، هذا رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله.

الوكالة: ومن أنواع المعاملات الوكالة، هل للصغير أن يكون وكيلاً لأحد؟ وهل له أن يوكل غيره؟

الشافعية يقولون: إن الصبي لا يصح أن يتوكل عن غيره ولا أن يوكل غيره في جميع التصرفات، سواء أذن له الولي أو لم يأذن له؛ لأن الصغير ليس بأهل لهذه الأمور أصلاً، ولا يكون بنفسه فيقوم عن غيره، كما أنه لا يملك القرار فيوكل آخرين عنه، لكنهم استثنوا بعض التصرفات أجازوا أن يكون الصبي فيها وكيلاً بشرط أن يكون مأموناً لم يجرب عليه الكذب، مثل: لو وكله الكبير في أداء الزكاة، قال خذ هذا، سواء كانت صدقة في الفطر أو زكاة، هذا أعطِه، وصلْها للفقير الفلاني، أعطها الجيران والفقراء، لا إشكال في هذا، وهكذا النذر، قال له: خذ هذا، مثلاً نذر أن يتصدق بمائة ريال يعطيها الجمعية الخيرية، قال له: خذ من مالي مائة ريال وأعطها للجمعية، فلا إشكال في هذا، ولو وكله بذبح الأضحية وقال: أنا سأسافر وأنت يا فلان عمرك أربع عشرة سنة ما بلغتَ، لكنك رجل اذبح الأضحية عني بارك الله فيك، ويحسن يذبح الولد لا إشكال في هذا، وكذلك ذبح العقيقة، وذبح الهدي وشاة الوليمة، قالوا: كل هذا ممكن أن يوكل فيه، إيصال الهدية، وليس الكلام في الأمور اليسيرة، يمكن أن يقول له: اذهب واشتر خبزاً، اذهب واشتر عصيراً أو نحو ذلك، هذا لا إشكال فيه، لكن ليس الكلام في هذا، وإنما في الأشياء التي لها قيمة معتبرة، والأئمة الثلاثة فرقوا بين توكيله لغيره، وتوكله عنه، فيقولون: توكله عن غيره الأحناف والمالكية في أحد القولين عندهم يقولون: إن الصبي يجوز له أن يتوكل عن غيره في كل تصرف يقبل النيابة كالبالغ، وإن لم يجز له فعل ذلك الموكَّل به لنفسه، لكن هو الآن يقوم عن غيره، وأما الحنابلة فقالوا: يصح توكل الصبي في كل تصرف، ولا يشترط له البلوغ، وهذا أقرب، وهذه التصرفات يقولون مثل البيع بإذن الولي، البيع والشراء والشركة وسائر المعاوضات عندهم، فهذه يصح أن يتوكل فيها الصبي إذا أذن له الولي في التوكل، ويصح أن يتوكل في قبول النكاح بإذن وليه؛ لأنه يصح منه بإذن وليه، عندهم هذه الأمور لا إشكال فيها قبل البلوغ وأن البلوغ ليس بشرط، وكما قلت: ليس الكلام في الأمور اليسيرة التي يتعامل فيها الناس بصورة يومية في أمور معايشهم، والتصرفات التي تصح من الصبي بلا إذن من الولي عندهم الطلاق، وقبول الهبة، والصدقة وقبض ذلك، وليس هذا أيضاً محل اتفاق، فمن يجيزون هذا وأنه يصلح من الصبي قبل البلوغ يقولون: له أن يتوكل عن غيره بغير إذن وليه، لكن ما يشترط له البلوغ لا يجوز أن يتوكل فيه وإن أذن له الولي، فلا يجوز أن يتوكل في إيجاب النكاح عندهم فلا يكون وكيلاً لامرأة أو وكيلاً للولي؛ لأنه يشترط في الموجِب الذي يتولى العقد أن يكون بالغاً.

توكيل الصبي لغيره:

الأحناف والحنابلة اتفقوا على أنه مما لا يملكه الصبي من التصرفات، وإن أذن له الولي، فلا يصح أن يوكِّل فيها، وإن أذن له وليه؛ لأنه لا يملك أن يقوم بها هو، فلا يملك إذن أن يوكل غيره، فيقولون: الوكالة عبارة عن تفويض ما يملك ليقوم غيره عنه به نيابة عنه، والصبي لا يملك هذه التصرفات فلا يملك أن يوكل فيها، ومن ثم فلا يجوز أن يوكل غيره في هبة أو صدقة، قالوا: هو لا يملك أن يتصدق أو يهب، ليس المقصود بصدقة ريال أو هبة في شيء يسير، وهكذا الطلاق عند الأحناف قالوا: ذلك مما لا يُوكَل إليه أصلاً، فكيف يوكل غيره فيه؟ لأنه لا يصح منه الطلاق عندهم، بخلاف الحنابلة فيقولون: يصح منه الطلاق فله أن يوكل في ذلك.

والأمور التي هي من قبيل النفع المحض يصح أن يوكِّل فيها وإن لم يأذن له الولي عند الأحناف والحنابلة؛ لأنه يملك التصرف فيها بلا إذن الولي، فعندهم يجوز أن يوكل غيره في قبض الهبة والصدقة وقبولهما؛ لأنه يملك ذلك، وأما ما تردد بين النفع والضرر من التصرفات كالبيع والشراء وغيرهما من المعاوضات فهذا اختلفوا فيه، فمنهم من سوغ له أن يوكِّل فيه، ومنهم من منعه.

والنوع الثاني من المعاملات: ما كان من قبيل الضرر المحض: والمسألة تقديرية، قد يرى هذا أن هذا من الضرر المحض، وهذا يراه متردداً، فما يؤدي إلى خروج المال من يده أو ضياعه دون مقابل هذا عندهم ضرر محض، فالمذاهب الأربعة يقولون: من حيث الأصل لا يجوز له التصرف فيما كان من هذا القبيل، ويمثلون على الضرر المحض -على خلاف في التفاصيل- بأن سمع شخص مثلا محاضرة عن الوقف -في فضل الوقف- فقال: يا أبي هذه عمارتي التي أنت أعطيتني وقف لله تعالى، أو لجمعية من الجمعيات، يقال له: فلان ما شاء الله عليه وهذا مشروع عندنا قال: خلاص أنا عندي عمارة وهي وقف لكم، فمثل هذا لا ينفذ، وعدّوا من ذلك أيضاً القرض، فلو جاءه إنسان واقترض منه ليس له أن يقرض، وليس الكلام في الأمور اليسيرة، قالوا: وإن أذن له الولي فإن هذا من الأمور التي هي من قبيل الضرر المحض، والولي لا يملك ذلك، الولي لو أراد أن يقرض من مال الصبي لا يحق له إلا كما قلنا بالأمس إذا كان هذا من أجل حفظ المال أما الآن فغير وارد بوجود البنوك التي يمكن أن يحفظ فيها هذا المال، لكن بعض الأمثلة يختلفون فيها، هل هي من قبيل الضرر المحض أو لا؟ مثل الوصية والصلح والإعارة، لو أراد أن يعير أحداً شيئاً، أو أن يوصي، هل هذا ضرر محض أو لا؟

هل للصبي أن يوصي؟ من أهل العلم من يقول: لا يحق للصبي أن يوصي حتى يبلغ، وهذا منقول من ابن عباس والحسن ومجاهد وأبي حنيفة وهو الراجح عند الشافعية، يقولون: ليس من حقه أن يوصي وليس المقصود بالوصية كما يفعل بعض الناس أن يكتب وصيته: أوصِى أهلي وكذا بتقوى الله وأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإنما أوصَى الآن أن يُعطَى فلان كذا، وأن يُبنى له مسجد هل له ذلك أو لا؟ القول الآخر: أن الوصية تصح منه، وهذا منقول عن عمر وبه قال عمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس والشعبي والنخعي وإسحاق وأحمد ومالك، لكن بعضهم كمالك وإسحاق وأحمد حدد سن الصبي الذي تصح منه الوصية فإسحاق يقول: إذا بلغ اثنتي عشرة سنة، ومالك يقول: إذا أوصى وهو ابن عشر أو إحدى عشرة أو اثنتي عشرة سنة جازت، ما لم يوصِ بمعصية، ولم يخلط في وصيته، أي نعرف أنه يدرك ويفهم، والإمام أحمد يقول: من جاوز عشر سنين جازت وصيته إذا وافق الحق، يعني إذا أوصى بوصية لائقة تصلح أن تصدر من البالغين فلا إشكال، وأما من كان في السابعة والعاشرة فعلى روايتين، والمذهب على صحتها، هذا بالنسبة لوصية الصغير فالذين أجازوا ذلك عندهم ما يحتجون به، ونحن ليس عندنا دليل في الكتاب ولا في السنة، والآية عامة: إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [سورة البقرة:180] فلم تحدد الكبير فليس عندنا دليل من الكتاب ولا من السنة في مثل هذه المسائل الدقيقة، فإذا لم نجد فننظر فيما يصدر عن الصحابة وعمر بن الخطاب قيل له: إن هاهنا غلاماً يافعاً لم يحتلم من غسان، ووارثه بالشام وهو ذو مال وليس له هاهنا إلا ابنة عم له؟ فقال عمر بن الخطاب: فليوصِ لها، قال فأوصى لها مالاً يقال له: بئر جشم، فعندنا هذا الأثر، فإذا كنا لم نجد دليلاً ووجدنا هذا الأثر عن هذا الخليفة الراشد  فنقول: إذا أوصى بوصية يعقلها وتصلح أن تصدر من البالغين، ولم يوصِ بمعصية فلا إشكال في ذلك، ولهذا صح عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أنه أجاز وصية ابن ثلاث عشرة سنة، وصح عن شريح وعبد الله بن عتبة بن مسعود، وإبراهيم النخعي إجازة وصية الصغيرين إذا أصابا الحق، لكن هل له أن يقبل الوصية إذا أحد أوصى له هل له أن يقبل إذا كان غير مميز؟ الفقهاء متفقون على أنه ليس له الحق أصلاً في القبول والرد؛ لأن عبارته ملغاة، وإنما الذي يقبل عنه أو يرد هو الولي، وأما من كان ناقص الأهلية، يعني الصبي المميز فالأحناف يقولون: له القبول؛ لأن الوصية له نفع محض له كالهبة ولا استحقاق في الوقف، وليس له ولا لوليه الرد؛ لأنه ضرر محض فلا يملكونه، والجمهور يقولون: أمر القبول والرد عن ناقص الأهلية لوليه يفعل ما فيه مصلحة؛ لأنه قد يرى أن هذا الشيء الذي أُوصي به له لا يصلح لمثله وإن لم يكن شيئاً محرماً، فلو قال: هذا الجهاز للألعاب الفلانية أو هذا الجهاز في الكمبيوتر أوصِي به أن يكون لولد فلان، يا أخي نحن في غنى تفتح لنا هذا الباب! الولد في حلقة تحفيظ وفي مدرسته ومتفوق، فلوليه أن يرد؛ لأنه قد يفتح على نفسه باباً هو في غناء عنه، ولو قال له: هذا الوقف صدقة ونحو ذلك يعطي جزء منه خمسة في المائة من الغلة لولد فلان، فليس عنده من ينفق عليه، فقير ومحتاج، فلا يريد هذه الوصية، قد يقول هذا وليه، ومن الناس من يأنف من قبول أي شيء حتى ما يعرف الآن بالعيدية، التي تعطى للصغار لتفريحهم، بعض الناس يغضب ويؤدب أولاده ويضربهم إذا أخذوا من الناس شيئاً ويرى أنها نوع من الصدقة، مع أن المال الذي يعطى للإنسان إن كان المقصود به التلطف يقال له: هدية، وإن كان المقصود به الأجر فهو صدقة، وإن كان أعطاه لينتفع به فهذه تسمى عطية وهبة، وما قصد به التقرب إلى الله هذه صدقة، وإن كنت تقصد نفعه بهذا الذي أعطيته فقط هذه تعتبر هبة وعطية.

رابعاً: الصلح: الصلح قسمه بعض العلماء إلى ثلاثة أقسام:

النوع الأول: نوع يتفق فيه المتصالحان على أن يأخذ من له الحق نقداً أو عيناً غير المدَّعَى، فهذا البيع بلفظ الصلح تثبت فيه أحكام البيع، فإذا قلنا: ليس من حق الصبي البيع فليس من حقه إيقاع هذا الصلح، فلو وقع نزاع مثلاً في قضية مالية، كمن بنى في جزء من الأرض بناها وهي للصبي أخذ جزءاً منها عشرة أمتار من هذه الأرض وقال: يا جماعة أنا بنيت ما أدري، وإذا هدمت البيت سيتضرر بهذه الطريقة، ففعِّلوا صلحاً بيننا، وأنا سأعوض وأعطيكم أرضاً في مكان آخر قيمة هذه، هذا يعتبر كأنه بيع معاوضة، فهل للصبي أن يوقع هذا أو لا؟

النوع الثاني: أن يتصالحا على أن يأخذ هذا من له الحق بدل ماله منفعة كأن يقول: والله أنتم كم لكم خمسة عشر ألفاً؟ أنا عندي شقة روحوا اسكنوا فيها سنة، فهذه في الواقع إجارة وقعت باسم الصلح.

النوع الثالث منه: أن يتصالحا على أن يأخذ صاحب الحق بعض حقه الذي هو له، فهذا تنازل كأن يقول لك: ضع النصف كم تطالب مليون مثلاً؟ فيقول له القاضي: تنازل عن النصف ويعطيك خمسمائة ألف، فهذا تبرع، والعلماء اختلفوا في تبرع الصبي فالشافعية يقولون: ليس من حقه أن يتصرف بشيء من هذه التصرفات ومن ذلك هذه الأنواع الثلاثة في الصلح؛ لأن بيع الصبي وإجارته باطلان كهبته كيف يتبرع؟ كيف يؤجر أو يستأجر أو يبيع؟ الأحناف والحنابلة يقولون: إذا وجب دين للصبي مأذون له بالتجارة على الشخص فإن كانت له بينة على هذا الدين لم يصح الصلح؛ لأن الدين ثابت بالبينة، والحط تبرع والصبي لا يملك التبرع، هذا يقال في الإسقاط، لكن في المعاوضة هو بيع، أو في أن يعوضه منفعة فيقال: هذه إجارة، لكن يقولون: إن لم يكن له بينة سيضيع الحق وذاك منكر، وليس هناك مفر، فيقولون: فيه شيء من التعويض خير من ذهاب المال، يعني أنه مضطر لذلك.

خامساً: الإعارة: العلماء اختلفوا في إعارة الصبي، فالمالكية والشافعية والحنابلة يقولون: لا يصح، فليس المقصود أن يعير لعبة أو شيئا يسيراً، إنما الأشياء ذات القيمة المعتبرة، يقولون: لأنها إباحة المنفعة بلا عوض فيتبرع، فالصبي ليس أهلاً للتبرع.

والنوع الثالث: ما كان متردداً بين نفع وضرر، نعم فهو محتمل أن يؤدي إلى كسب وربح ويحتمل أن يؤدي إلى خسارة وفوات مثل البيع والشراء والإجارة والشركة والسلم، وغير ذلك من المعاوضات، يقولون: فالصبي إذا تصرف بشيء من هذه التصرفات إما أن يكون الذين لا يصححون شيئاً من هذا يبطلونه أصلاً، لكن الذين يقولون: هذه المسائل قابلة للنظر يقولون: إما أن يكون تصرف قبل إذن الولي وإما أن يكون تصرف بعد إذن الولي، فإن كان قبل إذن الولي فالأحناف والمالكية وهو رواية عند الحنابلة أن التصرف ينعقد صحيحاً لكن يتوقف على إجازة الولي، فإذا وافق مضت، وإذا لم يوافق فإن ذلك لا ينعقد، والشافعية والحنابلة يقولون بعدم صحة تصرف الصبي بدون إذن وليه، بمعنى الآن تصرف يقولون: هذا يحتاج إلى العقد من جديد إذا أذن الولي، والعقد السابق يقولون: ملغي، وقول آخر: العقد ليس صحيحاً بدون الإذن، فإذا الولي سوغ ذلك وأذن فيحتاج إلى عقد جديد، يقول: نذهب ونعقد على هذه الصفقة، وهذا يترتب عليه أشياء: المدة السابقة ما كانت محسوبة، لو أنه حصل فيها انتفاع، هل يحسب الإيجار من العقد الأول أو من العقد الجديد؟، تترتب على هذا أمور، كما لا يخفى.

الحالة الثانية: أن يتصرف الصبي بعد إذن الولي، فالعلماء مختلفون في هذا، فالأحناف والمالكية والحنابلة يقولون: للولي أن يأذن للصبي في التصرف معاوضة، ويكون تصرفه عندئذ صحيحاً، يقول له: لا بأس اشترِ هذا، اذهب واستأجر الشقة الفلانية من فلان، وعند الشافعية ورواية عند الحنابلة: أنه ليس للولي أن يأذن للصبي في التجارة، ولو أذن له فإن إذنه لا يصح، يقولون: ليس عنده أهلية، وهناك أمور تعم بها البلوى الآن، فالصغار الآن مثلاً يتصلون بالتليفون ويطلبون من المطعم، وقد لا يكون صبياً واحداً؛ لأن المطاعم ما يوصلون طلباً واحداً، هم عشرة في البيت مثلاً، وقد تكون القيمة التي طلبوا بها خمسمائة ريال وأكثر، وكل ليلة طلبٌ في هذا الصيف، والمطعم ليس مطالباً بأن يقول: أذن الولي أو ما أذن، والصغير لا يصدُقه في هذا، فالأمور الآن عمت بها البلوى وهي لا تبلغ أن تكون ذات خطر بالنسبة للأموال، فمثل هذه الأشياء يرخص فيها، وعلى الأولياء أن يحفظوا أولادهم وأن يؤدبوهم وأن يعلموهم، فلو قيل: إن الصبي لا يقع منه أي إبرام في معاوضة أو معاملة لَلَحِقَ الناسَ الحرجُ في أيامنا هذه؛ لأنه أصبحت هذه الأمور محط خلاف، وليس للصبي سيارة، والأماكن بعيدة فلا يذهب إلى السوق، ولكنه يتصل بالهاتف ويأتيه ما يريد، ويمكن أن يشتري عن طريق الإنترنت، فالأمور التي لها شأن نقول: تتوقف على إذن الولي، أما ما عمت به البلوى ويلحق الناسَ فيها حرجٌ ومشقة، فمثل ما مثلتُ من الأمور فلا إشكال، مثل شراء الصبيان للعب.

الرهن: هل للصبي أن يقدم شيئاً من ماله أو نحو ذلك رهناً لإنسان آخر؟ الشافعية والحنابلة يقولون: لا يصح رهنه ولو كان مأذوناً له في التجارة، وأما الشافعية الذين لا يصححون أي تصرف من الصبي أصلاً فمن باب أولى، أما الحنابلة فبناء على أنه تبرع، والصبي ليس بأهل للتبرع فيمنعون منه، والأحناف والمالكية يقولون: الصبي المأذون له في التجارة يصح منه الرهن؛ لأن الرهن من توابع التجارة فهو من باب إيفاء الدين وتوثيقه، إذا أذن له الولي.

النفقات الواجبة في ماله: إذا كان عنده زوجة فإنه يجب عليه أن ينفق عليها من ماله، ولا إشكال في هذا لكن إذا سُلِّمت له الزوجة، فلو أنه فقط عقد عليها وأهلها أبقوها عندهم وقالوا: إن شاء الله إذا كبر بعد عشرين سنة نزوجه، نحجزها له، فهنا لا نفقة لها عليه، وهذا ذهب إليه الأحناف والحنابلة، والأظهر عند الشافعية، أن الزوجة التي يمكن وطؤها وسلمت نفسها عند زوجها الصغير وجبت النفقة عليه.

النفقة على الأقارب، إذا كان الصبي له أب فقير، وله أم فقيرة، وله أخ فقير، فالمذاهب الأربعة على أن نفقة الأقارب التي تجب على البالغ الغني تجب أيضاً على الصغير الغني وأنه لا فرق بينه وبين الكبير البالغ؛ لأنها صلة عندهم تشبه المؤن، حيث تجب على الغني بكفاية أقاربه المحتاجين، والصبي أهل لوجوب المؤن عليه؛ لأن المقصود منها سد حاجة المحتاجين بالمال فالنيابة فيها ممكنة، وهذا لا إشكال فيه، يؤخذ من ماله، فالولي يأخذ من ماله وينفق بالمعروف على من تلزمه نفقته إذا كان الصبي غنياً، لكن الآن دية القتل الخطأ على العاقلة وليست على القاتل، والعاقلة فيهم أطفال أغنياء، لكن لا يؤخذ من أموالهم في الدية باتفاق المذاهب الأربعة.

وفيما يتعلق بالمعاملات فإن هذا الصبي في قضايا كثيرة لابد فيها من إشراف الولي، ومن إذنه، يعني معناها أنه محجور عليه؛ للصغر، ولابد من أمرين حتى يرفع الحجر عنه، حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا [سورة النساء:6]، حسن التصرف في المال، ولا يشترط الاستقامة في الدين، وإن اشترطها بعض أهل العلم؛ لأنه لو كان كذلك لبقي أكثر الناس وحُجر عليهم، لكن لو أنه بلغ ولم يحصل منه النضج وحسن التصرف في المال، فهنا يحجر عليه ولكن ليس لصغره وإنما لسفهه، قد يصل إلى الخمسين وهو لا يحسن التصرف بالمال، فهذا يحجر عليه، وبعض الناس يكون كالمعتوه، وبعضهم يكون عنده نوع من الخلل والنقص في عقله، يعني قد لا يكون مجنوناً تماماً، يعمل وبوظيفة وكذا ولكنه لا يوضع في يده مال، فهذا يحجر عليه، ويمكن أن يوضع المال عند زوجته هي التي تنفق عليه؛ لأنه لو أعطيته مائة أو ألفاً أو عشرة آلاف ذهب ولم يرجع منها بشيء، وهذا أيضاً قد يوجد عند الناس الذين عندهم فصام عقلي، ويسميه بعض الناس فصام في الشخصية، فتجده مع أكل الأدوية إلا أنه مثل الطفل، لربما ترى شكله وهيئته هو إنسان ما شاء الله، فإذا تكلم فهو مثل الطفل تماماً، كثير من هؤلاء يعطى المال فيضيعه، تعطيه قليلاً أو كثيراً وما يرجع منه بشيء، فهذا حجر سفه، فالرشد هو الحد الذي يدفع له فيه المال، والمقصود -على الراجح- البلوغ وحسن التصرف في المال، وبناء على ذلك ينفك عنه الحجر، ولا يحتاج هذا إلى القاضي ليفك عنه الحجر ولا غير ذلك، مجرد أن الولي رأى أن هذا الإنسان صار رشيداً يعطيه المال، ولا يحتاج فيه إلى أكثر من ذلك، على الأرجح، والمسألة ليست محل اتفاق. والله أعلم.

القسم الخامس: في أنواع متنوعة:

الأمر الأول: الأيمان والنذور: الصغير أحياناً يريد أن يثبت وجوده فيقول مثلاً: عليّ نذر إذا نجحت أن أذهب إلى العمرة، وعليّ نذر إذا نجحت أن أتصدق بخمسمائة، فهل يلزم؟ وهكذا اليمين يحلف، هل ينعقد هذا اليمين والنذر؟ أما غير المميز فلا عبرة بما يصدر منه، ولكن الكلام في المميز، فالذي عليه الجمهور أن يمينه غير منعقدة وكذلك النذر، وأنه لو حنث ولو بعد البلوغ لم تلزمه الكفارة، يعني حلف أن لا يكلم فلاناً، وعمره وقتها عشر سنوات، ثم كلمه يوم صار عمره خمس عشرة سنة، لا عبرة بما صدر منه قبل البلوغ من اليمين، لا عبرة بذلك، وهذا عليه عامة أهل العلم، وهو الأقرب -والله تعالى أعلم، وليس معنى ذلك أن يُترك يَنذر كما يشاء، هذه قضايا شرعية، ولهذا جاء عن إبراهيم النخعي -رحمه الله- أنهم كانوا يؤدبون الصبيان على الحلف، يضربونهم، يؤدبونهم؛ لأنه فيه نوع ابتذال وامتهان باسم الله ، فهذا لا يتفق مع تعظيم الله -تبارك وتعالى، فيعلّم، ما كلما قال كلمة قال: والله، لكن لا ينعقد يمينه، وهذا ليس محل اتفاق، فمن أهل العلم من قال: إنها تنعقد -يمين المميز، وبه قال جماعة قليلة من أهل العلم، وبعض أهل العلم مثل طاوس يقول: إنها معلقة، فإن حنث بعد البلوغ لزمته الكفارة، أما الجمهور فيحتجون بقول النبي ﷺ: رفع القلم عن ثلاثة[5]، فلا تنعقد يمينه، ولا يقع منه النذر.

 

الأمر الثاني: وهو ما يتعلق بالأدب واللباس والزينة: الاستئذان من القضايا المتعلقة بالأدب، والجمهور يقولون: يجب أمر الصغير المميز بالاستئذان، ومعروف أن غير المميز لا عبرة به، فيدخل ويخرج؛ لأنه لا يعرف عن العورات ولا يدرك، أما المميز فيؤمر بالاستئذان قبل الدخول في الأوقات الثلاثة التي هي مظنة كشف العورات، كما قال الله : لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ [سورة النور:58] إلى آخر الآية، فهذه أوقات مظنة أن الناس يضعون فيها الثياب ويتخففون فقد يقع منهم على ما يكرهون، يقع نظره على ما يكرهون أن يراه، وأما ما عدا ذلك من الأوقات فلا بأس أن يدخل ويخرج هذا الصبي من غير استئذان، لكن يحسن تعويده على ذلك، لكن قد يشق؛ لأن الصغير يخالط الناس كثيراً فهو من جملة الطوافين، و مسألة دخول الصبي واستئذانه أدب ينبغي أن ينبه عليه ويعلم ذلك، لكن الكلام في الوجوب، ابن عباس -ا- سئل عن هذه الآية، آية الاستئذان، فقال: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر، وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال، البيوت ما عليها لا أبواب ولا ستور، فإذا دخل من غير استئذان يرى كل شيء في البيت، يقول: فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل، والرجل على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمل بهذه الآية، يعني كأنه يرى أن العلة قد انتفت؛ لأنه صار فيه أبواب وستور، يدخل الولد، فإذا كان الإنسان في حالة لا يحب أن يراه الناس فيها يكون قد أغلق الباب، هكذا قال ابن عباس، والجمهور على أنه يجب الاستئذان في هذه الأوقات الثلاثة، فابن عباس كأنه يوجه ذلك إلى أن الحكم يدور مع علته، وأن العلة التي يتخوف منها وهي الضرر بسبب عدم الاستئذان قد زالت.

دخول الصغير غير المميز على النساء لا إشكال فيه، وإنما الكلام في المميز، فكثير من الناس يظنون أن القضية مرتبطة بموضوع البلوغ، بلغ أو ما بلغ؟، نتغطى عنه أو لا نتغطى؟، فالقضية لا تتعلق بالبلوغ، والله لم يذكر البلوغ، وإنما قال : أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:31]، والعلماء اختلفوا في المعنى المراد بقوله تعالى: لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء فابن كثير -رحمه الله- يقول: "يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتعطفهن في المشية، وحركاتهن وسكناتهن"، فهو غافل، لا يدرك هذه الأشياء، ، وبعض أهل العلم فسرها بقوله: أي لم يكشفوا عن عوراتهن لجماعهن، وهذا فيه غرابة، وبُعد، والأقرب -والله أعلم- هو ما ذكره ابن كثير، وذكره جماعة من السلف، فالضابط في هذه المسألة في دخول الصبي واحتجاب المرأة منه هو هل هذا الصغير يتفطن لعورات النساء أو لا يتفطن؟ فإذا كان يتفطن وينظر، ونظراته غير عادية، فهذا ينبغي أن يحتجب منه ولو كان ابن سبع سنين، ولا يدخل على النساء، وفي وقتنا هذا أصبح هذا الأمر أكثر خطورة؛ لأن الصغار للأسف الشديد تجد حتى في المدارس الابتدائية فيما نسمع من الأساتذة المعلمين ومن المدراء في كثير من الأحيان أن الصغار يتداولون شرائح جوال في المدارس ومقاطع بلوتوث وأشياء لا يعرفها آباؤهم وأمهاتهم في أمور المعاشرة والوقاع والفواحش، يرون مشاهد وأشياء هائلة، فمثل هذا الولد إذا خرج ما بين عينيه إلا ذلك المنظر، فكلما رأى امرأة كأنها عارية أمامه، فهذا خطير، فإذا كان الولد بهذه المثابة صاحب نظرات ويعرف ويشاهد ويدخل موقع في الإنترنت أو عنده الجهاز يرى فيه مقاطع من هذا، يقال: هذا يحتجب منه، هذا الولد لا يترك يدخل ويخرج، احتجبوا منه، لا يدخل على النساء، فليست المسألة مرتبطة بالبلوغ، ولهذا تجد بعض الناس الولد عمره أربع عشرة سنة ويكون ما بلغ ويدخل عند النساء، وهو لربما أخطر من كثير من البالغين، فهذه القضية يحتاج الناس أن ينبهوا عليها؛ لأن الغفلة فيها والجهل كثير، يظنون أن البلوغ هو الحد، مع أنه لم يذكر البلوغ في ذلك.

اللباس والزينة: هل تثقب إذن البنت أو لا؟

الجواب: لا إشكال في هذا، فيه إيلام، وفيه خرق للأذن، يعني كل هذا يسير ويذهب ألمه ونحو ذلك، عن ابن عباس -ا: "أن النبي ﷺ لما صلى يوم العيد، وفيه: "ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي قرطها"[6]، والقرط هو الحلي الذي يوضع في الأذن فدل على أنهم كان يخرقون الآذان ويضعون هذه الأقراط.

ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله: يجوز أن تثقب آذان البنات، وقد نص عليه الإمام أحمد، لكنه نص على كراهته في حق الصبي؛ لأنه ليس محلاً للحلية، أما البنت فهي بحاجة إلى الزينة، أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [سورة الزخرف:18].

وفي فتاوى الشيخ ابن عثيمين: ما حكم ثقب أذن البنت أو أنفها من أجل الزينة؟ الأنف يوضع فيه ما يسمونه الزمام، هكذا يسميه العامة، توضع فيه حلية، هذا كان موجوداً قديماً عندنا، ولا زال موجوداً في بعض البيئات.

فيقول في الجواب: الصحيح أن ثقب الأذن لا بأس به؛ لأن هذا من المقاصد التي يتوصل بها إلى التحلي المباح، وقد ثبت أن نساء الصحابة كان لهن أقراص يلبسنها في آذانهن، وهذا التعذيب تعذيب بسيط وإذا ثقب في حال الصغر كان برؤه سريعاً، أما ثقب الأنف فهو يقول: أنا لا أذكر فيه لأهل العلم كلاماً، لكنه يقول: فيه نوع من المثلة والتشويه للخلقة فيما نرى، وغيرنا يرى غير ذلك، فالشاهد يقول: إنه يراعى فيه البلد، فإذا كان من عادتهم وضع هذا فلا إشكال، وإلا فيستغنى عنه. هذا خلاصة الفتوى.

وسئل عن الوشم: إذا وشمت وهي صغيرة ماذا تفعل، هل عليها إثم؟ فذكر أنه محرم وأنه من الكبائر؛ لأن النبي ﷺ لعن الواشمة والمستوشمة، ثم ذكر أنه إذا وشمت الصغيرة ولا تستطيع منع نفسها عن الوشم فلا حرج عليها، وإنما الإثم على من فعل بها ذلك، ولكن تزيله إذا أمكن بعد ذلك، إذا لم يكن هناك ضرر، والآن أظن عمليات التجميل والعيادات الخاصة بهذا يزيلون الوشم.

وسئل: ما حكم إلباس الصبي الثياب التي فيها صور لذوات الأرواح؟ بعض الناس يقول: هذا صغير.

في الجواب: يقول أهل العلم: إنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم أن يلبس الكبير، وما كان فيه صور فإلباسه الكبير حرام، فيكون إلباسه للصغير حراماً أيضاً، وهو كذلك.

وسئل أيضاً: إن الألبسة صار عليها صور ممثلين إلى آخره، وأحياناً هناك صور مجسمة في الألعاب ونحو ذلك؟

يقول: اطلعت لفضيلتكم بجريدة المسلمون فتوى مفادها: أن التصوير المجسم هو الحرام وغير ذلك لا، فالشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- الذي الناس يحتجون بكلامه الآن وتوسعوا في التصوير جداً، وصاروا يصورون بمناسبة وبدون مناسبة، ويقولون: الشيخ ابن عثيمين يقول: يجوز.

يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله: من نسب إلينا أن المحرم من الصور هو المجسم وأن غير ذلك جائز فقد كذب علينا، ونحن نرى أنه لا يجوز لبس ما فيه صورة سواء كان من لباس الصغار أو من لباس الكبار، وأنه لا يجوز اقتناء الصور للذكرى أو غيرها إلا ما دعت الضرورة إليه أو الحاجة، مثل التابعية والرخصة.

وسئل هذا السؤال: بعض النساء -هداهن الله- يُلبسن بناتهن الصغيرات ثياباً تكشف عن الساقين، وإذا نصحنا هؤلاء الأمهات تقول: نحن كنا نلبس ذلك من قبل ولم يضرنا ذلك، تقول: ما يضرهن، لذلك إذا ذهبن إلى صالات الأفراح تعرين -هؤلاء الكبيرات؛ لأنهن تعودن على هذا من الصغر، فهي تقول: ما ضرنا!

الجواب: أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يلبس ابنته هذا اللباس وهي صغيرة؛ لأنها إذا اعتادته بقيت عليه وهان عليها أمره، أما إذا تعودت الحشمة من صغرها بقيت على تلك الحال في كبرها، ثم وجّه نصيحة للنساء أن يعودن بناتهن الحشمة والحياء واللباس الساتر، وما إلى ذلك.

وهذا يقول: أخي يلبس ابنته خماراً وعمرها أربع سنوات ويقول: من شب على شيء شاب عليه، لاحظ هذا الآن في الطرف الآخر، يغطي وجه البنت وعمرها أربع سنوات، ويلبسها عباءة، فكان في الجواب: الطفلة الصغيرة ليس لعورتها حكم، ولا يجب عليها ستر وجهها ورقبتها، ويدها، ورجليها، ولا ينبغي إلزام الطفلة بذلك، لكن إذا بلغت البنت حداً تتعلق به نفوس الرجال وشهواتهم، فإنها تحتجب دفعاً للفتنة والشر، ويختلف هذا باختلاف النساء، فإن منهن من تكون سريعة النمو جيدة الشباب، ومنهم من تكون بالعكس.

ألعاب الصغار: ثبت عن أم المؤمنين عائشة -ا- قولها: كنت ألعب بالبنات عند النبي ﷺ وكان لي صواحب يعلبن معي، فكان رسول الله ﷺ إذا دخل يتقنعن... فيسربهن إليّ فيلعبن معي[7].

وقالت -ا: "قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك أو خيبر وذكرت أنه في مكان في سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بناتٍ لعائشة -ا- لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟، قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رِقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟، قالت: فرسي، قال: وما هذا الذي عليه؟، قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟، قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه"[8].

فهذا الحديث يدل على شيئين: يدل على أنه يجوز لعب البنات، ألعاب البنات؛ لأنها تتعلم الأمومة بها، والأمر الثاني: يجوز لها أن تقتني أيضاً غير البنات، حيوانات؛ لأنه هذا فرس وله أجنحة، فدل ذلك على جوازه، والله أعلم.

والحافظ ابن حجر -رحمه الله- يقول: إنه استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض، ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع لعب البنات للبنات؛ لتدريبهن من صغرهن على أمور البيوت والأمومة.

وفي فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله، سئل عن العرائس المصنوعة من القطن ولها يد ورأس وإلى آخره، وتلك الصور القريبة من الواقع، التي تتكلم وتبكي وتصيح ولها عيون ومفصلة؟

فقال: أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس ولكن لم تتبين فيه الخلقة فهذا لا شك في جوازه، وأنه من جنس البنات التي كانت عائشة تلعب بهن، أما إذا كان كامل الخلقة كأنما نشاهد إنساناً ولاسيما إن كان له حركة أو صوت فإن في نفسي من جواز هذه شيئاً؛ لأنه يضاهي خلق الله تماماً، والظاهر: أن اللعب التي كانت عائشة تلعب بهن ليست على هذا الوصف فاجتنابها أولى، ولكني لا أقطع بالتحريم؛ نظراً لأن الصغار يرخص لهم ما لا يرخص للكبار في مثل هذه الأمور، فإن الصغير مجبول على حب اللعب والتسلي، وليس مكلفاً بشيء من العبادات حتى نقول: إن وقته يضيع عليه لهواً وعبثاً، وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقطع الرأس أو يحميه على نار حتى يلين ثم يضغطه حتى تزول المعالم.

وعلى كل حال لعب البنات الأقرب -والله أعلم- أنها جائزة بجميع أنواعها، ما لم يكن ذلك فيه منكر آخر، مثل أن تكون صورة امرأة عاهرة أو ممثلة أو نحو ذلك يتربى البنات على التعلق بها، فهذا لا يجوز، وإذا أراد الإنسان أن يحتاط فإنه يترك ما كان فيها تفاصيل دقيقة.

وهذا أيضاً سؤال: هل هناك فرق بين أن يصنع الأطفال تلك اللعب وبين أن نصنعها نحن لهم أو نشتريها لهم؟

الجواب: أنا أرى أن صنعها على وجه يضاهي خلق الله حرام، وهناك فرق بين اقتنائها وبين صنعها؛ لأن هذا من التصوير الذي لا شك في تحريمه، ولكن إذا جاءنا من النصارى أو غيرهم من غير المسلمين فإن اقتناءها كما قلت أولاً، لكن بالنسبة للشراء بدلاً من أن نشتريها ينبغي أن نشتري أشياء ليست فيها صور، كالدراجات أو السيارات أو الرافعات وما شابه ذلك، أما مسألة القطن والذي ما تبين له صورة على الرغم مما هناك من أنه أعضاء ورأس ورقبة، ولكن ليس فيه عيون ولا أنف فما فيه بأس؛ لأن هذا لا يضاهي خلق الله.

وسُئل أيضاً: ما حكم صنع ما يشبه هذه العرائس من مادة الصلصال ثم عجنها؟

الجواب: كل من صنع شيئاً يضاهي خلق الله فهو داخل في الحديث، وهو لعن النبي ﷺ للمصورين، وقوله: أشد الناس عذاباً يوم القيامة[9]، لكن كما قلت: إذا لم تكن الصورة واضحة أي ليس فيها عين ولا أنف ولا فم ولا أصابع فهذه ليست صورة كاملة ولا مضاهية لخلق الله.

وسُئل -رحمه الله: ما حكم شراء الحيوانات المصنوعة من المطاط كألعاب الأطفال؟

الجواب: استعمال الصور الكاملة محظور شرعاً، أما لعب الأطفال فالأولى تشويهها إذا كانت مع الطفل، ولكن عدم شرائها أولى، وهذا الكلام كله في لعب البنات أما الولد الذكر فلا.

وسُئلت اللجنة الدائمة: ما حكم هذه اللعبة التي ظهرت في الأسواق، سئلت عن الذي يسمونه الصغار الفريرة، إذا كان فيها تماثيل صور لاعبين، يعني ليس مجرد القطع التي فيها صور لاعبين.

الجواب: إذا كان حال هذه اللعبة ما ذكر من وجود تماثيل بالمنضدة التي يلعب عليها، وأيضاً يقولون: يدفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة لصاحبها، يقولون: فهذه محرمة، وذكروا أموراً:

الأول: أن الاشتغال بهذه اللعبة من اللهو الذي يقطع على اللاعب بها فراغه، ويضيع عليه الكثير من مصالح دينه ودنياه، إلى آخر ما ذكروا.

ثانياً: صنع التماثيل والصور واقتناؤها من كبائر الذنوب للأحاديث الصحيحة.

ثالثاً: دفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة محرم؛ لأنه إضاعة وإسراف للمال بإنفاقه في لعب ولهو، وإيجار اللعبة عقد باطل، وكسب صاحبها منها سحت وأكل للباطل.

فهذا يقولون: من القمار، هذه لعبة الفريرة التي فيها صور مجسمة.

مسألة: لو جنا الصغير جناية، فلو قتل مورِّثه هل يمنع من الميراث؛ لأن القاتل لا يرث، لكن لو طفل غير مكلف، فالمالكية والشافعية والحنابلة يقولون: إن الصبي إذا قتل مورثه وتحققت فيه شروط القتل المانع من الميراث فإنه لا يرث، يقولون: لا يرث.

الصغير غير المميز لا تطبق عليه عقوبة أصلاً؛ لأنه لا عبرة بما يصدر منه.

الثاني: الصبي المميز هذا لا تطبق عليه لا الحدود ولا القصاص، لكن يؤدب على ما ارتكب بما يتناسب مع سنه، بالتوبيخ أو الضرب غير المبرح.

لكن لو كانت جنايته من باب الإتلاف، أتلف أموالاً لآخرين، فإنه يجب عليه ضمان ما أتلفه من ماله، لو قتل إنساناً خطأً فتجب الدية في ماله، هكذا قال بعض أهل العلم.

فالمذاهب الأربعة متفقة على أن الصبي مؤاخذ بأفعاله في باب الإتلاف، فيضمن ما أتلفه من مال؛ لأن هذا من خطاب الوضع، وليس من باب خطاب التكليف.

وهناك مسائل يستثنيها بعض أهل العلم، يقول: مثلاً لو أنه تلف في يده، أو أتلف شيئاً اقترضه من رشيد -من إنسان كبير- أقبضه إياه، أو وديعة أعطاها لهذا الصغير، فهو الذي سلطه عليها، وهذا الصغير ليس بأهل لأن يعطى الوديعة ليحفظها، فأعطاه هذه الوديعة فضيعها وذهب وتركها، واقف في السوق وجاءه واحد وقال: أنا أشترى هذه البضائع اجعلها عندك يا ولدي حتى أجيء، والصغير راح وتركها، فهو الذي فرط، الكبير هذا الذي أودعه، أو أقرضه، وقال: أنا سأعطيك قرضاً، خذ هذه خمسة آلاف لهذه الأجازة لأجل أن تذهب وتلعب فيها، قال له: أعطني سلفاً، فقال: تفضل هذه خمسة آلاف، فنقول له: أنت المفرط وأنت المضيع، لماذا تمكنه من ذلك، وتعطيه وتسلطه على هذا المال؟، لكن إن قبضه من صبي مثله فإن كان من غير إذن الوليين المقرض والمقترض يقولون: فإنه يضمن كل واحد منهما ما قبضه من الآخر؛ لأنه إتلاف بغير حق، وإن كان القبض والإقباض بإذن الوليين فالضمان عليهما؛ لأنهما هما اللذان سلطا الصبيين على المال، فهذا تفريط منهما.

العقوبات: يجعلونها على ثلاثة أنواع: عقوبات حق خالص لله تعالى، مثل حد الزنا والسرقة والمسكر، فهذه لا تطبق على الصغير، عقوبات اجتمع فيها حق الله، وحق العبد، لكن حق العبد غالب مثل القصاص، فهذه لا تطبق على الصغير، عقوبات اجتمع فيها حق الله وحق العبد، لكن حق الله -تبارك وتعالى- غالب، وهذا حد القذف على خلاف في ذلك، فهذا لا يطبق عليه، فالمذاهب الأربعة يقولون: الصبي ليس بأهل لأن تطبق عليه هذه العقوبات، وإذا ارتد غير المميز فلا عبرة بما يصدر عنه، لكن إذا صدرت منه ردة وهو مميز، كأن يكون عمره عشر سنوات مثلاً، فالعلماء مختلفون في ذلك، فأبو حنيفة ومحمد بن الحسن يقولون: إن ردته معتبرة، وهو مذهب الحنابلة أيضاً، والمعتمد عند المالكية، يقولون: إذا ارتد الصبي وهو مميز فإنه لا يرث ولا يورث ولا يغسل، ويفسخ نكاحه من زوجته المسلمة، لكنه لا يقام عليه حد الردة؛ لأنه ليس بأهل، لكن يكون خرج من الإسلام، فإذا بلغ استتيب فإن تاب وإلا قتل، يقولون: فيكون بهذا كالذي ارتد وهو بالغ، أما الشافعية وأبو يوسف وزفر من الحنفية فيقولون: لا تعتبر ردته، وهذه رواية عن الإمام أحمد، والأقرب      -والله تعالى أعلم- أن الصبي المميز الذي يفهم ويدرك ويعقل إذا ارتد عن الإسلام ردته تقع، لكن لا يقام عليه حد الردة؛ لأنه ليس بأهل.

وفي فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يسأل، يقول: لمّا كان في الرابعة عشرة من عمره كان يسرق أموالاً من صديق لأبيه يأتي من دولة أخرى فيأخذ بتلك العملة ثم يذهب إلى الصرافين ويصرف، ثم يقول: أنا نادم الآن، ماذا أصنع؟

فالجواب: يجب عليك أن تردها إلى صاحبها بأي طريق يوصلها إليه، وليس لك التصرف فيها.

الجناية على الصغير: نبدأ بالجناية على الجنين، إذا كان هذا في بطن أمه، من يتعدى على الجنين، في حديث أبي هريرة : "أن النبي ﷺ قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصاب بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها، فاختصموا إلى النبي ﷺ فقضى أن دية ما في بطنها غُرَّةٌ: عبد أو أمة"[10]، بمعنى أن ذلك يقدر بخمسة من الإبل، يعني عُشر دية الأم، يعني لو قلنا: الدية تبلغ مائة وعشرين ألفاً، ودية المرأة نصف دية الرجل، يعني ستين ألفاً، وعُشر الستين ستة آلاف، فلو أن أحداً تسبب في إسقاط الحمل، بشرط أن يكون خرج منها بصورة إنسان، ليس نطفة أو علقة، على تفاصيل فإنه يكون عليه الدية، عشر دية الأم، فإذا كانت هي التي أسقطته، فإنها تكون للأب، يعني لزوجها، لوالد هذا الجنين، فإذا كان الأب هو الذي أسقطه فإنه يكون لها وللوارثين الآخرين، الأب الآن حجب من الميراث بجنايته، فيعطى أوْلى رجل ذكر، يعطى الباقي لأولى رجل ذكر، إلا إذا تنازلوا.

وجاء عن عمر أنه استشارهم في إملاص المرأة، يعني الإسقاط قبل التمام، فقال المغيرة: قضى النبي ﷺ بالغُرّة عبد أو أمة، فاتفق أهل العلم أن دية الجنين هي الغرة سواء كان الجنين ذكراً أو أنثى، لا نقول: إذا كانت بنتاً التي سقطت فثلاثة آلاف ريال، وإذا كان ذكراً فستة آلاف، فهم سواء لا فرق، وسواء كان خلقه كامل الأعضاء أو ناقصاً، أو منذ أن تصور فيها خلق إنسان، فهذا بالإجماع، وتكون للوارثين.

الحنابلة يرون أنه إذا سقط لستة أشهر فصاعداً ففيه دية كاملة، لكن إذا ألقت لحماً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس فيه الدية، لكن إن قال أهل الخبرة: إنه فيه بداية خلق إنسان، صورة، فيه تخطيط يسير، في البداية، هو بداية خلق إنسان، إن قال أهل الخبرة ذلك فالحنابلة يرون أن فيه غرّة؛ ولهذا قيل بالإجماع: لا يجوز إسقاط الجنين بعد نفخ الروح، هذا بالإجماع، حتى لو قالوا: الجنين مشوه، الجنين يمكن أن يكون ولد زنا، نقول: لا يجوز أن يسقط، هذه جناية على نفس نفخت فيها الروح، لكن الكلام فيما كان قبل نفخ الروح، وإسقاطه في الأربعين أسهل، حينما كان نطفة، فإن لم يكن ففي العلقة، لكنه إذا صوّر بصورة إنسان في مرحلة المضغة فعندئذ هذا يكون فيه الدية، وعلى تفاصيل في ذلك هل يجوز إسقاطه إذا خشي على الأم أو لا؟.

والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- يقول: إن المرأة إذا أسقطت في هذه المرحلة يعني مرحلة المضغة منذ الطور الثالث، فلهذا أربع حالات:

الأولى: أن يكون ظهر في تلك المضغة شيء من صورة الإنسان، يد، رجل، رأس أو نحو ذلك، فهذا تنقضي به العدة، الآن هذه متوفى عنها زوجها مثلاً، أو مطلقة وأسقطته وفيه صورة إنسان الذي سقط، هذه تنقضي به العدة خلاص، تعتبر أسقطت حملها، وضعت حملها، وتلزم فيه الغُرّة، يقول: هذا لا خلاف فيه بين من يعتد به من أهل العلم.

الحالة الثانية: أن تكون المضغة لم يتبين فيها شيء من خلق الإنسان، ليس لها رأس، ولا لها يد، ولكن شهدت الثقات من القوابل -ويمكن أن نقول: تقرير طبي- أنهن اطلعن فيها على تخطيط وتصوير خفي، يقول: الأظهر في هذه الحالة أن حكمها كحكم التي قبلها؛ لأنه قد تبين بشهادة أهل المعرفة أن تلك المضغة جنين في صورة تخطيط خفية.

الحالة الثالثة: أن تكون تلك المضغة ليس فيها تخطيط ولا تصوير ظاهر ولا خفي، ولكن شهد ثقات من القوابل أنها مبدأ خلق آدمي، هذه فيها خلاف كثير بين أهل العلم، فمنهم من يقول: هذه لا تعتبر ولا تنقضي بها العدة، ولا تجب فيها غرة على من تسبب أو من باشر.

وابن قدامة -رحمه الله- يقول: هذا هو ظاهر كلام الخرقي والشافعي وظاهر ما نقله الأثرم عن الإمام أحمد -رحمه الله، وظاهر كلام الحسن والشعبي وسائر من اشترط أن يتبين فيه شيء من خلق الإنسان؛ لأنه لم يتبين فيه شيء من خلق الآدمي فأشبه النطفة والعلقة، قطعة لحم ما فيها أي تشكيل ولا تخطيط، ولا تصوير، فلا عبرة بها، وبعض أهل العلم يقول: تنقضي بها العدة، وتجب فيها الغرة، وهي رواية عن الإمام أحمد.

والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- يرجح أنه إذا شهد فئات من القوابل العارفات بأن تلك المضغة مبدأ خلق جنين ولو لم يكن فيها أي تصوير لآدمي يقولون: لو بقيت لتخلقت إنساناً، يقول: إنها تنقضي بها العدة وتصير، وبذلك تجب الغرة على الجاني.

الحالة الرابعة: أن تكون مضغة ليس فيها لا تخطيط ولا تشكيل ولا مبدأ خلق إنسان، ما شهدوا بهذا، فهذه كحكم العلقة لا تنقضي بها العدة، ولا يثبت بها غرة على من أسقطها.

أما بالنسبة للصلاة عليه وتكفينه، فأما من تم له أربعة أشهر نفخت فيه الروح فإنه يصلى عليه ويكفن ويغسل ويدفن في مقابر المسلمين، وما قبل ذلك فإن كان فيه تصوير خلق إنسان يدفن في مكان نظيف ونحو هذا.

أما الذي ليس فيه أي تصوير ولا تشكيل فإنه يرمى، وإذا ماتت الأم والجنين في البطن هل يشق البطن فيستخرج أو لا؟

الذي عليه عامة أهل العلم أنه يشق البطن، الأولون يعني العلماء قديماً يقولون: يشق البطن طولاً، ينظرون إلى ناحية المثلة، ومصلحة المرأة، ولكن الآن هذه القضية أصبحت سهلة، ليس فيها مثلة، الآن أظنه يشق عرضاً في العمليات القيصرية، يشق ويستخرج ويخاط البطن ولا يحصل بهذا أي إشكال، فلا إشكال فيه.

والإمام أحمد -رحمه الله- يقول: لا يشق وإنما يستخرجه القوابل، يعني: عن طريق الفرج، تدخل يدها وتخرج الصبي، لكن هذا خطر على الصبي، قد يتمزق، قد يموت، قد يخنق، ولكن لا بأس أن يشق البطن بلا إشكال ولا تردد، يشق البطن ويستخرج الجنين، والله يقول: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة:32].

الجناية على الطفل غير الجنين: ثبت في حديث ابن عباس في جوابه لنجدة الحروري قال: "وإن رسول الله ﷺ لم يكن يقتل الصبيان، فلا تقتل الصبيان"[11]، وحديث ابن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي ﷺ مقتولة فأنكر النبي ﷺ قتل النساء والصبيان، ولهذا نقل النووي -رحمه الله- الإجماع على العمل بهذه الأحاديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا، فإن قاتلوا فإن الجمهور على أنهم يقتلون، وذكر الحافظ نقل الإجماع على منع قصدهم بالقتل.

وجاء من حديث بريدة قال: "كان رسول الله ﷺ إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، قال: اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً[12]، عند ذلك يمكن أن يقتلوا، لكن لا يقصدون ابتداء، ولهذا جاء في تبييتهم ليلاً لما سئل النبي ﷺ وقيل له: معهم صبيان وكذا، قال: هم منهم[13]، وفي حديث عطية القرظي: كنت من سبي بني قريظة فكانوا ينظرون فمن أنبتَ قُتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت[14]، ولهذا الإنبات يعتبر علامة من علامات البلوغ.

وفي فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين -رحمه الله: هذه امرأة خرجت ذات يوم لزيارة بعض صديقاتها بعد صلاة العصر، الشاهد خلاصة السؤال الطويل، أنه في حفريات قريبة من البيت، عند بيت الجيران، الصبي هذا صغير يبلغ من العمر قرابة أربع سنوات متعود يخرج للشارع مع إخوانه، عمال الحفريات موجودون، فالذي حصل أنه سقط في إحدى هذه الحفر ومات مباشرة، تسأل تقول: هل أنا مفرطة هل عليّ شيء؟

الجواب: ما دام أن الأم لم تفرط ولم تخرجه وحده إلى الشارع والمجاري محفورة فإنه لا شيء عليها؛ لأن هذا مما جرت به العادة، أن المرأة تخرج لحاجتها وولدها في البيت، وأما إذا كانت مفرطة فأخرجته إلى الشارع وليس لديه من إخوانه من يحفظه من هذه المجاري، والذين هم أكبر منه فإنها بذلك تكون مفرطة، وعليها صيام شهرين متتابعين؛ لأنه يجب على من يرعاه أن يحفظه... إلى آخره.

فضابط المسألة التفريط، تبقى بعض الصور فيها تردد هل فيها تفريط أو ليس فيها تفريط؟، وأحياناً يترك الأمر لها، يقال: أنتِ أدرى.

وهذا أيضاً رجل يسأل يقول: ابتليت في هذه الحياة أن تسببت في حادث نتج عنه دهس ولدي حتى الوفاة؟

فالجواب: إذا كان هذا الذي ألقى بنفسه بين يدي السيارة مع كون أبيه يمشي مشياً معتاداً، ولم يتمكن من إيقاف السيارة فليس على أبيه ضمان ولا كفارة، أما إذا كان هذا من تصرف الأب، يعني تفريطه، فعليه الدية والكفارة، والمعروف أن دية الخطأ تكون على العاقلة، وتكون للأم ولإخوانه إن كان له إخوان أو لأعمامه أو لبني عمه، أما الكفارة فتلزمه وهي شهران متتابعان -عتق رقبة لكن لا يوجد فذكر الصيام- فإن لم يستطع فلا شيء عليه إطلاقاً، يعني من الصيام.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة، يسأل يقول: كنت عائداً من العمل، وسأذهب، عندي مزرعة فيقول: حركت سيارتي وإذا ببنتي الصغيرة تبلغ ثلاث سنوات فدهستها ولم أشعر بذلك، كانت خلف السيارة فهل عليّ شيء؟

الجواب: إذا كان الواقع كما ذكرت فقتلك إياها خطأ لتفريطك في تفقد ما حول سيارتك، وعليك ديتها لورثتها، إلا أن يتنازلوا عنها، ولا ترث أنت منها، وعليك أيضاً كفارة القتل الخطأ وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم شهرين متتابعين، ولا يكفي عن ذلك أن تطعم مساكين أو تدفع نقوداً.

في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً هذه امرأة معها بنت تبلغ من العمر سنتين، وجلست بنتها عندها، هذه خلاصة الفتوى الطويلة، عندها دلة قهوة أو شاي حارة جداً، فهي جالسة عند البنت فالتفتت إلى ناحية أخرى تغسل فناجين أو كذا فانسكبت هذه القهوة على البنت ودخلت في أحشائها لما سقطت البنت، فماتت بعد أربع وعشرين ساعة، تقول: هل عليّ شيء؟

الجواب:

السائلة هي أدرى بالظروف والملابسات المحيطة بهذه المسألة، فإن غلب على ظنها أنها مفرطة في تلك البنت حتى حصل لها ما حصل وكانت الأم سبباً في ذلك فعليها الكفارة، وهي عتق رقبة فإن لم تستطع فإنها تصوم شهرين متتابعين.

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله: امرأة لها ابن عمره سنتان خرج من المنزل إلى الشارع فصدمته سيارة أحد أقاربه من غير قصد هل يلزم أمه شيء؟

الجواب: إذا كان الواقع ما ذكر في السؤال فليس على أم الطفل شيء، وإنما الدية والكفارة على الذي دهس الطفل، هذا بناء على القاعدة "إذا اجتمع المسبب والمباشر فإنه يرجع إلى المباشر"، لكن في مثل -أعزكم الله- الذي سقط في البالوعة ما في مباشر، فيرجع إلى المتسبب إذا كانت الأم مفرطة في ذلك.

وهذا في فتاوى اللجنة الدائمة، سؤال طويل خلاصته أنه يقول: حفرت بئراً من أجل أن أستقي منها ويستقي الجيران، فبنتٌ عندنا تستقي لنا منها عمرها خمس سنوات، دائماً... فتستقي الماء بلا إشكال، يقول: فأتينا يوماً فوجدناها قد سقطت فيها وماتت؟

الجواب: إذا كان الواقع من حالك وحال البنت ما ذكرت فليس عليك دية ولا كفارة، لمجرد أنك حفرت البئر لا يعتبر سبباً للإثم أو إدانتك بشيء.

وهذه في فتاوى الشيخ ابن عثيمين، خلاصة السؤال: هذه بنت تذاكر وأغلقت على نفسها، بنت صغيرة أغلقت على نفسها باب الغرفة وجلست تنظر من النافذة وتلعب بحبل الستارة فلما دخل عليها أخوها وجدها قد انخنقت بحبل الستارة وماتت، فجاءت الأم، فوجدتها على هذا الحال، فتقول: هل عليّ شيء، أنا مفرطة؟

الجواب: ليس عليك شيء بالنسبة لهذه الحادثة كما وصفت؛ لأنها هي التي قتلت نفسها فلا إثم يلحقك ولا دية ولا كفارة.

وفي فتاواه أيضاً: هذا يقول: أتيت ذات يوم من المستشفى بطفلي الذي يبلغ من العمر عاماً واحداً، هذه امرأة تقول: فوضعته بجانبي فجاءت أخته الكبرى، فوضعت إبريق شاي على الأرض دون علمي، فانسكب الشاي على رجل الطفل، وأصيبت بحرق فمات، تقول: هل عليّ شيء؟

فأجاب: إن كان قد مات فإنه لا شيء عليك؛ لأنك لست متسببة، لكن ينظر في حال هذه الأخت فإن كانت بالغة عاقلة وقد أدنت الشاي منه بحيث إنه لو تحرك أدنى حركة يصيبه ذلك، فإنها تكون متسببة وينظر فيها، وأما إن كانت صغيرة لم تبلغ فلا شيء عليها؛ لأنها غير مكلفة.

في فتاوى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله، هذا يسأل عن أمه وضعت طفلة صغيرة لها في محضن من الجلد معلق، يقول: وعادة يضعون فيه هذه الطفلة، فرجعت إليها بعد نصف ساعة فوجدتها ميتة، تقول: هل علي شيء؟

الجواب: إذا كانت هذه الأم وضعتها في هذا المحضن وضعاً عادياً، وليس عليها ضيق منه أو خنق فإنه لا شيء عليها حينئذ إذا وجدتها ميتة بعد ذلك؛ لأنها لم تتسبب. هذا خلاصة الفتوى.

وسُئل أيضاً: أن أمًّا جاءت متعبة بعد العمل في المزرعة وقت الحصاد وعند المبيت كانت بجانبها طفلتها التي تبلغ من العمر أربعة أشهر فنامت بعد إرضاعها، ولكن عندما استيقظت صباحاً وجدت الطفلة قد ماتت بجانبها، تقول: هي لا تعلم ما سبب الموت، هل الأم هي السبب بأن غطتها بغطاء ثقيل، حجب عنها الهواء أو انقلبت عليها ليلاً دون وعي، وهذا يتكرر ويقع، وأحياناً تكون انخنقت بسبب الثدي، يضغط على أنفها فتنخنق وتموت، طبعاً تقرير الأطباء الآن يوضح هذا.

فالجواب: ما دامت لا تعلم سبب الموت فإنه لا شيء عليها؛ لأن الإنسان قد يموت وهو في منامه، والأصل براءة الذمة، هذه خلاصة الفتوى.

وفي فتوى أخرى: امرأة كانت حاملاً وكانت تقوم بأعمال كثيرة أثناء شهر رمضان مع أنها صائمة، الحاصل أن هذا الحمل نزل ميتاً، فتقول: هل أنا متسببة بسبب هذه الأعمال؟

الجواب: ليس عليها شيء من جهة هذا الطفل؛ لأنه ليس من المعلوم أنه مات بسبب هذا الإرهاق الذي حصل لها في رمضان، وإذا لم يكن ذلك معلوماً فالأصل براءة الذمة وعدم لزوم شيء، وعلى هذا فلا شيء عليها.

وهذا بخلاف من تعمدت، بعض النساء تقول: أتعمد أطلع وأنزل السطح، الدرج، وأحمل أشياء ثقيلة من أجل أن يسقط الجنين، فهذه نقول: متسببة إذا سقط منها مثل صورة إنسان، كما في الكلام السابق.

وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- عن المرأة التي وجدت بنتها في فراشها ميتة؛ لأنها أمٌّ ذهبت إلى أطفالها الآخرين وجلست تنومهم ثم نامت عندهم فلما رجعت للبنت وجدتها قد بكت كثيراً وماتت؟

الجواب: إذا كان الواقع ما ذكره السائل فليس على أم الطفلة شيء لكونها لم تفعل ما يسبب موتها.

وفي فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- هذا يسأل أن أمه كانت تعمل في المزرعة وبعد يوم شاق جاءت، المهم أنها أرضعت الطفل أو الطفلة ثم وجدتها ميتة لا تدري هل هو بسبب أنها انقلبت عليها؟، نفس السؤال السابق للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله.

فالجواب: الاحتياط لها أن تكمل صيام ستين يوماً متتابعة؛ لأن الظاهر من الحال أنها ماتت بسببها إذا لم تعلم سبباً آخر، ومن القواعد الشرعية العمل بالاحتياط، لاحظ: هنا من باب الاحتياط، والشيخ ابن عثيمين قال: الأصل براءة الذمة ولا يعلم سبب الموت، ولا يلزمها شيء، فمثل هذه المسائل ينظر فيها إلى الملابسات، وأيضاً التقرير الطبي مفيد في هذه القضايا.

وسُئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله: هل يقتل الرجل إذا قتل ابنه؟

الجواب: جمهور أهل العلم لا يرون أن الوالد يقتل بولده إذا قتله عمداً، وذكر بعد ذلك الخلاف في هذا، وقال: إن هذا يرجع فيه إلى المحاكم في النهاية.

الأقضية: وهذه المسألة من المسائل المتنوعة، فالطفل الذي قُتل أبوه وهو حمل في بطن أمه، هل ننتظر إلى أن يبلغ ثم نوجه له السؤال هل تتنازل أو لا؟ قد وُجد أبناء آخرون من الوارثين غير هذا الولد الصغير، فهل ننتظر حتى يبلغ الصغار ونسألهم: هل تريدون القصاص أو تتنازلون، لأنه إذا تنازل واحد سقط القصاص، فيرجع إلى الدية؟.

فأولياء المقتول لهم حق في القصاص، قد يكونون جماعة، وقد يكون واحداً، قد يكونون كباراً وقد يكونون صغاراً، وقد يكون بعضهم كباراً وبعضهم صغاراً، فإذا كان ولي الدم صغيراً هل ينتظر أو ما ينتظر؟، الشافعية والحنابلة يقولون: ينتظر؛ لأن القصاص للتشفي فحقه التفويض إلى اختيار المستحق، فلا يحصل المقصود باستيفاء غيره من ولي أو حاكم أو بقية الورثة، ننتظر حتى يبلغ ثم بعد ذلك نوجه إليه السؤال.

شهادة الصغير: الشهادة يشترط فيها أن يكون الشاهد في الأصل بالغاً عاقلاً، والله يقول: مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء، فلا تقبل شهادة الطفل في الأصل؛ لأنه لا تحصل الثقة بقوله، ولا يتمكن من أداء الشهادة، والله يقول: وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء [سورة البقرة:282]، ولهذا اتفق الأئمة الأربعة على أن الصبي المميز إذا شهد ثم طُلب إليه أن يشهد بما رأى بعد بلوغه قبلت شهادته، فإذا توفرت فيه شروط الشاهد الأخرى، فهو أهل للتحمل عندهم، تحمل الشهادة بالاتفاق، لكن اختلفوا في قبول شهادته وهو صبي، فهل هو أهل لقبول الشهادة؟

الأحناف والشافعية والحنابلة يقولون: لا تقبل شهادة الصبيان مطلقاً، وبهذا قال عمر وعثمان وابن عباس من الصحابة ، وقاله جماعة كثيرة من السلف، أما المالكية فقالوا: إنه تقبل شهادة الصبيان على بعضهم في الجراح والقتل، قالوا: لأن نزاعات الصبيان غالباً لا يحضرها الكبار، فهذا الصبي شج أو قتل كيف نعرف القاتل؟ جاء الصبيان يردون، سألناهم مِمن؟ قالوا: هذا هو الذي قتل، هل تقبل شهادتهم على بعضهم، ما هو على الكبار، على الصغار، على الصبيان من أمثالهم؟

فالمالكية يقولون: تقبل، واشترطوا لذلك شروطاً: أن يكون مميزاً، أن يكون ذكراً؛ لأن الإناث لا مجال لهم في قضايا الجراح والدماء، وكذا في الشهادة، حتى الكبيرة، أن يكون أكثر من واحد، أن لا يكون بين الشاهد والمشهود عليه عداوة سواء بين الصبيان أو بين آبائهم.

فابن أبي مليكة كان قاضياً لابن الزبير فأرسل إلى ابن عباس يسأله عن شهادة الصبيان فلم يجزهم، ولم يرَ شهادتهم شيئاً، فسأل ابن الزبير، فقال: إذا جيء بهم عند المصيبة جازت شهادتهم، يعني: قبل أن يذهبوا إلى بيوتهم فيلقنوا، أي مباشرة، تأخذ هؤلاء ما يؤثر عليهم أحد فيقول: تقبل شهادتهم.

وجاء عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم في الجراح.

وقبول شهادة الصبيان في مثل هذه القضايا -على اختلاف في التفاصيل: منقول عن عليٍّ ومعاوية وابن المسيب والزهري وأبي الزناد وعمر بن عبد العزيز، وربيعة وشريح، وأبي بكر ابن حزم، وعطاء، وإبراهيم النخعي وابن أبي ليلى، والجمهور يقولون: لا تقبل شهادتهم أبداً، وبعض أهل العلم قال: ستضيع حقوق ومصالح ومن ثمَّ نحن مضطرون إلى قبول شهادتهم على بعضهم في بعض الأمور مثل الجراح ونحو ذلك، وبعضهم يوسع أكثر من هذا، والله تعالى أعلم.

هذا آخر الكلام على هذه القضايا، وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم الأجر والعلم، والعمل، والنية، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا المسلمين، اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وعافِ مبتلانا، واجعل آخرتنا خيراً من دنيانا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. رواه البخاري، كتاب الحيل، باب في الهبة والشفعة، برقم (6574)، ومسلم، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل، برقم (1622).
  2. رواه البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب الإشهاد في الهبة، برقم (2447).
  3. رواه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، برقم (1623).
  4. رواه البيهقي في السنن الكبرى، برقم (11780)، والطبراني في المعجم الكبير، برقم (11997)، والبخاري معلقاً في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها، باب الهبة للولد وإذا أعطى بعض ولده شيئا لم يجز حتى يعدل بينهم ويعطي الآخرين مثله ولا يُشهد عليه، (2/ 913)، وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة ولفظه: "سووا بين أولادكم في العطية فلو كنتُ مفضلا أحدا لفضلت النساء"، ثم قال: "ضعيف والشطر الأول من الحديث صحيح روى معناه الشيخان وغيرهما من حديث النعمان بن بشير بلفظ : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، برقم (340).
  5. رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، برقم (4398)، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، برقم (2041)، والترمذي، كتاب الحدود عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، برقم (1423)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3512).
  6. رواه البخاري، كتاب اللباس، باب القرط للنساء، برقم (5544).
  7. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس، برقم (5779)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب في فضل عائشة -ا، برقم (2440).
  8. رواه أبو داود، كتاب الأدب، باب في اللعب بالبنات، برقم (4932)، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (3265).
  9. رواه البخاري، كتاب اللباس، باب عذاب المصورين يوم القيامة، برقم (5606)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه وأن الملائكة -عليهم السلام- لا يدخلون بيتا فيه صورة ولا كلب، برقم (2109).
  10. رواه البخاري، كتاب الديات، باب جنين المرأة، برقم (6508)، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، برقم (1681).
  11. رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب، برقم (1812).
  12. رواه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، برقم (1731).
  13. رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب أهل الدار يبيتون فيصاب الولدان والذراري، برقم (2850)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها، برقم (1745).
  14. رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في الغلام يصيب الحد، برقم (4404)، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب من لا يجب عليه الحد، برقم (2541)، وأحمد في المسند، برقم (18776)، وقال محققوه: إسناده صحيح، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح، برقم (3974).

مواد ذات صلة