الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(٣) عورة المرأة أمام النساء
تاريخ النشر: ٢٦ / جمادى الآخرة / ١٤٣٠
التحميل: 3798
مرات الإستماع: 7348

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فما المراد بالعورة؟

العورة تطلق على كل ما يحتاط له ويحترز، فالبلاد المتاخمة للعدو يقال لها: عورات، الثغور التي يرابط بها المسلمون في وجاه العدو يقال لها: عورات، وهكذا أيضاً تقال هذه اللفظة على ما يتخوف عليه، فالمنافقون زعموا أن بيوتهم عورة بمعنى أنها عرضة للسُراق، والله كذبهم بهذا قال: وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ [الأحزاب:13].

وهكذا أيضاً يقال: عورات المسلمين لا يجوز إطلاع الكفار على عورات المسلمين، يعني: على الخفايا والأمور الباطنة وجوانب الضعف التي ينبغي أن لا يطلع عليها عدوهم.

وهكذا أيضاً تقال لكل ما يحترز له الإنسان فلا يظهره أمام الآخرين، وأطلقت العورة على ما نعرف في باب ستر العورة فكل ما يُستحيى منه إذا ظهر، وقد قال النبي ﷺ: المرأة عورة[1]، فجعل المرأة بهذا الحديث عورة، ولم يقيد ولم يخصص، فأطلق ذلك في حقها، والمقصود أن كل مكمنٍ للستر يقال له: عورة، وكل ما يستره الإنسان أنفة وحياء يقال له: عورة.

ولما كانت المرأة يحترز لها، ويحتاط لها، وتمتد إليها أنظار الرجال، وصارت كما خلقها الله -تبارك وتعالى- محلاً لرغباتهم وشهواتهم التي ركبها الله  في نفوسهم احتاط الشارع لها غاية الاحتياط، فنهاها عن التبرج، وعن الخضوع بالقول، وعن أن تضرب برجلها ليعلم ما تخفي من زينتها الخفية.

وهكذا أيضاً نهاها أن تخرج متطيبة إلى غير ذلك مما تعرفون.

المقصود: أن كثيراً من الناس يتكلم بإطلاقات دون بيان ولا تفصيل، فيأتي من يقول مثلاً بأن عورة المرأة أمام النساء من السرة إلى الركبة، وهذا في غاية الخطورة، من الذي يقول من علماء المسلمين بأن المرأة يجوز لها أن تفصِّل ثوباً من سرتها إلى ركبتها فقط ثم تخرج أمام الناس، ولكن كثيراً من الناس قد لا يتفطنون للمراد، فالعورة أنواع وأقسام فينبغي أن نفصِّل فيها، فهنا عورة في الصلاة، وهي أيضاً على أنواع عورة مخففة، وعورة متوسطة، وعورة مغلظة، والفقهاء يفصلون في هذا.

وهناك عورة في حكم النظر، وهذه فيها تفصيل نظر الأجنبي، نظر المحارم والنساء، نظر الطفل، نظر المرأة الكافرة، نظر الخاطب، نظر الطبيب والقاضي عند الحاجة، وهكذا نظر المملوك، لكن المقصود عموماً في ستر العورة يعني مقصود الشارع من ستر العورة في الصلاة هو أخذ الزينة: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، المرأة حينما تكون بين أربعة جدران لا يراها أحد لا من محارمها ولا من غيرهم ليس لها أن تصلي كما تريد بأي ثياب شاءت، وإنما تستر بدنها وتظهر وجهها، وقد تكلم العلماء في ظهور الكفين والقدمين.

فهذا مقصود الشارع من أخذ الزينة، وأما مقصود الشارع من ستر العورة أمام الرجال، وأمام المحارم، وأمام النساء، حينما تطالب بالستر أياً كان هذا الستر فإن المقصود به دفع الفتنة، فرق بين هذا وهذا، تصلي لوحدها نقول: لابد من لباس يجزئ أو يستر بدنها في الصلاة، هذا المقصود به ليس دفع الفتنة، وإنما أخذ الزينة خُذُوا زِينَتَكُمْ، وكل بحسبه، الرجل يصلي بإزار وإن كان لديه رداء فإنه يغطي منكبيه لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه شيء[2]، وستر المنكبين أسهل بكثير من ستر ما يكون بين السرة والركبة، لا مقارنة، وهكذا المرأة.

ونجد الفقهاء أيضاً قد فصلوا في هذه المسألة في أحكام النظر، في النظر إلى الأجنبية، في النظر إلى المخطوبة، في النظر إلى الكبيرة القواعد من النساء، النظر إلى البنت التي بلغت التاسعة لم تبلغ بعد، يعني: يوطأ مثلها كما يقولون لكنها لم تبلغ، نظر السيد لأمته، نظر المرأة للمرأة، وهكذا، ولهذا يقول ابن قدامة -رحمه الله- في نظر المحرم مثلاً: ليس له النظر إلى ما يستتر غالباً كالصدر والظهر ونحوهما[3]، ليس له أن ينظر إلى ما يستتر غالباً هذا يستتر لكنه قد يظهر لسبب من الأسباب كأن تكون هذه المرأة مثلاً جالسة تتوضأ فظهر ساقها أو تكون في مهنتها تغسل الدار أو نحو ذلك فشمرت عن ساقها فليس له النظر إلى ذلك، ولهذا يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله: "الخُلاصة أن اللباس شيء والنظر إلى العورة شيء آخر، أما اللباس فلباس المرأة مع المرأة المشروع فيه أن يستر ما بين كف اليد إلى كعب الرجل هذا هو المشروع، لكن لو احتاجت المرأة إلى تشمير ثوبها لشغل أو نحوه فلها أن تشمر إلى الركبة، وكذلك لو احتاجت أن تشمر الذراع إلى العضد فإنها تفعل ذلك بقدر الحاجة فقط"[4]، انتهى كلامه.

أقول: لا أنها تفصل ثوباً إلى الركبة أو تفصل ما يستر المنكب فقط وتخرج أعضادها، هذا غير صحيح، والذين يقولون: إنها تلبس حلية في العضد كالدُملوج مثلاً يقال: إنها تتزين بذلك للزوج، لا يعني أنها تظهر العضد أمام النساء، وفي بيان صدر للجنة الدائمة في هذه البلاد وفيه: "قد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة، إلى أن قال: وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول ﷺ ونساء الصحابة، إلى أن قال: وما جرت العادة بكشفة للمذكورين في الآية الكريمة هو ما يظهر من المرأة غالباً في البيت وحال المهنة ويشق عليها التحرز منه: كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين"[5].

وهكذا أيضاً ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "أن لباس النساء في بيوتهن على عهد النبي ﷺ ما بين كعب القدم وكف اليد، قال: كل هذا مستور"[6].

وأما سرد الأدلة الدالة على تحريم هذا النوع من اللباس فالأدلة كثيرة لمن يريد التبصر والحق، ومعرفة أحكام الشرع، منها ما رواه الإمام مسلم إضافة إلى الآية السابقة التي تكلمت عليها في ليلة سابقة وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، وذكرت كلام السلف في ذلك، وأنواع الزنية، وما يستنبط من الآيات الأخرى  وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ  [النور:31]، إذا كان احترز للصوت فكيف بإظهار أجزاء من البدن، فالشاهد من الأدلة ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ أنه قال:صنفان من أهل النار لم أرهما، -وذكر الصنف الآخر قال: ونساء كاسيات عاريات مميلات، مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها[7]، ما المراد بالكاسية العارية؟ الفقهاء تكلموا كثيراً في المعنى ولو رأوا ما يلبسه النساء اليوم أظنهم لن يختلفوا في بيان المراد، لكن يبدوا لي أنهم ما تصوروا كيف تكون كاسية عارية، وقد ذكر بعضهم قال: "تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً بحالها"[8]، ومنهم من قال: "أو تلبس ما يشف أو يصف كونه يلصق على البدن"[9]، وشيخ الإسلام -رحمه الله- قال: "كل هذا داخل فيه"[10]، كاسيات عاريات تلبس ملابس لاصقة، أو ملابس شفافة، أو ملابس تعري بعض أجزاء البدن فهذا كله داخل في قوله: كاسيات عاريات، فما تخاف المرأة أن تكون من هذا الصنف: صنفان من أهل النار، وقال: لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وهذا لم يحدد فيه النبي ﷺ أن هذا أمام الرجال الأجانب، وإنما قال: كاسيات..، صنفان من أهل النار، فإذا كانت المرأة تلبس هذه الألبسة فإن ذلك يصدق عليها.

وهكذا ما أخرجه الإمام أحمد وغيره: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج...[11]، السروج فسره بعض المعاصرين مثل الشيخ الألباني وجمع من أهل العلم بأنها هذه السيارات[12].

وهذا ليس على سبيل الذم كونهم يركبون هذه المراكب، لكن النبي ﷺ يصف الحال، قال: يركبون على السروج كأشباه الرجال، يعني: ليسوا برجال، إنما هم أشباه رجال، لماذا؟ لقلة غيرتهم، لضعف الغيرة، الصورة رجل لكنه في المعنى ليس برجل: كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المسجد، لاحظ ما قال ينزلون على أبواب مرقص أو خمارة، على أبواب المسجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، فالرجل الذي يترك المرأة تلبس هذه الألبسة يصدق عليه هذا، كأشباه الرجال، وهنا قال: العنوهن فإنهن ملعونات، من المرأة التي ترضى بهذا أن تكون ملعونة على لسان رسول الله ﷺ؟!.

ومن الأدلة أيضاً حديث أسامة بن زيد قال: "كساني رسول الله ﷺ قُبطية كثيفة كان مما أهداها دحية الكلبي فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله ﷺ: مالك لم تلبس القبطية؟، قلت: يا رسول الله ﷺ كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله ﷺ: مرها فلتجعل تحتها غلالة...[13]، الغلالة مثل ما نقول الآن بطانة لباس تحت الثوب، إني أخاف أن تصف حجم عظامها، رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.

فكل هذه الأحاديث صحيحة، لاحظ مرها أن تجعل تحتها غِلالة، طيب التي تلبس الآن بنطال يسمونه الآن استرتش، أو تلبس بلوزة لاصقة، هل يقال: إن فعلها هذا جائز، فكيف إن عرت الجسد مرها فلتجعل تحتها غِلالة، هذا كلام النبي ﷺ.

ومن الأدلة أيضاً ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من طريق الزهري قال: أخبرتني هند بنت الحارث عن أم سلمة قالت: "استيقظ رسول الله ﷺ من الليل وهو يقول: لا إله إلا الله ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، يقول الزهري راوي الحديث: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها[14]، بمعنى أنها تلبس كماً يغطي نصف الكف، ويكون له أزرار بين الأصابع، من أجل أن لا يكون الكم واسعاً فيظهر الذي تحته من الذراع، واليوم التي لا تعري فإنها قد تلبس نصف كم، ولكنه في غاية السعة، فإذا حركت يدها ظهر من تحت اليد كل شيء، أليس كذلك؟

فهنا تضع أزارير، اليوم لو واحدة، نحن ما رأينا إلى الآن امرأة تضع الأزرار بين أصابعها، لو وضعته امرأة بين أصابعها، ماذا سيقول عنها الناس؟ متشددة، متزمتة، وهذا في صحيح البخاري.

وقوله ﷺ: رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، فُسر بأنها كاسية بالثياب الواصفة لأجسامهن لغير أزواجهن، ومن يحرم عليه النظر إلى ذلك منهن، وهن عاريات في الحقيقة، فربما عوقبت في الآخرة بالتعري الذي كانت إليه مائلة في الدنيا مباهية بحسنها، فعرف النبي ﷺ أن الصلاة تعصم من ذلك، فقال: من يوقظ صواحب الحجرات[15]، يعني أزواجه ﷺ للصلاة في الليل، وقد فسر هذا الحديث الإمام مالك -رحمه الله- إمام دار الهجرة بأنهن اللاتي يلبسن ما يصف الأجساد[16]، يصف بمعنى أنه يلصق، ولو رأى الألبسة اليوم لقال: الذي يلصق والذي أيضاً يعري تماماً أجزاء كبيرة من الجسد.

وفي الحديث الآخر: خير نساءكم: الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نساءكم: المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم[17]، هذا صححه الشيخ ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة، والغراب الأعصم هو الغراب الذي له منقار أحمر ورجلان أحمران، وهو نادر في الغربان، لا يدخل منهن الجنة إلا مثل الغراب الأعصم، يعني نادر من يدخل الجنة من هؤلاء النساء اللاتي بهذه الصفة، ما تخاف المرأة!، ما تخاف العقوبة؟!

وجاء عن المنذر بن الزبير أنه قدم بثياب خرسانية من العراق وهو ولد أسماء بنت أبي بكر -ا- فجاء بهذه الثياب لها هدية بعدما كُف بصرها فلما لمستها قالت: أُف ردوا عليه كسوته، فشق ذلك عليه وقال: "يا أمه إنه لا يشف"، يعني: ما تشوف امرأة كبيرة في السن عمياء، إنه لا يشف، قالت: "إن لم يشف فهو يصف"[18]، يعني يلصق، طبيعة هذا القماش أنه يلصق في الجسم إن لم يشف فإنه يصف، "ودخل نسوة من بني تميم على عائشة -ا- عليهن ثياب رقاق فقلت: "إن كنتن مؤمنات فليس هذا بلباس المؤمنات، وإن كنتن غير مؤمنات فتمتعن به"[19]، لو دخلت عائشة -ا- اليوم صالة من صالات الأفراح عند النساء بهذه الألبسة ماذا ستقول.

وذكر أبو هريرة رقة الثياب للنساء فقال: "الكاسيات العاريات الناعمات الشقيات"[20].

وأدخلت امرأة عروس على عائشة -ا- وعليها خمار قبطي معصفر فلما رأتها قالت، عرفنا الآن أن القبطي يلصق، قالت: "لم تؤمن بسورة النور امرأة تلبس هذا"[21]، طيب لو رأت الآن الألبسة التي تستورد من الغرب للعروس أكثر من نصف الصدر طالع والأكتاف إلى غير ذلك مما تعرفون.

يضاف إلى هذا أن بعض هذه الألبسة فيها تشبه بالرجال كالبنطال مثلاً ليس من لبس النساء، وفي الحديث: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال[22]، وهو مخرج في الصحيح.

وحديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود وغيرهما: "أن النبي ﷺ لعن الرجل يلبس لُبسة المرأة، والمرأة تلبس لُبسة الرجل"[23]، ثم أيضاً هذا اللباس مفارق تماماً للحياء، أين الحياء من هؤلاء النساء اللاتي يلبسن هذه الألبسة.

وقد جاء عن ابن عمر عن النبي ﷺ: إن الحياء والإيمان قُرنا جميعاً؛ فإذا رُفع أحدهما رُفع الآخر[24]، الحياء.

وحديث أبي بكرة: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار[25].

وحديث: إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر[26].

والوعيد الذي جاء في الحديث الآخر: أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها خرق الله عنها ستره[27]، وقد تكلمت عن الحياء بشيء من التفصيل في درس مستقل بعنوان: الحياء[28]، فماذا يقول هؤلاء النساء اللاتي ابتلين بهذه الألبسة القصيرة والشفافة والضيقة إلى آخره؟!.

لحد الركبتين تشمرينا بربك أي نهر تعبرين
كأن الثوب ظل في صباح يزيد تقلصاً حيناً فحينا
تظنين الرجال بلا شعور لأنك ربما لا تشعرين

إضافة إلى أن كثيراً من هذه الألبسة إنما يصدرها طواغيت وشياطين الموضة العالمية في بلاد الغرب، وعامة هؤلاء من اليهود ممن لا خلاق لهم، فيلبس ذلك نساء الكفار ثم بعد ذلك يصدر إلى المسلمين عبر ما تعرفون من الكتلوجات ونحو ذلك، تلبسها المرأة المسلمة، ولا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار، ومن تشبه بقوم فهو منهم، والأحاديث في هذا معروفة وقد تكلمت بالتفصيل عن موضوع التشبه في درس بعنوان: أحكام التشبه[29].

يضاف إلى هذا ما يتعلق بسد الذرائع، سد الطرق المفضية إلى هذا الشر، وابن القيم -رحمه الله- ذكر أدلة على هذا الأصل والقاعدة في سد الذرائع في كتاب "إعلام الموقعين" ذكر تسعة وتسعين وجهاً في الاستدلال، والمفاسد التي تحصل من هذا كثيرة جداً، تتحرك غرائز النساء، والمرأة لربما تبتلى بأمور متنوعة، من ذلك العين التي قد تصيبها، كم سمعت من امرأة تشكوا ما حصل لها من بلاء شديد وكان مبدأ ذلك من حضور حفل قد تعرت فيه، من تلك الليلة سقطت، منهن من سقطت على خشبة المسرح وهي ترقص وكانت نهايتها أسيفة، ومنهن من أجرت عمليات متعددة في ظهرها ولم تحصل على طائل، فما تخاف العين ما تخاف تعلق بعض النساء، ما تخاف الافتتان بها، ما تخاف أنها تصور ثم يعرض هذا في الإنترنت، كل هذا وارد، وكما سبق في كلام بعض أهل العلم في مسألة نظر المرأة الكافرة إلى المرأة المسلمة، وكذلك ما قاله بعضهم من أنها لا ينظر إليها خال ولا عم لأنهما يصفانها لأبنائهما، وقلنا: إن هذا القول مرجوح، ولكن على كل حال ذكر بعض العلماء أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تخرج أمام الفاجرة من نساء المسلمين إلا كما تخرج أمام الرجل الأجنبي، لاحظ الزواجات ماذا يحضرها من أخلاط الناس، فهل يؤمن عليها؟! العلماء عللوا هذا بأنها لا تؤمن عليها، قالوا: لا تضع جلبابها ولا خمارها عند الفاجرة، وقد صرح بهذا العز بن عبد السلام[30]، وقال به طائفة من الفقهاء قديماً وحديثاً، وكما سبق كلام كثير من أهل العلم في أن المرأة الكافرة لا يجوز أن ترى من المرأة المسلمة إلا كما يرى الرجل الأجنبي، ونص على هذا الإمام أحمد -رحمه الله- وجعلها بمنزلة الرجل الأجنبي[31]، وهكذا أيضاً هو مذهب الأحناف[32]، والمالكية[33]، وهو قول للشافعية[34]، وصححه من مذهبهم البغوي[35]، والنووي[36]، وهو رواية في مذهب الحنابلة[37]، وبه قال جماعة كابن عباس[38]، وعمر[39]، ومكحول[40].

وسئل الإمام أحمد عن المرأة المسلمة تكشف رأسها عند نساء أهل الذمة؟ قال: "لا يحل لها أن تكشف رأسها"[41]؛ لأن الله يقول: أَوْ نِسَائِهِنَّ  [النور:31]، وذلك أن هذه الآية خصت النساء بهذا الاختصاص.

وقد ذكرت الكلام في هذا، وهذا اختاره جماعة كالنووي وآخرين[42]، وذكرت منهم الحافظ ابن كثير -رحمه الله-[43]، وابن عطية صاحب التفسير[44]، وهو اختيار القرطبي ذكر هذا في تفسيره الجامع لأحكام القرآن[45]، وغير هؤلاء كثير، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- توسط في هذه المسألة ولعل هذا هو الأقرب: فهو يرى أن الزينة التي يجوز أن تظهرها للكافرة والفاسقة أن الكافرة والفاسقة ترى منها الوجه والكفين[46]، أما الأقارب والنساء غير الفاجرات فإنهن يرين منها ما يظهر عادة في بيتها ومهنتها ونحو ذلك، وأما الرجل الأجنبي فإنه لا يرى منها شيئاً، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الرضاع عن رسول الله ﷺ، برقم (1173)، وابن خزيمة في صحيحه، برقم (1685)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (6690).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب: إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، برقم (359)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه، برقم (516).
  3. المغني لابن قدامة (7/ 98).
  4. مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (12/ 276).
  5. فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (17/ 291-292).
  6. مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (12/ 275).
  7.  أخرجه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، برقم (2128).
  8. شرح النووي على مسلم (14/ 110).
  9. انظر: المصدر السابق.
  10. مجموع الفتاوى (22/ 146).
  11. أخرجه أحمد في المسند، برقم (7083)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف"، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (2683).
  12. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (6/ 415).
  13. أخرجه أحمد في المسند، برقم (21786)، وقال محققوه: "حديث محتمل للتحسين، عبد الله بن محمد بن عقيل يعتبر به في المتابعات والشواهد، وباقي رجال الإسناد لا بأس بهم"، وحسنه الألباني في الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب (1/ 318).
  14. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب: ما كان النبي ﷺ يتجوز من اللباس والبسط، برقم (5844).
  15. أخرجه البخاري، كتاب التهجد، باب: تحريض النبي ﷺ على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب، برقم (1126).
  16. انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (13/ 204)، والمنتقى شرح الموطأ (7/ 224).
  17. أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، برقم (13478)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (1849)، في صحيح الجامع، برقم (3330).
  18. الطبقات الكبرى ط العلمية (8/ 199).
  19.  تفسير القرطبي (14/ 244).
  20. المصدر السابق.
  21. المصدر السابق.
  22. أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب: المتشبهون بالنساء، والمتشبهات بالرجال، برقم (5885).
  23. أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب: في لباس النساء، برقم (4098)، وأحمد في المسند، برقم (8309)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سهيل بن أبي صالح، فمن رجال مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (5095).
  24. أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (58)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرطهما"، والبخاري في الأدب المفرد، برقم (1313)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1603).
  25. أخرجه الترمذي، أبواب البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب: ما جاء في الحياء، برقم (2009)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب: الحياء، برقم (4184)، وأحمد في المسند، برقم (10512)، وقال محققوه: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3199).
  26. أخرجه أبو داود، كتاب الحمام، باب: النهي عن التعري، برقم (4012)، والنسائي، كتاب الغسل والتيمم، باب: الاستتار عند الاغتسال، برقم (406)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1756).
  27. أخرجه أحمد في المسند، برقم (26570)، وقال محققوه: "حديث حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف ابن لَهِيعة"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2708).
  28. على الرابط: http://www.khaledalsabt.com/cnt/lecture/91.
  29. على الرابط: https://www.khaledalsabt.com/cnt/lecture/93.
  30. أسنى المطالب في شرح روض الطالب (3/ 111)، وانظر: كلاماً نحوه في الفتاوى الهندية (5/ 327).
  31. انظر: مجموع الفتاوى (22/ 111).
  32. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (6/ 382).
  33. انظر: الفواكه الدواني (2/ 312)، والدر الثمين والمورد المعين (ص:261)، وأسهل المدارك (3/ 356).
  34. انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (2/ 112)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب (3/ 111)، ومغني المحتاج (4/ 213).
  35. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (40/ 360).
  36. انظر: شرح النووي على مسلم (4/ 30-31).
  37.  المغني لابن قدامة (7/ 105).
  38. الدر المنثور في التفسير بالمأثور (6/ 183).
  39. المصدر السابق.
  40.  انظر: المغني لابن قدامة (7/ 105)، ومجموع الفتاوى (22/ 111).
  41. انظر: مرويات الإمام أحمد في التفسير (3/ 277).
  42. انظر: شرح النووي على مسلم (4/ 31).
  43. تفسير ابن كثير (6/ 47).
  44. انظر: تفسير ابن عطية (4/ 178).
  45. تفسير القرطبي (12/ 233).
  46. انظر: مجموع الفتاوى (22/ 112).

مواد ذات صلة