السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
(٤) كيف تبدأ حياتك الجديدة
تاريخ النشر: ٢٧ / جمادى الآخرة / ١٤٣٠
التحميل: 2527
مرات الإستماع: 3466

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا النكاح وهذا الزواج هو نعمة من الله -تبارك وتعالى، إن الكثيرين تتطلع نفوسهم وتهفوا لهذا المطلب الذي فُطرت النفوس عليه؛ ولكنهم قد لا يتمكنون من ذلك، لا يستطيعون لأمور تحول بينهم وبينه من قلة ذات يد أو نحو ذلك، فإذا يسر الله -تبارك وتعالى- لعبده نعمة وساقها إليه فإن الواجب أن يزداد شكراً لله على هذه النعمة، أن يقابل هذه النعمة بالشكر؛ لأن الشكر مؤذن بالزيادة، والله -تبارك وتعالى- يقول: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، وهذا حكم معلق على وصف، بمعنى أن هذه الزيادة الموعود بها تزداد كلما ازداد شكر العبد لربه ، وذلك الشكر يكون بلسانه وقلبه وجوارحه واستعمال النعمة التي أسداها الله له في محابه ومراضيه، فما يفعله الكثيرون إزاء هذا الإفضال والإنعام من مقابلتها بمعصية الله فتتحول حفلات الزواج إلى لون تجتمع فيه أنواع المنكرات، فهذا أمر ينافي الشكر.

أيها الأحبة! كيف يريد الإنسان كيف تريد المرأة، كيف يريد هؤلاء ومن ورائهم أن يوفقوا في هذا النكاح؟! وأن يرزقهم الله  قرة عين وذرية طيبة وهم يبتدؤون ذلك بالمعصية؟!

إن الإنسان بحاجة إلى مزيد من الإكباب والإقبال على ربه وخالقه وأن يلهج بالضراعة إلى الله من أجل أن يسدده ويوفقه وأن يهدي قلبه، ويصلح عمله، وأن يرزقه عاقبة حسنة، وذرية طيبة، فكيف يرجوا هذا وهو يبتدأ حياته بالمعصية؟!، وهكذا ما قد يفعله كثيرون من التباهي بهذه المناسبات؛ ليعرف أو يذكر أو يتحدث الناس عن هذه المناسبة العظيمة الفخمة التي طارت الركبان وسارت متحدثة عن ما شاهدته من المبالغات فيها، هذا غير صحيح.

وليس معنى ذلك أن يكون الإنسان في الطرف الآخر تماماً كما يفعله بعضهم ويفتخر أحياناً حينما يقول: بأنه قد زوج ولده أو بنته ولم يحضر إلا الزوج فقط، وضع له وليمة فجاء الزوج لوحده، هذا ليس بإعلان للنكاح، وبعضهم لربما يقول: خذ امرأتك واذهب ولا يُلم ويفتخر بهذا، فهذا خلاف مقصود الشارع من إعلان النكاح، الاعتدال في الأمور مطلوب، لا إفراط ولا تفريط، الاعتدال في الأمور هو الواجب هو المطلوب.

وقل مثل ذلك أيضاً مما قد يستدعيه حديثنا عن الاعتدال وهو الاعتدال أيضاً في المهور كذلك، فهذه المهور في غالب الأحوال يُبالغ الناس فيها، فهذا الإنسان الشاب لربما لا زال في بداية الطريق وهو الغالب أصلاً فيُطالب ويُرهق بتكاليف ومهور يحتاج إلى سنين متطاولة قد يحصلها وقد لا يحصلها فيُضطر إلى الديون، وتبقى هذه الديون تلاحقه وتربكه وتعرقل سيره في الحياة وانطلاقته فيها، وهذا أمر لا يحسن ولا يجمل ولا يليق، فالمسألة ليست من قبيل البيع، وهذه المولية أو البنت لا تقدر بثمن إن كانت المسألة تحسب بالريالات، هي لا تقدر بملئ الأرض ذهباً؛ ولكن القضية تتعلق بتوفيق الله -تبارك وتعالى- ثم حسن الاختيار، فترزق بزوج تقر به عينها، وتطمئن وترزق منه ذرية طيبة، فإن حصل هذا فهو المقصود ولله الحمد، وأما إذا ابتليت بغير ذلك فلو أعطاها أموال الأرض ما الفائدة أن تبقى شقية معه؟ ما الفائدة!.

وأيضاً في الوقت نفسه نقول: إن أولئك الذين يبالغون في الطرف الآخر فنحن نسمع عن من زوج ابنته بريال واحد، ونسمع عن من زوج ابنته أو موليته بثمانية ريالات، وهناك من زوجها بعشرة ريالات، وهذه مبالغات في نظري أنها غير صحيحة، أعتقد أن هذا غلط، فالمرأة لها حق أولاً في المهر، فلا تُغمط بهذه الطريقة.

الأمر الآخر أن هذا يورث إشكالات وقد يكون له عواقب غير محمودة؛ وذلك إذا كان الزوج تبين بعد ذلك أنه لا يخاف الله ولا يرقبه، فمن الذي حصل لبعض تلك الأحوال: صار يعيرها ويعزوا ذلك أنهم زوجوها بريال أو بعشرة أو نحو ذلك إلى أن أهلها زاهدون فيها، وأنهم فعلوا ذلك للتخفف والتخلص منها، وهم إنما أرادوا الإحسان إليه، ولربما عيرها بهذا، وناداها بذلك، أم ريال، أم عشرة، ويوجد من هذا أمور وحوادث مؤلمة ومؤسفة فالاعتدال هو المطلوب، فما تطيب به نفسه من غير مبالغة فلا بأس، وإن شاءت هي أن ترد إليه من المهر ما شاءت فعلت من نفسها بعد ذلك إعانة له.

وهكذا ما يطلب من الاعتدال في الحياة والمعاشرة والتعامل، إن الذين يخرجون عن حد الاعتدال إنما ذلك في ظني يرجع إلى خلل في عقولهم وأمزجتهم، فهذا الذي تجده لربما يبالغ في المدح والإطراء يتطرف فيه لا تأمن أن يأتي اليوم الثاني إذا غضب ويبالغ في الذم والانتقاص، فيعتدل الإنسان في تعامله، ولا داعي أن يتكلف ما ليس له، لا يتكلف شخصية غير شخصيته، ويحسن في القول والعمل، وينبغي عليه أن يزن أقواله وأفعاله بميزان الشرع، وأن لا يبالغ في الإسراف في المشاعر ثم بعد ذلك يقسط عليها ما يخالف ذلك من مرذول الكلام، وإنما يعتدل في أمور كلها، وفي هذا يخطأ بعض الناس، وتجد من يسرف في ذلك مشاعره الفياضة الحسنة ثم بعد ذلك يحصل من جراء ذلك سلبيات، لا داعي لذكر التفاصيل.

ومنهم من يتصنع شخصية فظة غليظة من أجل بزعمه أن يثبت وجوده وشخصيته، وهذا غلط وستكشف الأيام حقيقة هذا الإنسان، وهذا كالمعلم الذي يأتي أيضاً إلى طلابه في أول يوم إلى المدرسة وهو مُكفهر يتكلم بغلظة وعنف وشدة من أجل أن يخيف هؤلاء التلاميذ، ثم بعد ذلك يتبين لهم حاله وما تنطوي عليه شخصيته، فالناس يدركون ويفهمون.

ولهذا أقول: ينبغي للإنسان أن يجعل الإحسان شعاره  وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  [البقرة:195]، الإحسان بالقول، الإحسان بالفعل الإحسان بالمال، وأن يضع كل طرف الطرف الآخر في مكانه، إذا أراد أن يخاطبه أو يتعامل معه، ضع نفسك مكان هذا الإنسان لو كنت مكانه ماذا تريد أن يوجه لك من الأقوال والفِعال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[1]، وأن يعرف كل إنسان ما له وما عليه.

ثم أيضاً ينبغي للإنسان حتى يدرك هذه المراتب ويسير على هذه الجادة أن يتوقى كلما يشوش فكره ويفسد عليه رأيه، فإذا لم يكن الإنسان قد رزق بعلم صحيح وعقل رجيح فإنه يمكن أن يرجع إلى أهل الفضل والعلم والعقل ممن صح مزاجهم، وكملت عقولهم مع علم، فإن ذلك حينما يجتمع للإنسان يكون كنور العين مع ضوء الشمس، فيبصر الأشياء واضحة على حقيقتها، والإنسان قد يفقد العلم الصحيح، وقد لا يكون له ذلك العقل الراجح فعندئذ يصدر منه ما لا يليق، فإذا تسلط عليه من يلقنه المفاهيم الخاطئة قد يكون هذا الذي يلقنه من قرابته، وقد يكون من زملاءه، وقد يستشير ويرجع لكن لأناس لا يستحقون هذه المرتبة أن يُرجع إليهم ويُستشاروا فيعطيه بعض التعليمات انتبه، عامل المرأة بصرامة، افعل كذا، لا تفعل كذا، فيحصل بسبب هذا مشكلات، وهذا الإنسان الهين اللين اللطيف الوديع تحول إلى شيء آخر، السبب هذه التوجيهات من زملاء وأصدقاء لم يحصل لهم من الحياة خبرة كافية تؤهلهم لمثل هذه المرتبة أن يكونوا مستشارين يرجع إليهم الناس في قضاياهم ومشكلاتهم، وقد يكون هذا من قبيل قريب تعود على لون من حياة الصلف فيلقن ولده هذه المفاهيم.

وهكذا بالنسبة للمرأة قد تلقنها زميلاتها، قد تلقنها مستشارة زعموا في مجلة، هذه المستشارة مجهولة ليس لها ما يؤهلها لأن يرجع إليها الفتيات والنساء، وقد قرأت قديماً إشارة من إحداهن تقول: لابد أن يكون في الحياة من العوالق والأمور التي يُعرف بها لذة الصفاء، يعني لابد من وجود مشكلات إن لم يوجد مشكلات تقول: الوضع ليس طبيعي لابد أن تفتعلي مشكلة وتغاضبي زوجكِ ثم بعد ذلك لما تصطلحون تجدون لذة للحياة وطعماً آخر، طيب وقد لا يصطلحون فالنفوس مثل: الزجاج إذا تنافر ودها كسرها لا يجبر، وكم من امرأة غاضبت زوجها وكان ذلك هو المنتهى في تلك الحياة، وهكذا قد تقول لها كما قرأت أيضاً في أحد هذه الاستشارات البائسة: لا تبدي المرأة شيئاً من مشاعرها الجميلة لزوجها وإنما كل ما سألها تقول له: الحب يأتي شوي شوي، وتخفي عليه المشاعر التي في نفسها، فهو يبقى مدة طويلة وهو لا يدري عن هذه المرأة هل هي قد لائمها هذا الزوج أو لم يُلائمها، وكل ما سألها قالت له: الحب يأتي شوي شوي، وما هي النهاية فيما بعد؟ الرجل صار عنده ردة فعل وصدت نفسه ثم صار بعد ذلك لا يرفع لها رأساً ولا يكترث بها، وصارت هي التي تلاحقه سنين تسأله عن مشاعره نحوها، وهو يقول لها: الحب يأتي شوي شوي، ثم بعد ذلك طلقها، هذه الاستشارات البائسة التي من مجاهيل في بعض المجلات السيئة، أو بعض الصديقات المعلمات زميلات لها، كم سمعت من أشياء لا أستطيع أن أذكر بعض التفاصيل؛ لأنها تتعلق بأشخاص لكن الزميلات أحياناً قد يرشدونها إلى أشياء تزهد هذا الزوج بها تماماً، والله المستعان.

وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما نسمع، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، برقم (13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، برقم (45).

مواد ذات صلة