الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ هذا هو المقسم عليه، بمعنى أنه لِنِعم ربه لكفورٌ جحود.

قال ابن عباس، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وأبو الجوزاء، وأبو العالية، وأبو الضحى، وسعيد بن جبير، ومحمد بن قيس، والضحاك، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، وابن زيد: الكنود: الكفور.

نعم هذا هو المشهور، وبعضهم يقيده بالكفور بالنعمة، ولا منافاة، من طبيعته "إن الإنسان"، فالإنسان جنس، بعضهم يقول: الكافر، لكنها طبيعة الإنسان ما لم تروض نفسه وتهذب بالإيمان، وطاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ، وهذا المعنى: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، هذا قول الجمهور بمعنى: الكفور, وبعضهم يقول: هذه بلغة ربيعة ومضر كنود بمعني: كفور.

قال: الحسن: الكنود هو الذي يعد المصائب، وينسى نعم الله عليه.

وهذا بنفس المعنى السابق، لاحظ في السابق قال: والضحاك والحسن وقتادة. فقول الحسن ما هو؟

قال: الذي يعد المصائب وينسى النعم، فهذا الذي يعد المصائب وينسى النعم هذا كنود؛ لأنه لو أنه ذكر المصائب والنعم لكان لربما، لكن يذكر الأمور التي تسوء، وينسى الأمور التي هي من قبيل النعم هذا النكران، يعني: لو تعامل أحد مع الناس بهذه الطريقة.

المرأة حينما قال النبي ﷺ: وتكفرن[1]، هنا كفر النعمة، نعمة الزوج، بين ذلك بقوله: لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيرًا قط، يعني: سرعان ما تنكر، وتجحد فضله، وإحسانه إليها المتتابع.

ولهذا الإنسان إذا ابتلى، إذا مرض، إذا اعتل، هو بحاجة إلى التذكير، كأن يقال له: إن أيام العافية أطول من أيام البلاء، كم بلغت من العمر؟ 70 سنة، كم عوفيت فيها؟ فحينما جاءك عارض من العوارض لمدة أسبوع، أو شهر، أو سنة، أو أكثر، فإن أيام العافية أكثر من أيام البلاء.

حينما يمرض الإنسان لأيام أو لأسبوع يقال له: أيام العافية أكثر، تنسى أيام العافية هذه كلها؟، هنا يحصل عنده شيء من الاعتدال، ويتماسك فلا يحصل له الجزع، ولا يحصل التسخط، ولا يسوء ظنه بربه - تبارك وتعالى.

وبعضهم يقول: الكنود هو الجاحد للحق، إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ جحود، وبعضهم يقول: هو الحسود، لكن هذا فيه بُعد، والله أعلم.

وبعضهم يقول: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أي: بخيل، ما ينفق في مرضات الله - تبارك وتعالى -، ويقولون: هذا بلغة كنانة.

وبعضهم يقول: الكنود يعني: العاصي بلغة حضرموت، وكِندة، ولكن الذي عليه عامة أهل العلم أن المقصود به الكفور كثير الكفران لنعم الله - تبارك وتعالى - المتتابعة عليه، يغفل عنها وينساها، وهذه صفة في الإنسان غالبة.

ولذلك يلاحظ الإنسان نفسه دائمًا ويحاسبها، ويتذكر نعم الله عليه، فذكر النعم مطلب شرعي، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [سورة الأحزاب:9]، وهذا في مواضع من كتاب الله - تبارك وتعالى.

ولذلك قال الله : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [سورة الضحى:11] فيكون ذلك تذكيراً للنفس، وتذكيراً للآخرين، وإقراراً بالنعمة، واعترافًا، وإذعاناً، وتواضعًا لربه --، بخلاف هذا الذي لا يكاد يخرج منه.

يعني: الآن في تعاملات الناس، امرأة أو آخر أو غير ذلك يُحسَن إليه، ولربما كان هذا الإحسان ذا تكاليف بالغة، رجل يحج بامرأته، ويتحمل الأعباء المالية، والنفسية، والبدنية، العبء النفسي لوحده هذا في كفة، والأعباء الأخرى في كفة أخرى.

الرجل إذا كان معه امرأة واحدة أو عشر سواء في الحج، خلاص هو الهم؛ لأنه يحمل همها، تمرض، تحيض، لا تستطيع أن تواصل النسك، تضيع، تتعرض لأذى الزحام حينما يتدافع الناس في الطواف، أو يتدافعون عند القطار، أو يتدافعون عند الجمار، فهو يحمل همًّا كبيراً، ثم لا يسمع منها كلمة واحدة تعبر عن مشاعر، أو دعاء، أو اعتراف بالجميل أو نحو ذلك.

فكيف إذا قالت له في يوم من الدهر: ما رأيت منك خيرًا قط؟! هذه تثقل على كثير من النفوس.

هنا: إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ فكيف مع الله الذي قال: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا؟ [سورة التوبة:51] ذكرنا في رمضان قوله: "إلا ما كتب الله لنا"، ما قال: علينا، عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير[2] حتى البلاء والمصائب هي خير له، فتكون رفعة، تكفير السيئات كل ذلك خير له، ثم بعد ذلك يحصل منه هذا النكران، والجحود لنعم الله .

هذه صيغة مبالغة "كنود" يعني: كثير الكفران، وهذا لا يختص بالكفار، يعني: الإنسان حينما يتذكر الآن أشياء مرت عليه، ولربما كان يلهج بالدعاء، ويتضرع إلى الله، ويطيل رفع يديه، يا رب يا رب، ولو ذُكِّر الآن بها لربما نسيها، تَذْكُر حينما كنتَ تعاني من كذا؟، لربما لا يتذكر إذا ذُكِّر، وقد يتذكر، لكنه نسي، وغفل عن هذا.

  1. رواه البخاري، كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، برقم (304)، وبرقم (1462)، في كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وبيان إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله ككفر النعمة والحقوق، برقم (1739).
  2. رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم (2999).