وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ أي: وإنه لحب الخير - وهو المال - لشديد، وفيه مذهبان:
أحدهما: أن المعنى: وإنه لشديد المحبة للمال.
والثاني: وإنه لحريص بخيل; من محبة المال، وكلاهما صحيح.
جمع بين المعنيين، بالإجماع أن قوله: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ أن الخير: هو المال، هنا كما قال الله : إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ [سورة البقرة:180] يعني: إن ترك مالاً، فهنا المقصود بالخير: المال، وليس البر، والمعروف، والطاعة، والعمل الصالح.
وذكرت في بعض المناسبات قول بعض من يتكلم في بعض القنوات بطريقة لا يريد أن يزعج بها أحد، يقول: الإنسان الأصل فيه الخير، وهو مجبول على الخير، والناس يحبون الخير، مهما كانوا في الفساد، والغي، والشر، والدليل على هذا وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ.
فالإنسان يحب الخير، هذا أخبر به الله، الإنسان يحب الخير، شديد المحبة للخير!، وهناك ناس شياطين، صارت الشياطين من الجن تتتلمذ على أيديهم، أشرار لا يحبون الخير، ولا يحبون المعروف، بل يحاربون الفضيلة بكل طريق مستطاع، فكيف يقال للناس مثل هذا الكلام في قناة فاسدة؟!، ولكنها فتنة الإعلام، وفتنة الخروج في القنوات الفاسدة.
فهو يتخيل جمهوراً معيناً من أصحاب الأهواء، والشهوات، فيريد أن يقول لهم قولاً لا يزعج خواطرهم، هذا بالإجماع حب الخير يعني: المال، لَشَدِيدٌ فيه القولان:
الأول: شديد المحبة، وهذا هو الظاهر المتبادر وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ.
والثاني: شديد أي بخيل، تقول: فلان شديد، ويقول الناس: لا زال فلان شديدًا، يعني: ممسكًا يده، ما يَخرج من يده شيء، بخيل من محبة المال، وهذا من لازم ما سبق، يعني: إذا كان يحب المال حبًّا شديدًا، كما قال الله تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [سورة الفجر:20] هذا تفسير لهذه الآية، فإذا كان يحبه هذه المحبة الشديدة فإنه لا يكاد يفرط به، فيودي به ذلك إلى الحرص، والله المستعان، كما قال الله : وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [سورة النساء:128]، وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ [سورة محمد:36-37] النفوس تتحرك إذا طُلبت المال، إذا سُئلت المال، ولهذا كثرت الآيات جدًّا في فضل النفقة، والأمر بها، وما للمنفقين في مواضع كثيرة في كتاب الله ، - والسبب في هذا هو أن النفوس مجبولة على محبة المال -، وما لإخراج المال في سبيل الله من الآثار النفسية، والخارجية على المجتمع والأمة، فلا جهاد إلا بمال، ولا دعوة إلا بمال، ولا مصالح تقوم، ولا حياة إلا بالمال، فهنا أن يخرجه هكذا يعطيه للفقراء، والمحتاجين، وغيرهم، هكذا بعد أن تعب فيه وجمعه، هذا يحتاج إلى نفس قوية ثابتة، وقد مضى الكلام في الأمثال في قوله - تبارك وتعالى -: وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [سورة البقرة:265] على المعاني المذكورة في الآية، فإن بعضهم قال: وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني: النفس لربما لا تنقاد لإخراج المال فتحتاج إلى تثبيت وإلى ترويض إلى أن تُحمل على هذه الخلال، والخصال حملا فتثبت؛ لأنها تضطرب ويحصل لها نفور، وتنتابها الخواطر والوساوس والأفكار التي تصرفها عن ذلك وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، الله المستعان.