وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ [سورة هود:18-22].
يبيّن تعالى حال المفترين عليه، وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق من الملائكة، والرسل، والأنبياء، وسائر البشر، والجان؛ كما روى الإمام أحمد عن صفوان بن محرِّز قال: كنت آخذاً بيد ابن عمر إذ عرض له رجل قال: كيف سمعت رسول الله ﷺ يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعته يقول: إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار، والمنافقون؛ فيقول الأشهاد: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[1]أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين".
قوله : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعني: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً، وقوله: أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ، الأشهاد هم جميع الخلائق من الملائكة، والرسل، والأنبياء، وسائر البشر، والمعنى أن من كذب على الله سيفتضح في يوم القيامة، وتقول جميع الخلائق: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ.
ومن أهل العلم من فسر الأشهاد بالرسل - عليهم الصلاة والسلام -، ومنهم من فسرهم بالملائكة، ومنهم من قال: الحفظة من الملائكة، يحفظون أعمال الناس، ويشهدون عليهم بذلك، ومنهم من قال: الأشهاد يشمل الملائكة، والرسل، وقال بعضهم: هذا يصدق على الملائكة، والرسل، والعلماء، فهؤلاء يشهدون على الناس، والله يقول: وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء [سورة الزمر:69]، والله يقول لنبيه ﷺ: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا [سورة النساء:41]، فلا شك أن الرسل - عليهم الصلاة والسلام - يشهدون على أقوامهم، والملائكة الذين يتعاقبون في الناس، والذين يكتبون الأعمال من جملة الشهداء، والله يقول: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [سورة ق:18]، وقال: وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ [سورة ق:23-25].
قوله: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة هود:18] يحتمل أن يكون هذا القول من الأشهاد، ويكون الكلام من الموصول لفظاً ومعنى، ويحتمل أن يكون هذا القول من الله - تبارك وتعالى -، والأقرب - والله أعلم - أنه من كلام الأشهاد؛ لأن الأصل في الكلام أن يكون متصلاً لفظاً ومعنى.
- رواه البخاري، كتاب المظالم، باب قول الله - تعالى -: أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [سورة هود:18] (2 / 862)، برقم (2309)، ومسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (8 / 105)، برقم (7191).