الخميس 01 / ذو الحجة / 1446 - 29 / مايو 2025
وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِى كِتَٰبٍ مُّبِينٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سورة هود:6]، أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها، بحريّها وبريّها، وأنه يعلم مستقرها ومستودعها أي يعلم أين منتهى سيرها في الأرض، وأين تأوي إليه من وكرها وهو مستودعها، وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس - ا -: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا أي: حيث تأوي، وَمُسْتَوْدَعَهَا: حيث تموت، وأن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع ذلك، كقوله: وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [سورة الأنعام:38]، وقوله: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سورة الأنعام:59]".

قوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا، الدابة: كل ما يدب على الأرض، هذا في أصل معناها في اللغة، فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ، بعضهم يقول: المستقر في الأصلاب، والمستودع في الأرحام، وبعضهم يقول: المستقر في الأرض أي على ظهرها، والمستودع في باطنها؛ إلى غير ذلك من الأقوال، فقوله: يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا قيل: المستقر في الأصلاب يعني هذه الدواب، يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا قال: أي في الأرحام أو ما يقوم مقامها كالبيضة مثلاً، وبعضهم يقول هنا كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: إنه يعلم مستقرها ومستودعها أي: يعلم أين منتهى سير هذه الأشياء، فحينما تنطلق الطيور من أوكارها، والدواب تخرج من جحورها ونحو ذلك فهي حينما تنطلق الله يعلم منتهى ذلك، يعلم مستقرها أين تصل، أين تذهب، أين تجيء، أين تكون، حينما تقع على الأشجار، أو على الجبال، أو غير ذلك، يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا أين تكون، ومنتهى سيرها، وَمُسْتَوْدَعَهَا المكان الذي تأوي إليه، كل ذلك يعلمه، كل ما يصدر منها من حركة وانتقال فالله قد أحاط به، وعلمه، لا يخفى عليه من ذلك خافية، فهذا معنىً جيد ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، أين تأوي إليه من وكرها ومستودعها، وذكر "عن ابن عباس - ا -:  مُسْتَقَرَّهَا أي: حيث تأوي، والمستودع قال: حيث تموت"، وهذا قال به ابن جرير - رحمه الله -، فالله جعل الأرض مستودعاً لهذه المخلوقات، ثم يبعثهم الله منها، ويدل عليه حديث أبي عزة قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قضى الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، أو قال: بها حاجة[1]، فتقول: هذا ما استودعتني، فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ - والله أعلم -.

كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ أي: يبين عما فيه من عددها، وأرزاقها، وحركاتها، وسكناتها، وتفاصيل كل ما يتعلق بها كما في الآية الأخرى وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم، قوله: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ، الراجح فيه: اللوح المحفوظ.

  1. رواه الترمذي برقم (2147)، وقال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، كتاب القدر عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء أن النفس تموت حيث ما كتب لها، وأحمد في المسند من حديث مطر بن عكامس (36/308) برقم (21983)، وقال محققوه: صحيح لغيره، والحاكم في المستدرك (1/102)، برقم (126)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1221).