الأحد 04 / ذو الحجة / 1446 - 01 / يونيو 2025
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُۥٓ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ الآية، يقول تعالى: ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود، وأمد محصور، وأوعدناهم إلى مدة مضروبة؛ ليقولن تكذيباً، واستعجالاً مَا يَحْبِسُهُ أي: يؤخر هذا العذاب عنا، فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب، والشك، فلم يبقَ لهم محيص عنه، ولا محيد".

الأَمّ: القصد، تقول: أَمّ نحو كذا بمعنى قصد، وإِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ يعني إلى مدة قصدهم بالعذاب مثلاً،  لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ هذا إذا ربطناها بأصل المعنى اللغوي، إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ إلى مدة زمنية محدودة معدودة قليلة لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ.

"والأمة تستعمل في القرآن، والسنة؛ في معانٍ متعددة، فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية: إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ، وقوله في يوسف: وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [سورة يوسف:45]".

لفظ الأمة من قبيل الألفاظ المشتركة، والمشترك: هو اللفظ الواحد الذي له معانٍ متعددة، وهذا الذي يسمونه بالوجوه والنظائر، فالأمة تأتي لمعانٍ متعددة في القرآن، يقول: متعددة فيراد بها الأمد يعني المدة الزمنية.

"وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة النحل:120]".

باعتبار أنه يؤتم به، يقتدى به، أو باعتبار أنه جامع، فهو جامع للخصال والأوصاف الكاملة التي تفرقت في غيره واجتمعت فيه، ولا منافاة بينهما.

"وتستعمل في الملة، والدين؛ كقوله إخباراً عن المشركين إنهم قالوا: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [سورة الزخرف:23]، وتستعمل في الجماعة كقوله: وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ [سورة القصص:23]".

الجماعة إما مطلقاً كقوله: وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً يعني: جماعة من الناس، وإما الجماعة المتفقة أو المجتمعة على دين واحد كما في قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [سورة البقرة:213]، يعني: مجتمعة على دين واحد، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [سورة آل عمران:110] الأمة المجتمعة على الإسلام، على توحيد الله ، واتباع رسوله ﷺ وهكذا، فهي الجماعة: تارة مطلقاً وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ جماعة من الناس يسقون، أو الجماعة المجتمعة على دين.

"وقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [سورة النحل:36]، وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة يونس:47]، والمراد من الأمة هاهنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم، وكافرهم كما في صحيح مسلم: والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني؛ ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار[1]، وأما أمة الأتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وفي الصحيح: فأقول: أمتي أمتي[2]".

يعني أن أمة محمد ﷺ تنقسم إلى قسمين: أمة إجابة، وهم الذين اتبعوه، وأسلموا، وآمنوا، وأمة دعوة؛ وهم كل من وجهت إليهم الدعوة، فاليهود، والنصارى الموجودون الآن، وأهل الأوثان وغيرهم هؤلاء كلهم أمة محمد ﷺ يعني أمة الدعوة الذين خوطبوا بالدعوة، فهم كلهم من أمته.

"وتستعمل الأمة في الفرقة، والطائفة كقوله تعالى: وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [سورة الأعراف:159]، وكقوله: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ الآية".

الطائفة والجماعة مما يرجع إلى معاني الأمة، وهي تأتي بأربعة معانٍ على المشهور: بمعنى المدة الزمنية، والرجل المقتدى به، الجامع لخصال الخير، والجماعة من الناس بفرعيها مطلقاً، أو المجتمعة على دين، وملة واحدة - والله أعلم -.

  1. رواه مسلم برقم (153)، عن أبي هريرة بلفظ: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني؛ ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة.
  2. جزء من حديث رواه مسلم برقم (193)، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.