الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍۭ بَخْسٍ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ [يوسف:20] يقول تعالى وباعه إخوته بثمن قليل".

هذا القول هو الذي مشى عليه أيضاً ابن جرير أن الضمير وشروه يرجع إلى إخوة يوسف يعني باعوه، لأن كلمة اشترى تأتي بمعنى باع، وتأتي بمعنى اشترى التي نعرفها وكانوا فيه من الزاهدين [يوسف:20]، وبعض أهل العلم يقول الذين شروه هم أولئك الذين جاؤوا إلى البئر، واستخرجوه منها شروه بمعنى باعوه لغيرهم بثمن بخس دراهم معدودة، وابن جرير يرد على هذا كما ذكرت يقول كيف يتحصل أنهم كانوا فيه من الزاهدين، وأنهم شروه بثمن بخس؛ وهم أخفوه عن رفقائهم، وأسروه بضاعه، وقال قائلهم: يا بشرى هذا غلام، وفرحوا به غاية الفرح، فكيف يبيعونه بهذا السعر الزهيد؛ وإنما ذلك في إخوة يوسف، والذين يقولون: لا، هذا في الذين أخذوه يقولون: الضمائر ترجع في الأصل إلى موضع واحد، فإذا تتبعت الكلام من أوله وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم يعني السيارة  فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه يعني هؤلاء الذين جاؤوا بضاعة، ثم قال: وشروه والأصل أن تعود الضمائر إلى موضع واحد، وذكرنا في القاعدة أن هذا أولى من تفريقها إلا لقرينة أو لدليل، فقد يوجد دليل، أو توجد قرينة ترجح تفريق الضمائر،  فعندئذ في هذه الحال يقال بأن هذا الضمير يرجع إلى كذا، وهذا الضمير يرجع إلى كذا، فهنا شروه يقول ابن جرير: الضمير يرجع إلى غير السيارة والوارد لما سبق ذكره شروه بثمن بخس أن أولئك كانوا يضنون به، وهذا على كل حال له نظائر على خلاف في تفسيرها يعني في قوله - تبارك وتعالى -: لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ [الفتح:9] يقول إن الضمائر ترجع إلى موضع واحد لتؤمنوا بالله ورسوله رسول الله وَتُعَزِّرُوهُ يعني النصر لمن؟ لأقرب مذكور وهو الرسول ﷺ، وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ يعني النبي ﷺ،  وَتُسَبِّحُوهُ يعني الله - تبارك وتعالى - مع أن من أهل العلم من قال إن ذلك جميعاً يرجع إلى الله من أجل توحيد الضمائر لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ [الفتح:9]، لكن هذا يخالف قاعدة أيضاً أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور؛ لاحظ كيف تنازعته قاعدتان: قالوا من أجل توحيد الضمائر لتؤمنوا بالله، ورسوله، وتعزروه أي تنصروا الله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد:7]، وتوقروه أي التعظيم تعظموا الله ، وتسبحوه أي تنزهوه من كل عيب، ودنس؛ بكرة وأصيلاً، وهذا القول له وجه؛ لكن لاحظ كيف تنازعته القواعد بين رجوعه إلى أقرب مذكور، وبين توحيد الضمائر والقرائن، في هذا تبين وترجح، وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] يَرْفَعُهُ هل يعود إلى الكلم الطيب، أم يعود إلى الله ، من أهل العلم من يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يعني إلى الله، والعمل الصالح يرفعه أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، وبعضهم يقول: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أي الله يرفع العمل الصالح الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يرتفع إليه، والعمل الصالح أيضاً الله يرفعه، وبعضهم يقول غير هذا، بعضهم يقول: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، وبعضهم يقول: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، وهذا كله يمكن أن تحمل الآية عليه، فالقرآن يعبر فيه بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وهذا في هذا المثال، ولكن في بعض الأمثلة نحتاج إلى ترجيح، فعلى كل حال على قول ابن كثير، وابن جرير هنا الضمائر تكون قد فرقت منها ما يرجع إلى الرفقة هؤلاء وهو ما يرجع إلى إخوة يوسف، وعلى قول ابن جرير وابن كثير أن إخوة يوسف ما رجعوا حتى نظروا وعرفوا أنه قد أخذ من البئر، وانتهى أمره، وهذا على كل حال والعلم عند الله ؛ يعني من الممكن أنهم لما رأوا ما أصاب والدهم - حيث كان عندهم قلوب فيها بقية حياة، وفيها شيء من الحس - فحين يرون ما يصيب هذا الرجل الكبير وهو نبي؛ فمن المتوقع أن يرجعوا ليبحثوا عنه - لو كانوا ذهبوا -، لأنهم يعرفون مكانه، وسيأتوا ليستخرجونه إذا كان موجوداً، ويرجعون به إلى أبيهم؛ لكن هذا الإطباق على هذه القضية بهذا الشكل، وهذا الإصرار؛ قد يفهم منه - والله أعلم - أنهم كانوا ينظرونه، وعرفوا أن الرجل قد ذهب، وأخذه، وانطلق به هؤلاء الناس إلى جهة الله أعلم أين يذهبوا به.

"وقوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ [سورة يوسف:20] "يقول تعالى: وباعه إخوته بثمن قليل"، قاله مجاهد وعكرمة، والبخس: هو النقص كما قال تعالى: فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا [سورة الجن:13] أي: اعتاض عنه إخوته بثمن دونٍ قليلٍ، ومع ذلك كانوا فيه من الزاهدين أي ليس لهم رغبة فيه بل لو سُئلوه بلا شيء لأجابوا، قال ابن عباس - ا - ومجاهد والضحاك: "إن الضمير في قوله: وَشَرَوْهُ عائد على إخوة يوسف"".

قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي: بثمنٍ قليل، وقال بعض أهل العلم: أي بثمنٍ يحرم عليهم أخذه، فقد باعوا حراً، كريماً، نبياً، وهو أخٌ؛ لهم بثمنٍ بخس كما قال الشاعر:

بدلتُ بالجمة رأساً أزعرا وبالثنايا الواضحات الدردرا
وبالطويل العمر عمراً جيدرا كما اشترى المسلم إذا تنصرا

قوله: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ الدراهم هي التي توزن، أما إذا كانت قليلة فالعادة أنها تعد ولا توزن فإذا بلغت أربعين درهماً فإنها توزن.

"وكانوا قد باعوه بأنقص الأثمان، ولهذا قال دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ فعن ابن مسعود : "باعوه بعشرين درهماً".

وكذا قال ابن عباس - ا -، ونوف البكالي والسدي، وقتادة وعطية العوفي وزاد: "اقتسموها درهمين درهمين"، وقال الضحاك في قوله: وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ وذلك أنهم لم يعلموا نبوته، ومنزلته؛ عند الله ".