قول ابن كثير "أَشُدَّهُ أي استكمل عقله، وتم خلقه" هو تفسير حسن، وقد قال بعض أهل العلم: إذا بلغ الإنسان الثامنة عشرة فقد بلغ الأشد، وقال بعضهم: بلوغ الأشد ببلوغ الحلم، وقال بعضهم: ببلوغ الخامسة والعشرين، وقال بعضهم: بلوغ الأشد ببلوغ الأربعين، وقيل خمسين سنة، واختار ابن جرير أن بلوغ الأشد من الثامنة عشرة إلى الستين.
قال بعضهم: الحكم، والعلم هما: النبوة، وقال بعض أهل العلم: الفهم، والعلم، وبعضهم يقول: يعني الحكم بين الناس، والأقرب - والله أعلم - أن الحكم، والعلم هما: النبوة.
ليس معنى ذلك أن من كان محسناً يعطى النبوة، وإنما النبوة هي موهبة إلهية لا يصل إليها الإنسان مهما كان عمله، وجدّه، واجتهاده، وتهذيبه؛ وهذا قول المسلمين، ويوجد من قال من الفلاسفة: إن النبوة قضية كسبية، وإن الإنسان إذا ترقى في مدارج الكمال والتهذيب فإنه يصل إلى هذا بكسبه، وهذا الكلام من أبطل الباطل، فالله يصطفي من عباده ما شاء لهذا الأمر اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [سورة الحج:75].
ومعنى قوله: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أي: بما يدبره الله لهم، ويجعل العاقبة الحميدة لهم دائماً، وينجيهم، ويحصل لهم من ألوان الكرامات، والمنح الإلهية، ومن أهل العلم كابن جرير من خصه بالنبي ﷺ فقال: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أي: النبي ﷺ كما فعلنا ذلك بيوسف كذلك نفعل بك، ونجعل العاقبة لك، وننصرك على قومك، ونظهرك عليهم، والراجح - والله أعلم - أن الآية عامة.
مسألة:
ابتداء يوسف بدعوة من كان في السجن إلى توحيد الله لم يكن بوحي؛ لأن يوسف كان قد نشأ وتربى على التوحيد، فهو ابن نبي، ولهذا قال: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [سورة يوسف:37].