الأربعاء 09 / ذو القعدة / 1446 - 07 / مايو 2025
قَالُوٓا۟ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُۥ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِۦ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ [سورة يوسف:77].

وقال إخوة يوسف لما رأوا الصواع قد أخرج من متاع بنيامين: إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ يتنصلون إلى العزيز من التشبه به، ويذكرون أن هذا فعَلَ كما فعل أخ له من قبل يعنون به يوسف ".

قوله على لسانهم: إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ يقصدون بذلك يوسف - عليه الصلاة والسلام -، وبعض المفسرين يقول: إن يوسف كان في صغره عند عمته، وأنها قد أحبته محبة عظيمة، فطلبه أبوه بعد ذلك؛ ولم تصبر على فراقه، وكانت هي أكبر من يعقوب، وكانت منطقة إسحاق - عليه الصلاة والسلام - عندها باعتبار أنها الكبيرة، فقد كان في شريعتهم أن الوارث هو الأكبر، والمنطقة ما يتمنطق به الإنسان مما يضع فيه السلاح أو نحو هذا، فوضعتها تحت ثيابه، ثم بعد ذلك ذكرت أنها فقدتها، فنظروا فوجودها معه من أجل أن تأخذه عندها كما فعل يوسف - عليه الصلاة والسلام -؛ فظنوا أنه سرقها وهو صغير، وهذا لا دليل عليه، وبعضهم يقول: إنهم قصدوا بذلك أنه في صغره وجد عند جده لأمه صنماً من ذهب فأخذه فكسره، فعيره إخوانه بذلك، وهذا لا دليل عليه، وبعضهم يقول: إنهم قصدوا بهذا أنه قد سرق قلب أبيهم، وهذا خلاف الظاهر، والأقرب - والله تعالى أعلم - أنهم كذبوا عليه بهذا، وهم فعلوا أكبر من الكذب، فعلوا به ما فعلوا، وهذا القياس الذي قاسوه هو من أبطل القياس، فلا علاقة بين سرقة أخيه كما زعموا وبين سرقة هذا، ولا توجد علة جامعة، والقياس كما هو معلوم هو إلحاق فرع بأصل في حكم في علة جامعة بينهما، ولا يوجد علة، حتى ما يسمونه بقياس غلبة الأشباه مثل قياس الخيل على الحمير في عدم وجوب الزكاة مثلاً بحكم الشبه الظاهر؛ هذا القياس باطل لا يعول عليه، فكيف بهذا.

"وقوله: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ يعني: الكلمة التي بعدها، وهي قوله: أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ أي: تذكرون، قال هذا في نفسه ولم يبده لهم، وهذا من باب الإضمار قبل الذكر قال العوفي عن ابن عباس - ا -: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ قال: أسر في نفسه أنتم شر مكاناً والله أعلم بما تصفون".

قوله: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ المشهور وهو الظاهر المتبادر أنه أسر الجملة التي بعدها يعني لمّا قالوا هذا قال في نفسه: أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ، ويحتمل أن يكون أسرها في نفسه ليس المقصود هذه الجملة، أسرها في نفسه يعني كأنه تلقى هذه التهمة ولم يبدِ لهم رداً، ولا إنكاراً، وإنما كظمها في نفسه، وسكت، سمع منهم شيئاً كرهه ولم يرد هذه التهمة، وإنما أبقاها في نفسه، وتحملها، ومضت، ويحتمل أن يكون فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ بمعنى أنه أجَّل الجواب، لم يجبهم في ساعته وإنما أجَّل ذلك إلى أن قال لهم فيما بعد: هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ [سورة يوسف:89] يعني حينما جاءوا إليه فيما بعد، وقالوا له: مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ [سورة يوسف:88].

والضمير في قوله: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ بعض العلماء قال: إنما أسرها يوسف في نفسه عندما تلقى هذه التهمة، وكظمها، ولم يرد عليهم، ولا إشكال في مثل هذا التعبير، وقيل: يعني أسر في نفسه قوله: أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا من باب الإضمار قبل الذكر، كنى عنها بالضمير، ثم ذكرها بعد ذلك، ولم يقل: فأسر يوسف في نفسه قوله: أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا، فلو قالوا: إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وانتهى الكلام، وما ذكرت الجملة التي بعده كان يقال: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ أي: لم يجبهم في الحال وإنما أجّل ذلك، أو كظم ذلك وتحمله، ولم يرد عليهم، لكن حينما قال: أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا يكون ذلك تفسيراً للضمير الهاء في قوله: فَأَسَرَّهَا وهذا معنى الإضمار قبل الذكر.