السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍۭ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ أَمْ تُنَبِّـُٔونَهُۥ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِى ٱلْأَرْضِ أَم بِظَٰهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ ۗ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا۟ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنْ هَادٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [سورة الرعد:33].

يقول تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ أي: حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر، ولا يخفى عليه خافية، وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [سورة يونس:61]، وقال تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا [سورة الأنعام:59]، وقال: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سورة هود:6]، وقال: سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [سورة الرعد:10]، وقال: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [سورة طـه:7]، وقال: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [سورة الحديد:4]، أفمن هو كذلك كالأصنام التي يعبدونها، لا تسمع ولا تبصر، ولا تعقل، ولا تملك نفعاً لأنفسها ولا لعابديها، ولا كشف ضر عنها ولا عن عابديها؟ وحذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه وهو قوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ أي: عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان، قُلْ سَمُّوهُمْ أي: أعلمونا بهم، واكشفوا عنهم حتى يعرفوا، فإنهم لا حقيقة لهم.

ولهذا قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أي: لا وجود له؛ لأنه لو كان له وجود في الأرض لعلمها؛ لأنه لا تخفى عليه خافية.

"أم" هي منقطعة، بمعنى "بل" والهمزة، المعنى: بل أتنبئونه بما لا يعلم في الأرض، وخص بعض أهل العلم الأرض؛ لأن المشركين ادعوا لله شركاء في الأرض.

قوله: أمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ قال مجاهد: بظن من القول. وقال الضحاك وقتادة: بباطل من القول، أي: إنما عبدتم هذه الأصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر وسميتموها آلهة، أي: إنما عبدتم هذه الأصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر وسميتموها آلهة.

قوله: أمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أي: بظن من القول وباطل من القول، وقال بعضهم: أمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أي: بحجة وبرهان من القول ظاهرة، وقال ابن جرير - رحمه الله -: أي: بظاهر من القول مسموع.

قوله: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى [سورة النجم:23]، بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ [سورة الرعد:33] قال مجاهد: قولهم أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار، كقوله تعالى: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم [سورة فصلت:25]، وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ [سورة الرعد:33] من قرأها بفتح الصاد معناه أنه لما زين لهم ما هم فيه، وأنه حق دعوا إليه، وصدوا الناس عن اتباع طريق الرسل، ومن قرأها بالضم أي بما زين لهم من صحة ما هم عليه، صدوا به عن سبيل الله؛ ولهذا قال: وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [سورة الرعد:33]، كما قال: وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا  [سورة المائدة:41]، وقال: إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ [سورة النحل:37].

قوله: وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ [سورة الرعد:33] قرأ حمزة والكسائي وعاصم  بالضم، وقرأ الجمهور بالفتح، وعلى قراءة الضم يكون المعنى: صدهم الله عن السبيل وأضلهم وهذا اختيار ابن جرير – رحمه الله – وقال بعضهم: أي: صدهم الشيطان وأضلهم.

والمعنى على قراءة الفتح: أنه لما زين لهم ما فهم فيه وأنه حق دعوا إليه، وصدوا الناس عن اتباع طريق الرسل.

وكلمة "صدَّ" تأتي متعدية وتأتي لازمة، وإذا فسرت بأنها لازمة، فيكون المعنى: أنهم زين لهم عملهم السيء فكفروا وانحرفوا، وصدوا أنفسهم، وإذا فسرت بأنها متعدية فيكون المعنى: أي صدوا غيرهم عن سبيل الله.