أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [سورة الرعد:33].
يقول تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ أي: حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر، ولا يخفى عليه خافية، وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [سورة يونس:61]، وقال تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا [سورة الأنعام:59]، وقال: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سورة هود:6]، وقال: سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [سورة الرعد:10]، وقال: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [سورة طـه:7]، وقال: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [سورة الحديد:4]، أفمن هو كذلك كالأصنام التي يعبدونها، لا تسمع ولا تبصر، ولا تعقل، ولا تملك نفعاً لأنفسها ولا لعابديها، ولا كشف ضر عنها ولا عن عابديها؟ وحذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه وهو قوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ أي: عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان، قُلْ سَمُّوهُمْ أي: أعلمونا بهم، واكشفوا عنهم حتى يعرفوا، فإنهم لا حقيقة لهم.
ولهذا قال: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أي: لا وجود له؛ لأنه لو كان له وجود في الأرض لعلمها؛ لأنه لا تخفى عليه خافية.
"أم" هي منقطعة، بمعنى "بل" والهمزة، المعنى: بل أتنبئونه بما لا يعلم في الأرض، وخص بعض أهل العلم الأرض؛ لأن المشركين ادعوا لله شركاء في الأرض.
قوله: أمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أي: بظن من القول وباطل من القول، وقال بعضهم: أمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أي: بحجة وبرهان من القول ظاهرة، وقال ابن جرير - رحمه الله -: أي: بظاهر من القول مسموع.
قوله: وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ [سورة الرعد:33] قرأ حمزة والكسائي وعاصم بالضم، وقرأ الجمهور بالفتح، وعلى قراءة الضم يكون المعنى: صدهم الله عن السبيل وأضلهم وهذا اختيار ابن جرير – رحمه الله – وقال بعضهم: أي: صدهم الشيطان وأضلهم.
والمعنى على قراءة الفتح: أنه لما زين لهم ما فهم فيه وأنه حق دعوا إليه، وصدوا الناس عن اتباع طريق الرسل.
وكلمة "صدَّ" تأتي متعدية وتأتي لازمة، وإذا فسرت بأنها لازمة، فيكون المعنى: أنهم زين لهم عملهم السيء فكفروا وانحرفوا، وصدوا أنفسهم، وإذا فسرت بأنها متعدية فيكون المعنى: أي صدوا غيرهم عن سبيل الله.