الإثنين 14 / ذو القعدة / 1446 - 12 / مايو 2025
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلَٰتُ ۗ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ۖ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الرعد:6].

يقول تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ أي: هؤلاء المكذبون، بِالسّيّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي: بالعقوبة كما أخبر عنهم في قوله: وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ۝ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ۝ مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ [سورة الحجر:6-8]، وقال تعالى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [سورة الحـج:47]، [سورة العنكبوت:53] الآيتين، وقال تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ [سورة المعارج:1]، وقال: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ [سورة الشورى:18]، وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [سورة ص:16]، أي: عقابنا وحسابنا، كما قال مخبراً عنهم: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ... [سورة الأنفال:32] ، فكانوا من شدة تكذيبهم وعنادهم وكفرهم يطلبون من الرسول أن يأتيهم بعذاب الله، قال الله تعالى: وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ [سورة الرعد:6] أي: قد أوقعنا نقمنا بالأمم الخالية وجعلناهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم.

قوله - تبارك وتعالى -: وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ [سورة الرعد:6]، المثلات: جمعٌ يراد به العقوبات، ومن أهل العلم كابن الأنباري من خصه بنوع من العقوبة وهي العقوبة التي تبقي أثراً في المعاقب، ومن ذلك المثلة والتمثيل فإن ذلك يكون بإبقاء آثار على الجسد، من بقر بطن، وجدع أنف، وسمل عين، وعامة أهل العلم يفسرون المثلات بالعقوبات، وما وقع لقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم لوط هو من المثلات.

ثم أخبر تعالى أنه لولا حلمه وعفوه لعاجلهم بالعقوبة، كما قال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ [سورة فاطر:45]، وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ [سورة الرعد:6] أي: إنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار، ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ليعتدل الرجاء والخوف، كما قال تعالى: فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [سورة الأنعام:147]، وقال: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [سورة الأعراف:167]، وقال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [سورة الحجر:49-50]، إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الرجاء والخوف.

فهم بعض أهل العلم من هذه النصوص وأمثالها أن الواجب على الإنسان هو الاعتدال بين الخوف والرجاء، أنهما كالجناحين للطائر، لا يطير إلا بهما، وقال بعض أهل العلم: على الإنسان أن يغلب جانب الخوف في حال القوة والعافية والصحة والنشاط ليكون ذلك رادعاً له عن مقارفة ما لا يليق، وأما عند الموت فعليه أن يغلب جانب الرجاء، بدليل قول النبي ﷺ: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه[1].

  1. رواه الإمام أحمد (22 / 366)، برقم: (14481).