الإثنين 24 / جمادى الآخرة / 1447 - 15 / ديسمبر 2025
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [سورة إبراهيم:5].

يقول تعالى: وكما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك الكتاب لتخرج الناس كلهم، تدعوهم إلى الخروج من الظلمات إلى النور، كذلك أرسلنا موسى إلى بني إسرائيل بآياتنا، قال مجاهد: هي التسع الآيات، أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ أي: أمرناه قائلين له: أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ أي: ادعهم إلى الخير ليخرجوا من ظلمات ما كانوا فيه من الجهل والضلال إلى نور الهدى وبصيرة الإيمان، وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ أي: بأياديه ونعمه عليهم في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه، وإنجائه إياهم من عدوهم، وفلقه لهم البحر، وتظليله إياهم بالغمام، وإنزاله عليهم المن والسلوى، إلى غير ذلك من النعم، قال ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد.

قوله – تبارك وتعالى -: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ أيام الله هي الأيادي، وفسرها بعض أهل العلم بالنقم، وهذا هو اختيار ابن كثير وابن جرير، وقد قال به جماعة من السلف.

ومن أهل العلم من عمم الآية لتشمل النوعين، فنعمه – تبارك وتعالى – ونقمه هي في أيام الله، والأيام ظرف فعبر بها عن النعم والنقم، كما يقول الله : وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً [سورة البقرة:48] واليوم لا يُتقَى، والمقصود اتقوا أهوال يوم.

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: وقد فسرت أيام الله بنعمه وفسرت بنقمه من أهل الكفر والمعاصي، فالأول: تفسير ابن عباس وأبي بن كعب - ا - ومجاهد، والثاني: تفسير مقاتل، والصواب: أن أيامه تعم النوعين،  وهي وقائعه التي أوقعها بأعدائه، ونعمه التي ساقها إلى أوليائه، وسميت هذه النعم والنقم الكبار المتحدث بها أياماً؛ لأنها ظرف لها، تقول العرب: فلان عالم بأيام العرب وأيام الناس، أي بالوقائع التي كانت في تلك الأيام، فمعرفة هذه الأيام توجب للعبد استبصار العبر، وبحسب معرفته بها تكون عبرته وعظته، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ [سورة يوسف:111] ولا يتم ذلك إلا بالسلامة من الأغراض وهي متابعة الهوى والانقياد لداعي النفس الأمارة بالسوء، فإن اتباع الهوى يطمس نور العقل ويعمي بصيرة القلب، ويصد عن اتباع الحق، ويضل عن الطريق المستقيم، فلا تحصل بصيرة العبرة معه ألبتة، والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره، فَأرَتْه نفسه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، فالتبس عليه الحق بالباطل، فأنّى له الانتفاع بالتذكر أو بالتفكر أو بالعظة[1].

وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أي: إن فيما صنعنا بأوليائنا بني إسرائيل حين أنقذناهم من يد فرعون، وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين لعبرة لِّكُلِّ صَبَّارٍ أي: في الضراء شَكُور أي: في السراء، كما قال قتادة: نعم العبد عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر. وكذا جاء في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن أمر المؤمن كله عجب، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له[2]
  1. مدارج السالكين (1 / 449).
  2. رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير (4 / 2295)، برقم (2999) بلفظ: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.