الثلاثاء 25 / جمادى الآخرة / 1447 - 16 / ديسمبر 2025
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَىٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ۚ وَفِى ذَٰلِكُم بَلَآءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ۝ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ۝ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [سورة إبراهيم:6-8].

يقول تعالى مخبراً عن موسى حين ذكّر قومه بأيام الله عندهم ونعمه عليهم، إذ أنجاهم من آل فرعون، وما كانوا يسومونهم به من العذاب والإذلال، حيث كانوا يذبحون من وجد من أبنائهم، ويتركون إناثهم، فأنقذهم الله من ذلك، وهذه نعمة عظيمة؛ ولهذا قال: وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ أي: نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك، أنتم عاجزون عن القيام بشكرها، وقيل: وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الأفاعيل بَلاءٌ أي: اختبار عظيم، ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا، والله أعلم، كقوله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [سورة الأعراف:168].

قوله - تبارك وتعالى -: إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [سورة إبراهيم:6]، معنى مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ، أي: من فرعون، ويمكن أن يكون المعنى، أي: من فرعون وملئه.

وقوله يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ أصل السوم هو الذهاب في طلب الشيء، ومنه السائمة تذهب في طلب الكلأ والعشب، المعنى أي: يبغونكم، ثم فسر هذا العذاب، فقال: وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ، والواو في قوله: وَيُذَبِّحُونَ ليست مقتضية للمغايرة، وإنما ذكر ذلك من جملة العذاب الواقع بهم، وهذا وجه حسن وتفسره آية البقرة، قال – تبارك وتعالى -: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ [سورة البقرة:49].

وتذبيح الأولاد واضح أنه عذاب، وقوله: وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ، أي: يتركونهن أحياء، وذكر استحياء البنات من جملة العذاب الذي قرنه الله بتذبيح الأولاد؛ لكونه أشد من التذبيح، فالبنت ضعيفة وعورة، وكان العرب في الجاهلية يدفنون بناتهم خوفاً من العار.

قوله: وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ [سورة إبراهيم:6]، أي: إنعام وإفضال من الله - تبارك وتعالى - بإنجائكم وتخليصكم من فرعون وقومه، وقيل: وَفِي ذَلِكُم بَلاء يعني ما كان يفعله فرعون بكم نقمة وأمر شديد، وصعب على النفوس، مؤلم لها غاية الإيلام، وقال ابن كثير- رحمه الله – "ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا، والله أعلم، كقوله تعالى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، وسبقه الحافظ ابن جرير الطبري – رحمه الله – وقال بهذا القول.