قوله: إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ بفتح اللام الْمُخْلَصِينَ يعني الذين خلصهم الله ، وكتب لهم الهداية، وهذه القراءة الْمُخْلَصِينَ هي قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة، وقرأه الباقون بالكسر، بكسر اللام إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلِصِينَ، إذا كان لكل قراءة معنىً يخصها فهما بمنزلة الآيتين، فدلت القراءة الأولى على أنه لا يتخلص من كيد إبليس إلا من نجاه الله وخلصه واصطفاه للهدى والإيمان، ودلت القراءة الثانية على أنه لا يتخلص من كيد إبليس إلا أهل الإخلاص، فقوله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ أي: ولكن من اتبعه من الغاوين فإن سلطانه يكون عليهم، ولذلك يقال: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ، إذا قيل بأن المقصود في العباد الإضافة، يعني كل العباد إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ، فيكون الاستثناء متصلاً، استثنى من هؤلاء الخلق من اتبعه من الغواة، وإذا قيل بأن الإضافة إضافة تشريف وأن المقصود أهل الأيمان والتقوى والطاعة، إِنَّ عِبَادِي كما قال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [سورة الفرقان:63]، عبودية الاختيار، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ لكن مَنِ اتَّبَعَكَ، يكون الاستثناء منقطعاً، أي: فإن سلطانك يكون واقعاً عليهم، كما قال الله - تبارك وتعالى -: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [سورة النحل:100]، والمقصود بالسلطان: أنه ليس له حجة عليهم في الإغواء، كما مضى في قوله - تبارك وتعالى -: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [سورة إبراهيم:22]، فيقول: أنا لم يكن لي حجة في هذا الإضلال الذي أضللتكم وإنما دعوتكم فاستجبتم، واتبعتم النفوس الأمارة بالسوء والهوى، والسلطان يأتي بمعنى الغلبة والقهر والتسلط، وهذا كله داخل في قوله - تبارك وتعالى -: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [سورة الإسراء:33]، فمن فسره بالحجة فإن تفسيره لا يخالف التفسير الآخر الذي هو التسلط والقهر، فإن السبيل إلى تسلط وليّ الدم على القاتل إنما هو حجته، وهو أنه صاحب حق، وهو ولي الدم، وهذا قُتل مظلوماً، وهذا قاتل، فيمكن أن يكون هذا، ويمكن أن يكون هذا.