الجمعة 18 / ذو القعدة / 1446 - 16 / مايو 2025
وَءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَجَعَلْنَٰهُ هُدًى لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا۟ مِن دُونِى وَكِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاّ تَتّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ۝ ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً[سورة الإسراء:2-3].

لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد ﷺ  عطف بذكر موسى عبده ورسوله وكليمه أيضاً، فإنه تعالى كثيراً ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد -عليهما من الله الصلاة والسلام-، وبين ذكر التوراة والقرآن؛ ولهذا قال بعد ذكر الإسراء: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَيعني التوراة، وَجَعَلْنَاهُ  أي: الكتاب هُدًى أي: هادياً لبني إسرائيل ألاّ تتخذوا  أي: لئلا تتخذوا،  مِن دُونِي وَكِيلاً  أي: ولياً ولا نصيراً ولا معبوداً دوني؛ لأن الله تعالى أنزل على كل نبي أرسله أن يعبده وحده لا شريك له.

في قوله -تبارك وتعالى-: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ قال: يعني التوراة،  وَجَعَلْنَاهُ أي: الكتاب هُدًى لّبَنِي إِسْرَائِيلَ، وبعضهم يقول:  وَجَعَلْنَاهُ  أي: موسى ﷺ  وهذا خلاف الظاهر المتبادر، والأقرب -والله أعلم- ما ذكره الحافظ ابن كثير،  جَعَلْنَاهُ  أي: الكتاب؛ لأنه أقرب مذكور، والأصل أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور.

 هُدًى أي: هادياً، لّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاّ تَتّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً، قال: "أي لئلا تتخذوا"، واللام هنا للتعليل، أَلاّ تَتّخِذُواْ، يعني أن الله   أنزل الكتاب الذي أنزله على موسى -عليه الصلاة والسلام- وجعله هادياً لهم لئلا يتخذوا من دون الله وكيلاً، ويحتمل أن تكون "أن" هذه مفسرة، و"أن" المفسرة كما هو معلوم هي التي تأتي بعد معنى القول، لكن لا بحروفه، فـ أَلاّ تَتّخِذُواْ،  وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرَائِيلَ، ثم فسر هذا الهدى وهو ألا يتخذوا، بمعنى أن الكتاب جاء بالتوحيد، بالأمر بالتوكل على الله ، وتفويض الأمور إليه، والاستعانة به وحده، والثقة بما عنده وأن يكون هو الوكيل.

يقول: "أي لئلا تتخذوا مِن دُونِي وَكِيلاً أي: ولياً، ولا نصيراً، ولا معبوداً من دوني"، فالوكيل فعيل من التوكل، أي متوَكَّلاً عليه، تفوضون إليه أموركم فيوصل إليكم النفع ويدفع عنكم الضر، فإن هذا لا يكون إلا لله ،وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ [سورة المائدة:23]،  وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [سورة الفرقان:58]، والأقوال التي ذكرها السلف في هذا المعنى متقاربة وترجع إلى شيء واحد، فالحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا جمع جملة من هذه المعاني التي ذكروها بهذا السياق، فبعضهم يقول:  وَكِيلاً أي: كفيلاً بأموركم، وبعضهم يقول: شريكاً، وبعضهم يقول: كافياً، والله  يقول: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا تفوض أمورك إليه وتركن إلى جنابه، وتعتمد عليه، ولا تلتفت إلى أحد سواه، وهذا هو التوحيد، إفراد الله   بالتوكل، والثقة به، دون الالتفات إلى أحد سواه؛ لينفعك أو ليضرك.