الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فِى ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّآ إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّىٰكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ ٱلْإِنسَٰنُ كَفُورًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا [سورة الإسراء: 67].

يخبر - تبارك وتعالى - أن الناس إذا مسهم ضر دعوه منيبين إليه مخلصين له الدين؛ ولهذا قال تعالى:وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ: أي ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله تعالى.

وقوله تعالى: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ: أي نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر، وأعرضتم عن دعائه وحده لا شريك له، وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا: أي سجيته هذا، ينسى النعم ويجحدها إلا من عصم الله.

هذا كقوله تعالى في الآيات الأخرى في خصوص ركوب البحر، وما يحصل لهم فيه من المخاوف، فيخلصون الدعاء لله  :هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [سورة يونس: 22]، فهذه عادتهم، فإذا نجاهم الله من هذا رجعوا إلى ما كانوا عليه، وذلك لا يختص بالفلك، وإنما في عموم أحوال الإنسان إذا مسته الشدائد والضراء، وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [سورة الإسراء:83]، وهذا في صفة الإنسان من حيث هو، وأن ذلك يغلب عليه، والله هنا يقول: وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا، الذين كانوا يعبدون غير الله لا شك أنهم داخلون في هذا دخولاً أولياً، ولكن غيرهم أيضاً يدخل فيه باعتبار أن الإنسان ينسى فضل الله عليه في الشدائد، إذا أصابه مرض، أصابته علة، أصابه فقر، جعل يتضرع إلى الله  ، فإذا كشف الله عنه الضر نسي ما كان يدعو إليه من قبل، هذه طبيعة الإنسان، وهي غالبة على الناس، وقد لا يصل به الحد إلى الإشراك بالله - تبارك وتعالى -، ولكن كلٌّ بحسبه، المشرك يرجع إلى شركه، والغافل يرجع إلى غفلته، فإذا وقع في الشدة تقرب إلى الله بالضراعة والإخبات، وإذا رفعتْ عنه هذه الشدة عاد إلى حاله الأولى، ونسي الإفضال والإنعام، ونسي تلك الشدة، وهذا داخل في معنى الكفران، وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا، فلا يختص ذلك بالكفر الذي هو جحود الوحدانية، أو الإشراك مع الله  ، ليشرك آلهة أخرى، وإنما الإعراض عن النعم ونسيان فضل الله - تبارك وتعالى -.