الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا۟ لَكُمْ وَكِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً [سورة الإسراء:68].

يقول تعالى: أفحسبتم بخروجكم إلى البر أمنتم من انتقامه وعذابه أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصباً؟!. وهو المطر الذي فيه حجارة، قاله مجاهد وغير واحد. كما قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ ۝ نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا [سورة القمر: 34-35] وقد قال في الآية الأخرى: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ [سورة الحجر: 74] وقال: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۝ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ، [سورة الملك:16-17] وقوله: ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً: أي ناصراً يرد ذلك عنكم وينقذكم منه.

قوله هنا: أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ: جانب البر أي: ناحية البر، بمعنى أنه حينما ينجيهم الله من مخاوف البحر ليس ذلك هو نهاية المطاف، ولا يظن الواحد منهم أنه بقي على أرض صلبة، وأن الخطر قد تجاوزه فهو في مأمن من عذاب الله  ، لا، فهذه اليابسة قد تُخسف، وقد يأتيه العذاب من فوقه، فالله - تبارك وتعالى - يقول: أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا يقول هنا: وهو المطر الذي فيه حجارة، وليس المقصود أنه يكون المطر المعروف وفيه حجارة، وإنما المقصود أن يمطر عليهم حجارة، كما قال الله  : وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا [سورة الأعراف: 84]، فهذا المطر ليس ماء، وإنما من نوع آخر، وهو الحجارة وتفسره الآية الأخرى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا: أي قوم لوط، فما جاءهم مطر من ماء معه حجارة، وإنما جاءهم حجارة فقط، رماهم الله  بها، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ [سورة هود: 82]، فالعبارة التي ذكرها الحافظ ابن كثير ذكرها بعض السلف قال: وهو المطر الذي فيه حجارة، وقد يفهم منها أنه المطر المعروف بالماء مصحوباً بالحجارة، وليس هذا مراده، وإنما هذا مطر حباته من الحصى، وأصل الحاصب: الريح التي تحمل معها الحجارة، والحصباء: الحجارة الصغيرة، تقول: حصبه، يعني رماه بالحصباء، ومنه قيل: المحصب، المكان المعروف في مكة، فهو مكان يوجد فيه الحجارة الصغيرة، فالريح التي ترمي بالحصباء يقال لها: حاصب، فالريح تارة تكون قوية فتحمل معها حبات الرمل، وإذا كان ذلك شديداً ربما أثر حتى في الصخور، وفي البنيان، فكيف إذا كان بالحجارة؟، ألا ترون كيف تقشر البيوت، وكيف يذهب الصدى من الحديد عن طريق ضغط الهواء المصحوب بالرمل، فيعود الحديد جديداً، وتذهب القشرة التي على البيت، التي ربما احتيج لإزالتها إلى جهود مضنية بالهواء، فكيف إذا كانت الحجارة هي التي يرمى بها؟، فعلى كل حال هذا هو المراد - والله تعالى أعلم -، يقول: قاله مجاهد وغير واحد، ومن السلف من عبر بغير هذا على كل حال، لكن هذا هو المراد - والله أعلم -؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً.