الأحد 06 / ذو القعدة / 1446 - 04 / مايو 2025
وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلْإِنسَٰنِ أَعْرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَـُٔوسًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ كَانَ يَئُوساً ۝ قُلْ كُلّ يَعْمَلُ عَلَىَ شَاكِلَتِهِ فَرَبّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىَ سَبِيلاً [سورة الإسراء:83].

يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو إلا من عصمه الله تعالى في حالتَي السراء والضراء، فإنه إذا أنعم الله عليه بمال وعافية وفتح ورزق ونصر، ونال ما يريد، أعرض عن طاعة الله وعبادته وَنَأَى بِجَانِبِهِ قال مجاهد: بعُدَ عنا، قلت: وهذا كقوله تعالى: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ [سورة يونس:12]، وقوله:فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ [سورة الإسراء:67].

وبأنه إذا مسه الشر - وهو المصائب والحوادث والنوائب -كَانَ يَئُوساً أي: قنط أن يعود فيحصل له بعد ذلك خير، كقوله تعالى:وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ۝ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ۝ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [سورة هود:9-11].

قوله تعالى: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ، الإعراض هو أن يولي غيره عرض وجهه، بمعنى الإشاحة، والنأي بالجانب يعني أن يلوي عنه عطفه ويوليه ظهره، وهذا هو الفرق بين العبارتين، والجملة الثانية أدل على الكبر والتعاظم، فكما قال الله :كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى ۝ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى [سورة العلق:6-7]، والإنسان هنا يراد به جنس الإنسان، هكذا طبيعته، كما أنه يميل إلى الأمور التي توافق هواه، قد رُكب فيه الهوى، كذلك هو يتأثر بما يلاقيه من الأمور المحبوبة ومن الأمور المكروهة، فإذا لقي الأمور المحبوبة التي يحبها وحصل له الغنى تعاظم وطغى، وإذا حصلت له المكاره انكسر ويئس وأظلمت الدنيا في عينه، ورأى أن هذا هو نهاية المطاف، فحصل له القنوط، هذا من حيث جنس الإنسان، وليس كل أحد؛ لأن النفس قابلة للتهذيب والترويض والتربية فيتغير حاله تماماً، وقد ترى من هذا أشياء في الحياة عجيبة، إنسان يصيبه البلاء فيكون في غاية القنوط، ثم بعد ذلك يُبصَّر ببعض الأمور فيتحول هذا البلاء بالنسبة إليه إلى نعمة يفرح بها ويلتذ، فالإنسان إذا روض وهذب وبُصِّر فإنه تتغير حاله، لا ينكسر أمام الشدائد ولا ييأس ولا يقنط، وإذا أصابه الغنى، وبُصِّر بحقيقة الدنيا، وبعظم المعبود ، وأنه هو المنعم المتفضل، وبضعف الإنسان، فإنه لا يحصل له الطغيان، فيكون مخبتاً مع الغنى.

وقوله - تبارك وتعالى -:وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا أي: يقنط، وهذا لا ينافي قوله - تبارك وتعالى - في الآية الأخرى: فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ [سورة فصلت:51]، إذا أصابه شدة، فيمكن أن يقال: إن هذا يقع لبعض الناس، وهذا يقع لبعضهم، أو يجمع بين الأمرين فيقال: إنه يدعو بهذا الدعاء العريض مع ما ينتابه من مشاعر اليأس والقنوط، فيعتقد أنه لا يمكن أن يربح بعد خسارته، أو أن يبرأ بعد علته ونحو ذلك، والله المستعان.