قوله: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي، أي: تغافلوا وتعاموا وتصامموا عن قبول الهدى واتباع الحق، وقد ذكر ابن القيم – رحمه الله – أن قوله – تبارك وتعالى -: فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي يتضمن معنيين:
المعنى الأول: أن أعينهم في غطاء عما تضمنه الذكر من آيات الله وأدلة توحيده، وعجائب قدرته، فهم لهم أعين كما قال الله لاَّ يُبْصِِرُونَ بِهَا [سورة الأعراف:179]، وإنما ينظرون إلى هذه الآيات العظام، ودلائل القدرة بنظر البهيمة التي لا تعقل.
المعنى الثاني: أن عين القلب في غطاء عن فهم القرآن، فهي محجوبة، ليس لهم بصائر، فالعين وإن كانت مفتوحة تنظر إلا أنه نظر لا ينتفع به صاحبه، ولا يحصل له الاعتبار والاتعاظ بما تضمنه هذا القرآن من الزواجر والمواعظ، والهدايات والأمثال، فأعينهم - يعني أعين القلوب - في غطاء عن فهم هذا القرآن وتدبره والاهتداء به، وهذا الغطاء للقلب على ما يذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله - يكون أولاً، فإذا حجب القلب فإن ذلك يسري إلى العين فلا تبصر ما ينتفع به، لا ينتفع بها صاحبها، وهذا شيء مشاهد، فأكثر الناس سياحة في الأرض هم الكفار كما نرى، بل إن ذلك من الأمور المعروفة المشتهرة عنهم، ومع ذلك لا ينتفعون ولا يتعظون بما يشاهدون، ولربما جاءوا إلى أماكن المعذبين وبقايا الأمم المهلكة ولم يحرك ذلك فيهم ساكناً، فهؤلاء أعينهم في غطاء عن ذكر الله، ما ذكره الحافظ ابن القيم - رحمه الله - لا ينكر، فإن من كانت عينه في غطاء عن ذكر الله ، فإنما ذلك لأن قلبه قد حجب عن الهدى، وصار على البصر غشاوة، فهي أمور متلازمة، كما قال الله : خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ [سورة البقرة:7].