السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مِّنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ۗ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيًّا مُّرْشِدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قوله: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا [سورة الكهف:17]  وهذا فيه دليل على أن باب هذا الكهف كان من نحو الشمال؛ لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه ذَاتَ الْيَمِينِ أي: يتقلص الفيء يمنة كما قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة: تَزَاوَرُ أي: تميل؛ وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان؛ ولهذا قال: وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ أي: تدخل إلى غارهم من شمال بابه، وهو من ناحية المشرق، فدل على صحة ما قلناه، وهذا بيّن لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب، وبيانه أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب، ولو كان من ناحية القبلة لما دخله منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب ولا تزاور الفيء يميناً ولا شمالاً، ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع بل بعد الزوال، ولم تزل فيه إلى الغروب، فتعين ما ذكرناه، ولله الحمد.

قوله - تبارك وتعالى -: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ، التزاور هو الميل، ومن فسره بأنه الانقباض تقول: فلان فيه ازورار عن فلان، أي انقباض وإعراض، بمعنى أن الشمس تعرض عنه، فهو راجع إلى معنى الميل، وقد كان باب الكهف من جهة الشمال، فالشمس عن يمينهم وقت الطلوع، وعن يسارهم وقت الغروب، فالشمس لا تأتيهم من ناحية الجنوب بطبيعة الحال، ولا تأتيهم من ناحية الشرق، ولا الغرب، باعتبار أن مدخل الكهف من ناحية الشمال فلو كان مدخل الكهف من ناحية الشرق فهي لن تأتيهم إذا كانت بعد الزوال، ولو كان من جهة الغرب فهي لن تدخل عليهم في أول النهار، لكن هذه في أوله وآخره، فدل على أن باب الكهف إلى جهة الشمال.

والمقصود أن ينظر الإنسان في قدرة الله ، وما هيأ لهم من أمرهم من ألوان الألطاف وما نشر لهم من رحمته - تبارك وتعالى - فجعل الشمس تصيب الكهف في هذين الوقتين، أضف إلى ذلك ما قصه الله من تقليبهم من أجل أن تبقى أبدانهم على حال من الاعتدال، فمعلوم أن الإنسان إذا بقي على ناحية واحدة فإن جسمه يتضرر.

فالذي يصاب بأمراض مزمنة ولا يستطيع أن يتحرك ويضطر للبقاء على ظهره يحتاج أن يقلّب؛ لأن هذا الإنسان يكون عرضة لأدنى الأشياء، فالمقصود أن تقليب هؤلاء الفتية لتبقى معه أبدانهم محفوظة في حال من الاعتدال، وكل هذا مما نشره الله لهم من رحمته.

قال: وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، القرض بمعنى القطع، ولهذا يقال: مقراض أو مقرض للآلة التي تقطع، والمعنى تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ أي: تعدل عنهم وتتركهم.

قوله: وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ مكان متسع لا تصيبهم الشمس، والله يصرف عنهم الشمس فلا تقع عليهم فتضر أجسامهم مع أنهم في مكان متسع من الكهف، وليس المقصود أن حواجز الكهف وجوانب الكهف الطبيعية هي التي منعت الشمس، وإنما امتناع دخولها ووقوعها عليهم آية من آيات الله ، فالله صرف ذلك عنهم مع أنهم في مكان متسع، ليس المقصود أنهم في الناحية الشمالية، وأن جوانب الكهف الأيمن والأيسر والجنوبي تمنع من دخول الشمس وإصابتها لأجسامهم، ولكن الله صرف عنهم الشمس بأمر غير معتاد، وهذا المعنى هو الذي رجحه جماعة من أهل العلم من المتقدمين، ومن المتأخرين، منهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، واختاره الإمام الشوكاني، والزجَّاج، وهذا القول له وجه قوي من النظر؛ لقوله : ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ.

وقد أخبر الله تعالى بذلك وأراد منا فهمه وتدبره، ولم يخبرنا بمكان هذا الكهف في أي البلاد من الأرض؛ إذ لا فائدة لنا فيه ولا قصد شرعي، ولو كان لنا فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله تعالى ورسوله ﷺ إليه، فقد قال رسول الله ﷺ: ما تركت شيئًا يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أعلمتكم به[1]، فأعلمنا تعالى بصفته، ولم يعلمنا بمكانه، فقال: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ قال مالك عن زيد بن أسلم: تميل ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي: في متسع منه داخلا بحيث لا تمسهم؛ إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم وثيابهم قاله ابن عباس - ا -.

ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ حيث أرشدهم تعالى إلى هذا الغار الذي جعلهم فيه أحياء، والشمس والريح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم؛ ولهذا قال: ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ثم قال: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الآية أي: هو الذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم، فإنه من هداه الله اهتدى، ومن أضله فلا هادي له.

  1. مصنف عبد الرزاق (11 / 125)، برقم: (20100).