الأحد 28 / شوّال / 1446 - 27 / أبريل 2025
وَعُرِضُوا۟ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۭ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا يحتمل أن يكون المراد: أن جميع الخلائق يقومون بين يدي الله صفاً واحداً، كما قال تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا [النبأ:38]، ويحتمل أنهم يقومون صفوفاً صفوفاً، كما قال: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22].

وقوله: لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ هذا تقريع للمنكرين للمعاد وتوبيخ لهم على رءوس الأشهاد؛ ولهذا قال تعالى مخاطباً لهم: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا أي: ما كان ظنكم أن هذا واقع بكم ولا أن هذا كائن.

لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [سورة الكهف:48] فسره ابن جرير - رحمه الله -: أي: أحياء بعد أن أماتكم الله أحياكم ثانية.

وأشمل من هذا المعنى أن يقال: لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني: على هيئتكم حينما خلقكم الله أول ما خلقكم حفاة عراة غرلاً لا خدم ولا حشم ولا مال ولا ولد، وإنما يحشر الإنسان بعيداً عن أهله وملكه، ويحشر منفرداً ويتخلى عن ذلك كله، وقد جاء عن ابن عباس - ا -: قال: قام فينا النبي ﷺ يخطب فقال: إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ[1]، وهذا القول ينتظم مع ما ذكره ابن جرير - رحمه الله - إذا جاءوا حفاة عراة غرلاً فإنهم يأتون أحياء؛ لأن الله يحييهم ثانية ويحشرهم على هذه الهيئة.

ما تناقص من أعضائهم وأجزائهم وأبعاضهم ونحو ذلك يرجع إليهم، وما وجد معهم من متاع وزيادة في هذه الحياة الدنيا فإن ذلك جميعاً يضمحل ويتلاشى، كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ كما خرج من بطن أمه لا مال ولا لباس ولا غير ذلك.

  1. رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف الحشر (5/2391)، برقم: (6161)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة (4/2194)، برقم: (2860).