الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا [سورة الكهف:51].

يقول تعالى: هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني عبيد أمثالكم لا يملكون شيئاً، ولا أشهدتهم خلق السماوات والأرض، ولا كانوا إذ ذاك موجودين، يقول تعالى: أنا المستقل بخلق الأشياء كلها، ومدبرها ومقدرها وَحْدي، ليس معي في ذلك شريك ولا وزير ولا مشير ولا نظير، كما قال: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ.. [سبا: 22 - 23] الآية؛ ولهذا قال: وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا، قال مالك: أعواناً.

قوله: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة الكهف:51]، يقول الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: "هؤلاء الذين اتخذتموهم أولياء من دوني عبيد أمثالكم لا يملكون شيئاً". يعني: ما سبق في قوله - تبارك وتعالى -: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [سورة الكهف:50]، وكل من عبد غير الله، أطاع غير الله وترك أمر الله وعبادته فهو داخل في هذا، فكل من عبد غير الله سواء عبد حجراً أو صنماً أو نحو ذلك، فإن ذلك إنما هو عبادة للشيطان؛ ولهذا قال إبراهيم لأبيه: لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ [سورة مريم:44]، وكان يعبد أحجاراً وأصناماً يصنعها، فهذه عبادة الشيطان؛ لأن الشيطان هو الذي أمر بذلك وزينه وحسنه في نفوسهم.

فالمقصود أن قوله - تبارك وتعالى -: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أن الضمير يرجع إلى ما سبق.

وهذا القول هو أرجح هذه الأقوال، ودليل الرجحان هو القاعدة المعروفة، وهي: أن توحيد مرجع الضمائر أولى من تفريقها، فلو فسرنا بهذا المعنى يكون معنى قوله: مَا أَشْهَدتُّهُمْ أي: هؤلاء الذين ذكروا في قوله: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي لو كانوا شركاء لله لكانوا شاهدين خلق السماوات والأرض، وشاركوا في ذلك، ولشاركوا في الخلق، ولكن ذلك لم يحصل منه شيء، حينما خلق الله السماوات والأرض لم يكن أحد من هؤلاء قد وُجد، فما شهدوا ذلك فضلاً عن المشاركة فيه، فكيف يتخذ هؤلاء شركاء مع الله ؟.

أما قول من قال بأن المراد مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أن ذلك يعود إلى المشركين المستكبرين الذين طلبوا طرد الضعفاء والفقراء من المؤمنين، فالله - تبارك وتعالى - يقول: مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا، يقول: هؤلاء لم يكن لهم حضور لخلق السماوات والأرض ومشاركة في ذلك، فيكون لهم تدبير مع الله ، فكيف يطلبون هذا ويستنكفون من هؤلاء الضعفاء من أهل الإيمان ويطلبون إبعادهم؟!.

فهم جاهلون لم يشهدوا خلق الله للسماوات والأرض في الأزل فيطلعوا على المقادير - مقادير الخلق - فيعرفوا أن هؤلاء لا حظ لهم ولا نصيب، أو أنهم جاءوا لمصلحة أو لشيء يأكلونه ويطعمونه أو نحو ذلك، يقول: ما أدراهم عما قدره الله لعباده وخلقه في الأزل، هذه المعاني بعيدة؛ والسبب أن هذا خلاف المتبادر.

والأمر الثاني: أنه يؤدي إلى تفريق مرجع الضمائر، إذا قلنا: إن هذه ترجع إلى المشركين وقبله قال: أَفَتَتَّخِذُونَهُ يعني: إبليس، وَذُرِّيَّتَهُ إبليس، وَهُمْ أي: إبليس وذريته، لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.

قوله: وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا [سورة الكهف:51] الآية خصت المضلين - يعني أعواناً -، والله لم يتخذ أعواناً لا من المضلين ولا من الصالحين أو المصلحين، فالله - تبارك وتعالى - له الغنى المطلق عن خلقه أجمعين، ولكن يمكن أن يقال - والله تعالى أعلم -: إنه خص المضلين هنا مع أنه لم يتخذ أعواناً من أحد من الخلائق باعتبار أن ذلك فيه زيادة تحقير وامتهان لهؤلاء، أو لزيادة التوبيخ، لا سيما إذا اعتبرنا تعلقه بما قبله، أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي ما شهدوا خلق السماوات والأرض، وما حضروا ذلك، وما شاركوا فيه.

العَضُد: فيه لغات متعددة، وهذه اللغة المشهورة لغة قريش عَضُد بفتح العين وضم الضاد وعليها هذه القراءة، والآية فيها قراءات أخرى، وبعضهم يقول: عُضُد.

والعَضُد يستعمل بمعنى: العون؛ ولهذا قال الله : سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ [سورة القصص:35]، بمعنى: نقويك ونعينك.