وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا [سورة الكهف:60-65].
سبب قول موسى لفتاه - وهو يُوشع بن نُون - هذا الكلام: أنه ذكر له أن عبدًا من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى ، فأحب الرحيل إليه، وقال لفتاه ذلك: لَا أَبْرَحُ [سورة الكهف:60] أي: لا أزال سائراً حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ [سورة الكهف:60] أي: هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين.
وقوله: أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا [سورة الكهف:60] أي: ولو أني أسير حقباً من الزمان.
قال ابن جرير - رحمه الله -: ذكّر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحُقُب في لغة قيس: سنة.
ثم روى عن عبد الله بن عمرو - ا - أنه قال: الحُقُب ثمانون سنة، وقال مجاهد: سبعون خريفاً، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا - قوله: أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا [سورة الكهف:60] قال: دهراً، وقال قتادة وابن زيد مثل ذلك.
يقول: سبب قول موسى لفتاه - وهو يوشع بن نون - هذا الكلام أنه ذكر له أن عبداً.. إلى آخره، والحديث يدل على أنه ذكر له هذا بسبب ما وقع من موسى حينما قام في بني إسرائيل، وسأل: من أعلم؟ ثم قال: أنا أعلم، فالله - تبارك وتعالى - أخبره أن عبداً من عباده قد علمه من العلم ما ليس عند موسى ، فهذا هو السبب، فذهب موسى يطلبه، وهذا يدل على أن الإنسان مهما علا قدره لا يتوقف من طلب العلم، والرحلة إليه، والسؤال عنه، ولا يستنكف، فإن هذا هو الطريق الذي تحصل به معالي الأمور والكمالات، وموسى وهو نبي الله الكليم يذهب هذه المسافة ويتعب من أجل أن يتزود من العلم، ويحصل منه ما ليس عنده.
وقوله: حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ [سورة الكهف:60] قال: أي هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، والله لم يحدد هذا المكان أين هو، ولو كان فيه فائدة لذكره، والمفسرون يذكرون أشياء كثيرة في غاية التناقض، وكل ذلك مما تُلقي عن بني إسرائيل.
فبعضهم يقول: المقصود بالبحرين بحر فارس، الذي هو معروف بالخليج العربي، وبحر الروم الذي هو البحر الأبيض المتوسط في هذه المنطقة، وبعضهم يقول: هو بحر الأردن، ويقصدون به الناحية التي تلي الأردن من البحر، وبحر الأردن مع بحر القلزم، وهو رأس البحر الأحمر، وبعضهم يقول - وإن تفاوتت عباراتهم -: البحر الذي يكون غرباً يعني: عند مضيق جبل طارق، يقولون: عند طنجة، أو يقولون: بأفريقيا يقصدون هناك، أو المغرب، والمقصود ملتقى البحر هناك، وبعضهم يذهب من ناحية أخرى تماماً عند أرمينية وأذربيجان، والعلم عند الله .
وقوله: حُقُبًا [سورة الكهف:60] هذه الأقوال: أنها سنة، أو ثمانون سنة، أو سبعون سنة متباعدة جداً، والأقرب - والله تعالى أعلم - أنه كما جاء عن ابن عباس - ا - قال: دهراً؛ ولهذا يقول النحاس: الذي يعرفه أهل اللغة أنه زمان من الدهر مبهم غير محدد، أمضي مدة من الدهر حتى أدرك ذلك، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -.