الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُۥٓ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبّكَ هُوَ عَلَيّ هَيّنٌ أي: فقال لها الملك مجيباً لها عما سألت: إن الله قد قال إنه سيوجد منك غلاماً وإن لم يكن لك بعل، ولا توجد منك فاحشة، فإنه على ما يشاء قادر، ولهذا قال: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لّلْنّاسِ أي: دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم الذي نوع في خلقهم، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته، وعظيم سلطانه؛ فلا إله غيره، ولا رب سواه.

وقوله: وَرَحْمَةً مّنّا أي: ونجعل هذا الغلام رحمة من الله نبياً من الأنبياء، يدعو إلى عبادة الله - تعالى - وتوحيده، كما قال تعالى في الآية الأخرى: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۝ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ [سورة آل عمران:45-46] أي: يدعو إلى عبادة ربه في مهده، وكهولته".

ظاهر كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - أنه رحمة للخلق حيث بعثه الله إليهم هادياً، وداعياً، أضف إلى ذلك ما عرف به المسيح - عليه الصلاة والسلام - من زيادة الاتصاف بالرحمة، والشفقة، والحنان، لذلك عرف عن النصارى مقارنة بغيرهم من أهل الأديان أنهم يتميزون بهذا، ولذلك تجد عندهم إلى اليوم من الجمعيات التي يسمونها الجمعيات الإنسانية، والأعمال التكافلية في مجتمعاتهم وما شابه ذلك، ويستغلون هذا أبشع استغلال بأخذ الضرائب في تنصير الناس في بقاع الأرض مع أنه يعني المسيح كما جاء في كتابهم يقولون أنه قال: إنما بعثت لهداية خراف بني إسرائيل الضالة، ولكن هؤلاء يستغلون هذه الأمور أبشع استغلال؛ تمهيداً للاستعمار، ويعيثون في الأرض فساداً، لكن مقارنة بغيرهم من الأمم تجد أن عنايتهم بهذه الجوانب ظاهرة، والله أمر بالعدل فقال: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ [سورة المائدة:8]، فلو قارنت هؤلاء بالأمم الوثنية مثلاً، أو قارنتهم باليهود؛ رأيت الفرق، وبعض أهل العلم يقول: ورحمةً منا أي لأمه، وهذا التخصيص لا وجه له - والله تعالى أعلم -، ولكن حينما يقال: رحمة للناس فإن هذه الرحمة تكون لأمه بأن الله وهبها هذا الولد بهذه المنزلة، وبهذه الصفة، فلا شك أن أول ما تصل هذه الرحمة أقرب الناس إليه.

"وقوله: وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً من تمام كلام جبريل لمريم يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله - تعالى -، وقدرته، ومشيئته، قال محمد بن إسحاق: وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً أي إن الله قد عزم على هذا فليس منه بد".

عبارة: "إن الله قد عزم على هذا"، والعزم هو القصد المصمم في باب الإخبار يتوسعون في العبارة، وحينما يقول: هذا من كلام جبريل، تمام كلام جبريل معنى هذا أن ابن كثير هو الذي قال هذا الكلام ورجحه، والواقع أن كلام ابن كثير - رحمه الله - يقول: يحتمل أن يكون من كلام جبريل ، وأن يكون من كلام الله ، فقول الله : وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً يحتمل الأمرين، وإذا كان من كلام الله يكون من الموصول لفظاً المفصول معناً.