الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
فَحَمَلَتْهُ فَٱنتَبَذَتْ بِهِۦ مَكَانًا قَصِيًّا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً ۝ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىَ جِذْعِ النّخْلَةِ قَالَتْ يَلَيْتَنِي مِتّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مّنسِيّاً [سورة مريم:22-23].

يقول تعالى مخبراً عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله - تعالى - ما قال؛ أنها استسلمت لقضاء الله - تعالى -، فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك وهو جبرائيل عند ذلك نفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج؛ فحملت بالولد - بإذن الله تعالى -".

الله أخبر أيضاً فقال: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيها [سورة الأنبياء:91]، وفي موضع أخر قال: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ [سورة التحريم:12]، ولا منافاة فإن الله - تبارك وتعالى - أمر جبريل بالنفخ فنفخ، وكان مآلُ تلك النفخة أن وصلت إلى رحمها، وذكر الله - تبارك وتعالى - هنا أنها انتبذت به مكاناً قصياً، وقد يفهم من هذا - والله تعالى أعلم - أنه غير المكان الأول الشرقي الذي ذهبت إليه، وقد يكون هو أيضاً في ناحية الشرق، لكن ذلك ليس بلازم من هذا اللفظ - والله تعالى أعلم -.

"قال محمد بن إسحاق: فلما حملت به، وملأت قلتها، ورجعت، استمسك عنها الدم، وأصابها ما يصيب الحامل على الولد من الوصب، والتوحم، وتغير اللون، حتى فطر لسانها؛ فما دخل على أهل بيت ما دخل على آل زكريا، وشاع الحديث في بني إسرائيل فقالوا: إنما صاحبها يوسف، ولم يكن معها في الكنيسة غيره، وتوارت من الناس، واتخذت من دونهم حجاباً؛ فلا يراها أحد، ولا تراه".

الذين قالوا: بأن الحمل كانت مدته يسيره ثلاث ساعات هذه الروية عن أبي إسحاق، ولا مستند لها لا من الكتاب، ولا من السنة، والله يقول: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، الظاهر أنها لما حملت انتبذت وذهبت إلى مكان قصي، واحتجبت عن الناس حتى ولدت، ولهذا هم عرفوا، وتكلموا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا [سورة مريم:27]، وهذه الرواية التي نقلها عن ابن إسحاق أنهم عرفوا ذلك من خلال الحمل، وما ظهر عليها من علامات.

وجاء في بعض تلك الروايات أن زوجة زكريا أتت إليها، وقالت لها: إني رأيت أن الحمل الذي في بطني يسجد للذي في بطنك، فأخبرتها مريم أنها حامل أيضاً، وهذا لا دليل عليه - والله تعالى أعلم -.

فالله - تبارك وتعالى - يقول: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ والفاء تدل على التعقيب المباشر في الأصل، وتشعر بالتعليل، وأنها بسبب الحمل انتبذت تباعدت، وقصدت ذلك المكان البعيد القصي - والله أعلم -.