"فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [سورة مريم:27-33].
يقول تعالى مخبراً عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك، وأن لا تكلم أحداً من البشر؛ فإنها ستكفى أمرها، ويقام بحجتها، فسلمت لأمر الله ، واستسلمت لقضائه، فأخذت ولدها، فأتت به قومها تحمله، فلما رأوها كذلك أعظموا أمرها، واستنكروه جداً، وقالوا: يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً أي أمراً عظيماً، قاله مجاهد، وقتادة، والسدي وغير واحد.
وروى ابن أبي حاتم عن نوف البكالي قال: "وخرج قومها في طلبها، قال: وكانت من أهل بيت نبوة، وشرف؛ فلم يحسوا منها شيئاً، فلقوا راعي بقر فقالوا: رأيت فتاة كذا وكذا نعتها؟ قال: لا، ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط، قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيتها الليلة تسجد نحو هذا الوادي.
قال عبد الله بن زياد: وأحفظ عن سيّار أنه قال: رأيت نوراً ساطعاً، فتوجهوا حيث قال لهم، فاستقبلتهم مريم، فلما رأتهم قعدت، وحملت ابنها في حجرها، فجاؤوا حتى قاموا عليها قالوا: يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً أمراً عظيماً".
قوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً قال: "أمر عظيماً"، وهكذا العبارات المقاربة لهذا الأمر الشنيع الشديد، وبعضهم يقول: الفري هو الشيء الجديد، المخترع، المختلق، ولهذا قيل: الفرية؛ لأنها شيء مختلق مخترع، والله - تبارك وتعالى - قال: وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يفترينه بين أيديهن وأرجلهن [سورة الممتحنة:12] المقصود أنها لا تقارف فاحشة فيحصل لها الحمل فتنسب ذلك إلى غير من حملت منه تنسبه إلى زوجها مثلاً، ويدخل فيه معانٍ أخر قد يشملها ظاهر الآية مثل التي تتفق مع القابلة الممرضة أنه إذا صار المولود بنت فزوجها يريد أن يطلقها إذا أنجبت بنتاً، فتطلب منها أن تبدلها ولداً، ففي المستشفيات تلد النساء فيه عدد كثير في اليوم الواحد، فما على القابلة إلا أن تضع هذا السوار بيد هذا بدلاً من هذه، وتكتب عليه، ومن يسألها بعد ذلك فتبدل لها ذكراً ببنتها، وهذا داخل في قوله: وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ.
والفري هو الشيء المختلق المفتعل، الأمر الشنيع غير معهود من أهل الصلاح والتقوى، ولهذا قالوا لها: "يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء".