"أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [سورة مريم:38-40].
يقول تعالى مخبراً عن الكفار يوم القيامة: إنهم يكونون أسمع شيء، وأبصره، كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا [سورة السجدة:12] الآية.
أي يقولون ذلك حين لا ينفعهم، ولا يجدي عنهم شيئاً، ولو كان هذا قبل معاينة العذاب لكان نافعاً لهم، ومنقذاً من عذاب الله، ولهذا قال: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ أي ما أسمعهم، وأبصرهم يَوْمَ يَأْتُونَنَا يعني يوم القيامة لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ أي في الدنيا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ أي لا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يعقلون، فحيث يطلب منهم الهدى لا يهتدون، ويكونون مطيعين حيث لا ينفعهم ذلك".
أسمع بهم: ينكشف عنهم الغطاء كما قال الله : فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [سورة ق:22] فهم بعد أن كانوا في الدنيا كما أخبر الله : خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ [سورة البقرة:7] فهم لا يسمعون سماع انتفاع، ولا يبصرون إبصار انتفاع كما قال الله - تبارك وتعالى -: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [سورة الأنفال:23] فهم بهذه الصفة، وبهذه المثابة من الإعراض، وقد ختم الله على هذه القلوب، والأسماع، والأبصار، يوم القيامة ينجلي ذلك عنهم، وتذهب تلك الغشاوة التي على الأبصار، والختم الذي على الأسماع؛ فيرون الحقائق ماثلة شاهدة أمامهم، لا مرية في ذلك، وفي هذا الحين لا ينفعهم هذا الإبصار، والسمع، ولذلك الله - تبارك وتعالى - يقول: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا يعني ما أسمعهم، وما أبصرهم كما تقول للإنسان أكرم به يعني ما أكرمه، وأعظم به يعني ما أعظمه وهكذا، والله يقول عن نفسه: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [سورة الكهف:26] يعني ما أبصره، وما أسمعه - تبارك وتعالى -.