وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ يقول: أي أنذر أي للخلائق يوم الحسرة إذ قضي الأمر أي فصل بين أهل الجنة، والنار، يوم الحسرة هو يوم القيامة، يتحسر فيه الإنسان المسيء على إساءته، والمحسن على عدم استكثاره من الإحسان، فالإنسان في ذلك اليوم إن كان من أهل الإحسان يتمنى لو أنه ازداد، وإن كان من أهل الإساءة يتمنى لو أنه تاب، وارعوى، وأقصر عن الذنوب، والمعاصي، والخطايا، ولهذا سمى الله - تبارك وتعالى - ذلك اليوم يوم الحسرة، كما أنه أيضاً يقال له: "يوم التغابن" لما يقع فيه من التغابن الشديد بين الناس، فهذا ضيع عمره فيما يورثه مقعداً من النار، وهذا قضى عمره وأنفقه وما أعطاه الله في سبيل أن يرث مقعداً في الجنة، فإذا دخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار؛ فإنهم يتوارثون المقاعد فيها أيضاً، فأهل الجنة يرثون مقاعد أهل النار في الجنة، والعكس كذلك.
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ قضي الأمر: قال: يعني فصل بين أهل الجنة، وأهل النار، وصار كلُ إلى ما صار إليه، وهنا يحصل التحسر الحقيقي العظيم لأهل التفريط، والكفر، والمحادة لله، ولرسله - عليهم الصلاة والسلام -، فحينما يدخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ؛ عندئذٍ يذبح الموت بين الجنة، والنار، وينادى: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت"[1]، وهذا يكون شديد الوقع على النفوس، ويقع بسببه من الاغتمام، والتحسر؛ ما لا يقادر قدره، والله المستعان.
"روى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يجاء بالموت كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟، قال: فيشرئبون، وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت - قال - فيقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون، وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت - قال - فيؤمر به فيذبح، قال: ويقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت[2] ثم قرأ رسول الله ﷺ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وأشار بيده ثم قال: أهل الدنيا في غفلة الدنيا هكذا رواه الإمام أحمد، وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، ولفظهما قريب من ذلك.
وعن عبد الله بن مسعود في قصة ذكرها قال: فليس نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة، وبيت في النار، وهو يوم الحسرة، فيرى أهل النار البيت الذي كان قد أعدَّه الله لهم لو آمنوا، فيقال لهم: لو آمنتم، وعملتم صالحاً؛ كان لكم هذا الذي ترونه في الجنة، فتأخذهم الحسرة، قال: ويرى أهل الجنة البيت الذي في النار، فيقال لهم: لولا أن الله منَّ عليكم".
- صحيح البخاري كتاب التفسير، باب وأنذرهم يوم الحسرة (4/1760) برقم: (4453)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/2188) برقم: (2849).
- مسند أحمد بن حنبل برقم: (11066)، وقال محققوه شعيب الأرناؤوط وآخرون: " إسناده صحيح على شرط الشيخين".