قوله: وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رّحْمَتِنَا بعضهم يقول: الرحمة المقصود بها هنا النبوة، لكن هذا قد يكون تكرار مع ما قبله بأن الله قال: وَكُلاّ جَعَلْنَا نَبِيّاً، ثم يقول: ووهبنا لهم من رحمتنا أي النبوة، فيكون تكراراً، وإلا لا شك أن النبوة رحمة من الله - تبارك وتعالى - لعبده الذي نبأه، وهي رحمة أيضاً للخلق أجمعين.
وبعضهم يقول: الرحمة هنا المال، وبعضهم يقول: الولد، فهذه الرحمة تشتمل ألطافه - تبارك وتعالى - بهم، وما أعطاهم، وحباهم، وسيره لهم من ألوان المحاب، والرفعة، إضافة إلى ما ذكره بعده من قوله - تبارك وتعالى -: وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً لسان صدق من باب إضافة الموصوف إلى صفته، وقال: يعني الثناء الحسن، "وقال علياً لأن جميع الملل، والأديان؛ يثنون عليهم، ويمدحونهم"، فقوله: لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً يعني أنه لسان يعلو بمعنى أن هذا يلهج به الخلائق، وهو شيء ظاهر، فمن الناس من قد يكون له لسان صدق، لكن في بيئة محصورة عند قومٍ معينين، وحينما يكون اللسان صدق علياً معنى ذلك أنه أمر ذائع شائع، ظاهر لا خفى فيه.
ولسان الصدق لسان يعبر به عن المقال، ومعنى ذلك أن لسان الصدق يعني ما يقال عنهم من الثناء الجميل، والأوصاف الحميدة الكاملة، ولهج الناس بذكر محاسنهم، وفضائلهم، فالله - تبارك وتعالى - ينشر فضائلهم بذلك، ويُعلي ذكرهم بلهج الألسن بهذه المحاسن، والكمالات، وجعلنا لهم لسان صدق، وأضافه إلى الصدق ليبين أن هذا الثناء ليس بالمدح الزائف، وذكر الأوصاف التي لا حقيقة لها، وإنما هو ذكر بأوصاف حقيقية، وكمالات واقعية؛ وليس ذلك مجرد قول يقوله الناس بألسنتهم لا حقيقة له، كما يتمادح كثير من الناس فيما بينهم، ويجامل بعضهم بعضاً، فإذا ذهب ذلك بماله، أو بجاهه؛ أو نحو ذلك بطلت تلك الأوصاف، والأقوال، وتلاشت، واضمحلت، لكن إذا كانت هذه الأوصاف حقيقة فإنها تبقى، وتدوم، وتستمر كما هو الشأن بالنسبة للأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، وأتباع الأنبياء كأصحاب النبي ﷺ، فلا زال الناس يذكرون محاسنهم، ومناقبهم وأرضاهم.