الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
وَوَهَبْنَا لَهُۥ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَٰرُونَ نَبِيًّا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً [سورة مريم:53] أي: وأجبنا سؤاله وشفاعته في أخيه؛ فجعلناه نبياً، كما قال في الآية الأخرى: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ [سورة القصص:34]، وقال: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [سورة طه:36]، وقال: فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ۝ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [سورة الشعراء:13-14] ولهذا قال بعض السلف: ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبياً قال الله - تعالى -: وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً".

ما وهبه الله من الرحمة مبين بنبوة هارون - عليه الصلاة والسلام -، ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً، وهناك ووهبنا له من رحمتنا وأطلق، فالله أعطاهم النبوة، وذكرها قبل ذلك قال: وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا، وقال: وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رّحْمَتِنَا فيشمل ألوان المواهب الربانية التي أعطاهم الله إياها، وهنا قيده بالنبوة فلا تفسر تلك الآية التي أطلق الله فيها بهذه الآية المقيدة هنا، فأطلقه هناك، وقيده وبيَّنه هنا.

وقوله: وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً فهذا لا شك أنه من رحمة الله ؛ ومعروف أن كلام أهل السنة والجماعة أن النبوة موهبة من الله لا يحصلها العبد بكسبه، فالله يختار في أكمال الناس كما قال النبي ﷺ في حديث واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم[1]، فالنبي ﷺ هو خلاصة الناس، وموسى - عليه الصلاة والسلام - اصطفاه الله.

فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كما في حديث أبي سفيان مع هرقل إنما يكون اختيارهم من أوسط قومهم، وأكملهم، ولهذا العلماء يذكرون أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لا يوجد فيهم عاهات، وإعاقات؛ تجعل الناس ينفرون منهم، وينقبضون من رؤيتهم ونحو ذلك، ولهذا في مسألة مجي الولد فإن العلماء يقولون أن عدم مجيء الولد للإنسان ليس نقصاً يعاب فيه، وقالوا: هذا لا يرد به النكاح، فلو تزوج رجل امرأة ثم تبين له أنه عقيم؛ لا يجب عليه أن يخبرها بهذا، ولا أن يخيرها: إن شئت بقيت، ولا يكون ظالماً لها، فعصمتها بيده، وهو زوجها، وليس ذلك من العيوب التي يرد بها النكاح، فإن أراد أن يتفضل هو عليها ويقول لها: لا تبقي معي إن كنت لا ترغبين فيَّ، فالأطباء يقولون: بأنه لا يولد لمثلي ونحو هذا، فهذا تفضل منه، لكن لا يجب، وليس بنقصٍ، ولا بعيبٍ يعاب فيه، ولهذا الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مثل زكريا: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا [سورة الأنبياء:89] ما كان يولد له، وما ولد له إلا بعد ما بلغ من الكبر عتياً، وإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ولد له إسماعيل بعد ما جاوز، حتى إن امرأته قالت لما بشرت بإسحاق: أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ [سورة هود:72]، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ليس فيهم مثل هذه العيوب التي تكون قادحاً، ومنفرة، وإنما هم أكمل الناس - عليهم الصلاة والسلام -.

  1. رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي ﷺ وتسليم الحجر عليه قبل النبوة، برقم (2276).