"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [سورة مريم: (54-55)] هذا ثناء من الله - تعالى - على إسماعيل بن إبراهيم الخليل - عليهما السلام -، وهو والد عرب الحجاز كلهم؛ بأنه كان صادق الوعد.
قال ابن جريج: "لم يعد ربه عدة إلا أنجزها"، يعني ما التزم عبادة قط بنذر إلا قام بها، ووفاها حقها.
وقال بعضهم: إنما قيل له: صَادِقَ الْوَعْدِ لأنه قال لأبيه: سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [سورة الصافات:102] فصَدَق في ذلك، فصدق الوعد من الصفات الحميدة، كما أن خلفه من الصفات الذميمة قال الله - تعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [سورة الصف:2-3]، وقال رسول الله ﷺ: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان[1]، ولما كانت هذه صفات المنافقين؛ كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد، وكذلك كان رسول الله ﷺ صادق الوعد - أيضاً - لا يعد أحداً شيئاً إلا وفى له به، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب - ا - فقال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي[2]، ولما توفي النبي ﷺ قال الخليفة أبو بكر الصديق : "من كان له عند رسول الله ﷺ عدة، أو دين؛ فليأتني أنجز له، فجاء جابر بن عبد الله فقال: إن رسول الله ﷺ قال: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا[3] يعني ملء كفيه، فلما جاء مال البحرين أمر الصديق جابراً فغرف بيديه من المال، ثم أمره بعدِّه فإذا هو خمسمائة درهم، فأعطاه مثليها معها".
فقوله - تبارك وتعالى - عن إسماعيل - عليه الصلاة والسلام -: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - من المرويات عن ابن جريج: أنه لم يعد ربه عدة إلا أنجزها، وقال بعضهم: لأنه قال لأبيه: سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ، وعلى كل حال هذا كله داخل في هذا المعنى، فهو الصادق الوعد مع ربه - تبارك وتعالى -، وكذلك هو الصادق الوعد مع الخلق.
والله - تبارك وتعالى - يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [سورة المائدة:1]، سئل الإمام أحمد - رحمه الله -: "كيف نعرف الكذابين؟ فقال: بمواعيدهم"، والنبي ﷺ لما ذكر آية المنافق ذكر من ذلك: إذا وعد أخلف، والواقع أن هذه الأمور التي ذكرها النبي ﷺ في صفة المنافق ترجع إلى الكذب، بل إن النفاق برمته يرجع إلى الكذب، فالكذب كما يكون في الأقوال كذلك يكون في الأفعال، وفي الحال بأن يظهر حالاً ليست حقيقية لا تدل على ما في باطنه، فهو كذب في الحال، وعلى كلٍّ هذه الأشياء جميعاً داخلة في هذا المعنى - والله تعالى أعلم -.
"وقوله: وَكَانَ رَسُولاً نّبِيّاً في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق - عليهما الصلاة والسلام -؛ لأنه إنما وصف بالنبوة فقط، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة، وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل[4] وذكر تمام الحديث، فدل على صحة ما قلناه.
- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق، برقم: (33)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق برقم: (59).
- رواه البخاري، كتاب الخمس، باب ما ذكر من درع النبي ﷺ، وعصاه، وسيفه، وقدحه، برقم: (2943)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب من فضائل فاطمة بنت النبي - عليه الصلاة والسلام - برقم: (2449).
- رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله - تعالى -: ويحذركم الله نفسه [آل عمران:28] برقم: (2174).
- رواه الترمذي، كتاب المناقب، باب في فضل النبي ﷺ: (3605) وقال الألباني: تمام الحديث صحيح دون هذا الاصطفاء.