في قوله: يَا زَكَرِيَّا يحتمل أن يكون هذا من كلام الله ، والقرينة الدالة على هذا الضمائر يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا، ثم قال: قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ فظاهره أن الذي خاطبه هو الله ، ولكن آية آل عمران تدل على أن الذي خاطبه بذلك الملائكة، مع أن الكثير من المفسرين قالوا: إن هذا من كلام الله، يا زكريا خاطبه بذلك، وآية آل عمران تدل على أن الخطاب من الملائكة، فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب، والملائكة جاء هنا بصيغة الجمع من العام المراد به الخصوص، وأن المراد بالملائكة جبريل ﷺ ويقول: فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ [سورة آل عمران:39]، وهنا يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا.
هذا قول الجمهور من المفسرين بمعنى أنه لم نجعل له سميا، يعني هذا اسم لم يسبق إليه سماه الله - تعالى - به، والمعنى الثاني الذي يحتمله هذا اللفظ: لم نجعله من قبل سمياً أي لا نظير له يساميه، فالسمي وهو المسامي، ونظير الشيء ما كان على شاكلته، وسميّ على وزن فعيل، مثل جليس بمعنى مجالس، ومعنى فاعل وأكيل بمعنى مؤاكل، وقعيد أي مقاعد ونحو ذلك، فيحتمل أن يكون هنا السمي بمعنى المسامي يعني لا نظير له في العلم، والعمل، ولكن هذا يشكل عليه أن بعض الأنبياء أفضل منه كإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - فإنه قطعاً أفضل من يحيى، وهكذا موسى الكليم - عليه الصلاة والسلام -، ومما يؤيد ما سبق أن النداء هنا من الملائكة لصار ممن كلمه الله ، وإنما الكليم موسى ﷺ، وكلم الله آدم، وكلم محمد ﷺ ليلة المعراج، ولم يذكر من الأنبياء غير هؤلاء فقوله: لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً، الأقرب الذي عليه الجمهور أنه لم يسبق إلى هذا الاسم، لم يسم به أحدُ قبله، والقولان مذكوران في قوله - تبارك وتعالى -: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [سورة مريم:65] قيل في تفسيره: هل تعلم له سمياً أي أنه لم يسم أحدٌ بأسماء الله - تبارك وتعالى - مثل: الله، والرحمن، والمعنى الثاني وهو المشهور الذي عليه عامة المفسرين: هل تعلم له سمياً أي نظرياً يماثله، أو يدانيه، أو يشاكله، فإن الله - تبارك وتعالى - له الأوصاف الكاملة لا يساميه في ذلك أحد، فهذه اللفظة جاءت في موضوعين في هذا الموضع لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً، والراجح أن المقصود به التسمية لم يسم أحد بيحيى قبله، وفي الموضع الثاني في صفة الله لما قال: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا المشهور أن المقصود به لا نظير له، ويمكن أن تحمل الآية هناك على المعنيين - والله تعالى أعلم -.