السبت 20 / شوّال / 1446 - 19 / أبريل 2025
بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰٓ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

وقوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة البقرة:117] أي: خالقها من غير مثال سبق، قال مجاهد والسدي: وهو مقتضى اللغة، ومنه يقال للشيء المحدث: بدعة كما جاء في صحيح مسلم: فإن كل محدثة بدعة[1].  الله الله الله 
والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وتارة تكون بدعة لغوية كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعه إياهم على صلاة التراويح واستمرارهم: "نعْمَتْ البدعةُ هذه"[2].
قال ابن جرير: فمعنى الكلام: فسبحان الله أنى يكون له ولد، وهو مالك ما في السماوات والأرض، تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوَحْدانيّة وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه، وهذا إعلام من الله لعباده أن ممن يشهد له بذلك المسيح الذي أضافوا إلى الله بُنُوَّته، وإخبار منه لهم أن الذي ابتدع السماوات والأرض من غير أصل وعلى غير مثال هو الذي ابتدع المسيح عيسى من غير والد بقدرته، وهذا من ابن جرير، -رحمه الله- كلام جيد وعبارة صحيحة.
وهو نظير قوله -تبارك وتعالى- في سورة الأنعام: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ [سورة الأنعام:101] كيف يكون له ولد وهو مخترع هذا العالم العلوي منه والسفلي؟ فلا بد أن يكون هذا العالم بجميع ما فيه ومما فيه المسيح أن يكون مربوباً لله -تبارك وتعالى-، كيف وقد جاء المسيح أيضاً من غير والد؟ فالله خلقه بالكلمة على غير مثال سابق، فلا عهد للناس بهذا، وإنما كان آية تدل على قدرة الله وبديع صنعه.
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ: هذه اللفظة "بدع" تدل على الاختراع والإحداث من غير مثال سابق، وهذه الآية مثل آية الأنعام، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ [سورة الأنعام:101] ووجه ذلك أن من  ابتكر السماوات وخلقها من غير مثال سابق فهو على ما دونها أقرب، فكيف يخرجون هذا الشخص الذي هو المسيح مثلاً أو عزير من عموم قدرته العظيمة الشاملة التي بها خلق هذه الأفلاك والسماوات فيجعلون ذلك الشخص المخرج شريكاً لله فضلاً عن إخراجهم له من كونه مربوباً مخلوقاً لله !! وعلى كل حال في هذه الآية بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ رد عليهم من عدة وجوه، لا نريد أن نتطرق إلى هذا على سبيل التفصيل.
قال الله تعالى: وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنه إذا قَدَّر أمرًا وأراد كونه فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن أي: مرة واحدة فَيَكُونُ أي: فيوجد على وفق ما أراد كما قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يس:82]، وقوله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [سورة النحل:40] وقال تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [سورة القمر:50].
ونبه تعالى بذلك أيضًا على أن خلق عيسى بكلمة كن فكان كما أمره الله، قال الله تعالى: إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ
فلفظة القضاء تأتي لمعان متعددة وهي في كل موضع بحسبه، فقد تختص بمعنى من المعاني في أحد المواضع دون بعض، فقوله -تبارك وتعالى-: وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ يختلف عن قوله -تبارك وتعالى- مثلاً: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ [سورة الجمعة:10].
لكن من أهل العلم كالأزهري -رحمه الله- وهو من أئمة اللغة المتقدمين يرجع هذه الاستعمالات المتنوعة جميعاً إلى أصل واحد مع تفاوت بينها في بعض المعاني في كل موضع بحسبه، فهو يرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه، ولربما يعبر بعضهم بالفراغ من الشيء على وجه من الإحكام والإتقان، ولهذا فسره ابن جرير -رحمه الله- هنا بأنه إذا أحكم أمراً وحتمه، فابن جرير يرجع هذه أيضاً إلى الإحكام والفراغ من الشيء، فانقطاع الشيء وانقضاؤه وتمامه يقال له: انقضاء وقضاء، وقضاه وأشباه ذلك.
ولذلك نجد هذه الاستعمالات في القرآن متنوعة، فقوله -تبارك وتعالى- عن خلق السماوات: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ [سورة فصلت:12] معنى قضاهن هنا بمعنى فرغ من خلقهن خلقاً محكماً متقناً، ولكن قوله -تبارك وتعالى-: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ [سورة الإسراء:4] فمعنى وَقَضَيْنَا هنا معناه أعلمنا، لكن الرابط المشترك بين هذا والذي قبله تمام الشيء والفراغ منه، لكن معناها الخاص في هذا الموضع يختلف عن الموضع الذي قبله.
وكذلك في سورة الإسراء يقول تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ [سورة الإسراء:23] قضى يمكن أن تفسر هنا بـ(أمر) ويمكن أن تفسر بـ(حكم)، وأحسن ما تفسر به "وصى"، وبعضهم يقول: أمر ووصى، ويقولون: وصى؛ لأن المذكورات في الإسراء تشتمل على أوامر ونواهٍ، فلا يحسن أن تفسر بأمر إلا على وجه من التكلف في المنهيات، ولكن الوصية تشتمل على الأمرين معاً.
وقوله تعالى: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ [سورة القصص:29] يعني أتمه وفرغ منه..
وقوله -تبارك وتعالى- هنا: وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ الأمر هنا هل هو بمعنى الأمر الذي هو بمعنى الطلب كما في قوله: وَأَطِيعُوا أَمْرِي [سورة طه:90]، هل الأمر هناك كالأمر هنا، وكما في قوله ﷺ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم[3]؟
ليس الأمر هنا كالأمر هناك؛ فالأمر يستعمل استعمالين أو يأتي لمعنيين اثنين، فهو يأتي بمعنى الطلب، تقول: الأمر للوجوب، افعل، وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ [سورة البقرة:43] أمر، وليس ذلك بمقصود هنا في قوله: وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ إطلاقاً، وإنما المقصود هو المعنى الآخر وهو الشأن، كالذي في قوله: وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ [سورة التوبة:48]، وكالذي في قوله: فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا [سورة هود:66] وقوله: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ [سورة القمر:50]، وكذلك قوله عن نفسه : فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ [سورة غافر:68] وهكذا قوله: فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ [سورة التوبة:24] فالأمر المذكور في كل ما سبق من الأمثلة ليس بمعنى افعل، وإنما الأمر هنا بمعنى الشأن، وَإِذَا قَضَى أَمْراً أي قضى مقضياً إذا قضى شيئاً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ.
فأنت حينما تسأل وتقول: ما الأمر ولا تقصد به الطلب فإنك تقصد السؤال عن الشيء الذي حدث، أو الشيء الذي نزل بالناس مثلاً أو نحو ذلك.
وفي قوله تعالى: وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [سورة هود:97] ليس معناه وما طلب فرعون برشيد، وإنما المقصود وما شأنه برشيد، فلفظ الأمر إذن يأتي لهذا ولهذا.
والخلاصة هي أن معنى قوله تعالى: وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ يعني إذا قضى شيئاً فإنه يقول له: كن فيكون، وابن كثير هنا عبر عنه بقوله: إذا قدر أمراً وأراد كونه فإنما يقول له: كن فيكون، وابن جرير يقول: إذا أحكم أمراً حتمه.
  1. أخرجه أبو داود في كتاب السنة - باب في لزوم السنة (4607) (ج 2 /  ص 610) وابن ماجه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم - باب اجتناب البدع والجدل (46) (ج 1 /  ص 18) وأحمد (ج 3 /  ص 371) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2549).
  2. أخرجه الأمام مالك في الموطأ (ج 1 / ص 114) والبيهقي في شعب الإيمان (ج 3 / ص177).
  3. أخرجه البخاري في كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة - باب: الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ (6858) (ج 6 / ص 2658) ومسلم في كتاب:الحج - باب: فرض الحج مرة في العمر (1337) (ج 2 / ص 975).

مرات الإستماع: 0

"بَدِيعُ السَّماواتِ أي: مخترعها، وخالقها ابتداء"

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ أي: مخترعها، وخالقها ابتداء على غير مثال سابق؛ لأن كلمة بديع تدل على هذا المعنى، الشيء المبتدع البدعة على غير مثال سابق، فهذا يدل عليه أصل اللفظ، ابن جرير يربط أيضًا بين هذا، والذي قبله، الذي قبله يعتبر أنه رد على النصارى الذين قالوا بأن المسيح ابن الله، فبهذا الاعتبار يفسرها؛ لأن الذي ابتدع السماوات، والأرض بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ من غير مثال سابق قادر على أن يخلق المسيح من غير أب: كقوله: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ [الأنعام: 101] يعني كيف يكون له ولد؟! فجمع بين هذا، وهذا، يعني: احتج بنفي الولد بقوله: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أن عيسى - عليه الصلاة، والسلام - خلقه الله من غير أب فهذا لكمال قدرته، فخلق السماوات، والأرض من غير مثال سابق أعظم من خلق المسيح من غير أب بهذا الاعتبار، وذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله - وجوهًا أخرى في وجه هذا الاحتجاج.

"وَإِذَا قَضَى أَمْرًا أي: قدّره، وأمضاه. وفي نسخة خطية: أي قدره، أو أمضاه. قال ابن عطية: يتحد في الآية المعنيان؛ فعلى مذهب أهل السنة: قدر في الأزل، وأمضى فيه، وعلى مذهب المعتزلة: أمضى عند الخلق، والإيجاد[1]."

يقول: أي: قدره أو أمضاه؛ لأن بعضهم يفرق بين هذا، وهذا بطبيعة الحال، فبعضهم يفسره بالتقدير، وبعضهم يقول: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا أي: أمضى أمرًا، وسيتضح هذا بعد قليل - إن شاء الله - .

قوله: "قال ابن عطية: يتحد في الآية المعنيان". يعني: قصد معنيين يعني ليس قدره، وأمضاه، وإنما، أو أمضاه، ذكر معنيين فهنا أو، وليست الواو؛ لأنه نقل كلام ابن عطية قال: يتحد في الآية المعنيان. يعني تفسيره بقدره، وتفسيره بأمضاه، بأي اعتبار؟ يقول: "فعلى مذهب أهل السنة". ويقصد بأهل السنة الأشاعرة، وكان ابن عطية - رحمه الله - من الأشاعرة، وقد اتهمه ابن عرفة المالكي بأنه على مذهب المعتزلة - وابن عطية مالكي - وأنه أخطر من الزمخشري، باعتبار أن الزمخشري معتزلي معروف فيُحْذر، وأن ابن عطية لم يكن كذلك، فكان يُدخل على أهل السنة عقائد المعتزلة من غير أن يشعروا بذلك.

وهذا الكلام غير صحيح، وبعض المعاصرين أيضًا اتهم ابن عطية بأنه من المعتزلة كأنه أخذ ذلك، بل أخذه من عبارة شيخ الإسلام أن ابن عطية كان ينقل عن ابن جرير أقوال السلف، ولكنه في قضايا الاعتقاد يقررها بنحو ما تقرر به المعتزلة أصولها، شيخ الإسلام لا يقصد أنه يُقرر الاعتقاد بتقريرات المعتزلة نفسها، وبنحو ما تقرر به المعتزلة أصولها.

ومما هو معلوم أن المعتزلة تقرر أصولها بالعقل، وهذا مذهب المتكلمين، فيجعلون العقل أصلًا يشتركون بهذا مع المعتزلة، يجعلونه أصلًا، والنقل تبع، فهو للاعتضاد، والاستئناس، وليس للاعتماد، ففهم هذا من كلام شيخ الإسلام أنه يقول: بأن ابن عطية من المعتزلة. وهذا غير صحيح، ومن استقرأ تفسير ابن عطية - رحمه الله - وجد فيه التصريح بالرد على المعتزلة باسمه، ووجد فيه مواضع من غير تصريح يرد فيه عقائد المعتزلة، بل يرد بعض أصولهم، ويقرر أشياء في العقائد لا يقرها المعتزلة بحال من الأحوال، فلم يكن ابن عطية معتزلي، بل كان على طريقة المتكلمين من الأشاعرة.

فالشاهد هنا حينما يتحدث ابن عطية عن مذهب أهل السنة هو يقصد به مذهب المتكلمين من الأشعرية.

يقول: "يتحد المعنيان - أي قدره، أو أمضاه - فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل، وأمضى فيه". فيه الضمير يرجع إلى الأزل، أمضى فيه باعتبار أن عقيدة هؤلاء: أن الله ليس له أوصاف تتعلق بالمشيئة، والإرادة، هم لا يقولون: بأن الله يتصف بالصفات المتعلقة بمشيئته، وإرادته، فيقولون: كلامه أزلي قديم، وكل شيء قدره، وقضاه في الأزل. تقدير بالإضافة إلى القضاء، يقول: يتحد المعنيان. بهذا الاعتبار، والواقع أنهما يتحدان عند الأشاعرة الذين ناظروا المعتزلة في مسألة الكلام، وغيره من الصفات الاختيارية يعني المتعلقة بالمشيئة، والإرادة، فألزمهم المعتزلة ببعض أصولهم، وقالوا لهم كلامًا لا أحب أن أذكره هنا لئلا يلتبس، ويكون من قبيل إيراد الشبهة، المعتزلة في مناظرتهم للأشاعرة ألزموهم ببعض الالزامات، فكان نقص علم الأشاعرة بالكتاب، والسنة أوقعهم في اضطرابات، فتارة التزموا بعض هذه الأمور، وقالوا بها، كما في هذه المسألة التي تتعلق بما يسمونه حلول الحوادث، وتعدد القدماء إلى غير ذلك مما يعبرون به عنها، وهذا لا شك أنه خطأ، وأنهم ألزموهم في أمر عنه جواب بنصوص الكتاب، والسنة، لكن هؤلاء ينظرون بنظر الأعور إلى هذه النصوص، ولا بصر لهم بها، وما يفسرها من حديث رسول الله ﷺ فالتزموا هذه، واضطربوا في بعضها، وتناقضوا فأتوا بأشياء لا يقرها لغة، ولا عقل، ولا نقل مثل مسألة الكلام النفسي فهي من ذيول هذه المسألة، وقعوا في أشياء أضحكت منهم العقلاء.

فالشاهد هنا أن هذا ليس على مذهب أهل السنة. يقول: "فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل، وأمضى فيه". نحن نعرف أن التقدير أنواع: 

الأول: تقدير في الأزل، كما قال ﷺ: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات، والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء[2] فهذا يسمونه التقدير الأزلي.

الثاني: التقدير العمري، وذلك كما قال النبي ﷺ: أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، أو أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد[3] فهذا تقدير عمري.

الثالث: التقدير الحولي. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ۝ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا [الدخان: 4 - 5] يُفرق يُفصل يُقضى، فهذا في الحول في ليلة القدر، فلا يقال: إن هذا في الأزل.

والمفترض هنا في هذا الموضع أنها جاء إِذَا الشرطية وَإِذَا قَضَى أَمْرًا وعقب ذلك بالفاء فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ هم لا يثبتون الكلام أصلًا، فعند المتكلمين من المعتزلة أن هذا لا حقيقة له أصلًا؛ لأن الله لا يتكلم أصلًا، وأما الأشاعرة فإنهم يقولون: إنه يتكلم لكن لا بحرف، ولا بصوت، وكلامه لا تعاقب فيه، ولا انقضاء. كن النون ليست بعد الكاف كل هذا يأتي دفعة واحدة، هذا الكلام لا يُعقل، ويقولون: الكلام هو المعنى دون اللفظ. وهذا لا يُعقل في اللغة؛ لأن الكلام لا يكون إلا مجموع اللفظ، والمعنى، لكن هذا بسبب التزام هؤلاء فيما ذكرت حال مناظرة المعتزلة، فأوقعوهم في هذه الأمور التي أضحكت منهم العقلاء، فشنع عليهم المعتزلة شناعة كبيرة، وقالوا: هذا لا يوجد في اللغة، ولا يُعقل، هذا الكلام النفسي الذي تقولونه. أرادوا الفرار من إلزام المعتزلة، فوقعوا في هذا الاضطراب، وجاءوا بالكلام النفسي، وقالوا: كلام الله هو معنى واحد.

يعني: لا يتعدد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1] أنه يقول لعيسى - عليه الصلاة، والسلام -: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة: 116] في اليوم الآخر، يقولون: لا، هذا كله كان في الأزل، ولا تتعاقب حروفه هذا بعد هذا، ولا كلماته، ولا آياته كله كان دفعة واحدة، معنى واحد، فالتوراة، والإنجيل، والقرآن، والزبور كل هذا يقولون: كلام الله، لكن المعنى هو كلام الله، واللفظ مخلوق. إذن هم يوافقون المعتزلة في القول بخلق القرآن، وتجد في شرح الجوهرة في بعض شروحها يقولون: لكن لا نقول ذلك إلا في مقام التعليم، لا نصرح به للعامة.

فالأشاعرة يصرحون في كتبهم، وهو مقتضى قولهم يعني نحن لا نلزمهم باللازم إلا على سبيل المناظرة فقط، لكن القول بأن الأشاعرة يقولون: بأن القرآن مخلوق. بمجرد اللازم هذا لا يكون من العدل، لكن الواقع أنهم يصرحون بهذا، ويختلفون: فبعضهم يقول: خلقه الله في الهواء. يعني كلام الله وبعضهم يقول: بأن جبريل تلقفه تلقفاً روحانيًا - أن الله لا يتكلم - فعبر عنه جبريل.

فهذا الكلام هو كلام مخلوق كلام جبريل، تلقَّف تلقُّفاً روحانياً؛ لأن الله لا يتكلم - تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا - وبعضهم يقولون: بأن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ.

أهل السنة يقولون في تنزلات القرآن نزل في اللوح المحفوظ، ونزل في بيت العزة في السماء الدنيا، لكن جبريل كان يسمع من الله مباشرة، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: إذا تكلم الله بالوحي، سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم[4].

فيصعق الملائكة، ويكون أول من يفيق جبريل، ويكلمه الله من وحيه بما شاء، وهذه عقدية أهل السنة، فجبريل تلقى من الله، وليس من اللوح المحفوظ، ولا من بيت العزة كما يقول بعضهم.

وبعضهم يقول: بأن جبريل ألقاه إلى النبي ﷺ فعبر عنه النبي ﷺ فهذا القرآن هو كلام النبي ﷺ والمعنى من الله. كل هذه الأقوال تدور على أن القرآن هو كلام مخلوق، وأن القرآن مخلوق في ألفاظه، والمعنى من الله، فهم يوافقون في الواقع المعتزلة في مسألة خلق القرآن، ويعتبرون أنفسهم الخط الأول في الدفاع عن أهل السنة، والجماعة، وأنهم هم الذين يردون على المعتزلة، وأنهم الذين أفحموا المعتزلة، وناظروهم بالمعقول، والواقع أنهم ناظروهم بقواعد يعتقدون أنها من المعقول، فالتزموا انحرافات جديدة كما هو معلوم، هذا الاستطراد لا بد منه حتى نفهم مثل هذا الموضع الذي قد يمر هكذا، وله نظائر؛ لأجل ألا يظن أحد أن هذا مذهب أهل السنة، وأن المؤلف كان يقرر، تجدون مثل هذه العبارات، ويقولون: هذا هو مذهب أهل السنة. ويحتج بأهل السنة، الأشاعرة يسمون أنفسهم بأهل السنة.

يقول هنا: "فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل، وأمضى فيه". وقلنا: إن التقدير لا يلزم أن يكون أحد التقديرات هو التقدير الذي في الأزل.

يقول: "وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق، والإيجاد" هذا يدل على أنه ليس على مذهب المعتزلة، يذكر أهل السنة، ويقابلهم بالمعتزلة، فليس من العدل أن يقال: بأن ابن عطية كان من المعتزلة.

يقول: على مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق، والإيجاد. بأي اعتبار؟ باعتبار قال: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ فالفاء تدل على التعقيب المباشر وَإِذَا قَضَى وإذا هذه شرطية، فعند الخلق، والإيجاد.

المعتزلة يقولون: هذا الكلام هو خلق خلقه الله ويكلم المسيح يوم القيامة، باعتبار أن الكلام مخلوق، يخلق كلامًا، وليس كلامه الذي هو صفته، باعتبار أن الحوادث لا تحل بذات الله .

فالمعتزلة يفصلون بين الذات، والصفات، فيقولون: الصفات منفكة عن الذات، فإذا أثبتنا الصفات قلنا: إنها قديمة. تعدد القدماء، ولا يجوز تعدد القدماء.

وأهل السنة يقولون: الصفات ملازمة للذات غير منفكة. فلا تُتصور ذات بدون صفات، وهؤلاء يقولون: الصفات مخلوقة.

فمذهب المعتزلة من وجه أعقل من مذهب الأشاعرة، وإن كان الجميع على ضلال، وانحراف، لكن مذهب الأشاعرة في بعض القضايا لا يتفق مع لغة، ولا مع عقل، ولا مع نقل، فالمعتزلة ما عقلوا كلامًا في الأزل لا تعاقب فيه، ولا انقضاء، وأن الكلام هو النفسي، قالوا: لا يوجد شيء اسمه كلام نفسي، ولا يعرف في اللغة، وكيف يكون لا تعاقب فيه، ولا انقضاء؟.

لكن يقولون: الله خلقه. هذا مخلوق، وانتهى. قال: وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق، والإيجاد. بأي اعتبار؟ أنه جاء بـ إِذَا الشرطية، وإذا تدل على التكرر بتكرر المشروط وَإِذَا قَضَى أَمْرًا والفاء تدل على التعقيب المباشر، فدل على أنه يقول له: كن. إذا قضى، فكل ما قضى أمرًا فمباشرة يقول له: كن. هذا عند المعتزلة، طبعًا هذا القول عند المعتزلة أعقل من قول الأشاعرة.

"قلت: لا يكون (قضى) هنا بمعنى قدّر؛ لأن القدر قديم."

لاحظ: لأن القدر قديم، وعرفت أنت بأن القدر منه ما هو قدر أزلي، ومنه ما ليس كذلك، أنواع القدر، هؤلاء يطلقون الكلام على عواهنه، ولا يجمعون بين النصوص، ولا بصر لهم بها أصلًا، ونحن إنما نتكلم بمقتضى النصوص، يعني في كل هذه القضايا نورد لكم النصوص الواردة فيه.

"(وإذا) تقتضي الحدوث، والاستقبال، وذلك يناقض القدم، وإنما (قضى) هنا بمعنى: أمضى، أو فعل، أو أوجد كقوله: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وقد قيل: إنه بمعنى حتم الأمر، وبمعنى حكم، والأمر هنا بمعنى الشيء، وهو واحد الأمور، وليس بمصدر أمر يأمر."

قوله: "لا يكون قضى بمعنى قدر؛ لأن القدر قديم". هذه المقدمة غير مُسَلمة باعتبار أن القدر منه ما هو أزلي، ولا نعبر بالقديم، ومنه ما هو غير ذلك: كالتقدير العمري، والتقدير الحولي.

يقول: "(وإذا) تقتضي الحدوث، والاستقبال". هذا الإشكال عندهم هنا، هذا الذي أشكل عليهم، وذلك يناقض القدم، فهم بنوا على أصل فاسد فاستشكلوا الآية، يناقض القدم، إذن هو سيبحث عن معنى آخر لقضى غير قدر؛ لأن ذلك ممتنع عنده؛ لأن التقدير أزلي، وهذا بناء على مقدمة فاسدة، على تصور غير صحيح، قال: وإنما قضى هنا بمعنى أمضى.

يعني: أمضى الذي كان قدره في الأزل من أجل أن يتفق مع إِذَا الشرطية، والفاء التي تدل على التعقيب المباشر، أمضى ما قدره في الأزل، طبعًا هم سيستشكلون فيما بعده فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وعندهم أن الله لا يتكلم حقيقة، كل هذا يُشكل عليهم، هم يخرجون من إشكال، ويظهر لهم إشكال آخر في نفس اللفظ مثل الذي طلب من بعض أئمة القراءة أن يقرأ له الآية: (وكلم اللهَ موسى تكليمًا) بدل وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] قال: اقرأها هكذا. قال: هب أني قرأتها. يعني يصير المتكلم هو موسى، فما تقول في قوله تعالى في مجيء موسى للميقات: وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف: 143] فبُهت[5].

قال: "وإنما قضى هنا بمعنى أمضى، أو فعل، أو أوجد". وأمضى، وفعل، وأوجد هذه أفعال فهي تتعلق بالمشيئة، والإرادة، وهم يمنعون من هذا، فإذا أثبتوه فلماذا لا يثبتون إذن أفعال الله المتعلقة بمشيئته، وإرادته الواردة في الكتاب، والسنة؟

قال: كقوله: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ [فصلت: 12] وقد قيل: إنه بمعنى حتم الأمر. يعني أوجبه. قال: وبمعنى حكم. كلمة قضى في اللغة تأتي بمعان ذكر جملة منها الأزهري في كتابه (تهذيب اللغة)[6] وأرجع ذلك إلى انقطاع الشيء، وتمامه، وأنه مشترك، يعني: بين هذه الإطلاقات، أو المعاني، فتأتي بمعنى خلق، حمل عليه قوله: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بمعنى أعلم وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ [الإسراء: 4] بمعنى أعلمنا، مع أن هذه ليست محل اتفاق، هذه المعاني التي يذكرها الأزهري في كل موضع فيه خلاف للمفسرين فيها، ويأتي بمعنى أمر وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 23] يعني أمر، وكذلك وفى فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ [القصص: 29] وكذلك المعنى الخامس: أراد وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فسرها بأراد.

ويقول ابن جرير في هذه الآية: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا وإذا أحكم أمرا، وحتمه، وأصل كل قضاء أمر الإحكام، والفراغ منه[7].

هذا على كل حال وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إذا قضى أمرًا يعني إذا أحكم أمرًا، وحتمه، وحكم بوقوعه فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ وهذا على ظاهره، وليس كما يقول بعضهم: بأن ذلك عبارة عن جريان الإرادة، والتقدير فيه، فيتحقق، ويحصل، يعني: أنه ليس هناك قول حقيقي أنه يقال له: كن.

وهذا خلاف ظاهر القرآن؛ لأنه ذكر القول، والقول في لغة كلام العرب هو: مجموع اللفظ، والمعنى إذا أُطلق، ولا يقال لغير ذلك، فإنما يقول له كن فيكون، وذكر العبارة التي تُقال، وما ينتج عنها من قوله فيكون.

يقول هنا: "والأمر هنا بمعنى الشيء، وهو واحد الأمور، وليس بمصدر أمر يأمر". يعني: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا الأمر يأتي، ويطلق بإطلاقين: 

الإطلاق الأول: أن الأمر بمعنى طلب الفعل مثلًا على وجه اللزوم، أو غير اللزوم، يعني: الأمر الجازم، وغير الجازم الذي هو الوجوب، والاستحباب، فهذا حينما يقال: افعل. هذا أمر.

الإطلاق الثاني: وهو واحد الأمور. تقول: ما الأمر. ما أمر فلان؟ يعني ما شأنه، فالأمر يقال لهذا، وهذا.

فهو يقول هنا: الأمر ليس معناه الأمر الذي هو طلب الفعل، وإنما واحد الأمور.

وذكر بعضهم أن الأمر في القرآن ورد لأربعة عشر معنى، لكن هذا التشقيق يولع به من يتحدثون عن الأشباه، والنظائر في القرآن، يشققون هذا، ويحملونها على محامل كثيرة قد يجتمع ذلك في بعضها فتُختصر هذه الأربعة عشر مثلًا في أقل من النصف، أو الثلث، أو الربع وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ [التوبة: 48] هل المقصود بظهر أمر الله هنا الأمر افعل؟ وإنما دينه، وشرعه فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا [المؤمنون: 27] هل الأمر الذي هو افعل جَاءَ أَمْرُنَا وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ [إبراهيم: 22] يعني: الشأن، والقيامة، ودخول النار وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كما في هذه الآية فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ [غافر: 78] أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] يعني: القيامة يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [يونس: 3، 31] [الرعد: 2] [السجدة: 5] فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا [الطلاق: 9] وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ [هود: 97]. قال: وليس بمصدر أمر يأمر.

"فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قال الأصوليون: إن هذا عبارة عن نفوذ قدرة الله - تعالى - وليس بقول حقيقي؛ لأنه إن كان قول: (كن) خطابًا للشيء في حال عدمه لم يصح؛ لأن المعدوم لا يخاطب، وإن كان خطابًا للشيء في حال وجوده لم يصح لأنه قد كان، وتحصيل الحاصل غير مطلوب. وحمله المفسرون على حقيقته، وأجابوا عن ذلك بأربعة أوجه."

هذا الموضع سبب الإشكال عندهم فيه - والله أعلم - أمران:

الأمر الأول: هو ما يتعلق بتركيب الكلام من حيث اللغة وَإِذَا قَضَى أَمْرًا إذا هذه شرطية، وهذا للمستقبل فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الفاء تدل على التعقيب المباشر، فما معنى قضى؟ هل هي بمعنى حكم؟ هل هي بمعنى إحكام الشيء، والفراغ منه؟ هل هي بمعنى أمر؟ المعاني التي ذُكرت، هم يختلفون في تفسير قضى هنا وَإِذَا قَضَى أَمْرًا وقضى تأتي لعدة معاني هذا صحيح، وإن كان يجمعها جامع، فهنا إذا فُسرت بمعنى إحكام الشيء على وجه الفراغ منه فكيف يكون وجوده بعد القضاء؟ فإن القضاء يعني النفوذ، وما نقله عن ابن جرير صحيح، أقصد أن ابن جرير قاله: أن ذلك مقارن للقضاء، بمعنى أن القضاء يدل على النفوذ، وإحكام الشيء، وتحتيمه، والفراغ منه، فلا يكون بعده، المقضي يعني لا يكون بعده، من هذه الحيثية جاء الإشكال، لا يكون بعده، وإنما ينفذ ذلك مباشرة، فهذا من جهة.

الأمر الثاني: وهي أن هذا وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ القضية الثانية التي أوقعتم في الإشكال هي أنه هل يُخاطب المعدوم؟ هذا غير موجود، يُراد إيجاده فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ هل يخاطب المعدوم؟ فهذا ألجأ بعضهم إلى القول: بأن ذلك يكون بعد إيجاده. وهذا أبعد ما يكون فهو خلاف ظاهر القرآن، لكن الذي حمله على هذا مسألة مخاطبة المعدوم عندهم.

والمتكلمون لهم كلام كثير في هذه المسألة: هل يخاطب المعدوم أو لا؟ واضطرب كلام هؤلاء فيها، فالمعدوم نوعان:

الأول: نوع لم يكن في علم الله أصلًا؛ لأنه لا يكون، ولا يوجد، ولم يقدر الله وجوده، ولا قضاؤه سواء كان من قبيل المستحيلات أم ما لم يقدره الله فهذا المعدوم وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا فهذا لا يتوجه إليه أصلًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فهذا المعدوم لا يتوجه إليه كُنْ وهو ليس بشيء، هل المعدوم شيء أو ليس بشيء؟، فهذا النوع من المعدوم يعني وجود إنسان مثلًا رأسه من در، هذا يُتصور، العقل قد يُتصور المعدوم، بل يتصور المحال أحيانًا، وجود إنسان في مكانين في وقت واحد هذا مستحيل عقلًا، كون إنسان موجود معدوم في نفس الوقت هذا مستحيل؛ لأن النقيضين لا يجتمعان، ولا يرتفعان، فهذا لا يتعلق به خطاب، وليس بشيء إطلاقًا، فلا يتوجه إليه كُنْ.

الثاني: وهو ما كان في مقدور الله وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [مريم: 9] فنفى كونه شيئًا فهذا معنى العدم، فالذي لم يوجد معدوم، فالمعدوم الذي في علم الله أنه يوجد، وقدره هنا لا يتوجه إليه الخطاب من حيث النظر إلى كونه معدومًا، ولكن يتوجه إليه الخطاب باعتبار الإيجاد، كما قال الله هنا: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فهذا خطاب إيجاد، وخلق، ويتوجه إلى هذا المعدوم الذي في علم الله أنه يوجد، ويكون شيئًا فصح توجيه الخطاب إليه، فمن هنا يكون الخطاب قبله، ويكون وجوده بعد قول: كُنْ يكون وجوده بعده، فهذه من قضايا المتكلمين التي يثيرونها فالنظر إليها من هاتين الناحيتين.

قدر زائد ثالث، وهي مسألة: كُنْ هل هذا خطاب باللفظ أو لا يقال ذلك باعتبار أنهم يعتقدون أن الله لا يتكلم أصلًا، هذه مسألة ثالثة، لكن مدار البحث في هذه القضية على أمرين، ومسألة هل يتوجه الخطاب إلى المعدوم، أو لا ؟ هذا فيه تفصيل، وأهل السنة تكلموا في هذا وردوا على هؤلاء، وفصلوا في المسألة، من شاء مثلًا فليراجع فتاوى شيخ الإسلام المجلد الثامن صفحة (181) فما بعدها، والمجلد التاسع صفحة (282) فما بعدها، هذا على سبيل المثال في الفتاوى، وإلا فقد تكلم على هذه المسألة في كتب أخرى متعددة.

قال: وقال الأصوليون - يعني المتكلمين الأشاعرة - إن هذا عبارة نفوذ قدرة الله - تعالى - وليس بقول حقيقي. لماذا؟ لأنهم ينفون صفة الكلام، وهذا غلط، قال: لأنه إن كان قول: كُنْ خطابًا للشيء في حال عدمه لم يصح؛ لأن المعدوم لا يخاطب - وهذا فيه تفصيل - وإن كان خطابًا للشيء في حال وجوده لم يصح. يعني هؤلاء الذين يقولون: بأن هذا الخطاب بعده. يوجد من قال هذا، هذا مثل إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة: 6] يعني: إذا أردتم القيام، لا وَإِذَا قَضَى أَمْرًا يعني هنا أراد إيجاده لا نفسر القضاء بمجرد الإرادة، وإنما حتمه، ونحو ذلك، وأمضاه، وحكم به، مريدًا، ووجوده فإنه يحصل بقول كُنْ هذا المراد - والله أعلم - لكن هؤلاء أدخلوها في هذه المقالات الفاسدة، فذهب المعنى الأصلي الذي ذكره الله لبيان كمال قدرته، وأنه المتفرد بالخلق، والإيجاد، والتصرف وحده، فهو الذي يستحق أن يُعبد وحده، ولا يُضاف إليه صاحبة، ولا ولد، هذا هو المراد، لكن هؤلاء دخلوا في مسألة خطاب المعدوم، وضاع المعنى الذي نزلت من أجله الآية، اشتغلوا بأمر آخر.

يقول: وإن كان خطابًا للشيء في حال وجوده لم يصح لأنه قد كان، وتحصيل الحاصل غير مطلوب. وحمله المفسرون على حقيقته، وأجابوا عن ذلك بأربعة أوجه.

"أحدها: أن الشيء الذي يقول له: كُنْ فَيَكُونُ هو موجود في علم الله، وإنما يقول له: كُنْ ليخرجه إلى العيان لنا."

هذا القول الأول هو الذي يصح على التفصيل الذي ذكرته أن المعدوم منه ما لا يكون في علم الله أصلًا، يعني في علم الله أنه لا يوجد، وإنما المقصود هنا هو ما سيوجد في علم الله، فقد قدره، فهذا الذي يتوجه إليه كن.

"والثاني: أن قوله: كُنْ لا يتقدّم على وجود الشيء، ولا يتأخر عنه. قاله الطبري[8]."

هذا الذي قاله ابن جرير.

"والثالث: أن ذلك خطاب لمن كان موجودًا على حالة، فيؤمر بأن يكون على حالة أخرى كإحياء الموتى، ومسخ الكفار، وهذا ضعيف؛ لأنه تخصيص من غير مخصص."

يعني: ليس بإيجاد المعدوم كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة: 65] [الأعراف: 166] يعني: المسخ، فهذا الذي موجود يحوله، فيقول: كإحياء الموتى، ومسخ الكفار، وهذا ضعيف؛ لأنه تخصيص من غير مخصص. لأنه قال: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا ما قال: أمرًا موجودًا. فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ ليموت يعني إن كان حيًا، أو يحيى إن كان ميتًا، أو يُمسخ إلى هيئة أخرى، أو يمرض، أو يصح، أو نحو ذلك.

"والرابع: أن معنى يَقُولُ لَهُ يقول من أجله، فلا يلزم خطابه. والأول أحسن هذه الأجوبة."

يعني: لا يلزم أن يكون هذا متوجه إلى المعدوم فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ يعني: يقول في شأنه، وحقه فيكون قال لأجله كن بهذا الاعتبار.

"وقال ابن عطية: تلخيص المعتقد في هذه الآية: أن الله لم يزل آمرًا للمعدومات بشرط وجودها، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال، فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن[9] فَيَكُونُ رفع على الاستئناف."

لاحظ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ انتهى جملة جديدة على الاستئناف فَيَكُونُ يعني فيوجد.

"قال سيبويه: معناه فهو يكون."

يعني بمعنى أنه خبر، جملة خبرية، والمبتدأ محذوف: فهو يكون.

 "وقال غيره: يكون عطف على يَقُولُ واختاره الطبري[10]."

فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الفاء عاطفة على يقول، و(يكون) معطوف على يَقُولُ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ هذه النتيجة، فتكون عاطفة، ويكون هذا الكلام مترابطًا، والوقف يكون على فَيَكُونُ والفاء لا تكون استئنافية، كلام جديد، وإنما هو عطف على ما مضى من قوله: يَقُولُ يتضمن النتيجة لهذا القول كُنْ فَيَكُونُ فلا تقف عند فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ إذا كنت تريد إنها عاطفة ليتم المعنى، لكن على الأول فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ انتهى، فهو يكون جملة جديدة مبتدأ، وخبر.

"وقال ابن عطية: وهو فاسد من جهة المعنى؛ لأنه يقتضي أن القول مع التكوين، والوجود[11]. وفي هذا نظر."

طبعًا هذا الذي مشى عليه ابن جرير، هو يقول: معه يكون الوجود، الوجود مع كن فيكون. ولكن هذا ليس بلازم في الواقع يعني لا على قول ابن جرير - رحمه الله - ولا على قول ابن عطية - رحمه الله - فإن الفاء تدل على التعقيب المباشر، ولكن المباشرة بكل شيء بحسبه، فهنا هي تدل على التعقيب المباشر، فيكون وجوده بعد قول: كُنْ وهذا واضح، ولا يُشترط أن يكون مقارنًا له، فإن الفاء تدل على التعقيب المباشر، فهو لا يتأخر عن ذلك، ليس معناه أن يكون مقارنًا له، وإنما يكون نتيجة، وتابعًا لقول: كُنْ وهذا كما سبق أن الآية سيقت لبيان عظمة الله، وكمال قدرته، فكيف يفعل الجدل في النصوص، ومعانيها مثل هذا الذي سمعتم، ما أُحب أن أورد شيئًا من كلامهم إطلاقًا، لكن هو الآن يورد كلام بعضه ظاهر، وبعضه خفي في عقائد المتكلمين، ولا يتفطن له أكثر من يقرأ هذا، وبعضهم لا يظن أن الكلام أصلًا يتعلق بالعقيدة، فلا بد من التعليق، وبعض هذه المسائل قد تكون دقيقة، وتحتاج إلى شيء من الإيضاح لبعض المتعلقات: لماذا يقولون كذا؟ وما هو مذهب أهل السنة فيها؟.

  1.  تفسير ابن عطية (1/201).
  2.  أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب حجاج آدم، وموسى - عليهما السلام - رقم: (2653).
  3. أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين [الصافات: 171] رقم: (7454).                                                                            
  4. أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في القرآن، رقم: (4738).
  5.  شرح الطحاوية (1/177).
  6.  تهذيب اللغة (9/169)، وما بعدها.
  7. تفسير الطبري (2/542).
  8.  تفسير الطبري (2/547)
  9.  تفسير ابن عطية (1/202).
  10.  تفسير الطبري (2/544).
  11. تفسير ابن عطية (1/202).

مرات الإستماع: 0

ثم قال: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة البقرة:117] الله -تبارك وتعالى: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يعني هو الذي خلق السماوات والأرض وابتدأ خلقهما، فهو المبتدئ والمبدع لهذا الخلق، لم يُسبق إليه، لم يخلقه على نموذج أو مثال سابق.

وَإِذَا قَضَى أَمْرًا حكم به وقدره فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

يؤخذ من هذه الآية: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ بأن هذه الأمور مهما تصورنا صعوبتها وشدتها وتعقيد المشكلات والمصائب والآلام أو المطالب التي تطلبها النفوس فإن ذلك عند الله -تبارك وتعالى- يسير فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "كن" يعني ما بين تكوينه وحصوله إلا صدور هذا الأمر بـــ"كن" والفاء تدل على التعقيب المباشر فَيَكُونُ لا يحتاج إلى مقدمات وإعمال آلات ولا يحتاج إلى أعوان، ولا جهود، لو أن أكبر الخلق وأعظم الخلق من جهة الإمكانات والقدر أراد أن يبني هذا المسجد، فإنه لا يستطيع أن يبنيه في يوم وليلة، وإنما يحتاج إلى أعمال متدرجة، من أجل أن يقوم هذا البناء شيئًا فشيئًا ولا بد، مهما كانت سرعته، فإن البناء لا يستقر حينما يكون بعضه على بعض هكذا من غير روية، ولا تدريج صحيح يمكن أن يثبت عليه البناء.

هذا فضلاً عن الأعمال الأخرى التي تحتاج إلى أوقات طويلة، قضايا الأمة، مصائب الأمة، مشكلات الأمة المعقدة المزمنة، هذه عند الله -تبارك وتعالى- إذا شاء قال: "كن"، فتغيرت الحال في لحظة.

إذا أراد الله النصر والتمكين هبت رياحه بقول "كن" مباشرة، الأحزاب يحاصرون النبي ﷺ في المدينة، وقد طوقوها من النواحي التي يمكن أن يدخل منها من شمالها وغيره إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [سورة الأحزاب:10] فلما جاء الأمر من الله بـ"كن" أرسل عليهم الريح والجنود التي لم نرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ [سورة الأحزاب:9] جنود هنا يمكن أن يكون التنكير للتعظيم والتكثير، جنود كثر من قريش والأحابيش وغطفان، وغير ذلك.

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [سورة الأحزاب:9] ليس بالضرورة أن تروا هؤلاء الجنود، ولكن الآثار ظاهرة بادية، فصار الواحد من هؤلاء لا يكاد أن يدرك الأخذ بزمام دابته وركوب هذه الدابة لشدة ما أصابهم من الريح التي تكفأ القدور وتطفئ النيران، وتقلع الخيام، والرعب الذي يزلزل قلوبهم، اجتمع عليهم هذا وهذا، فكان كل واحد يريد أن يدرك، ينجو برقبته بنفسه؛ لأن الله قال: "كن"، فالدعاء لا يستهان به.

فينبغي في مثل هذه الأحوال والأوقات التي تكون الأمة عالقة فيها، فيما نشاهد ونرى ويتسلط عليها الأعداء ويتكالبون من كل ناحية، هنا تأتي الحاجة الملحة للدعاء، أن يدعو الإنسان، وليس بالضرورة أن يكون هذا الدعاء بقنوت، يؤمن عليه الجموع، وليس بالضرورة أن يكون هذا الدعاء في مكان عام، وإنما أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، الدعاء والإلحاح على الله بالدعاء.

بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة البقرة:117] الذي خلق هذه الأجرام العلوية والسفلية على ضخامتها على غير مثال سابق بهذا الإتقان الكامل منذ خلقها لم تتغير ولم تتشعب ولم تتشظ، ليس فيها فطور ولا فتور ولا ضعف ولا خلل ولا عوج، قادر على ما دون ذلك، قادر على هؤلاء الهباء في الكون من المخاليق الضعفاء الذين يمكن أن يذهبوا بريح أو ماء بالهواء والماء، ألطف الأشياء تجعلهم خبرًا بعد عين، فكيف بما وراء ذلك.

الأمور حينما تتأزم يكون الإنسان في حال من الكرب والشدة في مرض يعانيه، أو ضائقة يمر بها، لا تبتئس فما تطلبه وما تحتاج إليه، وطِبُ ما أنت فيه بيد الواحد القهار الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له: كن، فيكون، يجتمع الأطباء ويبذلون الجهود ويعجزون، وقد يتحيرون في العلة، ولكن الله يعلمها وقادر على علاجها ما ظهر من العلل وما خفي.

قد تكون هذه العلة من تسلط الشياطين والجن والسحرة وما إلى ذلك مما لا يصل إليه الأطباء، وتبقى أحوال الإنسان مضطربة، ويبقى في شدة وعناء، كل ذلك يرفعه الله بأقل من اللحظة، فتوجه إليه، وأقبل عليه، وتب إليه، وأكثر من الاستغفار والضراعة، فإنه هو الذي يملك كل شيء، ويحول حال الإنسان من الفقر إلى الغنى، ومن الشدة إلى الرخاء، فهنا ليس هناك تراخي بين الأمر والتحقيق والتنفيذ فَيَكُونُ [سورة البقرة:117] فهذه تدل على الفور، التعقيب المباشر.